سويسرا .. والإبداع السينمائي.. وشباب الشرق الأوسط
شهد مهرجان لوكارنو الدولي للفيلم جلسة نقاش حضرتها رئيسة الكنفدرالية ميشلين كالمي ري، حول دور الثقافة والسينما بالخصوص في التعبير عن واقع الشباب في منطقة الشرق الأوسط.
الجلسة سمحت لرئيسة الكنفدرالية بتوضيح الجهود المبذولة من قبل سويسرا لدعم التنمية في المنطقة، كما مكنت عددا من المخرجين والمربين العرب من التعبير عن مشاكل حرية التعبير والرقابة والتضارب بين الصورة التي يرغب الغرب في معرفتها عن المنطقة وما يطمح إليه أبناء المنطقة.
في إطار جلسات النقاش المدرجة في إطار مهرجان لوكارنو الدولي للفيلم، وضمن فقرة “الأبواب المفتوحة” التي خصصت هذا العام لمخرجي الشرق الأوسط بحضور ثلاثة عشر مخرجا من مصر والأردن ولبنان وسوريا وإسرائيل والعراق، تم عقد جلسة نقاش صباح الأحد 5 أغسطس لمناقشة دور السينما في تثقيف والتعبير عن آراء وطموحات شباب المناطق التي تعرف توترات وحروب وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط.
الجلسة التي شاركت فيها رئيسة الكنفدرالية السويسرية السيدة ميشلين كالمي ري، كانت فرصة بالنسبة لهذه الأخيرة لكي تظهر مدى الأهمية التي توليها سويسرا لمسالة المساعدة في التنمية بالمنطقة.
وقد أوضحت في مداخلتها بأن سويسرا “ليست مشاركة في المناقشات الإستراتيجية ولكنها جد مشاركة في المساعدات الإنسانية وفي عملية التنمية”، وأضافت “بهذه المساهمة اليوم كقسم الأبواب المفتوحة نعمل على منح مخرجين شباب فرصة عرض إنتاجهم هنا في لوكارنو وفي مناطق أخرى من أوربا”، وهو ما يعني أن فكرة ألأبواب المفتوحة تسمح لهؤلاء المخرجين الشبان بالالتقاء بعدد من المنتجين الغربيين كما تفتح لهم أبواب التسويق فيما بعد لعرض إنتاجهم الفني.
وبخصوص التركيز على الشباب، قالت رئيسة الكنفدرالية “إن منطقة تعرف نسبة عالية من الشباب (60% في قطاع غزة) تشكل تحديا ولكنها في نفس الوقت ورقة رابحة إذا ما أُحسن استغلالها”.
أي دور للسينما في توعية شباب المنطقة؟
جلسة النقاش التي شارك فيها خمسة ممثلين عن مربي ومخرجي المنطقة وبحضور الرئيسة السويسرية حاولت استعراض دور السينما كإحدى الوسائل لتوعية شباب المنطقة التي تعرف حروبا وصراعات منذ عقود. كما حاولت التعرف على كيفية نظرة صناع السينما بالمنطقة في التعامل مع مشكلة حرية التعبير والرقابة ونقص الوسائل وثقل الضغوط السياسية والتقاليد وغيرها، وعلى سبل توظيف التطور التكنولوجي من فيديو وإنترنت لإيصال الرسالة رغم كل هذه العراقيل.
دانا الدجاني، بوصفها مربية من الأردن، سارعت الى طرح واقع شباب المنطقة بالإشارة إلى أن الصورة المتداولة عنه “تتحدث عن صورة سلبية للشباب لأن منطقتنا توصف عموما بأنها منطقة صراعات واضطرابات وإرهاب وهذه هي الرسائل المعطاة عنا والتي يتوجب على هذا الشباب ان يترعرع متلازما معها”.
رائد أنضوني، المخرج الفلسطيني اعتبر أن ميلاده في عام 1967 جعله يجد نفسه “جانبا من القضية مما جعلني أفقد إحساسي الشخصي وهو ما أحاول التعبير عنه من خلال عملي السينمائي لأنني أؤمن بأن أي تغيير في المنطقة سوف لن يأتي إلا من خلال الإحساس الشخصي أو الفردي”.
أما سامح زعبي، المخرج العربي من إسرائيل، فأثار موضوع الانتماء المزدوج – كعربي وإسرائيلي – في نفس الوقت، بينما أثارت المربية اللبنانية روني صباغ موضوع فتح أبواب الثقافة أكثر أمام الشباب لأنها ترى أن “التربية وحدها لا تكفي لأن ثقافة حقوق الإنسان على سبيل المثال لا يمكن أن تلقن عبر الوسائل التربوية لأنها نابعة من ثقافة التسامح واحترام الآخر”.
مثلث الرقابة: التقاليد والأنظمة والدين
السينمائيون والمربون القادمون من المنطقة أثاروا مشكلة الرقابة وحرية التعبير التي تعرقل عملهم كمربين ومخرجين للوصول الى تحرير شباب المنطقة وتشجيعهم على التعبير عن آرائهم بكل الوسائل المتاحة.
فالمربية اللبنانية روني صباغ ترى أن “شباب المنطقة يجد صعوبة كبرى في التعبير عن آرائه وليست هناك حرية للحديث عن بعض المواضيع مثل الجنس أو المشاكل العائلية او المخدرات والإيدز”.
وعما إذا كانت السينما قادرة على تجاوز هذه العراقيل، يجيب السينمائي الأردني حازم بيطار بأنه “من غير السهل في العالم العربي ان تنتج أفلاما تقول فيها ما تريده فالرقابة في العالم العربي تتخذ شكل المثلث: رقابة التقاليد ورقابة الدولة ورقابة الدين. لذلك نحاول تجاوز هذه العراقيل بلباقة”.
أما زميله سامح زعابي، من عرب إسرائيل فيرى أن “الأصوات الليبرالية في المنطقة يتم تهميشها بسبب سياسات الأنظمة وبسبب الصراعات المتكررة”.
ثمن الانفتاح السينمائي على الخارج
أثارت جلسة النقاش التي نظمها مهرجان لوكارنو مشكلة جوهرية تتعلق بكيفية التعامل بين سينمائيي المنطقة وشبكات التوزيع العالمية وهي معادلة صعبة لخصها السينمائي الأردني حازم بيطار بقوله “هل نرغب في أن تكون طريقة تخاطبنا مقبولة لدى العالم الخارجي أم مقبولة داخليا من قبل جمهورنا؟”
روني صباغ المربية اللبنانية ترى أن “وسائل الإعلام الغربية عندما تطلب منا أفلاما عن المنطقة في فلسطين او العراق فإنها تهتم بما له علاقة مباشرة بالصراع في حد ذاته. ولكن الناس الذين يعيشون في المنطقة ليسوا في حاجة الى ذلك بل إنهم ضجروا من ذلك لأنه هو واقعهم اليومي وهم في حاجة الى أفلام تخرج عن المنطقة تحكي عن شيء آخر .. عن قيمنا وتقاليدنا وثقافتنا وطريقة عيشنا”.
والسؤال الذي يُطرح بإلحاح لدى كل مخرج ومنتج سينمائي في المنطقة هو الآتي: “إنتاجنا السينمائي موجه لأي جمهور؟”، إذ كما يقول حازم بيطار “الثمن الذي علينا دفعه في بعض الأحيان للوصول الى جمهور خارجي هو فقدان جمهورينا المحلي”.
وقد أوضح بأن هناك مدرسة جديدة تتموقع بين الذين يطالبون بالعمل لجمهور خارجي والذين يفضلون الاعتناء بالجمهور المحلي وهي تسعى للتوفيق بين الرؤيتين لكن “النتائج سوف لن تظهر إلا بعد سنين”، على حد تعبيره.
الحل في تطور الوسائط المتعددة الجديدة
الأمل في تجاوز الكثير من هذه العراقيل التي تعترض العمل السينمائي بالمنطقة كوسيلة من وسائل تثقيف الشباب والتعبير عن آرائهم قد تكمن في التطور التكنولوجي الذي سهل عملية التصوير السينمائي والفيديو عبر تطوير تقنية الفيديو الرقمية.
كما أن تطور شبكة الإنترنت ووجود وسائط نشر جديدة مثل “يو توب” و ” جوجل فيديو” وغيرها سوف يسمح للأجيال الشابة بتطوير وسائل التعبير عن واقعها بأقل تكلفة ونشرها لجمهور أوسع في تحد للرقابة ولكن ذلك قد يقترن بتغيير طريقة وشروط الإنتاج السينمائي، مثلما يوضح خبراء الفن السابع في المنطقة.
هذا الأمر عبر عنه حازم بيطار بقوله “الفضل في تسهيل المهمة امامنا يعود للتطور الرقمي وتطور تقنية الفيديو بحيث أنه – حتى في غياب التمويل والدعم – لم يعد مستحيلا إنتاج الأفلام والتعبير عن الرأي. إذ يكفي وجود كاميرا رقمية وجهاز كمبيوتر وهذا يكفي”.
وقد اختتمت دورة النقاش بتوجيه نداءات للراغبين في مساعدة شباب المنطقة وصناع السينما فيها للعمل على إيصال تطلعات هذه الأجيال الصاعدة إلى العالم الخارجي.
فقد ألح حازم بيطار قائلا “إذا كانت لي رسالة أوجهها للحضور فهي الرجاء بالاستمرار في الاهتمام بقضايا المنطقة ولو أن حيز الحريات التي ننعم بها ضيق للغاية. وأي تلاش لهذا الاهتمام قد يعرض منطقتنا للمخاطر”.
أما روني صباغ فقالت “.. ولكن إذا أردتم مساعدة أبناء المنطقة عليكم أن تساعدونا لإنتاج أفلام محلية، أفلام تشبه أفلامكم، وتعكس واقعنا وقيمنا مثلما تعكس أفلامكم واقعكم وقيمكم، والتي تجتمع كلها في القيم الإنسانية ولكن بنكهة شرقية”.
سويس إنفو – محمد شريف – لوكارنو
ميشلين كالمي ري، رئيسة الكنفدرالية السويسرية
دانا الدجاني، مشرفة على برامج تكوين الشباب في الأردن
حازم بيطار، مخرج سينما من الأردن
روني صباغ، مشرفة على تكوين الشباب في لبنان
رائد أنضوني، مخرج سينما من فلسطين
سامح زعبي، مخرج سينما من الناصرة – إسرائيل
أدار الندوة: رولان هوغنان، الناطق السابق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.