ذكرى حرب العراق.. تثير الانتقاد والشقاق
في الذكرى السنوية الأولى للغزو الأمريكي للعراق، واصل الرئيس بوش إصراره على مشروعية الحرب الاستباقية التي شنّـها على العراق.
ومع تأكيده على أن “سقوط صدام حسين وتحرير العراق جلبا الخير للعراق وللعالم”، إلا أن حجم المعارضة لسياساته تتسع داخل الولايات المتحدة وخارجها.
في الذكرى السنوية الأولى للغزو الأمريكي للعراق، واصل الرئيس بوش إصراره على مشروعية الحرب الاستباقية التي شنّـها على العراق، وقال “إن سقوط صدام حسين وتحرير العراق جلبا الخير للعراق وللعالم”.
وأشار إلى تصميم ما وصفه بالائتلاف الدولي على مكافحة الإرهاب، وقال “إن الولايات المتحدة لن تتخلى أبدا عن العراق للإرهابيين، ولن تخذل الشعب العراقي الذي وضع ثقته فيها، وستحارب وتعمل لضمان نجاح الديمقراطية في العراق، التي وصفها بأنها رسالة إلى الدول الأخرى في الشرق الأوسط حول ما يجب أن تكون عليه الحياة في بلد ديمقراطي.
غير أن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان قدّم تقييما مختلفا للوضع في العراق بعد عام من الغزو الأمريكي للأراضي العراقية، فقال “إن الاحتلال ليس شيئا تهلل له الشعوب وتفضله، فبينما شعر كثيرون من العراقيين بالسرور للإطاحة بالرئيس صدام حسين، فإنهم لم يكونوا يتوقعون أن تصل الأحوال في العراق إلى الوضع الذي يعيشونه اليوم، حيث يخشى العراقيون الخروج من منازلهم ولا يمكن وصف ذلك بالتقدم، فقد فجّـرت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق أعمال الإرهاب على الأرض العراقية، ولم يكن مثل ذلك الإرهاب موجودا في العراق قبل الغزو”.
وشهدت كبرى المدن الأمريكية مظاهرات احتجاج حاشدة للمطالبة بإنهاء احتلال العراق وبخروج القوات الغازية. وكانت أكبر المظاهرات في مدينة نيويورك شارك فيها عشرات الآلاف الذين عبّـروا عن رفضهم لسياسة بوش التي قوضت الحرب ضد الإرهاب بمغامرة الحرب الاستباقية ضد العراق، وردد المتظاهرون هتافات من بينها: “بوش يكذب، ولكن انظروا من الذين يموتون”؟ وهتف المتظاهرون في نيويورك “لابد من رحيل جورج بوش من البيت الأبيض”، ورفع عشرات الآلاف الذين شاركوا في مظاهرة في مدينة سان فرانسيسكو لافتات كُـتب عليها “بوش يكذب والجنود الأمريكيون يموتون وأراملهم يبكون”. وشارك في المظاهرات في شيكاغو وغيرها عدة آلاف من بينهم عائلات جنود يخدمون في العراق.
بوش يفقد المصداقية
ومع حلول الذكرى الأولى للحرب على العراق التي استند بوش في تبريرها إلى الخطر الذي يُـشكله النظام العراقي من خلال تطوير برامج أسلحة الدمار الشامل التي يُـمكن أن يستخدمها الإرهابيون ضد الولايات المتحدة، يتذكّـر الأمريكيون من جديد أن جيشا من المفتشين الأمريكيين بلا عوائق لم يتمكّـن بعد عشرة شهور من التفتيش من العثور على أي أثر لتلك الأسلحة المزعومة.
وراح الرئيس بوش وكبار المسؤولين في حكومته يغيّـرون الآن من أهداف شن الحرب ويزفون إلى العالم العربي بشرى تقديم نموذج للديمقراطية في العراق يمكن أن تحتذي به دول المنطقة، بينما لم يشاهد الأمريكيون تنفيذا لوعد انتهاء الحرب في العراق، بل يتلقون بشكل شبه يومي أنباء مزيد من الخسائر في أرواح الجنود الأمريكيين وسط أوضاع أمنية تزداد سوءا يوما بعد يوم في العراق، وهو ما أتاح لمرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية السناتور جون كيري التركيز على فشل إدارة بوش في العراق والقول بأن بوش شن الحرب على العراق دون أن تكون لديه استراتيجية لكيفية الخروج من العراق، بل واتهم بوش بالكذب وقال “لقد خدع بوش الشعب الأمريكي في خطابه عن حالة الاتحاد عندما أشار إلى وجود برنامج عراقي للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وبالتالي، فإنه لم يقل الحقيقة وتدفع الولايات المتحدة الثمن الآن”.
ويقول السيد آندرو كوات، مدير مركز بيو لأبحاث الرأي العام والصحافة، إن أحدث استطلاعات الرأي العام الأمريكي التي أجراها المركز تشير إلى أنه عندما أجرى استطلاع لآراء الأمريكيين حول الكلمة التي يصفون بها الرئيس بوش، استخدموا بشكل متكرر أوصافا مثل “الكذاب” و”غير الأمين”، مما يوضح أن مصداقية الرئيس قد تأثرت سلبا بعد مرور عام على الحرب في العراق.
وأعرب وفد مؤلف من خمسة من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي بعد زيارة قاموا بها إلى العراق عن قلقهم من إخفاق الإدارة المدنية الأمريكية في العراق في توفير الظروف الأمنية والسياسية الملائمة لنقل السلطة إلى حكومة انتقالية عراقية في 30 يونيو القادم.
فقد صرح السناتور كارل ليفين، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ بأنه فُـوجئ بأن عدد رجال الشرطة العراقية المدربين والمؤهلين بشكل كامل لمهام حفظ الأمن في العراق لا يزيد عن 2300 فرد، بينما تقتضي تلك المهام توفر 75 ألف فرد.
كما أنتقد السناتور ليفين الإصرار على استبعاد آلاف من المعلمين والموظفين العراقيين من السُـنّـة الذين كانت لهم اليد العليا في عهد نظام البعث العراقي، وقال “إنه يتعيّـن على الإدارة المدنية الأمريكية للعراق أن تجد وسيلة لإشراك المجتمع السُـنّـي”، وطالب بتقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن للحصول على موافقة المجتمع الدولي على الحكومة الانتقالية العراقية حتى لا يتم النظر إليها، وكأنها امتداد واستمرار للاحتلال الغربي للعراق.
النصف الملآن من الكوب
أما السفير جورج وورد، المنسق الأمريكي السابق لبرنامج المساعدات الإنسانية الأمريكية للعراق، والمدير الحالي لبرنامج التدريب بالمعهد الأمريكي للسلام، والذي عاد من جولة في العراق أشرف فيها على تدريب العراقيين على فنون التفاوض لحل النزاعات، فيري أنه رغم أن الوضع الأمني لا يزال يُـشكّـل تحدّيا أساسيا، فإن من أهم الإنجازات التي شهدها العراق بعد عام من الحرب، كان التوصل إلى قانون مؤقت لإدارة البلاد يوفر للمواطن العراقي احتراما لحقوقه الإنسانية، ويقيم نظاما للحكم يقوم على التمثيل الشعبي، ويضمن نزاهة النظام القضائي، كما تم استعادة إنتاج الكهرباء في العراق إلى 4500 ميجاوات، وهو نفس المستوى الذي كان قبل شن الحرب.
وبحلول الصيف سيرتفع إنتاج الكهرباء إلى ستة آلاف ميغاوات، وسيسد ذلك المستوى الحاجات الأساسية من الكهرباء بدون انقطاع، كما عاد إنتاج البترول العراقي إلى ما كان عليه قبل الحرب، وتم تأهيل 2500 مدرسة عاد إليها الطلاب العراقيون للدراسة، واستأنفت الوزارات والمصالح الحكومية العراقية العمل بالتعاون مع قوات التحالف.
وتتفق السيدة رند رحيم، ممثلة مجلس الحكم العراقي في الولايات المتحدة مع تقييم السفير وورد. فقد صرحت بعد عودتها من جولة تقصّـي حقائق بالعراق، بأن الشعب العراقي مر خلال عام واحد بتجربة لم يمارسها عبر أكثر من ثلاثين عاما من الدكتاتورية، وهي تجربة الحوار والتفاوض السياسي بين الأفراد والجماعات السياسية، ولم تحصل أية فئة على مائة بالمائة مما كانت تبتغيه من الدستور المؤقت.
كما أشادت السيدة رحيم بظاهرة بروز منظمات المجتمع المدني العراقية بما فيها مئات من المنظمات النسائية وقالت: “مهما كانت المصاعب التي واجهناها، ومهما تكن النزاعات التي سنواجهها، فإننا كعراقيين حقّـقنا قدرا هائلا من النجاح حتى الآن، ونود أن يُـقر العالم بذلك النجاح ويدعمه”.
توصيات مجلس العلاقات الخارجية
وبمناسبة الذكرى الأولى للحرب على العراق، أصدر مجلس العلاقات الخارجية، وهو مؤسسة أبحاث أمريكية غير حزبية وغير حكومية تم تأسيسها في عام 1921، تقريرا لفريق عمل قام بدراسة التطورات في العراق على مدى العام الماضي وانتهى إلى التوصيات التالية:
1- ضرورة المحافظة على الالتزام بالعناصر الرئيسية للدور الأمريكي في العراق، رغم الخلاف في وجهات النظر بين الرئيس بوش والسناتور جون كيري من ناحية، وفيما بين زعماء الكونغرس من ناحية أخرى، حيث يجب أن يتفق الجميع على ضرورة المساعدة في تشكيل حكومة عراقية انتقالية يكون بوسعها توفير الأمن والحفاظ على وحدة وسلامة العراق واستقلاله. ويجب ألا يعني تسليم السلطة للعراقيين في 30 يونيو القادم تقليص الالتزام بمساندة الاستقرار وجهود إعادة الإعمار والانتقال السلمي للسلطة، وسيعني ذلك التزاما أمريكيا بتخصيص عدة مليارات من الدولارات للعراق على مدى السنوات القادمة.
2- ضرورة تعزيز جهود المساعدة الأمريكية للعراق من خلال توفير المزيد من الحوافز للعاملين الأمريكيين، خاصة من تتوفر لديهم القدرة على التحدث باللغة العربية ويفهمون المنطقة، وتكليف الوزارات والوكالات الأمريكية بتقديم الخبرات اللازمة لخدمة عراق ما بعد الحرب، وتوحيد الجهود السياسية والأمنية وجهود إعادة الإعمار في خطة واحدة متكاملة، والإسراع بتشكيل طاقم العاملين في السفارة الأمريكية الجديدة في بغداد، وكذلك التركيز على خلق الوظائف وفرص العمل للعراقيين في المدى القريب، والاستمرار في جهود تعزيز مكانة المرأة العراقية، وضمان توفر الشفافية في صناعة استخراج وتصدير البترول في العراق.
3- توفير السلامة العامة للمواطنين العراقيين لتسهيل عملية الانتقال السياسي من خلال مراجعة الخطط الأمنية الحالية، وتخطي الثغرات القائمة والتعاون مع المتوفر من قوات الأمن العراقية، وتوحيد جهود تدريب عناصر الشرطة وقوات الجيش العراقي مع عمل خطط لمواجهة المواقف الطارئة. كما يجب تعزيز جهود جمع المعلومات الاستخبارية والاستعانة بالعراقيين في هذا المجال، على أن يكون العاملون في المخابرات العراقية مسؤولون أمام القيادة السياسية العراقية، وينبغي أن تسعى الحكومة الأمريكية إلى مساندة الأمم المتحدة في توفير بوليس دولي يتولى الإشراف على وظائف توفير الأمن بمساعدة من قوات تابعة لحلف الناتو أو المجتمع الأوروبي.
4- ضرورة تعزيز نجاح العملية السياسية الانتقالية بأن تضمن الحكومة الأمريكية دورا رئيسيا وفعالا للأمم المتحدة في العراق، وتعزيز عملية واسعة للتشاور فيما بين العراقيين حول تلك العملية. وطالب التقرير بأن تعمل حكومة الرئيس بوش عن كثب مع الأمم المتحدة لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن يُـخول المنظمة العالمية دورا في إقامة سلطة مؤقتة في العراق على أن يُـساند مجلس الأمن تلك السلطة، ويتم إشراك الأمم المتحدة في مجالات المساعدة الفنية، خاصة لوزارة العدل العراقية في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة.
ونصح أحد أعضاء فريق العمل التابع لمجلس العلاقات الخارجية، وهو وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جيمس شليزنغر، بأن يقاوم الرئيس بوش ومنافسه الديمقراطي السناتور جون كيري الإغراء بتسييس قضية التزام الولايات المتحدة إزاء مسألة إعادة إعمار العراق في غمار معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.