أزمة مالي.. بوّابة المغرب للعودة إلى الإتحاد الإفريقي؟
في تطور هادئ لكنه ملفت، عاد المغرب إلى إفريقيا الرسمية، من بوابة الأزمة المالية وعلى هامش التدخّل العسكري الفرنسي لمواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة المتشدِّدة في شمال البلاد.
وللتدقيق، دخل المغرب على خطّ أزمة مالي منذ لحظة استيلاء الجماعات المسلحة والمتشدّدة على شمال البلاد، الذي تربطه بالمغرب علاقات تاريخية، ومنه دخل المذهَب المالِـكي إلى هذا البلد الإفريقي التي تقطنه أغلبية مسلمة، الذي كان يعيش قبل انقِلاب العام الماضي، انفتاحا ديمقراطيا متميِّزا. وكانت تامبوكتو محطّة رئيسية في طريق التِّجارة المغربية نحو القارّة السمراء في القرون الماضية.
وساند المغرب منذ الإنقلاب العسكري على الحُكم الشرعي وأيضا منذ استيلاء الجماعات المسلحة على شمال مالي، التدخُّل العسكري الإفريقي لإنهاء هذه الظاهِرة، لكنه لم يُـبدِ استعدادا للمشاركة بقوّات عسكرية ولم يوضِّح شكل المُساندة المادية، التي يُمكن أن يقدِّمها لهذا التدخّل.
إلا أنه دعم التدخّل العسكري الفرنسي، حيث قالت باريس إن المغرب سمح للطائرات الحربية الفرنسية استِخدام أجوائه الجوية لشنّ غاراتها على القوات المُسيْطرة على الشمال أو ما يُعرف بإقليم الأزواد.
تدخل غير مباشر
ويبرز المسؤولون المغاربة أن مجلس الأمن في قراره رقم 2085 الذي سمح بالتدخّل الدولي/ الإفريقي في مالي، اتُّخِـذ بمبادرة مغربية وأن مجلس الأمن أثناء رئاسة المغرب للمجلس في ديسمبر الماضي، أصدر بيانا رئاسيا لدعْم هذا التدخّل.
المشاركة المغربية في اجتماعات الاتحاد الإفريقي التي عُـقِدت بأديس أبابا، مقر الاتحاد، كانت مُخصّصة لمؤتمر المانِحين، بهدف تمويل نشْـر قوة إفريقية في مالي وإعادة تنظيم الجيش. وأعلن وزير الخارجية المغربي الدكتور سعد الدين العثماني خلال الاجتماع، تقديم دعم مالي بمبلغ 5 مليون دولار.
العثماني قال إن “المغرب يؤكِّد مُجدّدا عبْر هذا الدعم، تضامُنه ومُساندته المتواصِلة للشعب المالي الشقيق٬ ودعمه لجهود دول المنطقة والمجتمع الدولي، الرامية إلى ضمان استِقرار وتنمية مالي وسائر المنطقة”.
ويستبعِد المسؤولون المغاربة رسميا مشاركة بلادهم عسكريا في حلّ الأزمة المالية، إذ قال محند العنصر، وزير الداخلية المغربي، إن بلاده لا تعتزِم إرسال قوات إلى مالي، بالرغم من دعمه للتدخل الفرنسي. وأكد أن إرسال قوات مغربية إلى مالي، ليس مطروحا على جدْول الأعمال.
ورغم نفْيِ المغرب الرّسمي إرسال أي قوات مغربية لمشاركة القوات الفرنسية أو الإفريقية في حربها على الجماعات المتشدِّدة، شمال مالي، إلا أن تقارير متعدِّدة تتحدّث عن إمكانية هذه المشاركة.
ويعتبر المغرب أكثر الدول المؤهّلة لدعم قوات مجموعة غرب إفريقيا، في ظل تمسّك فرنسا بعدم زيادة قواتها البرية وعدم قُدرة قوات مجموعة غرب إفريقيا المقترحة (5500 جندي) على حسم الحرب، غير أن التدخّل المغربي المتوقّع، يبقى رهين تفاهُم الأطراف المتدخّلة في الأزمة المالية مع الجزائر، التي تُبدي تحفُّظا على أي دوْر مغربي.
وكتب فيكي هولدستون، السفير الأمريكي السابق في باماكو، وهو مسؤول سابق في إدارة البنتاغون، مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز”، قال فيه “إن على الجزائر مسؤولية أخلاقية من أجل المساهمة في إعادة الوضع إلى نِصابه في شمال مالي، وإذا أصرّت على موقِفها الرّافض للحرب، فإن المغرب أو دولة أخرى من شمال إفريقيا ستتولّى الأمر، بدعمٍ من كل من موريتانيا والنيجر”.
مشاركة مُحتملة..
رغم كل ما سبق، فإن عدم مشاركة الرباط بجنود حتى الآن في الميدان، لا يعني انتِفاء المشاركة العسكرية المغربية بأشكال أخرى (تشمل بالخصوص التدخّل الأمني واللوجستيكي)، إذ أن المغرب معنِي أمنيا وعسكريا، بما يجري في مالي بحُكم قُرب البلد من الصحراء الغربية، واحتمال لجوء أفراد من الجماعات المتشدِّدة إلى أراضيه، و”نزوع متشدِّدين مغاربة للتوجّه إلى مالي للقتال”، حسب ما أعلنت وزارة الداخلية في وقت سابق، إضافة إلى التّهديدات التي وجَّهها إلى المغرب زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أبو مصعب عبد الودود، المعروف باسم عبد الملك درودكال.
وفي مناسبات سابقة، أشارت السلطات المغربية إلى أن تنظيم القاعدة وحليفه المُتمثل في جماعة التوحيد والجهاد “أصبحا يشكِّلان قِبلة للشباب المغربي، الحامل لفِكر القاعدة٬ خاصة بعد التِحاق 24 متطوِّعا بهذه التنظيمات الإرهابية٬ سواء عن طريق ليبيا أو عبْر الحدود المغربية الجزائرية أو انطلاقا من موريتانيا”، وأفادت تحقيقات الداخلية المغربية أن بعض هؤلاء المتطوِّعين استفادوا أواخر سنة 2011، من تدريبات مُكثَّفة بمُعسكرات في شرق ليبيا٬ قبْل التحاقِهم بشمال مالي، بتنسيق مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وشُركائه بالمنطقة٬ “حيث ساهموا في نقْل كميات هامّة من الأسلحة والذخائر من مخلَّفات النظام الليبي السابق”، حسب نفس المصدر.
وذهب بلاغ الداخلية إلى أن بعض المقاتلين المغاربة شاركوا في معارك بشمال مالي، خاضتها المجموعات المتشددة ضد الحركة الوطنية من أجل تحرير الأزواد، وذلك لضمان جاهِزيتهم القتالية، تحسُّبا لأية مُواجهة عسكرية مُرتقبة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحلفائه بالمنطقة، وأفاد البلاغ أن عنصرين من الخلِية التي تمّ تفكيكها في شهر نوفمبر 2012، تورَّطا في تحويل “مبالغ مالية مهمّة من العُملة الصَّعبة إلى الدّرهم المغربي، بتواطُـؤ مع مُواطِن مالي حلّ مؤخرا بالمغرب، بهدف تغطِية مصاريف الإلتِحاق بشمال مالي٬ وألْـقِي القبض عليه”.
تحذير من “حرب بالوكالة”
هذا الاندِفاع للجِهاديين المغاربة للقتال في مالي، جعل الأجهزة الأمنية المغربية تُولِي اهتماما خاصا للوضع في هذا البلد الإفريقي، الذاهب نحو دولة فاشلة، بل والإستفادة من سيْطرة شركة “اتصالات المغرب”، وهي شركة مغربية فرنسية مُختلطة، للَعِب دوْر مُخابراتي بالمنطقة، لتأمين جبهته الأمنية أو المساعدة اللوجستية للقوات المتدخلة، وهو ما أكَّدته صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية، التي قالت إن “اتصالات المغرب” تُقدِّم خدمات مهمّة إلى فرنسا، من خلال شبكاتها الواسِعة في الساحل، حيث تخضع جميع الإتِّصالات التي يربطها الجِهاديون فيما بينهم إلى الرقابة.
في الأثناء، يعتقد عبد الرحمان مكاوي، الخبير المغربي في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، أن مشاركة المغرب في أزمة مالي ستكون بعدّة طُرق، من بينها “التكفّل بإعادة تدريب وتكوين وتسليح الجيش المالي، ثم عبْر إقامة مُستشفيات مَيْدانية، لِما يتوفّر عليه المغرب من خِبرة في هذا المجال، كما يُمكنه المساهمة بالمعلومات الإستخباراتية التي يتوفَّر عليها”.
في المقابل، حذّر مكاوي من أي مشاركة ميدانية للمغرب في هذه الحرب، موضِّحا أن الجزائر تخْترِق الشمال المالي منذ استقلال البلد الإفريقي عن فرنسا في أوائل الستينات، وأنها “ظلّت تُقيم قواعِد عسكرية لها فيه، وتعرف جيِّدا خريطة المجموعات المسلحة وتخترق جلّها، وبالتالي، فإن المغرب قد يسقط في حربٍ بالوكالة، تشنّها عليه الجزائر في الصحراء المالية”.
بحث دؤوب عن دور إفريقي
بعيدا عن الأمن والحرب، يبقى الموقِف المغربي من مختلف نزاعات وتطورات المنطقة، ومن بينها النزاع في مالي، مُرتكزا على النِّزاع الصحراوي، باعتبار أن قضية الصحراء الغربية التي تنازعه عليها جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر، هي التي حالت خلال السنوات الماضية، دون مشاركة الرباط في أي جُهد إقليمي على مستوى ساحل الصحراء، باعتبار أنه “غيْر مَعني بهذا المنطقة”.
لقد أعطت أزمة مالي للمغرب دورا إفريقيا كان يفتقِده أو يبحث عنه، دون أن يُضطر للجلوس على مقعد بالإتحاد الإفريقي بجوار الجمهورية الصحراوية، التي لا يعترِف بها والتي أدّى قبول عضويتها إلى انسحابه من منظمة الوِحدة الإفريقية. ومنذ اندِلاع الأزمة المالية، سجل المغرب حضوره بكثافة في الكواليس الإفريقية، التي تبحث عن حلٍّ، سواء من خلال مشاركته الرسمية أو غير الرسمية في اجتماعات المجموعة الإقتصادية لغرب إفريقيا أو عبر إرسال مُوفدين على هامش القِمم الإفريقية، دون المشاركة الرسمية فيها.
في اجتماع أديس أبابا للدول المانِحة، التي دعا إليها الإتحاد الإفريقي على هامِش القمّة الإفريقية العشرين، حضر المغرب رسميا وشارك على مستوى وزير الخارجية، بعد حصوله حسب مصدر مسؤول بوزارة الخارجية المغربية، على “ضمانات بعدم حضور مُمثلي الجمهورية الصحراوية”، قبل دخول مقرّ الاتحاد، وقال المصدر “إن الأمر تمَّ بفضل المجهودات الدبلوماسية التي بُذِلت وبمساعدة دول عربية وأوروبية صديقة”.
إلى جانب هذه الأشكال المختلفة للحضور في الأزمة المالية، كان المغرب حاضرا على المستوى الدبلوماسي من خلال ما طرحه على مجموعة غرب إفريقيا من أفكار حول منح الحُكم الذاتي للأزواد (سكان شمال مالي)، تحت السيادة المالية، في مُحاكاة للمبادرة التي طرحها العاهل المغربي رسميا عام 2007 لحلِّ النِّزاع الصحراوي.
أخيرا، يُبرز المسؤولون المغاربة دور بلادهم في القارة السمراء، واحتضان الدار البيضاء عام 1958 للقمّة التي أسّست لمنظمة الوحدة الإفريقية، ونجاح الرباط في الحفاظ على علاقاتها الثنائية مع مختلف الدول الإفريقية، رغم غيابها لنحو ثلاثة عقود عن قمم الإتحاد اجتماعاته الرسمية. ومع أن الكثير من الدول الإفريقية الصديقة للمغرب حاولت تدَارُكه، إلا أن قوانين الإتحاد الإفريقي وتمسّك المغرب برفض التجاور مع الجمهورية الصحراوية، حالوا دون ذلك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.