مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سوريون يعزفون لذكرى الأمس وأمل الغد في أوبرا دمشق بعد الإطاحة بالأسد

afp_tickers

التقط بهجت أنطاكي أنفاسه قبل أن يصعد وزملاؤه في الفرقة السمفونية الوطنية السورية الى مسرح دار أوبرا دمشق، على وقع تصفيق حار من الجمهور الآتي لحضور حفلتهم الأولى بعد الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد.

توقفت الفرقة عن العزف والتدريبات عقب سيطرة فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام الإسلامية التوجه وإسقاط الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر. وبعد انقطاع لأسابيع، أعاد الموسيقيون لمّ شملهم وأقاموا أمسية الخميس حضرها مئات السوريين، في مؤشر على أن مظاهر فنية لطالما عرفتها دمشق، بدأت تعود تدريجيا في مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم.

وفي حين كسر السوريون حاجز الخوف والترهيب الذي ساد لعقود خلال حكم آل الأسد، يخشى كثيرون من توجه السلطة الجديدة إلى إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات وحظر أنشطة ترفيهية منها تلك المرتبطة بالموسيقى. في المقابل، يسعى المسؤولون الجدد الى تكرار رسائل طمأنة مختلف الشرائح المحلية والمجتمع الدولي.

ويقول أنطاكي (24 عاما) “لم تكن سوريا يوماً مبنية على حالة متشددة، ولطالما كنا من ثقافات متعددة، لكن الحالة الشعورية اليوم مرتبطة بشهدائنا الذين فقدناهم خلال ثورتنا”، في اشارة للاحتجاجات المناهضة للأسد التي اندلعت في 2011 وتحوّلت نزاعا داميا مع قمعها بعنف من السلطات.

يضيف العازف الشاب “حفلنا اليوم بهدف تكريس جهدنا في الموسيقى، ولنقول إننا موجودون وقادرون على انتاج الفن”، متابعا بحماسة “سوف نستمر، وسوف نكون أقوى وأجمل”.

وأقيمت مؤخرا أمسيتا إنشاد ديني في دار أوبرا دمشق، إحداهما للمنشد المعارض المعروف محمّد أبو راتب العائد إلى سوريا بعد نحو أربعة عقود على مغادرتها جراء مواقفه المناهضة للنظام منذ عهد حافظ الأسد والد بشار.

وتطوّع عازفو الفرقة السيمفونية الوطنية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان لتقديم ثماني مقطوعات لمؤلفين سوريين وعالميين على مدار ستين دقيقة على مسرح دار الأوبرا التي دشنت قبل نحو عشرين عاما، وكانت تعرف رسميا بـ”دار الأسد للثقافة والفنون”.

– “لا تحتاج لمترجم” –

تقول عازفة الكمان راما البرشا “لا أتقن شيئا في الحياة غير الموسيقى، وانا هنا لأجدد القول إن الموسيقى لغة لا تحتاج لمترجم، ويفهمها الجميع، بغض النظر عن دينه أو طائفته أو عرقه”.

تضيف الموسيقية البالغة 33 عاما “هناك قلق مشروع من قبل الموسيقيين، لكننا نتأملُ أن يتم دعمنا بشكل أكبر، ولا سيما أن النظام السابق كان يحاول استثمارنا من أجل تحسين صورته”.

أقيمت أمسية الفرقة بعنوان “للشهداء ولمجد سوريا”، وبدأت بالوقوف دقيقة صمت “على أرواح شهداء سوريا”.

وترافق عزف الموسيقيين مع عرض صور غرافيكية على شاشة عملاقة خلفهم، تمثّل بمجملها مراحل مختلفة من أحداث مفصلية مرّت بها البلاد منذ عام 2011، ومشاهد علقت بذاكرة السوريين، مثل صورة الطفل إيلان الكردي الذي عثر عليه ميتا على شاطئ تركي، وتحوّل رمزا لأزمة المهاجرين السوريين الى أوروبا.

وأتى سقوط الأسد بعد أكثر من 13 عاما على نزاع أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتهجير الملايين، وإلحاق دمار واسع بالبلاد وبناها التحتية.

وعزفت البرشا مع زملائها مقطوعة للموسيقي عاصم مكارم حملت عنوان “الدوامة”، وعُرض في خلفيتها صور قيود تدلّ على حالات الاعتقال ومشاهد أيادٍ من خلف القضبان.

ومع تصاعد الإيقاع تارة، وارتفاع الآلات الوترية تارة أخرى، تأثّر بعض الحضور ومنهم من بكى حين شاهد صوراً نازحين سوريين في المخيمات، أو مهاجرين غارقين عبر البحر، ضمن سلسلة الصور التي كانت تعرضُ خلف العازفين.

وسط الحضور الحاشد، توزع عدد من الدبلوماسيين العرب والغربيين، ومسؤولين محليين بينهم شقيق الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وزير الصحة ماهر الذي جاء برفقة عائلته.

– “سوريا التي أحبها” –

وتعاني أوبرا دمشق من ضعف الإمكانيات المادية، إذ أدى ارتفاع ثمن المحروقات إلى عدم تشغيل أجهزة التدفئة المركزية خلال الحفل، ولم يتقاض العازفون أجراً على حفلتهم، بينما تطوّع فنيون وعاملون بأجهزة ومعدّات لوجستية لتقديم خدماتهم.

لكن ذلك لا يبدو أنه أثّر على ما تعنيه الأمسية بالنسبة لكثيرين، ومنهم الطبيب عمر حرب (26 سنة) الذي حضر الى هذه الدار للمرة الأولى في حياته.

ويقول “هذه أول آتي الى هنا، وصراحة ذهلت… آمل في أن تبقى هذه القصص (الفعاليات) مستمرة”، معتبرا أن  “الموسيقى واجهة البلد الثقافية”.

أما يمامة الحوّ (42 عاما)، فاعتادت حضور الأمسيات في مسرح الدار التي يطغى عليها اللون الأحمر وتحيط به شرفات خشبية يزيّنها حاجز ذهبي اللون.

وخرجت الحو من الأمسية بابتسامة عريضة على وجهها، وتشاركت الصور التذكارية مع عائلتها وأصدقائها، وأصرّت أن تصافح العازفين وتشكرهم على أدائهم.

وتقول بحماسة “هذا المكان (دار الأوبرا) أحبّه جدا، والمشهد الذي شاهدته اليوم هو سوريا التي أحبّها”.

تضيف “هذه الموسيقى هي تكريم لكلّ سوري بقي في سوريا، وناضل من أجل هذا اليوم، هذه الموسيقى هي تحيّة لنا ولأرواح الشهداء”، متابعة “أنا متفائلة جدا، ومتفائلة بغد أجمل”.

مون/كام

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية