“أمل مشوب بالحذر” يُحيط بمستقبل الربيع العربي في ليبيا
قبل ثلاثين عاما، تجسّدت رؤية "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" لمرحلة ما بعد القذافي في تشكيل مجلس رئاسة وحكومة مؤقتة لتسيير شؤون البلاد خلال فترة انتقالية لا تتجاوز عاما واحدا.
إضافة إلى اتخاذ ترتيبات تكفل سرعة ونزاهة قيام حكم وطني دستوري عن طريق إجراء انتخابات عامة خلال ستة أشهر لاختيار جمعية تأسيسية لوضع دستور دائم وإجراء انتخابات لاختيار رئيس للدولة في ضوء الدستور بعد إقراره من الشعب في استفتاء عام وإجراء انتخابات تشريعية والسعي لإقامة نظام حكم وطني ديمقراطي. فأين ليبيا بعد القذافي من هذه الرؤية؟
كان هذا هو الموضوع الذي طرحه في موفى شهر أبريل 2012 مركز الحوار العربي في واشنطن للنقاش مع السيد إبراهيم صهد الأمين العام لجبهة إنقاذ ليبيا، الذي اعتبر أن ليبيا ما بعد سقوط ورحيل القذافي تواجه تحديات أساسية:
“أولا: الإخفاق في تطبيق آليات العدالة الإنتقالية ومن أهمها محاكمة رموز النظام السابق عن جرائم القتل والإختطاف بل والإغتصاب وعدم تشكيل لجان تقصي الحقائق ودراسة ملفات المعتقلات، بل تم تهريبها وتنشر الآن في قناة الجزيرة.
ثانيا: الإخفاق في دمج الثوار في الحياة المدنية وتسليم أسلحتهم وكلما طال احتفاظهم بالسلاح عزت مفارقته وشاعت أجواء الفوضى وزادت التحديات الأمنية.
ثالثا: الشعور الشعبي بأن الثورة لم تحقق أهدافها لعدم الوفاء بالحد الأدنى من الطموحات والتطلعات الشعبية وتباطؤ القائمين على المرحلة الانتقالية في اتخاذ القرارات وتنفيذها.
رابعا: تغول وتغلغل عناصر نظام القذافي في كل مرافق الدولة والسلك الدبلوماسي وشعور الثوار بالإحباط لأنهم تخلصوا فقط من رأس النظام بينما بقي جسده.
خامسا: استمرار المركزية الشديدة في إدارة شؤون البلاد بعد نجاح الثورة مما أدى إلى شعور بالحاجة إلى نظم حكم محلية ودعوات باستقلالية للولايات في ظل الفيدرالية.
سادسا: إدارة الحكومة الإنتقالية لشئون البلاد على طريقة إدارة الأزمات وتبادل افتهامات بينها وبين مجلس انتقالي غير منتخب خلق جوا من عدم الإطمئنان على الثورة وأجل إلقاء السلاح لحين اتضاح معالم العملية السياسية في ليبيا”.
لا مستقبل للتقسيم أو الفيدرالية
وردا على سؤال لـ swissinfo.ch عن موقف الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا من دعاوى استقلالية الولايات في برقة وطرابلس وفزان في ظل الفيدرالية الليبية كما كان الحال في الماضي قال الأمين العام للجبهة السيد إبراهيم صهد:
“لقد تم تداول هذه المسألة بشكل يوحي بالفزع وأن قبائل برقة ستنفذها بالقوة وجاء رد فعل المجلس كارثيا حين سارع باتهام من طرحوا فكرة الفيدرالية بالخيانة والعمالة لصالح دول أجنبية بل ووصفتها منابر المساجد في صلوات الجمعة بأنها كفر وخروج على الإجماع ولم يحاول أحد أن يبحث عن السبب الحقيقي وراء مثل هذه الدعوات وهو تغلغل المركزية في إدارة شؤون ليبيا بعد القذافي بشكل فظيع أشعر الليبيين في مناطق ليبيا البعيدة عن العاصمة طرابلس بالتهميش والمعاناة لاضطرارهم للسفر إلى طرابلس لإنجاز أبسط الأمور مثل استخراج الوثائق وجوازات السفر، كما أن السياسات غير الفعالة التي يمارسها القائمون على الفترة الإنتقالية هي سبب رئيسي لشعور البعض بالرغبة في التمرد والإنشقاق ولذلك فالجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا لا تساند الفيدرالية ولا تخشى من أن مستقبل ليبيا بعد القذافي سيشهد فدرالية سياسية كما أن الشكل النهائي لحكم ليبيا يجب أن يقرره الشعب ككل والثوار لم يطالبوا أبدا بتقسيم ليبيا وإنما قدموا الغالي والنفيس لإقامة نظام حكم ديمقراطي لوطن مُـوحّـد”.
ملامح المستقبل بين الربيع والخريف
في نفس الندوة، أعرب السيد إبراهيم صهد عن شعور بأمل مشوب بالحذر إزاء ما يمكن أن يشهده الربيع العربي في ليبيا في الشهور القادمة.
فمن ناحية يشعر مؤسس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا بالتفاؤل إزاء ما يمكن أن يوفره نجاح انتخابات المؤتمر الوطني في شهر يونيو القادم من فرصة توفير الشرعية التي لم تتوفر لمجلس انتقالي تم تشكيله في ظروف صعبة فقام بدون أساس من التفويض الشعبي، كما أن الحكومة الانتقالية تم تشكيلها بطريقة المحاصصة وليس على أساس الخبرات فجاء وزير الدفاع من الزنتان ووزير الداخلية من مصراته وهكذا ولم يتم تمثيل الثوار في تلك الحكومة ولذلك ينعقد الأمل على انتخاب المؤتمر الوطني كنقطة انطلاق نحو الشرعية وتحويل طموحات الشعب الليبي إلى رؤية سياسية قابلة للتنفيذ تتصدي للتحدي الأمني وتعيد إدارة عجلة الاقتصاد وتقاوم فلول النظام السابق وتحاكم المسؤولين عن جرائم الماضي وتعويض أسر الشهداء والمصابين والمفقودين والذين يزيد عددهم عن مائة ألف ليبي. أما إذا تأجلت انتخابات المؤتمر الوطني، أو تمت بشكل يتعارض مع معايير النزاهة والشفافية وتعثرت جهود دمج الثوار وتسليم أسلحتهم وواصل رجال الأعمال الموالون لنظام القذافي تشكيل ميليشيات مسلحة في إطار ثورة مضادة سيحتفظ آخرون موالون للثورة بحق الدفاع بالسلاح عن ثورتهم وسيفتح الباب على مصراعيه للفوضى والصراعات المسلحة، كما أن مرور كثير من الوقت دون إقامة مؤسسات الدولة وصياغة الدستور وانتخاب برلمان وتشكيل حكومة قادرة على تلبية طموحات الشعب الليبي سيشعل جذوة الاحتجاجات الشعبية خاصة إذا استمر المواطن الليبي يعاني من عدم دفع المرتبات ونقص الفرص الاقتصادية وشيوع أجواء من عدم الاستقرار والافتقار للأمن.
وأعلن السيد إبراهيم صهد أن الجلسة الختامية للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا ستعقد في بنغازي في السابع من شهر مايو 2012 ليتم تحويلها إلى حزب سياسي هو “حزب الجبهة الوطنية” الذي سيشرع في ممارسة دوره في العملية السياسية من خلال برنامج سياسي يتسق مع الرؤية التي أعلنتها الجبهة قبل ثلاثين عاما وبحيث تتماشي كذلك مع طموحات ثوار ليبيا الذين “قدموا تضحيات ليس لها مثيل”، على حد تعبيره.
دور لسويسرا في ربيع ليبيا
وردا على سؤال لـ swissinfo.ch عما يمكن لسويسرا القيام به لمساعدة ليبيا في عملية التحول نحو الديمقراطية قال السيد إبراهيم صهد: “مع أن هناك أطرافا دولية كثيرة يمكنها مساعدة الشعب الليبي في مسيرته نحو إقامة دولة مؤسسات ومجتمع مدني وإجراء الإنتخابات بطريقة نزيهة فإنه يمكن لسويسرا بالتحديد كدولة محايدة أن يكون لها دور رائد في هذا المجال بنقل خبراتها الديمقراطية وتوفير المراقبين لضمان حياد ونزاهة العملية الانتخابية والمساهمة في تثقيف المسؤولين عن إدارة هذه العملية وتعريفهم على الآليات المطلوبة لتحقيق العدالة والشفافية”.
إلا أن السيد إبراهيم صهد استدرك قائلا: “إن المهمة الرئيسية تقع على عاتق القائمين على إدارة شؤون ليبيا بعد الثورة بإرساء ثقافة الديمقراطية والتعددية وأبعاد الممارسة الديمقراطية ودور المجتمع المدني فيها بين أوساط الناخبين الليبيين الذين لم يمارسوها من قبل على الإطلاق”.
بنغازي (رويترز) – طالب مجلس اقليم برقة المنتج للنفط بشرق ليبيا مواطني الاقليم بمقاطعة الانتخابات المقررة الشهر المقبل قائلا ان الانتخابات لن تمنح سكان الاقليم تمثيلا مناسبا.
وتمثل الانتخابات التي ستجرى لانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا علامة فارقة وحاسمة في تشكيل مؤسسات جديدة في البلاد بعد ثورة اطاحت بالزعيم معمر القذافي العام الماضي.
وقال مجلس برقة الذي يرغب في حكم ذاتي للمنطقة الشرقية التي تضم مدينة بنغازي مهد الثورة انه يرغب في ضمان تمثيل عادل للاقاليم الليبية قبل اجراء الانتخابات.
وقال المجلس في بيان ان السلطات الانتقالية تعمل حاليا على دفع الشعب الليبي والبلد بأكمله نحو عملية انتخابية لن تساعد على بناء الدولة بصورة صحيحة.
واضاف البيان ان مجلس برقة يدعو الشعب الليبي بشكل عام وسكان برقة بشكل خاص الى رفض العملية السياسية بشكلها “المشوه” الحالي ويدعوهم لمقاطعة الجمعية التأسيسية اذا ما اصرت السلطات الانتقالية على موقفها الراهن.
ولا يتمتع مجلس برقة الذي يترأسه سليل ملك ليبيا السابق ويتكون من قادة مدنيين باي وضع قانوني ومن غير الواضح مدى التأييد الذي يحظى به حتى في منطقته المركزية حول بنغازي ثاني كبرى المدن الليبية.
وعلى الرغم من ذلك سيزيد طلب المقاطعة من العقبات التي تواجه الانتخابات.
وحتى اليوم لم يستطع المجلس الوطني الانتقالي الاتفاق على مجموعة نهائية من القواعد للتصويت ويمكن ان يؤدي ضعف الامن الى اخراج العملية السياسية عن مسارها.
وبدأ الليبيون تسجيل اسمائهم هذا الاسبوع للتصويت في الانتخابات وهو أمر جديد عليهم لان القذافي حظر الانتخابات لمدة 40 عاما.
واضطر مركز لتسجيل أسماء الناخبين في طرابلس الى اغلاق أبوابه بعدما وصل رجال مسلحون من احدى الميليشيات المتعددة في البلاد على متن شاحنات تحمل مدافع مضادة للطائرات للاحتجاج على قواعد التصويت.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 مايو 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.