سويسرا تعزز ترسانتها القانونية لمتابعة مرتكبي “الجرائم الكبرى”
من أجل تمكين القضاء السويسري من متابعة مرتكبي الجرائم الكبرى كالإبادة الجماعية وجرائم الحرب، بفعالة وشفافية، أقرت الحكومة السويسرية في موفى شهر أبريل الماضي مشروع قانون يهدف إلى تيسير متابعة مرتكبي الجرائم الكبرى ومحاكمتهم على التراب السويسري.
ولئن أشادت منظمة “محاكمة” لملاحقة حالة الإفلات من العقاب دائما بالخطوة، فإنها نبّـهت إلى أن المشروع يتضمّن العديد من أوجه القصور ومن عدم التطابق مع القوانين الدولية.
تهدف التعديلات المقترحة على قانون العقوبات وقانون العقوبات العسكرية خصوصا، إلى تضمين القانون السويسري إشارات واضحة إلى جرائم الإبادة وتلك التي توصف بأنها ضد الإنسانية وتحديد جرائم الحرب بدقة ووضوح.
وتتضمن الجرائم الإنسانية، كما وردت في نص المشروع، عمليات القتل والإبادة والاستعباد والاختفاء القسري والإستغلال الجنسي، والتعذيب وأما جرائم الحرب، فتشير إلى الهجمات ضد المدنيين وتجنيد الأطفال واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا.
ومن الإضافات الهامة التي تضمنها هذا التعديل، فسحه المجال أمام السلطات القضائية السويسرية بالتحقيق ومتابعة مرتكبي جرائم حدثت وقائعها فوق أراضي بلد أجنبي.
وأصبح هذا الإجراء ممكنا بعد استجابة الحكومة لتوصيات العديد من الجهات الداعية إلى التخلي عن شرط سابق كان ينص على ضرورة وجود “رابط قوي” للأجنبي الملاحق قضائيا بسويسرا، وهو ما كان من الصعب إثباته.
لكن المشروع في صياغته النهائية، أبقى مع ذلك على شرط عدم اتخاذ أي إجراء، ما لم يكن المعني بالأمر موجودا على التراب السويسري وما لم تتوفر الحُـجج الكافية للإدانة أو عدم القدرة على الوصول إلى تلك الحجج.
خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها.. قاصرة!
نوهت منظمة “محاكمة” (TRIAL) باعتماد الحكومة الفدرالية لهذا المشروع الهادف إلى تضمين القانون السويسري، المخالفات التي تدخل ضمن دائرة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية واعتبرته خطوة هامة على الطريق الصحيح.
وأعرب فيليب غراند، رئيس المنظمة في حديث إلى سويس انفو عن رضاه عن المشروع بصفة عامة، خاصة تخلي الحكومة عن شرط “وجود صلة وثيقة للمتابَع بسويسرا”، لكنه أشار إلى أن المنظمة تأسف لكون المشروع الجديد، الذي سيقدم للبرلمان لمناقشته وإقراره، أبقى على شروط تحد من صلاحيته ودائرة تنفيذه.
وإذا كان من مزايا المشروع توضيح صلاحيات الجهات القضائية المدنية والعسكرية وتقاسم الأدوار بين الحكومة الفدرالية والكانتونات، ومتى يجوز لهذه الجهة او تلك التدخل، فإن فيليب غراند، يرى أن “اعتماد قوانين حديثة في هذا المجال، ليس سوى خطوة أولى ضرورية، لكنها غير كافية ولابد أن تتوفر للسلطات القضائية الإمكانات البشرية والمالية التي تسمح لها بالقيام بدورها وملاحقة المجرمين الدوليين”.
وفي هذا السياق، تدعو منظمة “تريال” (لملاحقة حالة الإفلات من العقاب دائما) إلى تشكيل مؤسسة خاصة بتتبع جرائم الحرب، وتتكفل بعمليات التحقيق واعتقال من تثبت إدانته، على غرار ما هو حاصل في بلدان أخرى كثيرة منها، كندا وهولندا.
بنود مخالفة للقانون الدولي
ليس هذا فقط، فالمشروع بحسب المتتبعين يتضمن بنودا مخالفة لنصوص القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص عدم اعترافه بالأثر الرِّجعي للقوانين. ويفسح هذا الخيار التشريعي المجال أمام مرتكبي جرائم شنيعة في دارفور ويوغسلافيا سابقا ورواندا وغيرها بالإفلات من العقاب وعدم مقاضاتهم عندما يحلون بسويسرا، ومن شأن ذلك، كما يقول فيليب غراند أن “يفرغ مشروع القانون من مضمونه”.
كما يُخالف عدم الاعتراف بالأثر الرِّجعي للقوانين مبدأ عدم تقادم الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهو مبدأ منصوص عليه صراحة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وفي الاتفاقية الأوروبية المتعلقة بعدم تقادم هذا النوع من الجرائم.
ويلاحظ دافيد لونيسي، المسؤول أيضا بجمعية “محاكمة” لمكافحة الإفلات من العقاب أن “قائمة الجرائم الكبرى” التي نص عليها مشروع القانون، لا تتضمن كافة الجرائم الخطرة المشار إليها في اتفاقيات جنيف لسنة 1949 والإتقاقيات الدولية الأخرى المعنية بحماية ضحايا الحرب”، وهذا الأمر يدعوه إلى الاعتقاد بأن “التشريع السويسري في هذا المجال سيكون قاصرا عن تلبية متطلبات القانون الدولي. وإذا أراد المشرع السويسري أن يكون متطابقا مع صكوك القانون الدولي، فعليه الأخذ بمبدإ عدم تقادُم الجرائم الكبرى، كالإبادة الجماعية وجرائم الحرب”.
ويجدر التذكير أن سويسرا قد صادقت على “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية” في أكتوبر 2001، وتكون بذلك قد إلتزمت بالتعاون وتقديم الدعم لهذه المحكمة التي وجدت للتحقيق في جرائم الحرب والإنتهاكات ضد الإنسانية ومحاكمة مرتكبيها. ومنذ ذلك الحين، أنشِـئِ قسم خاص داخل المكتب الفدرالي للعدل والشرطة، يختص بدراسة الطلبات الواردة من المحكمة والنظر في ملفات المطلوبين وكل أشكال التعاون الثنائي.
سويس انفو – عبد الحفيظ العبدلي
خلال السنوات الماضية، طرحت العديد من الملفات لمرتكبي انتهاكات من أصول أجنبية امام نظر القضاء السويسري، وأفلت أغلب المتهمين من العقاب بسبب غياب تشريعات واضحة في مجال إدانة الجرائم التي ترتكب خارج البلاد، وهذه أبرز القضايا التي طرحت خلال العقد الماضي بحسب البلدان التي ينتمي إليها المتهمون:
العراق: ويتعلق الأمر بالتتبعات العدلية الدولية ضد برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لرئيس النظام العراق السابق صدام حسين، وكان سفيرا في عهده بالولايات المتحدة. وسبق ان عمل برزان مديرا لجهاز المخابرات العراقية، ويتهم على نطاق واسع بأنه مسؤول على العديد من جرائم الإبادة ضد فئات من الشعب العراقي سنة 1983. وبحسب منظمات دولية، برزان التكريتي متهم أيضا بممارسة التعذيب والإرهاب ضد الأقليات الدينية في العراق سابقا. وقد تقدم لاجئ عراقي في سويسرا بشكوى ضده في 28 سبتمبر 2001، لكن القضاء السويسري رفض النظر في الشكوى، لكون المعني بالأمر لم يكن آنذاك في سويسرا.
تونس: في 17 سبتمبر 2003، تقدمت منظمة “محاكمة” لملاحقة حالة الإفلات من العقاب دائما، ومنظمة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بمذكرة للمدعي العام بجنيف ضد الجنرال الحبيب عمار، خلال زيارة له إلى جنيف. وبحسب العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، كان الحبيب عمار مسؤولا عن عمليات تعذيب متكررة خلال عقد الثمانينات عندما كان مديرا للحرس الوطني. ومن بين مراكز التعذيب التي كانت ترجع بالنظر إليه، مقر الحرس الوطني بثكنة العوينة بتونس العاصمة ومركز آخر في دوّار هيشر في أحد ضواحي العاصمة أيضا.
الصومال: تتعلق القضية بشخص يُـشار إلى إسمه بحرفين (م.ج)، ولد سنة 1936، وكان من أنصار الرئيس الأسبق سياد بري وعضو بمجلس ثورة الصومال بداية من سنة 1969، كما تولى عدة مناصب منها الوزارة ورئيس وحدة المخابرات سنة 1971، واستمر في ذلك المنصب إلى 1991، سنة سقوط حكم سياد بري. يُـتهم هذا المسؤول بممارسة التعذيب والقتل العشوائي وإعدام المعارضين. وبعد سقوط النظام، سافر إلى سويسرا وطلب اللجوء، لكن طلبه رفِـض في البداية، ونظرا لإستحالة إرجاعه إلى الصومال، منح لجوءً إنسانيا مؤقتا، على الرغم من حملات الإحتجاج التي قادتها جمعيات مدنية لطرده من سويسرا، بسبب ما ارتكبه من جرائم سابقا.
البوسنة والهرسك: في 18 أبريل 1997، اعتقلت الشرطة في جنيف رجلا من صرب البوسنة متهم بانتهاك القانون الإنساني زمن الحرب، وسبق ان عـذّب محتجزين في معتقلات بالبوسنة في صيف 1992، ولغياب أدلة كافية تم إطلاق سراحه من دون محاكمة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.