رايس بين خفض الحماس وخفض التوقعات
قبل سويعات محدودة من قدوم وزيرة الخارجية الأمريكية رايس إلى المنطقة، اتّـخذت إسرائيل قرارا باعتبار غزة كِـيانا مُـعاديا يتوجّـب فرض عقوبات جماعية عليه.
وهذا القرار صادقت عليه رايس شفاهة، بعد لقاء مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفنى، ولكن في عبارة أقل حدة، حيث اعتبرت حماس وليس غزة كِـيانا معاديا لكل من إسرائيل والولايات المتحدة معا.
كما يقال، فإن الخطاب يظهر من عنوانه، ولا عنوان أبرز من ترسيخ تقسيم الأراضي الفلسطينية والنظر إلى كل جزء باعتباره كِـيانا منفصلا عن الآخر، ولكُـلٍّ أسلوب في التعامل، وهكذا، بدأت اجتماعات رايس مع المسؤولين في تل أبيب ورام الله، لتُـبشِّـر بأنها ستكون اجتماعات قليلة الدّسم ومحدودة الفاعلية.
هدف أمريكي مُـعلن
فالهدف المُـعلن أمريكيا، هو تشجيع الطرفين الفلسطينيين مواصلة لقاءاتهما، وصولا إلى تفاهمات كبرى تجعل الاجتماع المُـقبل في الخريف بمثابة نقلة كبرى على طريق التسوية من جهة، وتضاف إلى تاريخ الرئيس بوش ولرايس شخصيا من جهة أخرى، لكن ما جرى لم يكُـن إلا نوعا من الرقص في المكان ذاته.
صحيح أن رايس بعد لقائها مع الرئيس محمود عباس، أشارت إلى أن النية الأمريكية هي أن يكون الاجتماع المقبل أكبر من مجرّد لقاء لأخذ الصوّر وأنه سيناقش القضايا الجوهرية، وهو مطلب فلسطيني بالأساس، لكن في التصريحات التي أعقبت لقاءات رايس مع المسؤولين الإسرائيليين، لم يكُـن هناك سوى حديث عام عن حدوث تقدّم وعن تلمسها شخصيا رغبة حقيقية للسلام لدى الإسرائيليين وكذلك الفلسطينيين.
فكّ شفرة الغموض
والمتابعون لما قيل عن هدف الاجتماع حين بشر به الرئيس بوش قبل شهرين، يعلمون أن صيغته كانت غامضة ولا زالت، فلا جدول أعمال ولا هدف محدد ولا مدعوون محدّدون، وإنما كل شيء يخضع للنِّـقاش المصحوب بتوازن قوي، هو لصالح إسرائيل.
ومع تلميحات بوش اللاحقة وكذلك رايس بأن كتلة الاعتدال العربية، ومن ضمنها السعودية ومصر والأردن، سوف تُـدعى إلى هذا الاجتماع الغامض، بدا الهدف الخفي من هكذا دعوة هو التّـمهيد لنوع من التطبيع غير المباشر بين إسرائيل والسعودية على وجه التحديد، وهنا وضَـح المقصود، وهو الالتفاف على الضغوط والمطالب العربية بأن تكون الجهود الأمريكية بهدف سلام شامل وعادل ومبرمج زمنيا، وينتهي بإعلان دولة فلسطينية.
ووفقا لوقائع الزيارة، فإن الرئيس عباس الذي يرفض دعوات الحوار مع حماس حتى لا تؤثر على علاقاته المتصاعدة مع كل من أولمرت والإدارة الأمريكية، كافح من أجل إقناع رايس بأمرين جوهريين، أولهما، أن يتم إجلاء الغموض عن الاجتماع المقبل، بأن يوضح الدّاعون من هم المدعُـوّين، وأن يكون هناك جدول أعمال واضح وأن يخرج الاجتماع بخطّـة مستقبلية مُـبرمجة زمنيا، بهدف إقامة الدولة الفلسطينية، بما يعني التوصل إلى وثيقة ذات طابع إلزامي تكون أكثر من مجرّد بيان مشترك غير ملزم، كما يطالب بذلك الإسرائيليون.
والواجب ملاحظته هنا، أن الرئيس عباس في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها السلطة الفلسطينية، لا يملك سوى الرِّهان على كرم غير مؤكّـد من إدارة الرئيس بوش، يتضمّـن فيما يتضمّـن، نوعا من تبني أفكاره ونوعا من الضغط الأمريكي على تل أبيب، للتعاطي مع هذه الأفكار بجدية أكبر مما هو حادث، وهو كرم غير ثابت تاريخيا ولا يوجد أي مؤشر على أنه قابِـل للتحقيق حاليا.
تقديرات إسرائيلية
ولكن الواضح، أن الأمر لم يتغيّـر، لا إسرائيليا ولا أمريكيا، وحتى إن صدّقنا النوايا الأمريكية المعلنة، وهو أمر عسير على النفس في ضوء الانحياز المعروف للدولة العبرية، فإن الوقائع على الأرض تجعل الأمر أكثر صعوبة، بل مستحيلا.
فالتقديرات الإسرائيلية وما يترتب عليها من خُـطط عملية يتم تطبيقها بالفعل على الأرض، ينحصر في تفريغ أي جهد دولي أو حتى أمريكي من مضمونه، وتحويله إلى مِـنصة لتحقيق المزيد من المكاسب بعيدة المدى.
والشعور الجارف لدى إسرائيل، أن اللحظة الزمنية الجارية وما تشهدها من انقسامات فلسطينية وضعف للسلطة ولرئيسها وفتور الدعم العربي وانشغال البلدان العربية الكبرى بأزماتها وتحديّـاتها الخاصة، ناهيك عن التجانس الكبير في الموقفين الأمريكي والإسرائيلي إزاء إيران وإزاء ما يُـعد أذرعا إقليميا لها في المنطقة، تمثل فرصة ذهبية لتحقيق تسوية تقوم على الحد الأدنى من التنازلات الإسرائيلية، مع الحد الأقصى من السيطرة والتحكم في الأوضاع الفلسطينية المستقبلية، فضلا عن أن قُـرب انتهاء ولاية الرئيس بوش تجعل إسرائيل بمأمن من أي محاولة أمريكية لممارسة ضغط جادّ عليها للتفاعل الايجابي مع المطالب الفلسطينية.
خفض الحماس
ولما كان هدف الحفاظ على علاقات ديناميكية مع الولايات المتحدة، مسألة لا تراجع فيها، مع توظيف نقاط القوة والضعف لدى البيت الأبيض في المراحل الزمنية المختلفة لصالح الأهداف الإسرائيلية الكبرى، تبلورت سياسة تل أبيب في التجاوب مع الدعوة الأمريكية، ولكن بشروط إسرائيلية بحتة أو لنقل تجاوب شكلي يحافظ على ماء وجه البيت الأبيض من جهة، ويحقق الأهداف الإسٍرائيلية، من جهة أخرى.
وما تقوله الصحافة العِـبرية عن فتور في استقبال رايس لتخفيض حماسها وما سمعته من مسؤولي تل أبيب، كان كله بهدف إقناعها بأن الدخول في القضايا العميقة، هو بمثابة انتحار سياسي لحكومة أولمرت.
فالمجتمع الإسرائيلي غير مستعِـد لتقديم تنازلات للفلسطينيين يراها تضر بأمنه، ولا الساسة أيضا مستعدّون للدخول في عملية تسوية يرون أنها لن تقدم مزايا إستراتيجية حقيقية للدولة العبرية، في الوقت الذي لا توجد فيه سلطة فلسطينية غير قادِرة على السيطرة على الأوضاع الفلسطينية وغير قادرة أيضا على إقناع شعبها بقبول الالتزامات التي ستنتج عن أية تسوية كبرى.
خفض التوقعات
استنادا إلى هذا المنطق، سمعت رايس أن إعلاء التوقعات لدى الفلسطينيين هو موقف غير مبرر وأن أقصى ما يُـمكن أن يقدمه الاجتماع القادم، هو إما التّـصديق على بيان مشترك غامض المعنى حول التسوية المُـمكنة في المستقبل، أو التركيز على المسائل الاقتصادية والأمنية التي تهم السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة، أو ثالثا، مساعدة السلطة في عملية إعادة البناء مع عدم السماح بأي صورة بإدماج حماس في أية عملية سياسية في المستقبل.
هذا المنطق الإسرائيلي القائم على خفض حماس رايس من جِـهة وخفض التوقعات لدى الفلسطينيين من جهة أخرى وعدم ممانعته من جانب رايس، علنا على الأقل، يعطي مؤشرا سلبيا بكل المقاييس بالنسبة للرئيس عباس وحكومته، واللذين يُـراهنان على مزيد من الشعبية والتأييد من قِـبل الفلسطينيين، لاسيما في غزة عبر بوابة عملية التسوية ونجاح الاجتماع الدولي المقبل.
فإذا حدث الأمر وفقا للهوى الفلسطيني، فسيكون ذلك دليل نجاح لإستراتيجية عباس وحكومته، وإن حدث العكس، والذي يبدو الآن أقرب إلى الحدوث، فسيعني ذلك المزيد من الشعبية للخصوم، وتلك بدورها مُـعضلة لعباس وأولمرت وبوش معا.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
القدس (رويترز) – واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت المنتقدين داخل حزبه حزب كاديما، الذين يخشون أن يقدم تنازلات أكثر من اللازم للفلسطينيين وحثهم يوم الخميس على انتهاز فرصة لتحقيق السلام بعد 60 عاما من الصراع. وفي كلمة وجهها لحزبه كاديما بعد ساعات من أحدث جولة اجتماعات مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، قال اولمرت إنه سيفرج عن مزيد من السجناء الفلسطينيين في إطار “بادرات حُـسن نية محسوبة”، تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقالت رايس إن اولمرت وعباس قطعا “طريقا طويلا جدا جدا” منذ استضافت اجتماعا فاترا بينهما في فبراير في القدس. وأضافت إنها متفائلة بإمكانية أن يتفق الفلسطينيون والإسرائيليون على وثيقة مشتركة بشأن القضايا الصعبة التي يختلفان بشأنها قبل مؤتمر سلام ترعاه الولايات المتحدة. وقالت للصحفيين قبل توقف طائرتها في شانون للتزود بالوقود “من الواضح أن هناك نوعا من التركيز والالتزام من جانب كل من الزعيمين، وأيضا الناس الذين يعملون معهما بأوثق ما يمكن لمحاولة إنجاز تلك الوثيقة”. وأثناء مهمة دبلوماسية استغرقت 36 ساعة، طمأنت عباس أن الاجتماع المقرر عقده في نوفمبر القادم قرب واشنطن، سيضع الفلسطينيين بثبات على طريق إقامة دولتهم.
ويواجه أولمرت اتهامات في إسرائيل بأنه ينوي تحقيق ذلك، بتسليم مناطق في القدس والضفة الغربية المحتلة إلى الفلسطينيين. وفي تصريحات تتعلق بصُـلب المشكلة التي واجهها كل الزعماء الإسرائيليين للفوز بتأييد لتحركات السلام، قال اولمرت خلال اجتماع صاخب للحزب “أعلم أن الرأي السائد في بعض الدوائر هو أننا نحتاج إلى التريُّـث.. إننا يجب أن لا نتعجل أو نوفِّـر مناخا من شأنه أن يفضي إلى مفاوضات جادة، من يعتقدون ذلك، يجدون الحجج دوما لتفادي انتهاز الفرص والبحث عن فرص حقيقية لكسر الجمود بيننا وبين الفلسطينيين، لا أشارك في هذا الرأي”. وأشار إلى استمرار عدوانية حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة واعتبر أنها على النقيض من موقف حكومة عباس في الضفة الغربية، التي أعادت فتح باب المفاوضات مع إسرائيل بعد أن سيطرت حماس على غزة في يونيو الماضي.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جورج بوش سيجتمع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الاثنين القادم، أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وقال جوردون جوندروي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض، إن الاجتماع سيكون “لمواصلة المناقشات بشأن مساعدة السلطة الفلسطينية وقضايا تتعلّـق بحل دولتين في نهاية الأمر.. إسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن”.
وأشار اولمرت عشِـية عيد الغُـفران اليهودي إلى الصّـدع الذي يُـعاني منه الرأي العام، لكنه تعهّـد بالالتزام بوعود كاديما الانتخابية خلال محادثات السلام، وقال “لا أهدف إلى تقوية صدع بيننا أو بين صفوف الشعب الإسرائيلي. أعرف أن مستقبل يهودا والسامرة (الضفة الغربية) متغلغل في أرواحنا وأن الخلافات فيما بيننا يمكن أن تمزق نسيج حياتنا”، وأضاف “لكنني أتعهد بأن أبذل قُـصارى جُـهدي لتوسيع أفق الأمل من أجل حياة أفضل ومستقبل للسلام والأمن من أجل شعب إسرائيل”. وقال مسؤول حكومي، إن أكثر من 100 فلسطيني، أغلبهم من حركة فتح العِـلمانية التي يقودها عباس، سيُـطلق سراحهم إضافة إلى 250 أفرِج عنهم في يوليو الماضي، وما زال حوالي عشرة آلاف في السجون. ووضع اولمرت برنامجا حذِرا لمزيد من الاجتماعات لحشد الدّعم للمؤتمر الدولي.
ويتساءل بعض المحللين عن قدرة المؤتمر على الفوز بدعم إسرائيلي لتنازلات كبيرة، ويتساءل البعض أيضا عن استعداد اولمرت لإنجاز أي اتفاق قائلين، إنه ربما يرى فائدة في استطالة العملية لدرء المعارضة الداخلية والضغط من واشنطن على إسرائيل لمساعدة الفلسطينيين. ويشكو الفلسطينيون من أن عرض اولمرت صياغة إعلان مبادئ بشأن خطوات إقامة الدولة، لا يزيد على جهود السلام السابقة وكرّر عباس يوم الخميس أنه يريد أن يضع الاجتماع جدولا زمنيا لتسوية القضايا الأساسية. وقالت رايس “جدول زمني ليس حكيما عند هذه النقطة.. لكننا سنرى إذا كان واحد سيصبح مفيدا في وقت لاحق”، وأضافت “من الواضح أنهم سيتناولون القضايا الأساسية المرتبطة بإنشاء الدولة الفلسطينية”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 سبتمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.