“سطوة العصابات” .. ظاهرة مُفزعة في المغرب
خرج المواطنون في عدد من المدن المغربية الى الشوارع احتجاجا على سيادة شريعة الغاب وتحكم العصابات الاجرامية في حياتهم في ظل غياب شبه تام للدولة واجهزتها.
وتتمثل المفارقة في أن الدولة لم تظهر بطائراتها وهراواتها وقنابلها المسيلة للدموع ورصاص بنادقها إلا حينما خرج المواطنون للشوارع احتجاجا.
خرج المواطنون في عدد من المدن المغربية الى الشوارع احتجاجا على سيادة شريعة الغاب وتحكم العصابات الاجرامية في حياتهم في ظل غياب شبه تام للدولة واجهزتها لم تظهر بطائراتها وهراواتها وقنابلها المسيلة للدموع ورصاص بنادقها الا حينما خرج المواطنون للشوارع احتجاجا.
وقد يكون هذا غريبا في بلد مثل المغرب، المعروف بقوة جهاز دولته أو ما يعرف بالمخزن وحضورها الطاغي في التفاصيل الصغيرة من حياة المواطن، ويبدو أن هذا كان جزءا من الماضي بعد ان باتت الظاهرة مشهدا عاديا في عدد من مناطق البلاد.
في منطقة أيت أورير القريبة من مراكش، والتي وقعت في الآونة الأخيرة تحت سيطرة عصابات تقتل من تشاء في الساحات العامة وفي وضح النهار في ظل غياب الدولة، فاض الكيل بالمواطنين بعد ان قتلت العصابات مواطنا في ساحة عامة ظهر السبت 11 مارس الماضي ولم تسمح بنقل الضحية الى المستشفى او الى منزله لاداء الصلاة عليه ودفنه. وقد بقيت جثة الضحية ست ساعات كاملة ملقاة في الساحة قبل ان تأتي الدولة لتواجه المواطنين الذين ساروا غاضبين محتجين على الضعف الامني وتفشي الجريمة والاوضاع المزرية التي وجدوا انفسهم يعيشونها.
ونقلت صحف مغربية عن مواطن من المدينة قوله: “مدينتنا تحولت الى قندهار والمواطنون ملوا من العبث الذي اصبح سياسة المسؤولين، في وقت اصبحت المنطقة مسرح عمليات سرقة وحرق للسيارات والدراجات والحيوانات”. كما أشارت الصحف إلى أن المواطنين “يتهمون رجال الدرك بالعربدة العلنية والمحسوبية والتستر على باعة المخدرات وربط علاقات مشبوهة معهم”.
خريبكة .. خنيفرة .. وفـاس .. وتطوان
اجهزة الدولة تحركت بكثافة لمواجهة المحتجين، مستخدمة كل ما تملك من اسلحة ووسائط بما فيها الطائرات المروحية، واعتقلت العديدين وأبقت عشرة منهم في السجن تمهيدا لتنظر المحكمة بملفاتهم المتضمنة تهما متعددة منها المشاركة بتجمهر مسلح والتحريض على ارتكاب جريمة والاعتداء على موظفين والحاق خسائر مادية بممتلكات الغير ونقل خبر زائف.
وقبل اكتمال حكاية منطقة آيت أورير كانت مدينة خريبكة (وسط البلاد) تعرف احتجاجات المواطنين على أوضاع تعيشها مدينتهم مشابهة لاوضاع منطقة ايت اورير حيث نظم سكان المدينة المعروفة بإنتاج الفوسفاط، احتجاجات أمام مبنى ولاية المدينة لمعرفة مآل التحقيق في مقتل شخصين وإصابة آخرين من قبل مجرم أشهر سيفه في وجه سكان الحي وتسبب في مقتل شخصين، ولم تسلم الحيوانات من هذا الشخص، إذ قتل حصانا. وقد سبق للجاني أن شارك في جريمة قتل قبل سنتين، قبل أن يطلق سراحه.
وفي مدينة خنيفرة في الوسط المغربي، احتج المجتمع المدني وتنظيمات سياسية ومهنية على التسيب الأمني، وأعربوا جميعهم عن استنكارهم الشديد إزاء تردي الأوضاع الأمنية بإحدى بلدات المحافظة. وفي مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط اصبح الانفلات الامني وتفشي الجريمة وغياب الدولة سائدا.
في السنة الماضية، كانت مدينة فاس العريقة بدورها تعيش حالة مشابهة واضطرت الدولة لتجنيد الآلاف من رجالها للسيطرة عليها بعد ان عاث فيها قطاع الطرق والعصابات فسادا شهورا طويلة. أما مدينة تطوان، فلا زال مواطنوها يشكون من هيمنة تجار المخدرات على اقتصادها وحياتها.
عندما يتحول السجن إلى .. جنة!
وإذا كانت مثل هذه المدن تعيش تحت حكم العصابات وقطاع الطرق فإن احياء بأكملها في مدن كبرى تعيش في ظل قوانين تضعها وتنفذها جماعات وتيارات أصولية غير معترف بها ولا تخضع لسيطرة الدولة وعادة ما يطلق على هذه الاحياء النائية التي تطغى على مساكنها بيوت الصفيح أسماء من قبيل “تورا بورا” و”كابول” و”قندهار”.
المسؤولون المغاربة يشكون من قلة الامكانيات ويقولون إن المغرب لايتوفر سوى على 45 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى رجال الدرك، في بلد عدد سكانه يفوق 30 مليون نسمة. في الوقت نفسه، تولي الاجهزة الامنية اهتماما خاصا بما يصفه المسؤولون “هجمات محتملة من شبكات إرهابية تستهدف البلاد” ويشيرون الى هجمات 16 مايو الانتحارية التي استهدفت مدينة الدار البيضاء عام 2003.
ويحاول المسؤولون التغطية على هذا الواقع وتبريره من خلال التركيز على عدة مسائل أخرى مثل البطالة والفقر وتفشي الامية التي تبرز مظاهرها في احتجاجات يومية تعرفها شوارع العاصمة الرباط وزوارق الموت التي تحمل العشرات من الشباب عبر مضيق جبل طارق نحو اوروبا غير عابئين بمخاطر البحر وامواجه وايضا الدعارة بكل مظاهرها ومآسيها الاجتماعية والاخلاقية، لكن بالنسبة للمواطن الفرد فإن كل هذه المأسي تبقى أقل تكلفة وعواقبها أخف من الذهاب بعيدا في الاحتجاج السياسي المتمثل في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين بالاصولية المتشددة.
فالمواطن، حسب تربيته وعلاقاته اليومية مع الدولة في دول العالم الثالث، يدرك ان الاجهزة الامنية تكون رحيمة في القضايا اللاسياسية، ولان فرص العمل نادرة ان لم تكن مفقودة، والهجرة السرية أصبحت محاربة بإتفاقيات دولية ومكافحة بتعاون اقليمي دون ضمانات لحياة مستمرة ومستقرة وكريمة بعد الوصول الى “الجنة” الاوروبية، فإن الجريمة الجنائية تصبح السبيل الاسهل والاقل تكلفة لضمان لقمة العيش.
وفي هذه الأوضاع يصبح السجن جنة لمن يجد حياته اليومية جحيما في ظل العوز والفاقة، فكيف إذا كانت السجون مزدحمة بشكل يدفع الدولة إلى تقليص عدد نزلائها الذين يخرجون من خلف القضبان ليجدوا فراغا أشد قسوة وعذابا من الزنزانة.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.