رهانات حماس بين المُـمكن والمستحيل
بين تصاعد حالة الحصار على قطاع غزة وتواتر الأطروحات من قِـبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية في رام الله، تبدو حماس، من الناحية الفعلية، في موقف لا تُـحسد عليه.
فمن جانب، تعمل على أن يكون انفرادها بغَـزة، مقدّمة لبناء نموذج رشيد في الحكم، ومن جانب آخر، لا تتوافر لها مقوِّمات الحدّ الأدنى للاستمرار في تلك التجربة دون مُـنغِّـصات.
بين تصاعد حالة الحصار على قطاع غزة وتواتر الأطروحات من قِـبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية في رام الله، لتحويل عملية انفراد حركة حماس بحُـكم غزّة نوعا من الكابوس الذي لا فكاك منه إلا بتقديم التنازل تِـلو الآخر، وصولا إلى عودة الأمور كما كانت عليه قبل منتصف يونيو الماضي، تبدو حماس، من الناحية الفعلية، في موقف لا تُـحسد عليه.
فمن جانب، تعمل على أن يكون انفرادها بغَـزة، مقدّمة لبناء نموذج رشيد في الحكم، له جذور إسلامية يحسب لها ولتجربتها، ومن جانب آخر، لا تتوافر لها مقوِّمات الحدّ الأدنى للاستمرار في تلك التجربة دون مُـنغِّـصات، من قبيل توقف شركة الكهرباء الفلسطينية عن العمل وغرق القطاع في الظلام عدة أيام.
رهانات مستحيلة؟
وإذا كانت رهانات الرئيس محمود عباس ومن ورائه حركة فتح تتّـسم بالصعوبة والخطورة والمغامرة غير المحسوبة نسبيا، فإن رِهانات حماس، كحركة وكحكومة مُـسيطرة بحُـكم الأمر الواقع على قطاع غزة، تتّـسم بالاستحالة في الغالب، وبالإمكانية بأقل النِّـسب المتاحة، في الغالب أيضا.
ترتبط الاستحالة أساسا بأي تصوّر يميل إلى الانفراد بحُـكم القِـطاع وجعله مَـحمية مُـستقلة أو نموذجا إسلاميا أو دُويلة فلسطينية.
وبالرغم من أن هناك داخل عقل حماس الحركة من يُـؤمن بأن وجود الحركة في السلطة وسيطرتها المنفردة على جزء من الأرض الفلسطينية، هو امتداد لحالة مدٍّ إسلامي موجودة في المنطقة وتحقق النجاح تِـلو الآخر.
لكن عمليا، تبدو هذه التصورات مَـقضي عليها بالضربة القاضية، لأنها ببساطة تفتقد إلى أي عُـنصر عملي وواقعي، فلا القطاع غني بموارده الذاتية، التي تغنيه وتغني المُـسيطرين عليه عن الخارج القريب أو البعيد معا، ولا حماس قادرة، في ظل الظروف الراهنة، أن توفر الاحتياجات الضرورية لأهل القِـطاع، بقُـدراتها وبطرُقها الذاتية.
صرف الرواتب لا يكفي
وحتى إن نجحت الحركة في توفير بعض الأموال لصرف رواتب بعض الموظفين لعدة أشهر، وهم الذين حرمتهم السلطة وحكومة سلاّم فياض في رام الله من رواتبهم بحكم انتمائهم لحماس، فإن هذه الموارد المحدودة والمتناقصة، لا يمكنها أن تُـدير دُويلة أو تُـنجز خُـططا تنموية أو اجتماعية، بأي حال.
ومن غير المتصور أن تنجح أية قوة في إدارة شؤون وحياة ما يزيد عن المليون نسمة بمجرّد حفظ الأمن، رغم أهميته القصوى، وتجاهُـل حاجاتهم في التطور والحياة الكريمة والعمل المُـستمر والتطلّـع إلى المستقبل، لعدم الاستطاعة.
ضرب الشبكة الأهلية
وحتى الموارد، التي كانت تأتي بطريق غير مباشر وعبر شبكة الجمعيات الأهلية، ذات الصلة بالحركة، وتمثِّـل أحد مصادِر قوة حماس وانتشارها شعبيا، باتت الآن مُـستهدفة. ووِفقا للمنشور، فإن خُـطة أو مجموعة أفكار قُـدِّمت للرئيس عباس من الجانب الإسرائيلي والأمريكي لضمان ارتفاع أسهم حركة فتح وخفض أسهُـم حماس بين الفلسطينيين، تضمّـنت تجفيف منابع الأموال للحركة وتقييد حركة مؤسساتها الاجتماعية والتربوية والإنسانية، وقيام السلطة مُـمثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية بتقديم المَـعُـونات مُـباشرة للفلسطينيين، بدلا من أن يحصلوا عليها من قِـبل الجمعيات المرتبطة بحماس.
وبالفعل، قامت السلطة الفلسطينية بإصدار قرار يُـجرِّم الذمّـة المالية لأكثر من جمعية أهلية ويُـصادِر الرُّخص الممنوحة لها، ووَقْـف التَّـعامل مع مواردها المالية عبر البنوك، ومُـعظم هذه الجمعيات مرتبطة بحماس وتعمل في القطاع، وهي خطوة ستَـتلوها خُـطوات أخرى، حسب الُمعلن رسميا، وبما يعني أن عملية الحصار الأهلي قد بدأت بالفعل، وهو ما سيكون له دور في تقييد الموارد المالية المُـتاحة مستقبلا لحماس، وبما سيزيد الصِّعاب أمامها، وهي بالفعل كثيرة وضخمة.
الانتقال إلى الإمكانية
من الاستحالة إلى الإمكانية، يلحظ المرء أن الأخيرة تنحصِـر أساسا بالمُـصالحة مع فتح عبر حِـوار ما، يَـطرح بدوره عدة احتمالات مُـمكنة، نظريا على الأقل، منها قَـطعا، إنهاء حالة الانفراد بحُـكم غزة والاندماج الواعي بحركة السياسة الفلسطينية، التي تُـمتزج فيها بنسب مختلفة حالة المقاومة وحالة المساومة وحالة البقاء.
الُمعلن من قِـبل حماس، أنها لا تنازع الرئيس عباس شرعيته القانونية والدستورية، فهو رئيس منتخب. لكنها أيضا تعتبر نفسها، وهو صحيح إلى حدٍّ كبير، قوّة شرعية ما حكَـمت إلا عبر صناديق الانتخاب وإرادة الناس الحُـرة، وأنها لم تكن لتقوم بما فعلته مُـنتصف يونيو الماضي، إلا لمواجهة زمرة انقلابية في فتح، لا أكثر ولا أقل، ولحماية نفسها ممّـا كان يُعَـد لها بِـلَـيل.
الشرعية.. صكّ براءة
لكن حديث الشرعيات وحده، وإن أرادت به حماس إيجاد أرضية لتسوية مع الرئيس عباس والسلطة ككل، لا يكفي في مواجهة تحدِّيات التوصُّـل إلى تسوية، لأن الأمر كما هو معروف، لا يخُـص الرئيس عباس وحدّه، فهناك من ورائه قِـوى داخلية وأخرى خارجية ـ سواء أردنا ذلك أم لا ـ من الصَّـعب تجاهل رأيها وقرارها فيما يتعلّـق بأي مصالحة فلسطينية داخلية، تُـعيد حماس إلى أرضية القبول العام.
كما أن الطريقة التي يدير بها الرئيس عباس حواراته مع أولمرت ورِهانه التوصل إلى إعلان مبادِئ قبل اجتماع الخريف المقبل، الذي دعا إليه الرئيس بوش، من شأنه أن يحد من التوجّـه إلى مُـصالحة حماس في هذا الوقت تحدِيدا، وقبل أن تظهر عليها علامات الضُّـعف النِّـسبي وفقدان الشعبية، حتى داخل قطاع غزة، معقلها الأهم والأكبر، ناهيك عمّـا يجري بالفعل من إضعاف لها في الضفة الغربية، والظروف هناك أكثر من ملائِـمة لتحقيق نجاحات فيها.
مدخل الشرعية على هذا النحو، تعتبره حماس صكّ براءة من أي اتِّـهام لها بالانقلاب على الشرعية، وتعتبره خُـطوة في الاتِّـجاه الصحيح، لأنه يؤكِّـد عن نواياها الحسنة، لكن ليس إلى الحدِّ الذي تتنازل فيه عمّـا تعتبره ثوابِـتها الفِـكرية والسياسية، لاسيما التمسُّـك بحقِّ المُـقاومة، ما دام هناك احتلال.
وإلى أن تتِـم المُـصالحة، تبدو حماس عازِمة على تطبيق القانون ومواجهة من تَـراهم فاسِـدين، والإعلان عن وثائق وقَـعت بحوزتها تُـدين مسؤولين في السلطة، لاسيما أجهزتها الأمنية، ولكن كل في وقته وبحساب دقيق، وهي أمور لا تتجاوز عملية إدارة أزمة لا أكثر ولا أقل، وجزء منها يتعلّـق بأزمة استعادة المصالحة الفلسطينية.
نحو صيغة للحوار
في هذا السياق، تبدو مُـحاولات بعض ذوي الصِّـلة الحسنة والعلاقات المفتوحة في الجهتين، فتح وحماس، نشِـطة من أجل بلورة صيغة للحوار، والمطروح غير الرسمي، بعد أن يمزج بين عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب، لاسيما عودة مقار الأجهزة إلى سيطرة السلطة في رام الله وإعادة تنظيمها، وِفقا لأسُـس وطنية عامة، والبحث في حكومة وِحدة وطنية وِفقا لاتِّـفاق مكّـة، وإعادة تنظيم منظمة التحرير الفلسطينية وِفقا لتفاهمات القاهرة في شهر مارس 2005.
مثل هذه الأفكار ليست جديدة، وهي تِـكرار لِـما سبق تداوُله واتُّـفِـق عليه فعلا، ولكن لم يُـقدَّر له النجاح من قبل، فمَـن يضمن أن يُـكتَـب لها النجاح لاحقا؟ لا شيء حتى اللّـحظة، وهنا تكمن المشكلة، ليس لحماس فحسب، بل أيضا لفتح وللسلطة وللرئيس عباس معا.
د. حسن أبو طالب – القاهرة
رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – قال مساعد كبير للرئيس الفلسطيني محمود عباس إن الرئيس الفلسطيني يريد أن يتمخض مؤتمر للسلام في الشرق الاوسط عن اتفاقية إطار للسلام مع اسرائيل وأن يحدد موعدا لتنفيذها.
وقال دبلوماسيون إن واشنطن تخطط لايفاد ديفيد وولش، مساعد وزيرة الخارجية الامريكية، الى القدس والضفة الغربية في وقت لاحق من الاسبوع الجاري لحرصها على تضييق هوة الخلافات بين اسرائيل والفلسطينيين قبل المؤتمر.
وقال عباس “أخشى ما نخشاه أن يأتي الخامس عشر (من نوفمبر تشرين الثاني) اذا كان هذا هو الموعد المحدد للاجتماع الدولي دون ان يكون هناك اتفاق محدد على القضايا، وأن يوصف هذا الاجتماع بالفشل.”
ويضغط عباس على اسرائيل كي تناقش بعمق قضايا هي لب، أي اتفاق مستقبلي بشأن الدولة الفلسطينية هي الحدود النهائية، ومصير القدس واللاجئين الفلسطينيين.
وقال مساعد عباس شارحا موقف الرئيس الفلسطيني “نحتاج الى اتفاقية اطار وحد زمني لتنفيذها.”
وقال عباس في مؤتمر صحفي مع خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي “لا نريد مجرد مؤتمر يخرج عنه بيان ويكون في النتيجة فشلا للجميع.”
وأضاف مساعد عباس أن الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت فشلا في تسوية خلافاتهما بشأن هذه المسألة في اجتماعهما الاخير في 28 أغسطس اب.
وقال عباس في الاسبوع الماضي ان المؤتمر الذي اقترحه الرئيس الامريكي جورج بوش سيكون مضيعة للوقت اذا استمرت اسرائيل في السعي فقط الى “اعلان مباديء” لا يتطرق للتفاصيل.
واستخدم مسؤولون اسرائيليون هذا التعبير لوصف ما قد يقدمه أولمرت ردا على الدعوات التي تطالب بمحادثات سريعة ونهائية بشأن تفاصيل اقامة دولة فلسطينية.
وأضاف المسؤولون ان تحديد اهداف مفرطة في الطموح قد يؤدي الى خيبة أمل ويحطم الجهود التي تجددت لاحياء عملية السلام التي عطلها العنف المستمر منذ سبع سنوات.
ومن المتوقع ان يصل وولش الى اسرائيل يوم الثلاثاء، وهو نفس يوم وصول توني بلير المبعوث الدولي للشرق الاوسط. ومن المتوقع ان تعود كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية الى المنطقة في منتصف سبتمبر ايلول الجاري.
وفي تطور اخر، قال مسؤولو مستشفى في بلدة خان يونس بجنوب قطاع غزة إن طائرة اسرائيلية شنت هجوما على سيارة في البلدة مما أسفر عن اصابة ثلاثة نشطاء فلسطينيين من حركة الجهاد الاسلامي.
وخسرت حركة فتح التي يتزعمها عباس السيطرة على قطاع غزة في يونيو حزيران الماضي لصالح حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي ينبذها الغرب. وأضعف كذلك أولمرت سياسيا في الاشهر الاخيرة مما يثير شكوكا بين الاسرائيليين والفلسطينيين في قدرة الزعيمين على الوفاء بأي وعود للسلام.
وجددت اسرائيل يوم الاحد نقاشا للحكومة حول مصير مستوطنات يهودية غير مصرح بها في الضفة الغربية المحتلة، لكنها لم تقدم أي علامة على أن تفكيكها الذي وعدت به اصبح وشيكا.
وتعهدت الحكومة الاسرائيلية بموجب “خارطة الطريق” المدعومة من الولايات المتحدة لتحقيق السلام في الشرق الاوسط بازالة عشرات “النقاط الاستيطانية” التي أقيمت دون تصريح منها منذ مارس اذار عام 2001.
وتقول حركة السلام الان الاسرائيلية اليسارية ان المستوطنين اليهود أقاموا 104 من هذه النقاط في الضفة الغربية من بينها 52 نقطة بعد مارس 2001. وقد يساعد تفكيك هذه النقاط وبعضها شاغر قبل مؤتمر السلام في تعزيز موقف الرئيس الفلسطيني، لكنه سيثير غضب اليمين الاسرائيلي على أولمرت.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 02 سبتمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.