مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويس ميتال: عزيمة عُمالية من حديد؟

يضرب عمال مصنع "لا بوايا" (سويس ميتال) بروكونفيليي عن العمل منذ 25 يناير 2006 Keystone

ينزل العمال المُضربون عن العمل في "سويس ميتال" مرة أخرى إلى شوارع روكونفيليي في كانتون برن يوم السبت 11 فبراير للاحتجاج على استراتيجية إعادة هيكلة المجموعة.

وكان 5000 شخصا على الأقل قد شاركوا قبل أيام قليلة في مظاهرة تضامنية مع هؤلاء العمال في تحرك نادر. النائب الاشتراكي جون – كلود رينفالد يوضح لسويس انفو الأهمية الرمزية لهذا الحدث في سويسرا.

احتقنت الأجواء بعد ظهر الجمعة 10 فبراير الجاري في مصنع مجموعة “سويس ميتال” المضرب عن العمل منذ أكثر من أسبوعين في روكونفيليي بكانتون برن، بعدما أعلنت المجموعة الصناعية شراءها لمعمل “بوش – جايغر” الألماني، في الوقت الذي يحتج فيه عمال روكونفيليي على قرار “الإلغاء السريع” لـ 120 موطن عمل في مصنعهم، في مرحلة أولى (وذلك ضمن استراتيجية إعادة هيكلة المجموعة التي ستؤدي إلى الاستغناء عن 150 موطن عمل من أصل 750).

وفي تصريح أمام الصحفيين، شدد رئيس “سويس ميتال” مارتان هيلفيغ يوم الجمعة على أن منتجات الشركة الألمانية “توافق نسبة تصل إلى 90% من منتجات روكونفيليي” وأن “المباحثات مع بوش – جايغر التي كانت مُخططة من قبل تكثفت خلال الأيام القليلة الماضية بسبب الإضراب” في مصنع “لا بوايا” بروكونفيلي.

ومنذ بداية إضراب العمال يوم 25 يناير الماضي احتجاجا على قرارات الإدارة، انخفضت طلبيات عملاء مصنع روكونفيليي بشكل قوي.

ويأتي إعلان شراء المصنع الألماني غداة تعيين وزير الاقتصاد جوزيف دايس لـوسيط بين إدارة سويس ميتال والعمال المضربين عن العمل في روكونفيليي في محاولة لحل الأزمة. لكن التطورات الأخيرة قد تُعقد مهمة الوسيط رولف بلوخ.

وربما يعزز ذلك الإعلان صفوف المتعاطفين مع العمال المضربين عن العمل الذين سينزلون مرة أخرى يوم السبت 11 فبراير الجاري إلى شوارع روكونفيليي. وقد يتجاوز عددهم هذه المرة الـ5000 شخصا الذين تجمعوا في روكونفيليي في بداية هذا الشهر.

ولتسليط الضوء على هذا التضامن الفائق للعادة مع كفاح عمال روكونفيليي وأهميته الرمزية بالنسبة لمنطقة جورا ولسويسرا ككل، أجرت سويس انفو الحديث التالي مع ابن جورا، النائب الاشتراكي جون – كلود رينفالد.

سويس انفو: عمال سويس ميتال قاموا بإضراب أول تواصل 10 أيام في 2004، ثم إضراب ثان بعد مرور أقل بكثير من عام، ونجحوا يوم الأربعاء 1 فبراير 2006 في كسب تعاطف 5000 خمسة آلاف شخص في مظاهرة تضامنية، هل يمكن الحديث عن كفاح خرج عن إطار المعتاد؟

جون- كلود رينفالد: نعم، يمكن أن نقول بوضوح إن هذا الكفاح خارج عن المعتاد. وقد أظهرت ذلك جليا مظاهرةُ يوم الأربعاء. فنادرا ما رأينا مثل هذا الحشد الكبير من الجمهور في مناطق جورا للدفاع عن شركة وموظفيها.

ثم إن المسألة لم تعد تتعلق بخلاف كلاسيكي بين رب عمل ومُوظفيه، بل تجاوز الأمر ذلك ليعـُم المنطقة بأكملها.

وعلى المستوى السياسي، تجندت شخصيات من مختلف الأحزاب للدفاع عن الشركة. وشارك أيضا في هذا التحرك التضامني جميع مكونات النسيج الصناعي في منطقة جورا.

سويس انفو: هنالك ظاهرة نادرة أخرى تمثلت في مشاركة الأطر داخل الشركة في تحرك العمال…

جون- كلود رينفالد: إنه جانب فريد آخر من هذا النزاع. بالفعل، لا يدافع المأجورون وحدهم عن مواطن عملهم، بل الأطر أيضا.

وهذا يظهر جيدا أن الأمر يتعلق بالدفاع عن موقع صناعي بالغ الأهمية بالنسبة للمنطقة وبالنسبة لقطاع خلط المعادن.

سويس انفو: ماذا سيكون تأثير إقفال مصنع سويس ميتال في روكونفيليي على المنطقة؟

جون- كلود رينفالد: يجب أن نعلم بهذا الخصوص أن هنالك العديد من الشركات المتوسطة والصغرى التي ترتبط بعقود مُناولة مع “سويس ميتال” في المنطقة. من جهة أخرى، يتوفر مصنع روكونفيليي على نسبة مقبولة من العملاء، خاصة في مجال تـقوير المعادن في كافة مناطق قوس جورا (كانتون نوشاتيل وكانتون جورا والجزء الروماندي المتحدث بالفرنسية من كانتون برن، التحرير).

وإن تم إقفال الشركة في روكونفيليي، سيمثل ذلك مأساة بالنسبة لشركات المُناولة، وأيضا بالنسبة للكثير من العملاء الذين يقولون اليوم إنهم لا يتوفرون على إمكانية إيجاد المواد التي يحتاجونها في مكان آخر.

فإغلاق المعمل لا يهدد 350 موطن عمل فحسب في معمل “لا بوايا” (الاسم القديم لمصنع ركونفيليي الذي مازال يستعمل اليوم، التحرير)، بل أيضا وبالتأكيد مئات وحتى آلاف مواطن العمل في منطقة جورا.

سويس انفو: وهي منطقة فقدت بعد الكثير…

جون- كلود رينفالد: إن قوس جورا تكبد بعدُ أزمة قطاع صناعة الساعات في أواسط السبعينات وصعوبات أخرى فيما بعد، خاصة في قطاع صناعة الآلات.

إن رهان قضية معمل “لا بوايا” يتجاوز الدفاع عن العمل، فالأمر يتعلق أيضا بالحفاظ على كرامة هذه المنطقة.

سويس انفو: هل كان يمكن تصور مثل هذا التحرك غير العادي في منطقة أخرى اعتادت على الصراعات السياسية؟

جون- كلود رينفالد: من الصعب الإجابة. إن جورا البرناوية ليست منطقة يساريين، لكن صحيح أن لديها تقليد نقابي هام.

إن التقاليد الصناعية ظلت يقظة جدا أيضا. الكثير من الناس هنا وُلـدوا في هذه المنطقة الصناعية وهذا ما يدافعون عنه اليوم: تلك المهارة الهائلة التي مازال يُمكن تطويرها في المستقبل.

سويس انفو: ألم تأخذ أزمة روكونفيليي اليوم أهمية تجاوزت المنطقة؟

جون- كلود رينفالد: من الواضح أنها أخذت منذ بضعة أيام أهمية وطنية. ونلمس ذلك بشكل خاص عبر الاهتمام الذي توليه وسائل الإعلام الوطنية بتطورات الأزمة.

واعتقد أيضا أنه سيكون لديها انعكاسات خارج المنطقة بغض النظر عما ستؤول إليه التطورات.

إذا ما خسر الموظفون المعركة، فذلك قد يشجع أرباب عمل آخرين على التصرف بنفس الطريقة. أما إذا نجح الموظفون في إسماع صوتهم، فسيعزز ذلك صفوف المأجورين في هذا البلد.

سويس انفو: يبدو أن هذا الصراع أخذ بعدا رمزيا. فعلى سبيل المثال، نظم المنتدى الاجتماعي السويسري مؤخرا إحدى مظاهراته في روكونفيليي…

جون- كلود رينفالد: إن قدوم المنتدى الاجتماعي يُظهر بالفعل أن النقاش يأخذ بعدا جهويا بطبيعة الحال، لكنه يأخذ أيضا بعدا وطنيا. ويمكن أن أقول إن النقاش ربما يتجاوز ذلك.

فالبعض يعتقد – وهم محقون في ذلك إلى حد كبير- أن هذه القضية ترتبط بالانعكاسات المشؤومة للعولمة.

فضلا عن ذلك، أصبح عددٌ متزايد من شركات القطاع الصناعي في يـد أشخاص ليسوا صناعيين بكل معنى الكلمة، بل أصحاب مال لا ينظرون إلا للمردودية على المدى القصير ولا يكترثون بالدفاع عن مواطن العمل والحفاظ على المهارات على المدى البعيد.

سويس انفو: ألا يرتبط هذا التضامن الخارق للعادة الذي رأيناه في روكونفيليي أيضا بمرحلة انعدام الأمن المهني الذي تعيشها سويسرا؟

جون- كلود رينفالد: أكيد أن الناس يشعرون بالتضامن إزاء بعضهم البعض في هذه المنطقة التي تعرف صعوبات أخرى. فأوضاع مجموعة “فونرونل” (المتخصصة في مجال صهر المعادن والبنى التحتية والمعلوماتيات) ليست على ما يُرام. وصانع السكاكين السويسرية “فينغير” ابتـُلع من طرف “فيكتورينوكس”. ويمكن أن أذكر أمثلة أخرى كثيرة.

إذن، نعم، الناس يقولون: “إذا ما نجح الأجراء في معمل “لابوايا” في تحقيق مطالبهم، فربما يساعدني ذلك أنا أيضا في عملي”.

سويس انفو – أليكساندرا ريشار

(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)

مجموعة “سويس ميتال” متخصصة في صناعة مواد معدنية ذات قيمة مضافة عالية مكونة من النحاس أو مخلوطة بالنحاس، وتُستعمل أساسا في الصناعة الإلكترونية والسيارات وتجهيزات المكاتب وصناعة الساعات والطيران والاتصالات السلكية واللاسلكية.
16 نوفمبر 2004: أضرب عن العمل 400 موظفا في مصنع “سويس ميتال” بمدينة روكونفيليي (كانتون برن) احتجاجا على فصل مدير المعمل. تواصل الإضراب لمدة 10 أيام.
25 يناير 2006: أضرب عمال المصنع من جديد عن العمل احتجاجا على إجراءات إعادة الهيكلة التي أعلنت عنها الإدارة في نهاية 2005.
9 فبراير 2006: أعلنت الإدارة “الإلغاء السريع” لـ120 موطن عمل في مصنعها بروكونفيليي.
مساء 9 فبراير 2006: عين وزير الاقتصاد السويسري وسيطا لحل النزاع بين إدارة “سويس ميتال” والعمال في مصنع روكونفيليي.

تعد منطقة جورا بكانتون برن السويسري المركز الدولي للصناعات الدقيقة، إذ تأوي شركات ذات شهرة عالمية مثل “لونجين” و”بريسيمد” و”تورنوس” و”سويس ميتال بوايا”.
تأسس مصنع “لا بوايا” المتخصص في المواد المشتقة من النحاس عام 1855 في مدينة روكونفيليي (كانتون برن). وفي عام 1986، اندمع مع دورناخ وسيلف (كانتون سولوتورن) لتشكيل مجموعة “سويس ميتال” التي تتخذ من برن مقرها الرئيسي.
بلورت مجموعة “سويس ميتال” استراتيجية لمدة 5 سنوات تقوم على تركيز نشاطاتها بين مصنع روكونفيلي ودورناخ، بحيث تقرر نقل صهر المعادن من روكونفيليي إلى دورناخ، بينما ستقتصر نشاطات مصنع روكونفيليي على تنفيذ الأشغال النهائية على الأسلاك والسبائك المعدنية. وستؤدي الاستراتيجية إلى الغاء 150 موطن عمل من أصل 750.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية