سويسرا الخامسة: التصويت الإلكتروني مازال بعيد المنال
يـُواجه "مجلس السويسريين في الـخارج" من جديد التعقيد الذي يتـّسم به مشروع التصويت الإلكتروني بسبب النظام الفدرالي و.. اللغات الوطنية الأربـع المعتمدة في الكنفدرالية.
وينتظر المجلس، الذي يعقد دورته الصيفية هذا العام في مدينة فريبورغ من 22 إلى 24 أغسطس، بفارغ الصبر اللحظة الذي سيتمكن فيها سويسريو الخارج من التصويت عبر الإنترنت لضمان مشاركة فعالة في الحياة السياسية في موطنهم الأصلي.
تـُطالب “منظمة السويسريين في الخارج” منذ سنوات عديدة باستحداث بـديل عن التصويت عبر المُراسلة البريدية نظرا لعدم موثوقية خدمات البريد في كـافة أرجاء العالم. مما دفع الكنفدرالية إلى الالتزام بتطوير التصويت الإلكتروني للاستجابة لمطالب رعـاياها المقيمين ف شتى أنحاء العالم.
وقد أطلقت المُستشارية الفدرالية بالتعاون مع الكانتونات موقع الحكومة الإلكترونية (www.ch.ch) الذي يُعتبر مشروعا ناجحا بالمُقارنة مع ما هو متوافر على المستوى الدولي، لكن الأشيـاء تصبح أكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بآليات التصويت الإلكتروني وتطبيقاته العملية.
المزيد
سويسرا الخامسة
“يجب تعلم الإقلاع أولا من الأرض قبل الذهاب إلى الفضاء”!
وفي الواقع، بلغ الأمر درجة من التعـقيد جعلت نائب مستشارة الكنفدرالية، توماس هيلبلينغ، المدعو لعرض مُستجدات مشروع التصويت الإلكتروني على “نواب” منظمة السويسريين في الخارج يوم الجمعة 22 أغسطس في فريبورغ، غير قادر حاليا على تقديم أي وعد قد لا يمكن الوفاء به.
ففي بداية الأمر، يجب التفاوض حول كل نقطة مع الكانتونات الـ 26 والبلديات الـ … 2719 في سويسرا. ولا تُبدي جميع هذه الأطراف نفس التعـجل والإرادة من أجل تحويل هذا الحلم إلة واقع.
لـكن هانس-أورس ويلي، المسؤول عن المشروع، يحتفظ بهدوئه ويقول: “إن الأمر يشبه بعض الشيء بدايات الأبحاث الجوية الفضائية: فقبل الذهاب إلى المنظومة الشمسية، كان يتوجب تعلـّم الإقلاع من الأرض!”، قبل أن يضيف في معرض شرحه لصعوبة المشروع: “يتعين ضمان التكتـّم على اسم المواطن وأمن عملية التصويت، كما يجب التأكد من القدرة على مواجهة المخاطر وإصلاح الأضرار المُحتملة. وتُعدّ المعاملات المصرفية الإلكترونية مقارنة مع هذا (التصويت الإلكتروني) مُـجرد لعبة أطفال، كما أنها أقل تكلفة”.
وقد أشار روبرت كريمير، المؤلف النمساوي لدراسة مقارنة حول التصويت الإلكتروني في أوروبا، إلى هذه المفارقة السويسرية قائلا: “إن السياسي الذي يتخذ القرار هو معنـي بالأمر في الوقت نفسه بما أنه مُرشح أيضا، وسيسهر بالتالي على اختيار النظام الذي سيكون أكثر إفادة له”.
النظام الفدرالي والتعدد اللغوي
وقد طور كل كانتون (وبلدية) طريقة انتخابية خاصة به، على المُستوى الوطني أيضا. وفي هذا السياق، يُـذكِّرُ السيد فيلي بأنه “منذ اعتماد الدستور (الفدرالي) في عام 1848، فشلت أية محاولة للتوحيد لأن لا أحد يريد التخلي عن عاداته”.
وكانت الكنفدرالية قد أطلقت في عام 2000 ثلاثة مشاريع تجريبية للتصويت الإلكتروني في كانتونات جنيف ونوشاتيل وزيورخ. وطوّر كل واحد منها نظاما مختلفا، وسيُتاح لباقي الكانتونات، في الوقت المناسب، اختيار النظام الأكثر ملائمة لها (مجانا).
وتعتبر طبيعة المشكلة تنظيمية أساسا أكثر منها قانونية أو سياسية، بحيث يقول السيد فيلي: “يحق لكل مواطن سويسري في الخارج التصويت بلغته الخاصة وفي كانتونه الخاص الذي يجب أن يزوده بوثائق بلغته، سواء كانت ألمانية أو فرنسية أو إيطالية أو رومانش”.
ولم يطرح إدخال التصويت مُتعدد اللغات عبر البريد في عام 1992 مُشكلة رئيسية. لكن التصويت الإلكتروني لا يستدعي ترجمة المعلومات فحسب، بل أيضا تصفح كافة مواقع الكانتونات، “وهذا يعني ضرورة وضع آلاف الروابط بين الـنسخ اللغوية لكافة المواد التي تتضمنها قائمة المواضيع في كل موقع”، مثلما يشرح السيد فيلي.
وعلى سبيل المثال، سيوقع كانتون بازل المدينة عقد إيواء مع كانتون جنيف، وهذا يقتضي أن تزود جنيف بازل المدينة بنظام يضمن لها تصفحا متعدد اللغات للموقع. وتخصص الكنفدرالية هذا العام 250000 فرنكا لتغطية تكاليف ترجمة المشاريع التجريبية الثلاثة.
المزيد
مجلس السويسريين في الخارج
مركزة السجلات أو تنسيقها؟
بالإضافة إلى ذلك، تفاوضت المستشارية الفدرالية مع الكانتونات في عام 2007 حول تعديل قانوني يسمح إما بمركزة السجلات الانتخابية أو تنـسيقها.
ويوضح السيد هانس-أورس فيلي: “على سبيل المثال، سيتعين على البلديات الـ 394 لكانتون برن تسجيل “مواطنيها” في الخارج في قائمة موحدة، مما سيسمح لها بتحديد “الكتلة الحرجة” اللازمة للإستثمار في التصويت الإلكتروني”.
وقد مُنحت الكانتونات مهلـة تنتهي يوم 30 يونيو 2009 لملاءمة أوضاعها والتأقلم بـهدف اختيار نظام التصويت الإلكتروني الذي ترغب في اعتماده. وقد طُرحت على الكانتونات فكرة تجمع العديد منها حول نظام واحد، مما يتيح لها خفض التكاليف.
الصبر مفتاح الفـرج..
من جهته، يـُمارس رئيس منظمة السويسريين في الخارج جاك-سيمون إيغلي ضغوطا كي يـُطور كانتونه، جنيف، نظاما مركزيا لفرز بطاقات الاقتراع. ويأسف لـ”وجود اعتراضات حتى في هذا الكانتون الذي شهد تنفيذ المشروع التجريبي”.
فمتى سيبدأ العمل إذن بنظام التصويت الإلكتروني؟ في البداية، كان يفترض أن ينطلق تنفيذ المشروع بمناسبة الانتخابات الفدرالية لعام 2011، لكن قد يتعين على “سويسرا الخامسة” التسلح بالصبر إلى عام 2015… شرط التزام كافة الأطراف بالسير خطوة بخطوة نحو عملية التطبيق.
ويقول السيد هانس-أورس فيلي في هذا الصدد: “بما أنه من المستحيل في الوقت الحاضر ضمان أمن (المعلومات) بنسبة 100%، ينبغي أن نبدأ باختبار النظام على نحو سلس مع فئات صغيرة من المواطنين بهدف تفادي الإضطرار لإلغاء تصويت ما في صورة وقوع مشاكل”.
سويس انفو – اعتمادا على مقال بالفرنسية لإيزابيل أيشنبـرغر
يعتبر مجلس السويسريين في الخارج المُتحدث باسم الجالية السويسرية في الخارج (التي تسمى بـ “سويسرا الخامسة”) المُعترف به من قبل السلطات الفدرالية. ويدافع المجلس عن مصالح المغتربين السويسريين في بلادهم.
ويـجتمع هذا “البرلمان” مرتين في العام لبحث القضايا السياسية والتعريف بموقف “سويسرا الخامسة” منها.
كما يجتمع سنويا في فصل الربيع، وأيضا في إطار المؤتمر السنوي للسويسرين في الخارج في موسم الصيف والذي ينعقد هذا العام في مدينة فريبورغ من 22 إلى 24 أغسطس.
حسب دراسة اعدها المتخصص النمساوي في التصويت الإلكتروني روبيرت كريمير، تحتل سـويسرا المرتبة الرابعة في هذا المجال على المستوى الأوروبي.
في المقابل، يظل التصويت الإلكتروني أكثر تطورا في بريطانيا.
وفي إستونيا التي لها دستور حديث جدا وتصويت منذ فترة قصيرة، فقد اعتمدت التوقيع الرقمي والتصويت الإلكتروني في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مارس 2007.
أما هولندا، التي أحدثت برنامجا خاصا بالتصويت على الحاسوب في عقد الستينات، فقد عرضت على مُغتربيها التصويت الإلكتروني في عام 2004. لكنهم عادوا إلى التصويت عبر المراسلة في عام 2006 بسبب مشاكل أمنية.
يرتبط بشبكة الإنترنت حوالي 80% من سويسريي الخارج الـ 120000 المُسجلين في اللوائح الانتخابية.
منذ عام 1992، يصوت هؤلاء عبر المراسلة البريدية، ويفترض أن يتمكنوا من التصويت عبر الإنترنت بحلول عام 2015. وتُقدر المستشارية الفدرالية التكلفة الإجمالية لهذا المشروع بمبلغ يتراوح بين 400 و600 مليون فرنك.
في عام 2000، أطلقت الكنفدرالية ثلاثة مشاريع تجريبية في ثلاث كانتونات، هي جنيف ونوشاتيل وزيورخ، في محاولة لإيجاد حل تقني (يضمن الأمن للتصويت والمُقترع) وسياسي يمكن توسيعه ليشمل باقي الكانتونات الثلاثة والعشرين.
خلال الإقتراع الفدرالي الذي أجري يونيو 2008، أشركت أول تجربة للتصويت الإلكتروني في نوشاتيل السويسريين في الخارج. ويفترض أن يقوم كانتون بازل المدينة بنفس التجرية في سبتمبر 2009.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.