رغم الجدل .. الفكرة تشقّ طريقها
يتواصل النقاش في أوساط سياسية وأمنية وأكاديمية داخل سويسرا حول مسألة تكوين الأئمة والوعّـاظ المسلمين.
ورغم تبايُـن المواقف المعلنة، إلا أن فكرة توفير تكوين أكاديمي للأئمة، بدأت تشقّ طريقها في بعض الجامعات.
منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، تشهد سويسرا، على غرار العديد من البلدان الغربية، تطورات متلاحقة تتراوح بين السعي إلى الفهم، ومشاعر التوجّـس والخوف في الموقف الشعبي والرسمي من الحضور الإسلامي في البلاد.
ومن المؤكّـد أن سويسرا تجد اليوم نفسها مُـرغمة بشكل أو بآخر على إعادة النظر في تسامحها النسبي تُـجاه جالية لا يُـعرف عنها الكثير، وتتميّـز بقلّـة الانسجام في صفوفها.
وتقول الإحصائيات الرسمية إن الأغلبية الساحقة من المسلمين (310 ألف شخص في عام 2000)، المقيمين في الكنفدرالية يقدُمون من دول البلقان ومن تركيا، وهم يمارسون حسب بعض المصادر “إسلاما معتدلا”. في المقابل، لا يزيد عدد الوافدين من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن 15 ألف شخص.
تعزيز الاندماج
وكانت وسائل الإعلام السويسرية قد تناقلت في الأيام الماضية أصداء عديدة لبعض الأفكار المتداولة ولجملة من التساؤلات المطروحة حول مسائل مهمة من قبيل “هل يجب مراقبة أماكن العبادة”؟ أو “هل هناك ضرورة لرفض السماح لأئمة أصوليين بدخول سويسرا”؟ ومع أن أجوبة السياسيين، ورجال الدين المسيحيين والخبراء في الشؤون الإسلامية جاءت متباينة، إلا أن التقارير المنشورة كشفت عن وجود أفكار ومشاريع قد تشهد النور قريبا.
فعلى سبيل المثال، سوف تنظر الحكومة الفدرالية في مطلع العام القادم في مشروع قانون جديد حول الاندماج يهدف بالدرجة الأولى إلى منح الأجانب المقيمين في سويسرا إطارا ملائما يسمح باندماجهم داخل المجتمع.
ومن بين مقترحات المشروع الجديد، تمكين الأجانب من دروس في إحدى اللغات الوطنية، ومساعدتهم على متابعة فصول مدرسية أو تكوين مهني.
كما تضمنت مسودة المشروع التي طُـرحت للتشاور على الأطراف المعنية فقرة (حظيت باستحسان واسع) تتعلّـق بتكوين الوُعّـاظ الدينيين، سواء كانوا من المقيمين الدائمين أو من الزائرين لفترات قصيرة جدا.
هذه المعلومة التي نشرتها جريدة “بليك” الشعبية الواسعة الإنتشار أكّـدها ماريو تيور، الناطق باسم المكتب الفدرالي للهجرة والاندماج، حيث أوضح أن هذه الدروس “قد تصبح إجبارية، إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك”، أي “إذا كان الشخص المعني يعتزم ممارسة وظيفة عمومية باعتباره مرشدا روحيا”، حسب رأي المكتب الفدرالي للهجرة.
ويرى الناطق باسم المكتب الفدرالي للهجرة والاندماج، أن “الأئمة يمارسون سلطة مهمة نسبيا على المؤمنين الذين يستمعون إليهم، لذلك، فإنه من المهم أن لا يحدثوهم عن القرآن فقط، بل عن قيم متفق عليها بشكل عام في المجتمع السويسري أيضا، مثل المساواة بين الجنسين” على حد تعبيره.
تكوين أكاديمي
وفي هذا الإطار، أعربت مختلف الطوائف المسيحية في سويسرا عن تأييدها لفكرة تمكين جامعات سويسرية من تقديم تكوين في هذا الإطار، وجدد ممثلو الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية الأسبوع الماضي مناصرتهم لهذه الفكرة التي سبق أن تقدّم بها بعض المسلمين.
وكانت الفكرة قد أطلقت للمرة الأولى في ربيع هذه السنة من طرف عبد الحفيظ الورديري، المتحدث باسم المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف.
في المقابل، يبدو أن السيد فرهاد أفشار، رئيس تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا قد بلور من جهته مشاريع مماثلة مع جامعات برن وبازل ولوسرن وجنيف. وتشير بعض المصادر إلى أن جامعتي الأزهر بمصر (سنية) وقُـم بإيران (شيعية) تشاركان من جانبها في إعداد هذه المشاريع.
وقد أثير هذا المقترح أيضا في شهر يوليو الماضي في سياق اجتماع عقده ممثلون عن الطوائف المسيحية واليهودية والمسلمة في سويسرا تحضيرا لإنشاء مجلس مشترك يرمي إلى تحسين العلاقات بين الأديان السماوية الموجودة في سويسرا.
من جهته، أوضح ماركوس صالي، المسؤول عن العلاقات الداخلية في فدرالية الكنائس البروتستانتية في سويسرا أن “عدة جامعات سويسرية بدأت بعدُ في البحث عن كيفية فتح فروع متخصصة” للإستجابة لهذا الطلب، ولكنه حذر من التسرع في اتخاذ القرارات، وقال: “يجب البحث بعناية عن الكلية أو القسم الذي سيحتضن تدريسا من هذا القبيل”. كما نوّه ماركوس صالي إلى “ضرورة حل مشكلة أخرى تتمثل في تمويل هذا التكوين”.
توجهات مختلفة
وفي مراجعة للإمكانيات المتوفرة حاليا في الجامعات السويسرية، نشير إلى أن “معهد التبشير والعلوم الدينية” بجامعة فريبورغ شرع منذ فترة في دراسة التوجهات المختلفة التي تطبع المعتقدات الإسلامية. ويقول ريشار فريدلي، أستاذ علم الأديان المقارن، “نحن نريد التفكير في كيفية هيكلة تكوين الأئمة”.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى وجود اختلاف بين مكونات الجالية المسلمة المقيمة في الأنحاء السويسرية المتحدثة بالألمانية وأغلبها من تركيا والبلقان، والجزء المتواجد في سويسرا الروماندية الناطقة بالفرنسية، التي تضم أغلبية من المسلمين القادمين من شمال إفريقيا.
ويرى الأستاذ فريدلي أن “جامعة فريبورغ بحكم أنها الجامعة الوحيدة المزدوجة اللغة في سويسرا (حيث يتم التدريس فيها باللغتين الألمانية والفرنسية) متعوّدة على الجمع بين توجهات مختلفة”.
تجربـة نمساوية ورفض يميني
من جانبها، أجرت جامعة بازل (شمال) مباحثات مع السيد الشاهد، مدير “أكاديمية المعلمين الإسلامية في فيينا” لاستكشاف مسألة توفير تكوين علمي ملائم للأئمة.
وكانت أكاديمية فيينا قد شرعت منذ عام 1998 في تكوين مدرسين في العلوم الإسلامية يُـرخّـص لهم فيما بعد من الطرف السلطات بالعمل كأئمة. وتقدّم أكاديمية المعلمين الإسلامية في فيينا الممولة بالكامل من قبل الدولة النمساوية، دروسا بالألمانية في العلوم الإنسانية والبيداغوجيا والأساليب التطبيقية المتعلّـقة بالأديان.
ونظرا لكثافة مواد البرنامج وصعوبتها، لم يتخرج من الأكاديمية (التي تستمر فترة الدراسة فيها ثلاث سنوات)، إلا بضع عشرات من الأئمة منذ افتتاحها. ويرى السيد الشاهد أن التعليم والتكوين “من أفضل الوسائل لتكوين أئمة معتدلين، ومراقبتهم بالتالي”.
وفي انتظار اتضاح الصورة واتخاذ قرارات عملية من طرف السلطات أو الجامعات، استمر الجدل بموازاة ذلك على المستوى السياسي.
فقد أيّـد وزير الاتصالات موريتس لوينبيرغر في تصريحات أدلى بها في موفى الأسبوع الماضي إلى التلفزيون السويسري الناطق بالألمانية فكرة إنشاء شُـعب تكوين للأئمة في سويسرا، وقال: “إن ذلك سيسمح بمنع الدعوات إلى العنف”.
في المقابل، رفض أولي ماورر، رئيس حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) الفكرة من أساسها، وقال في تصريح نُـشـر في عدد الأحد الماضي من صحيفة NZZ: “إن سويسرا بلد مسيحي لا مكان فيه لتدريس أكاديمي حول الإسلام”.
سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.