سويسرا ظلت دائما على هامش أوروبا
تحتفل أوروبا يوم 25 مارس بمرور خمسين عاما على توقيع معاهدات روما، التي لم تتردد الصحافة السويسرية الصادرة في ذلك الوقت، في وصفها بالتاريخية.
في المقابل، تميز الموقف الرسمي للكنفدرالية بتوجيه الانتقاد قبل عام 1957لتشكيل المنظمة، التي سُـميت فيما بعد بالمجموعة الأوروبية.
بعد مرور ثلاثة أعوام على نهاية الحرب العالمية الثانية، اشتركت سويسرا في عام 1948 في المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي (التي أصبحت تسمى اليوم منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية). وفي عام 1949، تأسس مجلس أوروبا، لكن برن لم ترغب حينها في الالتحاق به لأسباب ترتبط بالحياد السويسري ولم تنضم إليه إلا في عام 1963.
ويوضح السيد كرايس أن المجموعة الاقتصادية الأوروبية والهيئات المشتركة، التي سبقتها، كانت تواجَـه بانتقادات حادة في برن، ويقول “لقد شاركت سويسرا في تلك الفترة في محاولة تعطيل للحيلولة دون إنشائها”. فبالاشتراك مع بريطانيا ودول أخرى، عملت سويسرا على إنشاء منطقة أوروبية واسعة للتبادل التجاري الحر، يُـفترض أن تؤدي إلى إفشال المشروع السياسي الأوروبي الموحد.
هذه المحاولة أدّت إلى نتائج عكسية، حيث أعطت انطلاقة جديدة لإنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وبالتوازي مع ذلك، تأسست في عام 1960 “بدون أية حماسة”، على حد تعبير جورج كرايس، “الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر الصغيرة”.
ويضيف الباحث السويسري، “لقد كان واضحا أن سويسرا لم تكن لها أية مصلحة في وجود (عملاق) مهيكل بشكل جيد في جوارها المباشر”. فقد كان البعض ينظر إلى اتفاق “الست” (أي ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا واللوكسمبورغ وهولندا)، على اعتبار أنه “رايخ رابع”، في حين اعتبره البعض الآخر ضربة جدية للاقتصاد السويسري، بسبب ظهور “حاجز جمركي” جديد.
استيقاظ “الجميلة النائمة في الغابة”
في عام 1972، أمكن تسوية هذه المشكلة عن طريق الاتفاقية الثنائية للتبادل التجاري الحر بين الطرفين، إثر ذلك، استغرقت سويسرا في نعاس أشبه ما يكون بما حدث “للجميلة النائمة في الغابة”، حسب رأي جورج كرايس، ولم تستيقظ منه بغتة، إلا في موفى الثمانينات عند إطلاق المجال الاقتصادي الأوروبي.
آنذاك، لم تكن السلطات “مهيأة بالشكل الكافي لتكثيف العلاقات”، أما في المرحلة الموالية، فالجميع يعرف بقية القصة. ففي شهر مايو 1992، أودعت الحكومة الفدرالية طلب انضمام إلى الاتحاد الأوروبي استعدادا للتصويت الشعبي على مقترح يدعو لانضمام سويسرا إلى المجال الاقتصادي الأوروبي، لكن الشعب والكانتونات رفضوا حينها المقترح، وهو ما دفع سويسرا للسير على طريق الاتفاقيات الثنائية.
مواجهات محدودة حول الملف الضريبي
تبعا لذلك، راهنت الكنفدرالية أكثر فأكثر على تطوير قوانينها لتتلاءم مع القوانين داخل الاتحاد الأوروبي، لكنها وجدت نفسها في الوقت ذاته مرغمة على تطبيق إجراءات ومراسيم لا يمكن لها أن تساهم في بلورتها بنفسها، مثلما يقول السيد كرايس، يضاف إلى هذا العمل الشاق والمُـمِـل الناجم عن الملاءمة المستمرة لاتفاقيات تُـبرم بين دول أخرى.
بالعودة إلى الوقت الحاضر، يشير السيد كرايس إلى أن الخلافات القائمة حاليا بين برن وبروكسل حول ملف الضرائب، لا تشكل في واقع الأمر تطورا جديدا، إذ أنها تفسيرات مختلفة لاتفاقيات مبرمة، ومع أنه من الصعب تقييم المدى الذي ستصل إليه هذه المواجهات المحدودة بين الطرفين، إلا أن “المنطق الحربي” لسويسرا يثير دهشة المؤرخ، الذي يرى أنه يجب التساؤل، هل أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي تكشف مرة أخرى عن وجود حاجة لإجراء إصلاحات داخلية في سويسرا؟
وهم “الانضمام المخفّـف”
التمسك بالخصوصية، لا يقتصر في واقع الأمر على سويسرا، التي اختارت انتهاج سبيل الاتفاقيات الثنائية، إذ أن بلدانا أخرى داخل الاتحاد الأوروبي تراهن بدورها وبطريقتها الخاصة على بنود استثنائية، مثلما هو الأمر مع بريطانيا فيما يتعلق باتفاقيات شينغن.
لكن جورج كرايس يحذر من الوهم الذي تمثله برأيه عملية اندماج مرحلية أو بكلمة أخرى “الانضمام المخفف”، ويذكّـر بأنه يوجد فعلا مكتسب جماعي أوروبي، يتمثل في القانون المطبق داخل الاتحاد الأوروبي، ويقول “إن الذي يصل متأخرا، يواجه خطر الاضطرار لاعتماد الكل (أي جميع القوانين التي اعتمدت منذ تأسيس الاتحاد، التحرير)، أكثر من بلد يطالب بالحصول على استثناءات باعتباره عضوا”.
سويس انفو مع الوكالات
في الوقت الذي لم تكن فيه سويسرا عضوا في أية منظمة دولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تحولت أوروبا اليوم إلى قضية لا يمكن القفز فوقها في السياسة السويسرية. فمنذ عام 1972، صوت الشعب السويسري 8 مرات حول قضايا تتعلق بأوروبا.
16 أبريل 1948: كانت سويسرا إحدى البلدان الـ 18 المؤسسة للمنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي (أصبحت تسمى اليوم منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية)
6 مايو 1963: انضمام سويسرا إلى مجلس أوروبا، الذي تأسس قبل 14 عاما.
3 ديسمبر 1972: تصويت فدرالي حول اتفاق التبادل التجاري الحر بين سويسرا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية، حيث بلغت نسبة المؤيدين 72،5% وحظي بموافقة جميع الكانتونات.
6 ديسمبر 1992: رفض الشعب السويسري انضمام الكنفدرالية إلى المجال الاقتصادي الأوروبي بـ 50،3% من الأصوات كما رُفِـض من طرف 16 كانتون و4 أنصاف كانتون.
8 يونيو 1997: رفض الشعب السويسري بأغلبية 74،1% وكل الكانتونات مبادرة شعبية أطلقها “الديمقراطيون السويسريون ورابطة سكان التيتشينو (وهما من اليمين المتشدد)، تدعو إلى ترك القرار بيد الشعب فيما يتعلق بمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”.
21 مايو 2000: أيد 67،2% من السويسريين الحزمة الأولى من الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، ولم تُـرفض إلا من طرف كانتوني شفيتس والتيتشينو.
4 مارس 2001: رفضت مبادرة “نعم لأوروبا”، التي طالبت بإطلاق فوري لمفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي بـ 76،7% من الناخبين ومن طرف جميع الكانتونات.
5 يونيو 2005: صادق الشعب السويسري على اتفاقيات شينغن ومعاهدة دابلن بـ 54،6% من الأصوات.
25 سبتمبر 2005: أيد الناخبون السويسريون توسيع مجال تطبيق الاتفاقية المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والاتحاد الأوروبي بحوالي 56% من الأصوات.
26 نوفمبر 2006: أعرب 53،4% من الناخبين عن تأييدهم للقانون الفدرالي حول التعاون مع بلدان شرق أوروبا، الذي يتضمن أيضا ما يُـعرف بـ “مليار الاندماج”، الذي سيُـدفع من طرف برن إلى البلدان العشرة التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 1 مايو 2004.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.