“أخطَـر ما يتهدّد المجتمعات الغربية.. التوجّـه السائد فيها لتغذِية الخوْف من الآخر”
بعد ستّـة أعوام من مَـنعِـه من دخول الولايات المتحدة بحجّـة تبَـرّعه لمساعدة حركة حماس، رفعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هذا الحظْـر وبدأ البروفيسور طارق رمضان جوْلاته في الولايات المتحدة للحديث عن المسلمين في المجتمعات الغربية وما يجب أن يُـمارسونه من نشاطات، لتغْـيير نظْـرة الخوْف من الآخر ودعْـم التقارب بين أوروبا والغرب عموما والمُـجتمعات الإسلامية حول العالم.
وفي أحدث ظهور له في الولايات المتحدة كمتحدِّث رئيسي في المؤتمر السنوي الحادي عشر لمركز دراسات الإسلام والديمقراطية، والذي تركّـز حول العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بعد عام تقريبا من الخطاب الذي وجهه أوباما إلى العالم الإسلامي من القاهرة، التقت swissinfo.ch بأستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة أوكسفورد البريطانية، المصري الأصل السويسري المولد والجنسية، الدكتور طارق رمضان وأجرت معه الحوار التالي:
swissinfo.ch: ونحن نتحدّث عن رُؤية الرئيس أوباما لبداية جديدة مع العالم الإسلامي تقوم على الاحترام المتبادَل والمصلحة المشتركة، ما هو تقْـييمك لمَـواقف المجتمعات الغربية من الظهور المُـتزايد للمسلمين في الغرب؟
طارق رمضان: أخطَـر ما يتهدّد المُـجتمعات الغربية، ليس هو الوجود المتزايد للمسلمين في تلك المجتمعات، وإنما التوجّـه السائد فيها لتغذِية الخوْف من الآخر والشروع في اتخاذ إجراءات تتناقَـض مع قِـيَـم تلك المجتمعات، انطلاقا من مشاعر الخوْف التي تسْـمو على قِـيم التعدُّدية والإنفتاح وحرية العقيدة وحرية التعبير بشكل، سُـرعان ما أدّى إلى إدخال تعديلات على الدستور السويسري والدستور الفرنسي وغضِّ الطّـرف عن الحقوق التي يكفلها الدستور الأمريكي، وتنافس بين بلجيكا وفرنسا ومقاطعة كِـبيك في كندا، على مَـن منها سيتوصّـل إلى الطريقة الأصحّ لحظر النقاب، وتنافس بين سويسرا وألمانيا حول حظر المآذن أم حظر المساجد، وكل تلك التحرّكات مدفوعة بتوجّهات يمينية للتّـشتيت الإستراتيجي، بهدف تجنّـب الحوار حوْل الحاجة الفعلية لإدماج المسلمين في الغرب، كجزء لا يتجزّأ من نسيج المجتمعات الغربية.
فَـما الذي قدّمه الرئيس أوباما في خطابه في القاهرة لتختلِـف طريقة التعامل الأمريكي مع المسلمين في المجتمع الأمريكي ومع المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية حول العالم؟
طارق رمضان: قدم الرئيس أوباما رُؤية جديدة من خلال لُـغة مُـختلفة عن ثمانية أعوام من سياسات بوش، التي سعت إلى الإستقطاب” إما أن تكون معنا أو ضدّنا”، وانفراد الولايات المتحدة بالقرارات دون شراكة الآخرين، خاصة المسلمين في أنحاء العالم، ولعلّ الأهم في هذا الصّـدد، هو تأكيد الرئيس أوباما على أن الإسلام دِيانة أمريكية من خلال حقيقة أن المسلمين الأمريكيين جُـزء لا يتجزّأ من نسيج المجتمع الأمريكي، ولا يمكن إنْـكار ما قدّموه من إسْـهام في الماضي وما بوسْـعهم تقديمه في المستقبل الأمريكي، وهو بذلك، لم يكن فقط يُـخاطب المسلمين حول العالم، ولكنه أيضا كان يخاطب الرأي العام الأمريكي، مُـطالبا الأمريكيين بمعرفة المزيد عن الإسلام.
ولكن يبقى السؤال المطروح: ما الذي تمّ عمله في الولايات المتحدة لتعزيز تفهُّـم أفضل للدِّين الإسلامي وفجْـوة الفهْـم القائمة بين الأمريكيين من غيْـر المسلمين، عن حقيقة الدِّين الإسلامي والثقافة الإسلامية ووجود فجْـوة بين المسلمين المنحدرين من أصول المُـهاجرين من العالم الإسلامي وبين المسلمين المنحدرين من أصول إفريقية؟
وعلى مَـن تقع مسؤولية العمل على سَـدّ فجوة الفهْـم لحقيقة الإسلام؟ على إدارة الرئيس أوباما أم على المسلمين الأمريكيين؟
طارق رمضان: يجِـب أن لا يكتفي المسلمون في الولايات المتحدة بانتظار تحويل الرئيس أوباما لوعوده في القاهرة إلى حقائق على الأرض، بل يجب أن ينشطوا سياسيا، لحفْـز الرئيس على انتِـهاج سياسات مُـختلفة، تُـظهِـر الاحترام وليس الخوْف من المسلمين لدى استِـقبالهم في المطارات الأمريكية، والإلتزام بسيادة القانون وإنهاء ممارسات الضّـغط النفسي والتعذيب والسّـجون السرية خارج الولايات المتحدة، وسرعة إغلاق معسكر غوانتانامو والتنبيه إلى ضرورة وقْـف مُـمارسات الفصل العنصري ضدّ الأمريكيين من أصول إفريقية والتأكيد على أن حقيقة انتِـخاب أول رئيس أمريكي أسود، يجب أن لا تحجب حقيقة استمرار التّـمييز ضد المسلمين السُّـود.
كما يجب على المسلمين الأمريكيين بذْل جهود مُـضاعَـفة، للتأكّـد من صحّـة المعلومات التي يتِـم بها تقديم الإسلام للأمريكيين في الكُـتب المدرسية. وعلى إدارة الرئيس أوباما أن تتوقّـف عن النظر إلى أن المسلمين الذين يُـعارضون السياسات الأمريكية، هُـم بالضرورة متطرفون يجِـب وصفهم بالمسلمين الأشرار، في مواجهة مَـن تراهم الإدارة الأمريكية مسلمين مُـعتدِلين لمجرّد تصفيقهم للسياسات الأمريكية، حيث أن المسلمين المعارضين هُـم أكثر مُـساندة للديمقراطية في كثير من الأحيان، من أنظمة الحُـكم التي تنظُـر إليها الولايات المتحدة على أنها معتدِلة.
بمناسبة إشارتك للديمقراطية، لاحظْـنا أن الرئيس أوباما استخدَم كلمة الديمقراطية مرّة واحدة في خِـطابه في القاهرة، الذي استغرق تسعين دقيقة، فما هو المِـحكّ الذي تراه مُـناسبا لاختِـبار مدى التِـزامه الحقيقي بدعم الديمقراطية في العالم الإسلامي؟
طارق رمضان: نظرا لأهمية مصر للمصالح الأمريكية والأولويات الإقليمية والأمنية الأمريكية، فإن ما سيفعله أوباما إزاء ما يحدُث في مصر خاصة قبْـل وأثناء الانتخابات الرئاسية في العام القادم، سيكون الاختِـبار الحقيقي لمَـدى التزامه بدعم الديمقراطية واحترامه لإرادة الشعوب. أمام أوباما لاجتياز ذلك، الاختبار أن يُـظهر بكل وضوح ضغْـطا أمريكيا على النظام الحاكم في مصر، لكي يتوقّـف عن مُـمارسة لُـعبة تغيير مواد الدّستور المصري بعد كل انتخابات، لضمان إعادة انتخاب الرئيس مبارك أو مرشّـح الحزب الحاكم، دون أي فُـرصة حقيقية لتداوُل السلطة، حتى مع وجود قيادة مستعدّة للتغيير، بحجْـم الدكتور محمد البرادعي، الذي سُـرعان ما ستتوارى قوّة الدّفع التي وفّـرها للحِـراك السياسي في مصر، تحت ضغوط الشروط التعجيزية، التي انطَـوت عليها التّـعديلات الدستورية في عام 2005.
ولذلك، فالمِـحك هنا، هو ما إذا كان أوباما سيضغَـط مِـن أجل توفير قْدر أكبَـر من الانفِـتاح السياسي في مصر وتوفير قدْر كبير من الشفافية والتحوّل الديمقراطي الحقيقي وإتاحة الفُـرصة لتداوُل السلطة، أم سيُـواصل سياسة تفضيل الاستِـقرار والمصالح الأمنية، على دعْـم الديمقراطية واحترام إرادة ورغْـبة الشعب المصري في التحوّل نحو الديمقراطية.
ماذا عن التِـزام أوباما بوُعوده الأخرى الخاصة بحلّ الدولتيْـن وإنهاء الحرب في العراق وأفغانستان، والتي ترجمتها خُـطوات متردِّدة وليست حاسمة للوفاء بها؟
طارق رمضان: هناك تحَـوّل في النّـهج الأمريكي إزاء الصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، تركِّـز بشكل أساسي في الحديث عن حقوق الفلسطينيين، وليس مجّرد مُـعاناتهم. وهناك سعْـي أمريكي لوقْـف الإستيطان، الذي يُـقوِّض فُـرصة تحقيق حلِّ الدولتيْـن، والذي ركّـز الرئيس أوباما على أنه يخدِم المصالح القومية الأمريكية، ولكن يجب أن نُـدرك أن هناك قُـيودا وحدودا لِـما يُـمكن للإدارة الأمريكية أن تُـمارسه من ضغوط على إسرائيل، ولكن ما يُـطمئن، هو عزْم الرئيس أوباما على المُـضي قُـدما نحو تحقيق حلّ الدولتيْـن، والمِـحكّ سيكون: ما الذي يُـمكن أن يتَّـخذه من مواقِـف حازمة، لتمكين الولايات المتحدة من الوفاء بوعْـدِه تسوية الصِّـراع.
وبالنسبة للحربيْـن في العراق وأفغانستان، حاول الرئيس أوباما تصوير وُجود فارِق بيْـن حرب لم تكُـن مُـبرَّرة في العراق، يجب إنهاؤها، وحرب لها ما يبرِّرها في أفغانستان. وهنا يجب على المسلمين الأمريكيين مُـمارسة حقِّـهم في الإختلاف مع سياسة حكومتهم وتبين أن الطريقة التي يتِـم بها التعامل مع أفغانستان بالتصعيد العسكري، لن تُـسفر عن تحقيق أي نجاح.
وعلى أية حال، فإنه يجب عدم التسرّع في الحُـكم على وفاء أوباما بتعهُّـداته في خطاب القاهرة، حيث أنني أعتقِـد أنه لن يكون بوُسْـعه إدخال تغييرات جوهرية على السياسات الخارجية الأمريكية خلال فترته الرئاسية الأولى، وإنما بعد نجاحه في تثبيت أقدامِـه كرئيس لفترة رئاسية ثانية.
أجرى الحوار في واشنطن: محمد ماضي – swissinfo.ch
الفيلسوف والمفكر السويسري طارق رمضان هو من مواليد 26 أغسطس عام 1962 في جنيف
هو حفيد حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر.
درس الفلسفة وعلوم اللغة الفرنسية والحضارة الإسلامية وحصل درجة الدكتوراه من جامعة جنيف عام 1992.
عمل أستاذا في جامعتي فريبورغ وجنيف.
له مؤلفات متعددة وحضور إعلامي واسع في وسائل الإعلام الأوروبية.
عمل مستشارا في هيئة تابعة للمفوضية الأوروبية للشؤون والقضايا الدينية.
حصل على إجازة في الفلسفة والأدب الفرنسي وعلى شهادة الدكتوراه في الحضارة الإسلامية من جامعة جنيف.
عمق دراساته في العلوم الإٍسلامية في القاهرة بين عامي 1992 و1993.
يعتـُبر بالإجماع تقريبا من”أكثر المفكرين تأثيرا في موضوع الإسلام الأوروبي”. تحظى أعماله بشعبية كبيرة بين المسلمين في فرنسا وسويسرا وبلجيكا.
في عام 2004، رفضت الحكومة الأمريكية منحه تأشيرة العمل للتدريس في جامعة نوتردام في ولاية إينديانا.
وفي يوليو 2009، أعلن قاض أمريكي أن الاتهامات ضد طارق رمضان “لا أساس لها”.
خلال حواره أجري معه في عام 2009، أكد طارق رمضان رفضه للغزو الأجنبي، وتعاطفه مع المقاومة في العراق وفي فلسطين، لكنه ندّد بالتطرّف والعنف، ونفى اي علاقة له بالإرهاب، كما عبّر عن دعمه للحلول السلمية، وعبّر عن ضيقه بالإتهامات التي توجّه إليه على الرغم من خطابه العلني الذي لا يمت بصلة للتطرف فكرا وسلوكا.
أدرجت مجلة “تايمز” اسمه ضمن الشخصيات المائة الأكثر تأثيرا في الرأي العام على المستوى العالمي. وقد عين مستشارا لعدد من الحكومات الأوروبية حول القضايا الإسلامية كما درس في جامعات بريطانية وسويسرية وهولندية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.