سبتة ومليلية: رهان الأمد الطويل؟
كان المعنيون بملف مدينتي سبتة ومليلية مشغولين بقرار المغرب استحداث مناطق حرة في محيط المدينتين، حين اندلع العنف يوم الثلاثاء الماضي على نقطة الحدود بِباب سبتة بين مواطنين مغاربة وحرس الحدود الإسباني.
اندلع العنف بعد احتجاج المواطنين المغاربة المغادرين لسبتة على المعاملة السيئة للسلطات الإسبانية في المركز الحدودي، وتصعيد المغاربة احتجاجهم إلى رشق بالحجارة ردت عليه قوات حرس الحدود الإسباني بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي أسفر عن جرح حوالي عشرين محتجا نُقل بعضهم إلى مدينة تطوان المغربية القريبة أو أعيدوا إلى مدينة سبتة للعلاج.
المواطنون المغاربة انطلقوا بعد الاشتباكات إلى مدينة المضيق ( 15 كلم) حيث الإقامة الصيفية للملك محمد السادس، إلا أن السلطات المغربية التي احتاطت للأمر حالت دون وصولهم إلى هدفهم وفرقت المحتجين سلميا، تقديرا للأجواء التي مروا بها.
بالتأكيد اشتباكات أول أمس الثلاثاء على باب سبتة لن تفتح الملف السياسي للمدينة وشقيقتها مليلية، اللتين تحتلهما إسبانيا منذ اكثر من خمسة قرون، لان وضعيتهما اعقد من مسألة احتلال عادي أو فقط شكل من أشكال الاستعمار القديم. إذ أن إسبانيا تعتبرهما جزءا من ترابها الوطني، أي استحالة مناقشة مستقبلهما مع طرف خارجي.
على التراب المغربي وتحت السيادة الإسبانية
قبيل وفاة الجنرال فرانكو 1975 وانتقال إسبانيا إلى العهد الديمقراطي، كان من اشتراطات الجيش الإسباني لرفع يده عن الحكم في البلاد، الحفاظ على إسبانية ثغري سبتة ومليلية، الواقعتين ضمن التراب المغربي، لذا نص الدستور الإسباني على ذلك ومُنحتا في إطار النظام الإداري الإسباني حكما ذاتيا وأعلنتا مناطق حرة تعتمد في تسويق ما تستورده على السوق المغربي.
المغرب، الذي لا زال حتى الآن لا يعترف بهذا الوضع، حاول خلال السنوات الماضية إيجاد صيغة تتطور بانتظار تطورات ملف صخرة جبل طارق المشابه لملف المدينتين حيث تطالب إسبانيا باسترداده من بريطانيا، فاقترح منتصف الثمانينات تشكيل لجنة تفكير مشتركة. لكن مدريد ترفض الاقتراح الذي تذكر به الرباط بين الفينة والأخرى.
مدريد أقصى ما تذهب إليه هو مناقشة وضع المغاربة في الثغرين المحتلين، خاصة بعد تفجير مشكلة هذا الوضع حين اقترحت حكومة فيليبي غونثاليث 1986 قانون الأجانب وفرضت على المغاربة في الثغرين الاختيار بين بطاقة الإقامة والجنسية الإسبانية.
تعيشان من تسويق المخدرات وتهريب البضائع
اشتباكات باب سبتة تفتح ملف علاقة الثغرين مع المناطق المغربية المحيطة بهما، وهي مناطق مهمشة منذ استقلال المغرب ويعتاش سكانها على زراعة المخدرات وتسويقها إلى أوروبا أو تهريب السلع والبضائع من سبتة ومليلية.
إذ نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية في شمال المغرب، وللطبيعة الجغرافية للثغرين، حيث يصعب الانتقال إلى التراب الأوروبي بدون ركوب البحر، فإن اتفاقا بين السلطات الإسبانية والمغربية يقضي بالسماح للسكان المغاربة في مناطق الجوار بالدخول إلى المدينتين بدون تأشيرة دخول أو الاكتفاء بإشهار بطاقة التعريف الوطنية.
هذا الإجراء أدى إلى توجه حوالي خمسين ألف مغربي من مناطق الجوار صباح كل يوم إلى الثغرين للعمل وللعودة بسلع وبضائع لبيعها في أسواق قريبة، مع تسرب جزء منها إلى مدن الداخل. ويبلغ حجم هذه التجارة حوالي مليار دولار سنويا.
طبيعة عمل المغاربة في سبتة والهدف من زيارتهم، تجعل تعامل السلطات الإسبانية معهم خالية من الاحترام واللياقة، وكانت احدث مظاهر عدم الاحترام السياج الذي وضع في نقطة الحدود لعبور المشاة وهم العمال وتجار الشنطة الذين فجروا عنف الثلاثاء.
إقامة المغرب لمناطق حرة في الجوار الجغرافي لسبتة ومليلية، وهو ما أعلن عنه مؤخرا، يعني عمليا تقلص أهمية الثغرين والفائدة التجارية منهما وتبقي أهميتهما الاستراتيجية كنقاط تحكم في مضيق جبل طارق. ويراهن المغرب على رفض دولي لوضع المضيق رهنا بيد دولة واحدة هي إسبانيا في حالة استعادتها صخرة جبل طارق من بريطانيا.
هو رهان طويل الأمد، إن كان في اعداد المناطق المغربية الحرة أو استعادة مدريد لجبل طارق، والى ذلك الحين سيبقى المغاربة المتوجهون والعائدون من سبتة ومليلية محور اهتمام السلطات في البلدين.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.