رحلة “العهدة الفدرالية” تثير الجدل
ما أن تم الإعلان عن اعتزام مؤسسة الحضور السويسري نقل "العهدة الفدرالية" إلى أمريكا لعرضها هناك في إطار بعض الفعاليات، حتى بادر بعض القوميين بعرض شراء الوثيقة النادرة للحؤول دون سفرها.
الوثيقة يعود تاريخها إلى عام 1291، وتعتبر حجر الأساس الأول التي تم عليه بناء سويسرا بشكلها الفدرالي.
قد لا تكون أقدم وثيقة في سويسرا، ولكنها الأكثر أهمية من الناحية التاريخية على الإطلاق؛ إذ أنها تدون العهدة التي تم الاتفاق عليها في عام 1291، من أجل تأسيس تحالف بين ثلاث مناطق وسط سويسرا هي شفيتس وأوري ونيدفالد تطور على مدى عدة قرون إلى كنفدرالية.
فمن المفترض أن يتم عرض هذه الوثيقة التاريخية للمرة الأولى خارج البلاد، في إطار فعاليات تنظمها مؤسسة “الحضور السويسري” في الولايات المتحدة، ترغب من خلالها في حث حوالي مليون مواطن أمريكي على البحث عن جذورهم السويسرية.
الغيورون على تاريخ سويسرا وآثارها النفيسة قرروا الوقوف ضد سفر الوثيقة النادرة خارج الحدود، وقرروا إطلاق مبادرة لشرائها بمبلغ مليون فرنك، كي تصبح في حوزة مؤسسة خاصة تحافظ عليها.
النائب البرلماني كريستوف مورغللي عن حزب الشعب (يمين) ومن كانتون شفيتس (احد الكانتونات المؤسسة للكنفدرالية) واثنين من رافقه أعلنوا في مؤتمر صحفي عقدوه يوم الثلاثاء 14 مارس الجاري، أن هناك شخصيات لم يفصحوا عنها متضامنة معهم أيضا في هذا المشروع.
حملة المليون
ويعود سبب اختيار “المليون فرنك” كثمن لهذه الوثيقة (التي يقول المؤرخون إنها لا تقدر بثمن)، إلى أنه يمثل نفس المبلغ الذي ستضطر شركة التأمين لسداده، في صورة ما إذا تعرضت الوثيقة إلى مكروه، لا قدر الله.
فقد اعتبر الوطنيون والقوميون هذا المبلغ مدعاة للسخرية، ولا يمثل القيمة التاريخية الحقيقية للوثيقة، كما انتقدوا عدم اتخاذ المشرفين على التظاهرة قرارا بإرسال صورة للوثيقة تكون أقرب إلى الحقيقة بدلا من المخاطرة بهذا الإرث التاريخي النادر.
وحتى يأخذ الاحتجاج شكله العملي، فقد أصدر حزب الشعب السويسري بالإشتراك مع منظمة “حركة من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” بيانا قالا فيه بأن رحلة الوثيقة من سويسرا إلى الولايات المتحدة “محفوفة بالمخاطر التي يمكن عدم التعرض لها إذا بقيت الوثيقة في مكانها”، وأكدا بأن قرار الحكومة الفدرالية بالسماح للوثيقة بمغادرة البلاد أثار “موجة عارمة من الغضب”.
مبالغة
وللوقوف ضد تحول فكرة الشراء إلى مشروع حقيقي، أعلن كانتون شفيتس على الفور أن الوثيقة ملك له ولن يقوم ببيعها، حتى وإن كان هدف المؤسسة التي يرغب القوميون في تأسيسها لا يزيد عن الرغبة في “الإبقاء على العهدة الفدرالية في كانتون شفتيس إلى الأبد”، بل إن الكانتون وافق على إعارتها للعرض في المتحف الأمريكي لتاريخ الدستور في فلادلفيا في الفترة ما بين 10 و 30 يونيو المقبل.
وفيما صرح كاسبار ميشيل مؤرخ كانتون شفيتس الرسمي بأن ردود الفعل تلك إيجابية، إلا أنه أبدى دهشته من رد فعل النائب البرلماني مورغلي، الذي يفترض أن يعرف (بحكم عمله كمدير لأحد المتاحف) أن إعارة الوثائق أمر طبيعي وعادي، وقال في حديث إلى صحيفة “نويه لوتسرنر تسايتونغ” الصادرة في لوتسرن بأن “هذا المبلغ رمزي، ولا يمثل القيمة الحقيقية للوثيقة، التي هي جزء من وثائق تأسيس الفدرالية السويسرية وهي ليست الوحيدة، وإن كانت الأولى”، على حد قوله.
من جهة أخرى، أثار هذا التحرك موجة من الانتقادات في عدد من الصحف السويسرية، التي رأت بأن رد فعل حزب الشعب السويسري “مبالغ فيه تماما”، فإذا كان الهدف منه الدعوة إلى إيقاظ الروح القومية الوطنية في نفوس السويسريين، فالأولى هو “الحث على تغيير التفكير في التعامل مع المسؤولية تجاه سويسرا وتحديثه”، حسبما ورد في التعليقات المنشورة في صحيفتي “دير بوند” الصادرة من برن و”بازلر تسايتونغ” الصادرة في بازل.
سويس انفو
يمثل خطاب “العهدة الفدرالية” بداية الإنطلاق نحو تكوين الكنفدرالية السويسرية، وتم التوقيع عليه في بداية شهر أغسطس من عام 1291 حسب رأي معظم المؤرخين.
الوثيقة هي جزء من مجموعة من المعاهدات والإتفاقيات التي تم التوقيع عليها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر وساهمت في تشكيل الكنفدرالية السويسرية.
يعتبر قوميون سويسريون وتيارات يمينية الوثيقة رمزا للهوية السويسرية ولا يمكن أن تغادر البلاد بأي حال.
توجد الوثيقة منذ عام 1936 في متحف خاص بها في كانتون شفيتس الذي شهد التوقيع عليها، في ما اعتبر حينها نوعا من “الحماية المعنوية للبلاد” ضد الغزو النازي أثناء الحرب العالمية الثانية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.