رئاسيات مصر .. حملة منحازة ووعود براقة
يرصد المتابع للحملة الانتخابية للمرشحين العشرة لمنصب الرئاسة بمصر مخالفات قانونية، وتناقضات برامجية، ووعودا أشبه بالأحلام الوردية وطرائف بالجملة.
وفيما تعجب مراقبون من وعود الرئيس مبارك متسائلين:”وأين كان طوال 24 عاما؟”، فقد سخروا من وعود بقية المرشحين التسعة، معتبرين أنها “مجرد كلام للدعاية الانتخابية”.
وقد تصاعدت حدة الاتهامات الموجهة للحملة الانتخابية للرئيس مبارك (بدأت رسميا في 17 أغسطس، وتنتهي في 4 سبتمبر) بتجاوز السقف القانوني لتكاليف الدعاية الانتخابية والذي يبلغ حسب أقل التقديرات 10 ملايين جنيه، وأكد مراقبون أن لافتات التأييد لمبارك، التي غطت شوارع القاهرة والجيزة ومختلف محافظات مصر تتجاوز قيمتها، حدود السقف القانوني، ناهيك عن تكاليف الدعاية الانتخابية له في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، فضلا عن تكاليف المؤتمرات الانتخابية التي عقدها في العديد من المحافظات.
كما منحت اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية لمبارك رمز “الهلال”، ورقم (1) في كشف المرشحين، الذي يجذب أصوات الناخبين المقيدين في السجلات والبالغ عددهم (32 مليون شخص)، في بلد تبلغ فيه معدلات الأمية نسبة كبيرة (حوالي 60 % ).
حصة الأسد لمبارك!
وقد انتقدت منظمات محلية غير حكومية التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التي شارك فيها عدة مرشحين، معتبرين أنها انحازت لصالح الرئيس. وقال معهد القاهرة للدراسات وحقوق الإنسان إن “غالبية هذه الصحف (الرسمية) كرست نفسها للترويج لمرشح الحزب الحاكم، وأحيانا الطعن في ابرز منافسيه”.
وشملت دراسة أجراها المعهد أربع محطات تلفزيونية رسمية ومحطتين مستقلتين إضافة إلى 17 صحيفة رسمية ومستقلة خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية التي بدأت في 17 آب/أغسطس.
وقال حافظ أبو سعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، في تصريحات لـ”(سويس إنفو):”الصحف القومية لم تكن محايدةً، و دعمت مرشح الحزب الحاكم دون بقية المرشحين، وكان هناك تسخير لإمكانيات الدولة لمبارك، وظهر ذلك من خلال استخدام سيارات الدولة والمصالح الحكومية؛ وهو ما يشكِّل انتهاكًا للبند الخامس من المادة 21 من قانون انتخابات الرئاسة، والتي تنص على حظر استخدام المباني والمنشآت ووسائل النقل والانتقال المملوكة للدولة أو لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام في الدعاية الانتخابية”.
كما أشارت (اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات) إلى أن مبارك حصل على تغطية واسعة في الصحف الرسمية بلغت (59% في الأهرام، و52% في الأخبار، و40% في الجهورية)، بينما لم يحظ منافسوه إلا بالقليل من هذه التغطية.
وقالت حركة “شايفينكوم”، وهي حركة مصرية أنشئت بهدف إحصاء الانتهاكات خلال الحملة والعملية الانتخابية، في دراسة لها إن صحيفة “الأهرام” كانت تنشر كل يوم صورة كبيرة للرئيس مبارك في الصفحة الأولى، وإن تغطية الحملات الانتخابية للمرشحين الآخرين لم تظهر إلا في الصفحات الداخلية”.
“الفيديو كونفرانس”…
وبينما شكل مرشحو الوفد والغد، لجانا خاصة لمراقبة الإنفاق الخاص بالحملات المنافسة، ورصد أي مخالفة فيها، من أجل الطعن على ذلك لدى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، تنصل المشرفون على الحملة الانتخابية لمبارك من أي مسئولية للحملة عن هذه اللافتات، زاعمين أن “بعض رجال الأعمال والمستثمرين وكبار التجار قدموها مجاملة للرئيس مبارك، وأن تكلفة هذه اللافتات لا تدخل ضمن الميزانية المخصصة للحملة”.
واتهم الدكتور أيمن نور، مرشح حزب الغد، الحملة الانتخابية للرئيس بارتكاب مخالفة جسيمة وتجاوز سقف الإنفاق المالي، مشيرا إلى أن مرشح الحزب الوطني الحاكم قام في يوم واحد بتنظيم أكثر من 750 مؤتمرا انتخابيا في جميع أنحاء الجمهورية علاوة على قيامه بمخاطبة المواطنين في عدد المحافظات عبر “الفيديو كونفرانس” المرتفعة التكلفة.
و في تصريحات لـ(سويس إنفو)، أوضح نور انه رفع مذكرة للمستشار ممدوح برعي، رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، طالب فيها بوقف تجاوزات مرشح الوطني، خاصة “قيامه باستغلال مؤسسات الدولة في حملته الانتخابية”، على حد قوله.
وانتقدت المذكرة انحياز وزارة الإعلام والصحف القومية المملوكة للدولة لمرشح الحزب الوطني وتركيزها على دعايته ناهيك عن إساءتها لمرشحي المعارضة، وفي مقدمتهم مرشح حزب الغد، الذي لم تكتف وسائل الإعلام القومية بتهميش نشاطه بل حاولت التجني عليه وتشويه صورته عبر نشر العديد من الافتراءات والأخبار المغلوطة والتركيز على بعض الفقرات المبتورة وإجراء عمليات مونتاج غير مقبولة.
طرائف وغرائب..
لم تخل حملة الدعاية الانتخابية من الغرائب والطرائف، والتي كشف بعضها عن سذاجة بعض المرشحين، بينما أظهر بعضها الآخر استخفافا بعقلية المواطن المصري، واللعب على الوتر الحساس في حياته، وهو لقمة العيش!!
فالشيخ الصباحي (90 عاما) صرح في أحدى حملاته قائلا: “لو نجحت في الانتخابات فسوف أتنازل عنها للرئيس حسني مبارك”. وأضاف “دخلت الانتخابات لأساعد الرئيس مبارك. فأنا لم أدخل كمنافس له بل كمشارك”. كما أعلن ان برنامجه يقوم على أمرين؛ “قراءة الكف” و”الدعوة لارتداء الطربوش”. فيما وعد أيمن نور ناخبيه، بتقديم “ثلاث وجبات يوميا لكل مواطن”.
ومن الطرائف أيضا، ما جاء في برنامج الدكتور العجرودي، مرشح حزب الوفاق، الذي وعد بتصنيع قنبلة نووية، باعتبارها كانت حلمًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر!!. أما القارئ لبرنامج الدكتور شلتوت، فيجده برنامجًا “عائليًّا”؛ حيث أعلن أنه سيعيَّن زوجته وشقيقَه نائبَين لرئيس الجمهورية حال فوزه!!.
أما حزب مصر العربي الاشتراكي، الذي يرأسه وحيد الأقصري، فقد أعلن أن المنافسة ليست على المركز الأول المحجوز مقدمًا لمرشح الحزب الوطني، بل إنها تدور على المراكز من 2 إلى 10 !!!
حلول سحرية !!
طغت قضيتا “البطالة” و”الفقر”على الحملة الانتخابية في مصر التي تشهد جدلا واسعا حول مدى واقعية البرنامج الذي طرحه الرئيس مبارك لخلق 4.5 مليون فرصة عمل ورفع أجور 5 ملايين موظف بنسبة تتراوح بين 100% و75% إذا أعيد انتخابه خلال السنوات الست القادمة. كما طرح برنامجا لاستصلاح 1.3 مليون فدان توفر 420 ألف فرصة عمل فضلا عن برامج لزيادة الأجور والمعاشات وتوسيع نطاق المستفيدين منها من خلال رفع حجم الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة ليصل معدله السنوي إلى 220 مليار جنيه.
وخلال جولات انتخابية لكل من نعمان جمعة (مرشح الوفد) وأيمن نور (حزب الغد) في الدلتا والصعيد، كانت قضية البطالة وضعف الأجور محور الاهتمام في بلد يعيش فيه قرابة 14 مليون شخص (24.8%) تحت خط الفقر أي بدخل لا يزيد عن دولارين في اليوم وفقا لآخر إحصاء رسمي صادر عن وزارة التخطيط المصرية.
فقد التقط أيمن نور خيط الهموم الشعبية فجعل حجر الزاوية في برنامجه الانتخابي اقتراح تقديم إعانة بطالة قدرها 150 جنيها (قرابة 26 دولارا) شهريا لكل عاطل، لمدة سنتين، يتم خلالها وضع برنامج لتوفير فرص عمل وزيادة الاستثمارات ومحاربة الفساد. واعدا بأن يصدر في حال انتخابه “قرارا فوريا بالإفراج عن سجناء الفقر، أولئك الذين لم يتمكنوا من سداد أقساط الثلاجة أو موقد الغاز”.
أما نعمان جمعة فانضم بدوره إلى المتشككين في برنامج مبارك لمكافحة البطالة وتساءل معهم: “لماذا لم يخلق هذه الوظائف خلال الـ 24 سنة الماضية”.
برامج متناقضة :
التناقض يبدو واضحا في الكثير من برامج مرشحي الرئاسة، ومن خلال قراءةٍ سريعةٍ لبرنامج الرئيس مبارك، نجد أنه بينما يتحدث عن نظام انتخابي حر يسمح بزيادة ممثلي الأحزاب في البرلمان، وهو الأمر الذي يُفترض معه أن يلغيَ أو يقلِّصَ عددَ الأعضاء الذين يقوم بتعيينهم في مجلسي الشعب والشورى، إلا أنه يعود ليؤكد على تعهده بتوفير حد أدنى لمقاعد المرأة في البرلمان، وبالطبع لا شيءَ يضمن هذا الأمر سوى أن يتم عبر بوابة التعيين. كما يعِد ببناء ألف مصنع سنويًّا في دولة باعَ نظامُها الحاكم أغلبَ منشآت ووحدات القطاع العام!!!.
أما نعمان جمعة، فبينما يشدد على حظْر تكوين الأحزاب التي تقوم على ما أسماه بالأسس الدينية، يشير إلى أنه سيلغي لجنة شئون الأحزاب لتنشأ الأحزاب بالإخطار فقط؛ ليكون لكل تيار سياسي الحقُّ في إنشاء الحزب الذي يعبر عنه!!. وبينما يعلن أيمن نور، رفضه التطبيع مع الكيان الصهيوني تراه يتعهَّد في برنامجه بمساعدة مصانع المحلة على الانضمام لاتفاقية الكويز!!
وفي برامج بقية المرشحين العديد من التناقضات، فأحمد الصباحي، مرشح حزب الأمة، يتعهد بإجراء إصلاح اقتصادي كاملٍ يكون طوقَ النجاة من الأزمات التي خلقتها اشتراكية الفقر، فيما يعِد بإعادة التسعيرة الجبرية للأسعار!!
أما وحيد الأقصري، مرشح حزب (مصر) العربي الاشتراكي، فيطالب بالإبقاء على جميع النصوص الخاصة بالاشتراكية الواردة في الدستور، بينما يقول إنه إذا وصل للسلطة سيقوم بتعديل قانون الأحزاب لوقف التدخل الحكومي في شئونها!!
وإبراهيم ترك، مرشح الحزب (الاتحادي)، يطالب بتقوية جهاز المدعي العام الاشتراكي، لكنه يدعو لإلغاء الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية!!. كما يتعهد بإيجاد خطة لتوصيل الدعم لمستحقيه وحل مشكلة رغيف العيش، بينما يدعو لإلغاء مجانية التعليم!! .
والدكتور شلتوت، مرشح حزب التكافل الاجتماعي، يؤكد في صفحة 21 من برنامجه، أنه سيصدر تشريعًا بمنع إيداع الأموال بالبنوك الأجنبية، ثم يعود في صفحة 26 ليقول إن إيداع الأموال بالبنوك الأجنبية يمكن أن يتم وفق القانون، الذي لا يحرم هذا الأمر بالفعل!!
مجرد كلام للدعاية..
ويرى الخبراء والمحللون السياسيون أن هذه البرامج مجرد حبر على ورق، وأنها مجرد كلام للاستهلاك الانتخابي، ويقول احمد النجار الباحث الاقتصادي بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام: “إن برنامج التوظيف الذي طرحه مبارك غير واقعي، فعلى مدى الـ24 سنة الأخيرة تم إيجاد 291 ألف فرصة عمل سنويا فكيف سيستطيع أن يقفز بهذا المعدل إلى أكثر من الضعف خلال السنوات الست القادمة”.
وأضاف النجار أن “هذه البرامج لا تعدو كونها إعلان نوايا إذ أن تمويلها يعتمد على الجهاز المصرفي ورجال الأعمال وليس هناك ضمانة بان البنوك أو المستثمرين سيوفرون هذه السيولة”.
وفي السياق نفسه يشير إبراهيم العيسوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إلى أن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري لا تحمل على الاعتقاد بإمكانية توفير التمويل اللازم لهذه البرامج خاصة أن معدل الاستثمار انخفض من 29% من الناتج المحلي الإجمالي إلي 16% في العام 2003/2004.
ويذهب المحلل السياسي الدكتور عمرو الشبكي، الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام في تعليقه لـ (سويس إنفو) على البرامج الانتخابية إلى أن:” قراءة البرامج الانتخابية للمرشحين عكست درجة عالية من المبالغة وحوت قدرا كبيرا من الطموح الغير مدروس والذي لا يستند إلى رؤية علمية شاملة، فهي برامج للدعاية الإعلامية، هذا بالنسبة لبرامج مبارك ونعمان ونور، أما برامج بقية المرشحين السبعة فهي من قبيل الطرائف والغرائب ولا يصح أصلا أن نطلق عليها برامج انتخابية لأنها لا تحترم عقلية الناخبين”، على حد تعبيره.
أخيرا يمكن القول أن جميع البرامج والحملات الانتخابية للمرشحين غازلت الناخبين والشعب المصري المطحون في الرحلة اليومية للبحث عن لقمة العيش، والذي لم يشعر أصلا لا بالمرشحين ولا ببرامجهم ولا يعرف سوى العمل والكد من أجل تأمين لقمة العيش.
همام سرحان – القاهرة
جاءت برامج المرشحين لمنصب الرئاسة بمصر، غريبةً ومُلفتةً للنظر، ليس لقوتها أو لتناولها القضايا المزمنة بالمجتمع المصري بشكل جديد، وإنما لبُعدها عن الواقع من جانب، ومغازلة مشاعر الجماهير بشكل ساذج في جانب آخر، واللعب بورقة الوعود البرَّاقة في جانب ثالث. وبينما شكل مرشحو الوفد والغد لجانا لمراقبة الإنفاق الخاص بحملة الرئيس مبارك ورصد المخالفة للطعن عليها لدى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. تنصل مسئولو حملة مبارك من أي مسئولية عن هذه اللافتات، زاعمين أن “بعض رجال الأعمال والمستثمرين وكبار التجار قدموها مجاملة للحزب، وأن تكلفتها لا تدخل ضمن الميزانية المخصصة للحملة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.