“سقوط الفرعون”.. قد يُصبح أول تحدٍّ للرئيس الأمريكي الجديد
بعد أن منعت السلطات المصرية تداول كِـتاب للكاتب البريطاني جون برادلي بعنوان: "أرض الفراعنة على شفا اندلاع ثورة"، ظهر في الأسواق الأمريكية كتاب جديد بعنوان: "الفرعون الأخير: مبارك والمستقبل الغامض لمصر في شرق أوسط غير مستقر" لكاتب أمريكي من أصل مصري.
عن فصول الكتاب يقول مؤلِّـفه المصري الأمريكي علاء الدين الأعسر، الذي سبق وتنبأ في أحد مؤلفاته السابقة قبل حرب العراق بسقوط نظام صدام حسين: “يركز الكتاب على تاريخ مصر، خاصة في الفترة من قيام ثورة 23 يوليو سنة 1952 وحتى الآن، وما تبع ذلك من تأسيس نظم حكم دكتاتورية متعاقبة”.
وتشرح فصول الكتاب طبيعة هذا النّـمط من “حكم العسكر وكيف تطوّر على مدى أكثر من نصف قرن إلى نظام قمعي بوليسي منذ أيام عبد الناصر ووصولا إلى حسني مبارك، الذي أرى أنه يحمل لقب آخر الفراعنة، وأفردت فصلا لشرح الكيفية التي تأسّس بها ما يشبه كهنوت تأليه مبارك وتحوّله إلى فرعون بكل ما تعنيه الكلمة في التراث والموروث المصري، وفي فصل آخر شرحت بالتفصيل جُـذور الفساد ونمط الإفساد الرهيب الذي تفشّـى بالذات خلال أكثر من رُبع قرن من حُـكم مبارك والقوى السياسية المنتفعة بنظامه. وفي فصل آخر، استعرضت السيناريوهات المختلفة المحتمَـلة لسقوط الفرعون الأخير، وما يمكن أن يعنيه، داخليا وخارجيا، في المرحلة القادمة”.
وأعرب المؤلِّـف علاء الأعسر عن اعتقاده بأن العدّ التنازلي لسقوط نظام حكم مبارك في مصر قد بدأ بالفعل، ودلّـل على ذلك بالشواهد التالية:
أولا، أن الرئيس مبارك تخطّـى الثمانين من العمر، ولدى انقضاء السنتين المتبقيتين له من فترة ولايته الأخيرة، سيكون قد بلغ من العمر عتِـيا، رغم إنكار المشاكل الصحية العديدة التي يُـعاني منها.
ثانيا، الشعور الشعبي بتفشِّـي الفساد وفقدان مبارك شعبيته تماما، بحيث أصبح نظامه عِـبءً على الشعب المصري، ممّـا انطوى على الكثير من الكراهية الشعبية له ولنظامه ورموز نظامه.
ثالثا، سيطرة رأس المال على الحُـكم، بحيث أصبحت نسبة 2 إلى 3% من المقرّبين للنظام يحتكِـرون السلطة والثروات في مصر على حساب انحِـدار مستوى معيشة الشعب المصري وبيع مصر بحجّـة الخصخصة.
رابعا، الحالة الاقتصادية السيِّـئة التي وصلت إليها مصر، من بطالة وارتفاع نسبة مَـن يعيشون تحت خط الفقر وارتفاع تكاليف الحياة وانخفاض الرواتب وشيوع اليأس وعدم الإحساس بأي أمل في المستقبل.
خامسا، تحوّل التململ الشعبي إلى حِـراك سياسي، مثل حركة 6 أبريل على الفايس بوك، وسلسلة إضرابات عمال المحلة ومظاهرات المحامين والمعلمين والصحفيين وأرباب المعاشات، بل واعتصام القُـضاة وغيرهم، وهذا يعطينا صورة عن حالة الغضب الكبير في الشارع المصري ضدّ مبارك وضدّ نظامه، وكلها تُـعتبر إِرهاصات وبداية الوعي، وأن الشعب المصري لم يعُـد يحتمل، وأن الوضع خطير ويُـنذر بعواقِـب وخيمة.
كيف سيسقط آخر فرعون؟
يقول الكاتِـب علاء الدين الأعسر، إنه على الرغم من أن المصريين مشهورون بإطلاق النِّـكات على زعمائِـهم والتنفيس عن غضبهم بالنكتة، كما ينتظر الكثيرون من المصريين تدخّـل العناية الإلهية لإنقاذهم من ظلم الحاكم، فإن الشعب المصري بمثابة المارد النائم، الذي لا نستطيع أن نستبعِـده من الحسابات.
فلا يمكن التنبُّـؤ بالكيفية التي يُـمكن أن يفيق بها هذا المارِد، لأنه أصبح على شفا الفوران مثل البُـركان، خاصة وأن نظرية العدو الخارجي لم تعد تنطَـلي على الشعب المصري بعد أن أدرك وجود العدُو الداخلي الذي قام بإفساد وتدمير البِـنية التحتية وأسلوب الحياة بمصر، وقام بنهب الثروات في مصر وتهريبها إلى الخارج، كما قام بقمع الشعب المصري إلى درجة لم يسبق لها مثيل في تاريخه.
ووضع الكاتب علاء الأعسر عدّة سيناريوهات محتملة لما بعد مبارك:
أولا، شرارة غضبٍ شعبيٍ عارم، تنطلق في شكل ثورة الجياع، على غِـرار الثورة الفرنسية، وتستهدف طبقة المنتفعين بنظام مبارك والذين أثروا على حساب الشعب بالفساد واستغلال النفوذ. فمصر قاب قوسين أو أدنى من ثورة جياع، لأن مقومات الحياة الرئيسية في مصر غير متوفرة للأسرة المصرية، ووصلت إلى ذِروتها بطوابير الخُـبز وانضمام الملايين إلى العيش تحت خط الفقر.
ثانيا، انقلاب عسكري يُـعيد التأكيد على أسلوب الشرعية الثورية للعسكر، بهدف تأكيد دور المؤسسة العسكرية في حُـكم البلاد، باعتبار ضرورة موافقة الجيش على من يحكُـم مصر. فالمؤسسة العسكرية متربِّـصة ومتحفِّـزة، وهناك العديد من الجنرالات الطموحين.
ثالثا، تعاظم دور جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية، بحيث قد تصبح في لحظة ما البديل الوحيد المطروح على الساحة لنظام حُـكم مبارك.
رابعا، استخدام التّـعديلات الدستورية المعيبة لترشيح جمال مبارك لمنصب الرئيس القادم لمصر، رغم الرفض الشعبي العارم لانتقال السلطة بالتوريث من الأب إلى الابن واستمرار حُـكم مبارك من خلال جمال والنخبة الحاكمة. ولترسيخ هذا السيناريو، عهد الرئيس مبارك إلى أحد الجنرالات القُـدامى الذي يلعب دورا حاسما الآن على الساحة المصرية بمهمّـة الوصيّ على عملية تمرير السلطة من الأب إلى الابن، وبالتالي، التأكد من وصول جمال إلى سدّة الحكم ومحاولة ضمان مساندة المؤسّـسة العسكرية.
الرئيس الأمريكي وسقوط الفرعون
يقول مؤلِّـف الكتاب، إنه حاول من خلال كتابه إطلاع صنّـاع القرار في الولايات المتحدة على خطورة التحدّي، الذي سيواجهه الرئيس القادِم في البيت الأبيض مع سقوط نظام مبارك، لأن انفلات الوضع قد تكون له عواقِـب وخيمة على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة وأنه وحتى الآن ليس هناك دور واضح في البرنامج الانتخابي أو أجندة أحد المرشحين بالنسبة للشرق الأوسط، وبالتحديد مصر.
ويضيف “يبدو لي أنهم غافلون عن أهمية هذا الدور وما يحدث في الشرق الأوسط. فلا أريد للرئيس الجديد أن يبدأ مشواره في البيت الأبيض بأزمة في الشرق الأوسط، أزمة أخرى تستدعي حالة من الهلع الأمريكي، لذلك، فنصائحي للمرشحين في الانتخابات الأمريكية هي أن يقفوا فِـعلا على حقيقة الموقِـف وخطورة الموقف، وأن تكون لديهم خطّـة وبرنامج لمعالجة الأمور في مصر بعد مبارك، لأن سقوطه سيحدث زلزالا سياسيا هائلا سيهز أركان المنطقة، لأن مصر لها دور رئيسي في السياسة في منطقة الشرق الأوسط، ولها موقع استراتيجي هام، كما أن لها دورا كبيرا جدا في العالم العربي والإسلامي”.
ويواصل الكاتب علاء الأعسر “بعد عقود من التحالف مع واشنطن، سيشكل سقوط نظام الحُـكم في مصر فراغا سياسيا يؤثر على النفوذ الأمريكي في باقي المنطقة، وربما سيأتي إلى الحكم في مصر مَـن يكون أسوأ أو يكون بمثابة أخبار سيِّـئة للعالم العربي والإسلامي وواشنطن والغرب. وقد تكون بمثابة انتكاسة أو عودة إلى الخلف، فنحن لا نريد نظاما ظلاميا يُـعيد مصر إلى العصور الوسطى أو يعيد تِـكرار سابقة ملالي إيران أو حتى تجربة السودان، حيث تسلط دور اليمين الدِّيني على العسكريين، وطبيعة هذه الأنظمة تأتي بالعداء الشديد للولايات المتحدة ومصالح الغرب وتؤدّي إلى العزلة وإلى الخراب والتصادم مع الآخرين”.
ويأمل الكاتب أن تتَّـعِـظ الولايات المتحدة من سقوط مشرّف وتُـدرك أن الخِـناق يضيق الآن على مبارك، وأن نظام مبارك قد تصدّع وهو آيل للسقوط، وأنها مسألة أسابيع أو شهور قبل أن يفاجأ الرئيس الأمريكي بتكرار سيناريوهات الماضي، كما في حالة ماركوس في الفيليبين، الذي كان من حلفاء أمريكا، وشاه إيران وسوهارتو في إندونيسيا، وهؤلاء جميعا كانوا يتشابهون في أنهم وصلوا إلى حالة الديكتاتورية المُـطلقة وقهر شعوبهم، وكانت هناك إرهاصات وعلامات، لكن للأسف لم تستطع واشنطن قِـراءة هذه الإرهاصات والتحذيرات ولم تتنبـه إلى نبض الشارع، بحيث حينما انهارت تلك الأنظمة الدكتاتورية التي حظيت لعقود بمساندة واشنطن، تركت شعورا بالمرارة لدى شعوب تلك الدول بأن ما تعرّضت له من قهر وفقر وفساد تمّ بمساندة أمريكية، فالمشكلة ليست في الحصول على المعلومات، ولكن في تحليلها واستقرائها ومحاولة معالجة الأمور قبل أن تتفاقم.
نداءات من الداخل والخارج
ويبدو من متابعة ما يجري في مصر أن هناك أصوات عديدة تدقّ أجراس الخطر وتُـطالب الرئيس مبارك بأن لا يسمح لتدهْـوُر الأوضاع بأن تدفع البلاد إلى غَـياهِـب المجهول، فقد وجه الدكتور يحيي الجمل، الوزير المصري السابق وأحد زعماء المعارضة، نداء إلى الرئيس نبّـهه فيه إلى أن محاولة استخدام التّـعديلات الدستورية المعيبة لنقل السلطة إلى جمال مبارك لن تفلح، لأن الشعب المصري يراه شابّـا مغرورا لم يمنحه الله ذرة واحدة من القبول الشعبي.
واقترح الدكتور يحيي الجمل أن يصدر الرئيس قرارا جمهوريا بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد، يقوم على مبدإ الدولة المدنية الديمقراطية، التي يتساوى فيها كل المواطنين، دون أي استثناء، على أن يتِـم الاستفتاء على الدستور الجديد خلال ما تبقّـى من فترة رئاسة مبارك، ثم تتم الدعوة إلى عقد انتخابات رئاسية جديدة وفقا للدستور الجديد، وليس وفقا للتعديلات الدستورية المعيبة التي لفقها “ترزية القوانين” في مجلسي الشعب والشورى.
كذلك، أجرى تحالف المصريين الأمريكيين في الولايات المتحدة استطلاعا لآراء المصريين، فيمن يُـمكن أن يكون البديل كرئيس قادم لمصر بعد مبارك حتى لا يقع الناخبون في وهم الاختيار المصطنع الذي تروج له الحكومة بين الحزب الوطني ومرشحه المستقبلي الوحيد جمال مبارك، وبين جماعة الإخوان المسلمين، وأظهرت نتائج الاستطلاع، كما صرّح الدكتور صفي الدين حامد، أستاذ الهندسة بجامعة تكساس ورئيس تحالف المصريين الأمريكيين، أن المصريين لا يشاركون نظام الحُـكم هذا الاختيار الذي يروّج لفكرة أن البديل لتوريث السلطة هو تركها للإخوان المسلمين، حيث عبّـروا في الاستطلاع عن إيمانهم بوجود خمسين بديلا على الأقل يُـمكنهم قيادة مصر إلى برّ الأمان، وعلى رأسهم عمرو موسى ومحمد مصطفى البرادعي والدكتور بطرس غالي، والدكتور أحمد زويل والدكتور طارق البشري والدكتور أيمن نور وأيضا الدكتور يحيي الجمل.
محمد ماضي – واشنطن
ولد محمد حسني مبارك في كفر المصيلحة في محافظة المنوفية يوم 4 مايو 1928 وبعد انتهائه من تعليمه الثانوي، التحق بالأكاديمية العسكرية وتخرج فيها بشهادة البكالوريوس في العلوم الحربية.
في عام 1950، التحق بكلية سلاح الطيران وتصدّر دفعته بشهادة البكالوريوس بعلوم الطيران. تدرّج في السلم الوظيفي، وفي عام 1964 ترأّس الوفد العسكري المصري للإتحاد السوفييتي .
ما بين 1967 و1972 وخلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، تم تعيين مبارك مديرا للكلية الجوية وأركان حرب القوات الجوية المصرية.
وفي 1972، أصبح قائداً للقوات الجوية ونائباً لوزير الدفاع. في أكتوبر 1973، قاد القوات الجوية المصرية أثناء حرب أكتوبر.
وفي أبريل عام 1975، تم تعيين مبارك نائبا للرئيس أنور السادات.
و في عام 1981، و بعد اغتيال السادات في 6 أكتوبر، انتخب مبارك من قبل أعضاء مجلس الشعب المصرى (البرلمان) رئيسا لجمهورية مصر العربية، ورئيسا للحزب الوطني الديمقراطي، وهو الرئيس الرابع منذ قيام الجمهورية.
أعيد انتخابه كرئيس للجمهوريـة خلال استفتاء على الرئاسة في أعوام 1987 و1993 و1999 و2005 لخمس فترات متتالية، ويشكك الكثير في قانونية هذا الاستفتاء، لأن الدستور لا يسمح بتعدّد المرشحين.
في فبراير 2005 دعا حسني مبارك إلى تعديل المادة 76 من الدستور المصري، والتى تنظم كيفيه اختيار رئيس الجمهورية وتم التصويت بمجلس الشعب لصالح هذا التعديل الدستوري، الذي جعل رئاسة الجمهورية بالانتخاب المباشر من قبل المواطنين وليس بالاستفتاء، كما كان في السابق.
وجِّـهت إليه انتقادات من قبل حركات معارضة سياسية في مصر، مثل كفاية لتمسكه بالحكم، خاصة قبل التجديد الأخير الذي شهد انتخابات بين عدد من المرشحين لأول مرة، وصفت من قبل الحكومة المصرية بالنزاهة، ومن قبل بعض قوي المعارضة بالمسرحية الهزلية المقصود بها إرضاء بعض القوى الخارجية.
شهد عصره تزايد الديكتاتورية والكبت السياسي، وازداد عدد المعتقلين في السجون، إذ وصل عدد المعتقلين السياسيين إلى ما يقرب من خمسة وعشرين ألف معتقل (معظمهم إسلاميون)، ووصل عدد العاملين في أجهزة الأمن المصرية 1.7 مليون ضابط وجندي ومخبر، وهو ما يعني أن هناك عسكريا لكل 37 مواطنا مصريا، وهي نسبة تقترب من ضعف مثيلتها في إيران زمن الشاه، كما شهد عدة إعتصامات وإضرابات عُـمالية في قطاعات مختلفة.
وفي عصره، تزايد عدد الفقراء وتفاقمت الأزمة الإقتصادية على إثر بعض السياسات الاقتصادية، يتحكم 2% من المصريين في 40% من جملة الدخل القومي، ومنذ توليه الرئاسة ظل تطبيق قوانين الطوارئ “سيئة السمعة” ساريا إلى الآن.
(المصدر: موسوعة ويكيبيديا الرقمية على شبكة الانترنت)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.