هل تستنزف حُريّة التنقل نظام التأمينات الإجتماعية؟
لم تجلب اتفاقية حرية تنقل الأشخاص لسويسرا أيْدٍ عاملة فحسب، وإنما أيضا أعدادا متزايدة من العاطلين عن العمل وفقا لحزب الشعب (يمين شعبوي). وبينما يتحدث هذا الأخير عن "سياحة الرفاه"، فإن السلطات الفدرالية تسعى إلى التطمين من خلال التأكيد على إيجابيات الهجرة بالنِّسبة لنظام الضمان الاجتماعي.
“كان الهدف من اتفاقية حرية تنقل الأشخاص السماح للمواطنين الأوروبيين بالقدوم للعمل في سويسرا، لكن اليوم هناك أعداد متزايدة من الأشخاص الذين، بدافع الأزمة الاقتصادية، وفدوا إلى بلدنا من دون عقود عمل، وأيضا هناك مَن يبقى حتى بعد أن يفقِد عمله، وهذا كله على حساب الضمان الاجتماعي”، كما يقول غي بارمولان، النائب عن حزب الشعب (يمين شعبوي).
“السياحة الإجتماعية”، كما باتت توصف، هي من أهم القضايا التي يستنِد إليها حزب الشعب في الترويج لمبادرته “لا للهجرة الجماعية”، التي سيصوت عليها الناخبون السويسريون يوم 9 فبراير 2014 القادم، والتي تطغى، ولو بصورة مختلفة، على الجدل السياسي في الساحتيْن، البريطانية والألمانية.
في عام 2013، بلغ معدّل البطالة في سويسرا نسبة 3,2٪، مقارنة بـ 2,9٪ للعام الماضي.
السويسريون: 2,2٪ (+0,1)
الأجانب: 6,0٪ (+0,5)
بين مواطني الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كان متوسط معدّل البطالة 5,2٪، بزيادة 0,7٪.
البرتغاليون: 7,5٪ (+0,9)
الفرنسيون: 6,1 ٪ (+0,6)
الإسبان: 5,8 ٪ (+1,2)
الإيطاليون: 4,7٪ (+0,4)
الألمان: 3,6٪ (+0,4)
(المصدر: كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية)
“السياحة الإجتماعية”
يمكن تسليط الضوء على الوضع في سويسرا اعتمادا على الأرقام المتوفرة. فمنذ بدأ العمل بالاتفاقيات الثنائية في عام 2002، استقبلت الكنفدرالية أكثر من 700 ألف أجنبي إضافي على أراضيها، وفد حوالي 60٪ منهم من أوروبا. ولم تكن الزيادة في القوة العاملة الأجنبية فحسب، ولكن أيضا في أعداد الوافدين الأوروبيين العاطلين عن العمل والمُعتمِدين على الضمانات الاجتماعية.
هل يمكن اعتبار هذه الزيادة مرادفا لنوع من الإستغلال السلبي؟ القائمون على شؤون العمل يرون أن هناك فهْما خاطئا للموضوع، فـ “لا وجود لظاهرة “السياحة الاجتماعية” بالمعنى الصحيح، إذ أن غالبية مَن يفِدون للعمل من الرّعايا الأوروبيين، يكون لديهم عقد عمَل قبل وصولهم إلى سويسرا”، كما يؤكد مارسيل سوتر، رئيس رابطة الأقسام المعنية بالهجرة في الكانتونات.
هذا الرأي يشاطره ميشيل كورنو، مدير قسم الخدمة الإجتماعية في لوزان، المدينة السويسرية الأكثر تِضررا من عواقب الهِجرة والفقر، حيث أوضح بأن: “حالات الإستغلال واضحة. فعلى سبيل المثال، هناك مَن يسعى لاستِقدام أفراد أسرته ليصبحوا بعد ذلك معتمدين على الرّعاية الاجتماعية، لكنها حالات قليلة جدا”. وأضاف ضمن السياق نفسه بأن “الزيادة في العمالة الوافدة تؤدّي بالنتيجة إلى أن تكون أوضاع بعضهم صعبة، باعتبار أن أغلبهم يشتغِل في أعمال متدنيّة، فيلجؤون إلى طلب الإعانة”.
المزيد
وجهات نظر متعدّدة حول “الحدّ من الهجرة”
من هم المستفيدون؟
وجدير بالذكر أن الوصول إلى الضمانات الاجتماعية لا يحتاج إلى تحايل. فالاتفاقيات الثنائية في هذا الصدد، واضحة؛ أي شخص إيطالي يصل إلى سويسرا بموجب عقد عمل غيْر محدّد المدّة، يكون من حقّه الحصول على تصريح إقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، وعندما يفقِد وظيفته، يحق له الاستفادة من التأمين ضدّ البطالة (إذا ثبت بأنه قد عمل خلال العامين الأخيرين لمدة لا تقل عن 12 شهرا)، وإذا استدعته الحاجة، فبإمكانه أيضا طلب الإعانة الاجتماعية.
وبالنسبة لغي بارمولان، يجب على أولئك الذين انقطعت مُساهمتهم (في الضمانات الاجتماعية) أن يعودوا إلى بلادهم في ظرف وقتٍ قصير، بدلا من: “أن يكونوا عِبئا على الضمان الاجتماعي، لكنهم في كثير من الأحيان، لا يأبهون بذلك”.
في عام 2012، كان عدد المعتمدين على المساعدات الاجتماعية من رعايا دول الإتحاد الأوروبي الـ 27، يزيد قليلا عن 35 ألف شخص، وهو ما يُـمثِّل نسبة 3,1٪، ولا يمكن اعتبار وضع أو احتياج من هذا القبيل سببا كافيا لإلغاء تصريح الإقامة، لكنه قد يؤثر على تجديده، كما يقول مارسيل سوتر.
ويختلف الوضع بالنسبة للذين يجتازون الحدود للبحث عن فرصة عمل. ففي هذه الحالة، يُمنح تصريح لمدّةٍ أقصاها ستة أشهر، ولا ينصّ القانون على الحق في المساعدة الاجتماعية، وفقا لما هو معمول به أيضا من طرَف الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، توفّر بعض البلديات من جانبها، بعض أشكال المساعدات للأشخاص الأكثر احتياجا، وهو ما انتقدته أطراف عِدّة. كما أعلنت الحكومة الفدرالية قبل أسابيع من التصويت عن عزْمها التصدّي له واعتماد قانون كفيل بذلك.
شبح العقود الوهمية
فضلا عن ذلك، هناك إشكالية يحسن حزب الشعب استغلالها في حملاته، وتتعلق بما يسمى “حالات التجميع” (وتعني احتساب الإشتراك في أنظمة التأمين الإجتماعي لعدة بلدان أوروبية).فمن الناحية النظرية يمكن، مثلما تشرح كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، لمواطن فرنسي أو ألماني عمِل يوما واحدا في سويسرا أن يحصل على علاوة البطالة، لكن شريطة أن يكون قد دفع اشتراكاته لفترة لا تقل عن سنة في بلد أوروبي آخر.
وبناء عليه، فإن: “جميع هذه الحالات تتحمّلها الحكومة الفدرالية وصناديق التأمينات الاجتماعية، وبالتالي، الأمر سلبي بكل وضوح”، كما لَفَتَ غي بارمولان، معتبرا ذلك مسوغا للاشتِباه بوجود عقود وهمية.
بيْد أن الإحصائيات الصادرة عن كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، تشير إلى أن الذين استفادوا في عام 2013 من تلك الفرصة، هُـم فقط 1800 شخص، أي ما يعادل 2,5٪ من مجموع الوافدين الجُدد البالغ تِعدادهم 73318 شخص. ورغم تزايد هذا العدد، إلا أنه لا يزال ضئيلا، وقد قامت الحكومة الفدرالية بالتعاون مع مختلف الدوائر الرسمية بمضاعفة الرقابة لضبط أي عقود وهمية أو استغلال للتأمينات الاجتماعية.
في عام 2012، استفاد 250,333 شخصا في سويسرا من الإعانات الاجتماعية، أي 3,1٪ من السكان.
الواضح بأن الأجانب أكثر عُرضة لنوائب الفقر، بسبب انخفاض المستوى التعليمي لدى هذه الشريحة في الغالب، وكلما زاد عدد أفراد الأسْرة، كلما زادت احتمالية الفاقة.
وِفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء، بلغ في عام 2012 معدّل المساعدات الاجتماعية وسط المقيمين الأجانب، نسبة 6,3٪ مقارنة مع 2,6٪ من السويسريين.
بينما بلغت هذه النسبة وسط الوافدين من رعايا الاتحاد الأوروبي 3,1٪، أي قيمة المعدّل على المستوى الوطني.
(المصدر : الإحصائيات السويسرية بشأن الرعاية الاجتماعية لعام 2012 – المكتب الفدرالي للإحصاء)
إلى أيّ مدى تأثَّـرت التأمينات الإجتماعية؟
وفي هذا الخِضَم، تسعى كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية إلى الطمأنة ونفي التخوّفات، من خلال التأكيد على أن الزيادة في حجْم البطالة، لا تزال في الحدود المعقولة، وأن تأثير الهجرة على نظام التأمينات الاجتماعية بشكل عام، هو إيجابي: “لقد أتاحت لنا الهِجرة الأوروبية فُرصة إبطاء ‘الشيخوخة السكانية’، ومن ثَـمّ التخفيف من مشكلة تمويل التأمين الاجتماعي”، على حدّ قول إيزابيل هيركومر، المتحدثة باسم كتابة الدولة، هذا، ولولا الهجرة، لبَقِي العماد الأول في نظام التقاعد السويسري، المعروف باسم “AVS”، في عجْز مستمر منذ عام 1992.
أما بخصوص التأمين ضدّ البطالة، تضيفُ الناطقة باسم كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، أن هناك “توازُن واضح” بين الإعانات الممنوحة والإسهامات المُستفادة.
إذن، لا شيء يدعو للقلق؟ لا، أبدا، يُؤكّد ميشيل كورنو، رئيس قسم الخدمات الإجتماعية في لوزان، ويستطرد قائلا: “تعتبر أي زيادة في عدد الأشخاص المعتمدين على الرعاية الإجتماعية، مقلقة، سواء أكانت من السويسريين أم من الأجانب. ومن وجهة نظر الحكومة، ما جلبته اتفاقية حرية تنقل الأشخاص من إيجابيات يربو على السلبيات، لكن ظهرت أيضا آثار جانبية أخرى، كالزيادة الملحوظة في أعداد الفقراء، وهو ما لا يجُوز إغفاله”.
من جانبه، شكّك غي بارمولان بهذه الأرقام، كونها لا تعكِس الحقيقة ولا تأخذ بعيْن الإعتبار السيناريو المُحتمَل للرّكود الاقتصادي في البلاد. وأضاف: “إننا نواجِه قنبلة موقوتة. فبعد 30 أو 40 عاما، سيكون للمُهاجِرين الأوروبيين، الذين يساهمون الآن في تمويل صندوق المعاشات التقاعدية، الحق في المعاش التقاعدي. فمَن الذي سيدفع الثمن؟ في الواقع، ليس للهجرة تأثير، سوى تأخير التدابير اللاّزمة للتّعامل مع الشيخوخة السكانية”.
وعلى أي حال، تبدو سويسرا لحد الآن، البلد الذي استفاد أكثر من غيره من اتفاقية حرية تنقل الأشخاص، هذا على أقلّ تقدير، ما ظهر واضحا من خلال الدراسة التي أعدّتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي قامت بنشرها صحيفة “NZZ am Sonntag”، ولو قُمنا بخصم التكاليف الإدارية التي تلحق البِنية التحتية والخدمات الاجتماعية للمهاجرين من مجمل صافي الإيرادات الضرائبية، وغيرها من المساهمات المالية، لوجدنا بأن نصيب سويسرا الصافي سيبلغ نحو 6,5 مليار فرنك سويسري، ومع ذلك، تبقى معركة الأرقام متواصلة على قدمٍ وساق.
وِفقا لتقريرٍ صادرٍ عن المكتب الفدرالي للتأمينات الاجتماعية، ارتفعت مساهمة الوافدين من رعايا الاتحاد الأوروبي في تمويل صندوق “AVS”، أي الركيزة الأولى في نظام التقاعد السويسري خلال الفترة ما بين 2001-2010، من 18,5٪ إلى 22٪، بينما انخفضت نسبة مساهمات السويسريين من 75,2٪ إلى 72,8٪.
وفي عام 2012، استفاد الرعايا الأوروبيون ما نِسبته 15٪ فقط من تعويضات الركيزة الأولى في نظام التقاعد.
وفي الوقت الحالي، بحسب السلطات الفدرالية، يبقى “من المستحيل إعطاء أرقام موثوقة ودقيقة” بشأن تأثير الهجرة على مصاريف صندوق المعاشات التقاعدية في المستقبل.
(المصدر: المكتب الفدرالي للتأمينات الاجتماعية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.