والآن.. هل تُـغــيّـــر بروكسل سياساتها تُجاه برن؟
تعددت ردود الفعل الساخطة الصادرة عن الإتحاد الأوروبي يوم 10 فبراير، أي بعد مرور أربع وعشرين ساعة على موافقة الشعب السويسري على مبادرة "أوقفوا الهجرة المكثفة". ومن المنتظر الآن أن يكون ردّ الإتحاد على نتيجة الإستفتاء جماعيا وليس بشكل أحادي.
عقب ظهور نتائج الإقتراع، صرّحت بيّا أرينكيلد، الناطق باسم الإتحاد: “من الواضح أن النتيجة التي خرجت من صناديق الإقتراع في سويسرا لن توفّر مناخا مناسبا لإطلاق المفاوضات من أجل التوصّل إلى اتفاق مؤسساتي” بين برن وبروكسل.
لقد كان من المنتظر أن يمنح سُفراء البلدان الثماني والعشرين يوم الخميس 13 فبراير الجاري الضوء الأخضر لافتتاح هذه المفاوضات، فهل سيُغيّرون رأيهم الآن؟ هذا ما لا يتمناه قسم العلاقات الخارجية في الإتحاد، في هذه المرحلة على الأقل، بل يُفضّل الإنتظار والإستماع إلى التوضيحات التي ستتقدم بها الحكومة السويسرية غدا (12 فبراير) بشأن دلالات اقتراع يوم الأحد الماضي وانعكاساته المرتقبة.
عدة ملفات على المحك
الأمر الذي يبدو مؤكدا في هذا السياق، هو أنه إذا ما أعلنت برن في هذه المناسبة أنها لم تعد قادرة على توقيع البروتوكول الذي ينص على توسيع نطاق الإتفاق المتعلّق بحرية تنقل الأشخاص ليشمل جمهورية كرواتيا (التي انضمت إلى الإتحاد في 1 يوليو 2013) ابتداءً من أول يوليو 2014، فإن الإتحاد الأوروبي سيعكس الهجوم مباشرة.
فمن ناحية، سيقوم الإتحاد الأوروبي بتعليق سير المحادثات الجارية بشأن إدماج سويسرا في برامجه الجديدة في مجال البحث العلمي والتعليم، التي من المفترض أن تستأنف غدا (12 فبراير)، كما أنه سيُعرقل من ناحية أخرى، مفاوضات الإتفاق المؤسساتي.
وبما أنه من المعلوم أن التوصّل إلى ابرام هذا الإتفاق يُعتبر شرطا مُسبقا لتطوير العلاقات بين سويسرا والإتحاد الاوروبي، فإنه إذا ما تمّ تجميد هذا الملف فعلا، فإن مفاوضات مهمّة تدور حاليا، تتعلق خاصة بمجال الطاقة الكهربائية، ستتوقّف بدورها أيضا.
بعد أن صوّت السويسريون ضد انضمام بلادهم إلى المجال الإقتصادي الأوروبي في ديسمبر 1992، قررت الحكومة الفدرالية بدء سلسلة من المفاوضات القطاعية مع الإتحاد الاوروبي.
أرادت سويسرا من هذه المفاوضات ضمان وصولها إلى السوق الداخلية للإتحاد الاوروبي من دون أي تمييز.
في عام 1993، أعلن الإتحاد الأوروبي عن استعداده للتفاوض مع سويسرا في سبع قطاعات مختلفة تشمل حرية تنقل الأشخاص، والحواجز التجارية التقنية، والمشتريات العامة، والزراعة، والنقل البري، والبحوث، لكنه اشترط أن يتم التفاوض بشأن هذه الإتفاقيات القطاعية بالتزامن، وأن تدخل حيّز التنفيذ في وقت واحد.
اقترنت هذه المعاهدات قانونيا مع ما يسمى “بند المقصلة”، لضمان أن تدخل هذه الإتفاقيات حيز التنفيذ كحزمة واحدة. وبهذا المعنى، فإنه إذا لم يتم تمديد أي اتفاق منها أو جرى إلغاؤه، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى إسقاط الإتفاقيات المتبقية.
تم إقرار الحزمة الأولى من الإتفاقيات الثنائية في استفتاء عام أجري يوم 21 مايو 2000 بأغلبية أصوات بلغت 67.2%، ثم دخلت حيّز النفاذ في أول يونيو 2002.
الحزمة الثانية من الإتفاقيات الثنائية اشتملت على عشر معاهدات تتعلّق بالأمن الداخلي، واللجوء، والبيئة والثقافة، واتفاقيات شنغن/دبلن، والخصوم الضريبية والتأمينات الإجتماعية، وتم إقرارها من طرف البرلمان الفدرالي خلال عام 2004.
هذه ليست إلا مجرّد بداية
بيّا أرينكيلد، الناطقة الرسمية باسم الإتحاد الأوروبي أكّدت أن “حرية تنقل الأشخاص قيمة مقدّسة بالنسبة للإتحاد”، وأشارت إلى أن السويسريين – ومن خلال سعيهم إلى وضع قيود على هذا المبدأ – يُجبرون المجموعة الأوروبية على أن “تأخذ في الحسبان العواقب التي سيتركها ذلك القرار على جميع أوجه علاقاتنا مع سويسرا”.
ومنذ الآن بدأ “بند المقصلة” الذي يجعل من الإتفاقيات السبع التي وقعت عليها برن مع بروكسل سنة 1999 وحدة مترابطة لا تنفصل عن بعضها البعض في الإلقاء بظلاله على المحادثات، وذلك بالرغم من أنه لا أحد (تقريبا) ألمح علنا حتى الآن إلى التطوّر الذي يمكن أن يُؤدّي إلى إنفاذه، أي تخلي الإتحاد الأوروبي عن تطبيق الإتفاق المتعلق بحرية تنقل الأشخاص بين الطرفين.
وفيما شدّدت أرينكيلد على أن “الكرة الآن في المرمى السويسري”، تطرق بات ذي كوب غلاغر، رئيس وفد البرلمان الاوروبي المكلّف بمتابعة العلاقات مع سويسرا، إلى الخطوات المقبلة وقال: “على الحكومة السويسرية أن توضّح أوّلا كيف تنوي وضع نتيجة اقتراع يوم الأحد حيّز التنفيذ. ثم سيدرس الإتحاد لاحقا الإنعكاسات المحتملة لذلك الإجراء على مجمل العلاقات بين سويسرا والإتحاد الاوروبي، وفي ضوء ذلك يحدد الموقف الذي يراه مناسبا”.
نظام الحصص غير مطروح
الشيء المُؤكّد بالنسبة للإتحاد الأوروبي، بحسب ما أكّده خبير على علاقة بالملف هو أنه “لا مجال لإعادة اعتماد نظام الحصص”، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الإتحاد “لم يحدّد بعد مجالات التحرّك الممكنة التي لا تزال متاحة أمام الحكومة السويسرية حول هذا الموضوع”.
بعض المسؤولين الأوروبيين لا تخامرهم أية أوهام في هذا السياق، حيث أوضح تييري ريبونتين، الوزير الفرنسي المكلّف بالشؤون الأوروبية عند وصوله إلى بروكسل للمشاركة في لقاء رؤساء دبلوماسية البلدان الثماني والعشرين، أنه “من المحتمل أن يُجبرنا (اقتراع يوم الأحد في سويسرا) على إعادة النظر في حزمة الإتفاقيات التي تم إقرارها سنة 1999”.
مع ذلك، يبدو هذا الأمر سابقا لأوانه. فمن الناحية النظرية، لا زالت أمام الحكومة السويسرية فترة تدوم ثلاث سنوات لكي تستكمل عملية إدماج نتيجة الإقتراع الأخير في المنظومة القانونية الوطنية للكنفدرالية. ولهذا السبب، صرح ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني بأنه “لدينا ما يكفي من الوقت إذن”.
توتّر في الأفق
في انتظار تطوّرات المستقبل، بدأت التصريحات السلبية في الظهور من داخل الإتحاد الأوروبي، ومن ذلك الإنتقاد المباشر والصريح الذي توجّه به جون أسّالبورن، وزير خارجية دوقيّة اللكسمبورغ، إلى كريستوف بلوخر، زعيم حزب الشعب السويسري وأحد أشهر الداعمين لمبادرة “أوقفوا الهجرة المكثفة”، قائلا: “لا يُمكنك أن تحدّ من حرية تنقل الأشخاص عندما تكون تتمتّع بامتياز الوصول إلى الأسواق الأوروبية الداخلية”، وتابع الوزير: “قد يكون لدى بلوخر الكثير من الأموال، لكن نظرته قاصرة جدا. ومن الذين صفقوا له الهولندي غيرت فيلديرز، والفرنسية مارين لوبان”.
وزير خارجية اللوكسمبورغ أضاف “إنه في رفقة جيّدة” داخل نادي التيارات الشعبوية الأوروبية، لكنه لم يضم إلى هؤلاء الوزير الأوّل الفرنسي السابق اليميني فرانسوا فيّون، رغم تصريحه بأنه “من الطبيعي جدا” أن يُصوّت السويسريون لصالح ضبط حركة تنقل الأشخاص عبر حدودهم وفقا لقدرتهم على إدماج الأجانب الذين يرغبون في الإقامة في بلدهم. وحسب رأي المسؤول الفرنسي السابق، فإنه من المفترض أن يُعتمد هذا النموذج من طرف الإتحاد الأوروبي.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.