هل يُكرّسُ “الجيش الألكتروني” توسيع المشاركة في دول الخليج؟
الظاهر أن انتشار استخدام وسائل الإتصال الحديثة بين أوساط الشباب في دول الخليج جعلتهم يفرضون نمطا من المشاركة لا تقدر السلطات على احتوائه أو ضبطه، لأنه أوسع من دائرة سيطرتها. وفي الواقع، يدل الإرتفاع السريع لعدد المُغردين والمحتوى الجريء للتغريدات على بروز "مجتمع" مواز شبَ عن الطوق وبات مُعتادا على تحدي السلطات الحاكمة بتوجيه النقد اللاذع لسياساتها.
في المقابل، يسعى مثقفون وكُتاب من المؤيدين للحكومات إلى احتواء عالم المُغردين بتوجيهه نحو مناقشة القضايا الخارجية أو ما يُسمونه “قضايا الأمة”، مع تحذير بعضهم بشكل صريح من توظيف التغريدات “كمعول هدم للمجتمعات”. وفي الدورة الأخيرة من الملتقى السنوي للمُغردين العرب الذي استضافته البوابة الالكترونية لصحيفة “الشرق” القطرية، كان التبايُن واضحا بين الفريقين، مع رفع النقاب عن إحصاءات ومُعطيات أكدت اتساع جمهور المُغردين في منطقة الشرق الأوسط عموما بشكل غير مسبوق.
أرقام بليغة
تويتر: 316 مليون مستخدم عبر العالم
9 ملايين مستخدم في السعودية (الأولى عربيا)
1.3 مليون تغريدة في اليوم في السعودية
90 في المائة من مستخدمي الإنترنت في العالم لا يعرفون تويتر
تقرأ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية 5 ملايين تغريدة في اليوم
تويتر وفايس بوك ممنوعان في الصين (منذ 2009) وفي إيران أيضا.
9 ملايين مستخدم
في السياق، أفاد أمجد عثمان مندوب “تويتر” في الشرق الوسط الذي التقته swissinfo.ch على هامش الملتقى أن عدد المستخدمين النشطين في السعودية ارتفع إلى 9 ملايين مستخدم، فيما وصل إلى 390 ألف مستخدم نشط في قطر. وخلال الملتقى، أشرف عثمان على ورشة بعنوان “كيف تكون مُغردا مُحترفا؟ سوّق ذاتك على تويتر”، بمعية المُدرب وخبير الإعلام الاجتماعي البحريني علي سبكار والمُدرب القطري عمار محمد.
وأوضح عثمان أن 74 في المائة من مُستخدمي تويتر في الشرق الأوسط يدخلون الموقع يوميا، وأن 84 في المائة من المستخدمين يستعملون الهواتف النقالة وأن غالبيتهم من الشباب. وأضاف أن 43 في المائة من مستخدمي تويتر في الشرق الأوسط يدخلون إلى الموقع بحثا عن الأخبار، وأن 61 في المئة من المستخدمين يتحدثون عن برامج التليفزيون ما يدل على مدى اهتمامهم وتأثرهم بالقنوات التليفزيونية.
أما “سناب شات” فأطلق خدمة الأحداث الحية أو Live Stories قبل أكثر من عام، وهي خدمة مخصصة لبث الأحداث السياسية والرياضية والدينية بواسطة المستخدمين من دول مختلفة، إذ يتولى سكان المدن تصوير أبرز معالم مدينتهم وتراثها ومأكولاتها، وعلى سبيل المثال، حصلت مكة المكرمة تحت عنوان “مكة لايف” على حديث مليون مستخدم على “تويتر” في يوم واحد.
حذر من المُغردين
ومن شأن هذا الرواج الواسع أن يُضاعف الحذر من التغريد والمُغردين، لذلك أصبح السؤال المحوري الذي يتردد على ألسنة الرسميين في دول المنطقة هو: “كيف ننتقل بالتغريد إلى الدفاع عن قضايا الأمة؟”. وقد عزف على هذا الوتر الإعلاميُ السعوديُ صالح الشيحي، لكن مع إعطاء إحصاءات مُثيرة وغير مُتوقعة عن مدى تغلغل ذهنية الرفض والتمرد في صفوف الشباب السعودي، إذ رفع النقاب في معرض حديثه عن “الجيوش الإلكترونية” عن وجود 25 ألف حساب مخصصة للترويج بشكل مُمنهج للرذيلة في السعودية، بالاضافة لـ 4500 حساب يغرد أصحابها بشكل ممنهج لنشر الإلحاد في المجتمع السعودي.
الشيحي حذّر أيضا من الذين “يتوجهون إلى إفساد الأسرة عن طريق تويتر”، مُطالبا المغردين بـ”الإلتزام بالمسؤولية الأخلاقية والتحلي بالوعي والمصداقية”. كما حذر من “التقارير الكاذبة” التي قد تلتقطها صحف جادة ومحترمة فتُعيد نشرها ثم تُضطر إلى التكذيب. وضرب مثلا بالتصريحات المنسوبة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بدعوى أنها قالت “نحن الذين فبركنا (صنعنا) الربيع العربي”، والتي اتضح تاليا أنها تصريحات مُزورة، “غير أن بعض كتابنا وإعلاميينا لا يُفرقون بين ما هو حقيقي وما هو مُختلق” كما قال.
في الوقت نفسه، طالب الشيحي بسن القوانين التي تراعي المُغردين وتكفل حقوقهم. كما حذر من أن عبارة “إثارة المشاكل عبر تويتر” مطاطة وحمالة أوجه، مُتسائلا: “ماذا يُقصد بإثارة المشاكل؟ هل يُقصدُ الدعوة للإصلاح؟ إنها فزاعة وإذا ما أجزناها سنضفي قداسة على بعض الناس فلا يطالهم التغريد”. وقال: “إن المظاهرات في تويتر لا تُفرق بخراطيم الماء الساخن وإنما … بماء الإهمال”. وزاد الشيحي أن “تويتر أزال ذريعة الرقابة وتسلط رؤساء التحرير فهو يُتيح لك أن تقول كل شيء، ولذلك اختفى أدعياء النضال”.
من جهته، كشف أمجد عثمان مندوب “تويتر” في الشرق الوسط بشكل غير مباشر أن السلطات تطلب أحيانا بيانات عن المستخدمين، إذ أكد خلال مداخلته في الملتقى تحت عنوان “التغريد… من خلق المشاكل إلى الدفاع عن القضايا” أن تويتر يُحافظ على خصوصية المشتركين، ولا يمد أي جهات سيادية بمعلومات عن الحسابات. لكنه استدرك قائلا: “إن الحكومات تقدم لهم طلبات في شكل نموذج يُطلق عليه information request” أي طلب معلومات. وقال: “إن وزارة الداخلية السعودية طلبت من تويتر معلومات عن 112 شخصا، فاستجبنا لـ 93 منها لأنها تتعلق بقضايا جنائية”. ونفى أن يكون هناك تعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لكنه رجح أنها تستفيد من المعلومات المنشورة وتُوثقها.
وزارة الداخلية السعودية طلبت من تويتر معلومات عن 112 شخصا فاستجبنا لـ 93 منها لأنها تتعلق بقضايا جنائية أمجد عثمان، مندوب “تويتر” في الشرق الوسط
جيوش الكترونية؟
في المقابل، دعا جمال خاشقجي، الكاتب السعودي الليبرالي “تويتر” إلى “معالجة أمر “الجيوش الإلكترونية” وبحث كيفية حل تلك المشكلة، مُعتبرا أن “الجيوش الإلكترونية تحاول استغلال حسابات وهمية للإساءة لدول وأشخاص وفقا لأجندات معينة”، بحسب قوله، مُشيرا إلى أن “هناك خلية إلكترونية حاولت ترويج أكاذيب عن قطر بسبب اتفاقية أمنية عادية مع إيران، مُحاولة جعلها قضية رأي عام ضد قطر دون يقين أو إثبات، وبسوء نية من جانب البعض”. وشرح خاشقجي فكرته لـ swissinfo.ch قائلا: “إن التي تبدو جيشا الكترونيا هي في الواقع مجموعة مؤلفة من خمسة أو ستة أشخاص يتفقون على إطلاق حملة معينة قد تكون محمودة أو سلبية فيستقطبون الإهتمام، ويبدو الأمر كما لو أن هناك إقبالا شديدا”، وتطرق لمثال “داعش” فقال: “إن التنظيم يُجند جيشا الكترونيا للتحريض على الحكومات، وقد طالبتُ بعمل “بلوك” عليهم حتى يفقدوا أهميتهم”.
فوائد تويتر
أحصى وزير الإعلام الكويتي الأسبق سعد بن طفلة العجمي فوائد تويتر كالتالي:
“أولا: ساهم في حماية الحرف العربي إذ تراجع استخدام الحرف اللاتيني
ثانيا: كشف لنا الأخطاء اللغوية التي يرتكبها بعض الأساطين
ثالثا: علّمنا فن الإختصار
رابعا: أوجد مساحة أكبر للحرية في عقول الشباب”.
خاشقجي عقد أيضا مقارنة بين “تويتر” وسواه من مواقع التواصل الإجتماعي مُعتبرا أن “تويتر” يمتاز حسب رأيه بأن “مصدر التغريد معروف”، أما “واتساب” فلا مصدر له، ورأى كذلك أن “تويتر” صار أداة في يد الضعيف والمظلوم للتعبير عن رأيه وحشد الرأي العام لمساندته، فبعدما كان صاحب المقالة في الماضي هو الذي يُطلق الفكرة، أصبح الجميع اليوم يُطلقون أفكارهم عبر “تويتر”. وهذا ما رأى فيه أستاذ الاعلام الاماراتي عبيدة الشدي “شكلا مُبتكرا من المشاركة السياسية التي كسرت الحواجز في دول الخليج وكرست أمرا واقعا لا يملك أحد تغييره أو العودة به إلى الوراء”. وضرب مثلا على دور هذه الأداة الجديدة في تعزيز المشاركة بـ “وجود مليون وثلاث مائة الف تغريدة في اليوم في السعودية”.
وأضاف الشدي في تصريحات لـ swissinfo.ch أن “كل من يحمل هاتفا ذكيا إنما يحمل وسيلة إعلام متنقلة في عصرنا”، غير أن خاشقجي أبدى بعض الإختلاف معه موضحا أن “تويتر يُستخدم عادة للتعليق والحوارات وليس للإخبار”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أنه “خلق ثقافة سريعة جديدة”. ومضى شارحا في تصريح لـ swissinfo.ch: “ليست هناك وسيلة إعلام لا تملك حسابا على تويتر لأنه أسرع ويؤدي الغرض وفيه معلومات”. وأشار إلى ما حدث مثلا مع هاشتاغ #بائع #اللوز في منطقة الأحساء (جنوب السعودية) الذي اتخذ موقفا ضد البلدية (هناك) لأنها تُلاحقه فأصبحت المسألة – بعد انتشارها على تويتر – “قضية رأي عام وشعرت البلدية بالحرج فخصصت له مكانا في حديقة الملك فهد، وما زال الكتاب يكتبون حولها إلى اليوم”.
كما تطرق خاشقجي إلى حادثة أخرى تمثلت في ركوب أحد المواطنين سيارة تاكسي ليموزين في منطقة القطيف (ذات الأغلبية الشيعية) فلما وجد أن السائق يُعلق صورة للإمام علي هاجمه بشدة وصور الواقعة ثم وضع الصورة على تويتر، لكن الأمر انقلب ضده إذ صار المغردون يُهاجمونه إلى أن أحيل إلى القضاء بتهمة “الإساءة للوحدة الوطنية”. وقال خاشقجي: “إن صاحب التغريدة يُطلق الفكرة فتصبح منذ تلك اللحظة ملكا للجميع، وهو ما شجع كثيرين على التخلي عن وسائل الإعلام التقليدية وتفضيل وسائل التواصل الاجتماعي”، مُستدلا بأن المرشحين للرئاسة في أمريكا كانوا يعقدون مؤتمرات صحفية لإعلان ترشحهم، أما اليوم فيُعلنون عنها عبر تويتر.
خاشقجي أوضح أيضا أن “تويتر” ليس حكراً على المسؤولين والشخصيات العامة، فكما أن مرشحي الانتخابات الأمريكية يعلنون ترشحهم عبره بدون الحاجة للمؤتمرات الصحفية، فإن تويتر يساعد في حل مشاكل الأفراد ويستخدمه كل الناس، مضيفاً أن “مزارعا سعوديا أحرج بلدية الإحساء من خلال فيلم قصير بثه على تويتر”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.