أنصار السلام لا زالوا يحلمون بتفعيل “مبادرة جنيف”
تُـعاني عملية السلام في الشرق الأوسط من جُـمود مرَضي، بسبب عدم استقرار سياسي مُـزدوج في كل من إسرائيل وفلسطين.
الفلسطيني برنارد سابيلا والإسرائيلي إيلان غرايلسامّـر، الذي يرى أن انتخاب باراك أوباما قد يُـعيد الحياة مجدّدا إلى مبادرة جنيف، يسلِّـطان الضوء على الوضع الحالي ويستعرضان احتمالات المستقبل.
تتّـسم الأجواء في المنطقة بالكثير من التقلُّـب وعدم الاستقرار. فمن جهة، هناك إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي استقال ويوشك أن يغادر منصبه، ومن الجهة الأخرى، ينقسِـم الفلسطينيون بين حماس، الحاكمة في غزّة، والسلطة الوطنية الفلسطينية، الماسكة بمقاليد الأمور في الضفة الغربية.
بالنسبة لدُعاة وأنصار السلام من المعسكرين، مثل برنارد سابيلا وإيلان غرايلسامّـر، تظل مبادرة جنيف (التي أطلقت رسميا يوم 1 ديسمبر 2003) الحلّ الأكثر موثوقيّـة من الناحية النظرية، والأكثر مِـصداقية ربّـما لحلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وعلى الرغم من أن ظاهر الأمور يُـشير إلى أن هذه المبادرة قد وُضِـعت على الرفّ في الفترة الأخيرة، إلا أن إمكانية عودتها للظهور مجدّدا قائمة في كل لحظة، ومن المحتمل جدا أن تفرِض نفسها يوما ما على الأطراف المعنية، كأنموذج معقول للتسوية.
نوايا طيّـبة
برنارد سابيلا لا زال يرى فيها “نوايا طيبة ودليلا على أن الساحتين السياسيتين، الفلسطينية والإسرائيلية، لا يسودها الإجماع والرأي الواحد”. أما إيلان غرايلسامّـر، فيرى فيها دليلا على تصميم سويسرا على المساهمة في إحلال السلام في المنطقة، حيث لا زالت ترعى مكتبي مبادرة جنيف، الذين يوجد أحدهما في رام الله والثاني في تل أبيب.
ويضيف برنارد سابيلا “هذه المبادرة توفِّـر دعما، وهي تقوم بتحريك الأمور في الاتِّـجاه الصحيح… لكن المشكلة الحقيقية تتعلّـق بالتحاق السكّـان المكثّـف بمشروع التسوية هذا، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأكثر حساسية، مثل مسألتي اللاجئين والقدس”.
ويُـشدّد برنارد سابيلا قائلا: “نحن، الفلسطينيون، نشدّد على مبدإ حقّ العودة للاجئين”، ويضيف “لا يُـمكن تجاهل حقّ العودة هذا، يجب أن تتاح للاجئين إمكانية الاختيار بين ممارسة حقوقهم والحصول على تعويضات. في المقابل، يرفُـض الإسرائيليون تحمُّـل أية مسؤولية عن هجرة 726000 فلسطيني في عام 1948، فهم لا يريدون سماع الحديث عن عودة اللاجئين ولا عن التعويضات، هذا الرفض الإسرائيلي المُـضاعَـف، يطرح مشكلة…”.
التعويضات.. أفضل!؟
رغم كل شيء، تُـفيدُ العديد من التحقيقات التي أجرِيَـت، أن اللاجئين الفلسطينيين قد يُـفضِّـلون الحصول على مبلغ تعويضي بدلا من العودة إلى بيوت الأجداد.
ويقول برنارد سابيلا “لا مجال للتوصّـل إلى اتفاق سلام، دون أن يتمّ تعويض اللاجئين ودون أن يُـعطوا أيضا موافقتهم على تسوية للنزاع. الرئيس محمود عباس نفسه، لا يستطيع وضع توقيعه على معاهدة إسرائيلية فلسطينية، دون أن يحصُـل قبل ذلك على موافقة الجماهير الفلسطينية”.
الأكاديمي الإسرائيلي إيلان غرايلسامّـر، يتحدّث عن المبادرة بصيغة الماضي، ويقول “لقد كانت مبادرة جنيف قبل كل شيء، محاولة للترويج لعدد من الأفكار لدى الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ السواء، وتمثّـل دور الذين توصّـلوا إلى هذا الاتفاق، في توضيح بعض الأفكار وسمحوا بالسير إلى الأمام على طُـرقٍ لم تُـستكشف سابقا”.
لا شك أن السنين انقضت، لكن “بعضا من هذه الأفكار شقّـت طريقها داخل المجتمع الإسرائيلي. أعتقد أن الإسرائيليين مقتنعون بأنه ستكون هناك دولتان في نهاية المطاف، واحدة يهودية وإلى جانبها دولة فلسطينية. فقبل عشرة أعوام فقط، كان مشروع من هذا القبيل يُـعتبر هرطقةً في إطار المجتمع الإسرائيلي”.
الأفكار شقّـت طريقها
إيلان غرايلسامّـر يتطرّق أيضا إلى مسألة القدس، حيث يرى أن تغيُّـرا ما حصُـل في العقليات، ويقول “ترتفع أصواتنا اليوم للقول بأن المدينة لن تتمكّـن من البقاء خاضعة بأكملها للسيادة الإسرائيلية. فقد صرّح حاييم رامون، نائب رئيس الوزراء، بأنه توجد أحياء عربية على الأطراف لا أهمية لها لإسرائيل. الأفكار من هذا القبيل، أطلقها أصحاب مبادرة جنيف في وقت لم تكُـن تحظى فيه بأي شعبية، أما اليوم، فيبدو أنها شقّـت طريقها في صفوف الرأي العام الإسرائيلي”.
وفيما يتعلّـق بمعرفة ما إذا كانت استقالة رئيس الوزراء إيهود أولمرت ستؤدي إلى كبح جِـماح، بل إلى وقف عملية السلام برمّـتها، يبدو إيلان غرايلسامّـر على قناعة بأن تأثيرها سيكون محدودا جدا. ويقول “أيا كان خلفُ إيهود أولمرت، فسيُـمارس نفس السياسة بالضبط، لأن الأمريكيين يراقبون كل التفاصيل. إنهم يدفعون باتِّـجاه تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”.
مع ذلك، يظل إيلان غرايلسامّـر متشائما فيما يتعلّـق بحظوظ التوصّـل إلى اتفاق في مستقبل قريب، “نظرا لأن الهوّة القائمة بين مواقف الطرفين، لا زالت تبدو غير قابلة للجسْـر”. وبالنسبة له، فإن مسألة التحكُّـم في الأماكن المقدّسة في مدينة القدس، هي العقبة الرئيسية وليست مشكلة اللاجئين. ويقول: “سيتطلّـب الأمر أن تقوم قوّة، مثل الولايات المتحدة، بالتدخّـل بتقريب وجهات النظر”.
دور باراك أوباما
سؤال آخر، هل يُـمكن أن يؤدّي الانتخاب المُـحتمل لباراك أوباما في البيت الأبيض، إلى عودة الروح مجددا لمبادرة جنيف، ويجعل منها أساسا للتفاوض بين الأطراف المعنية؟
الأكاديمي الفلسطيني برنارد سابيلا يرُدّ بالإيجاب، ويقول “يتوجّـب على الرئيس المقبل للولايات المتحدة أن يمنح الأولوية لحلّ القضية الفلسطينية. أعتقد أنه إذا أصبح باراك أوباما الساكن المقبل للبيت الأبيض، فسيحتاج إلى إعادة النظر في مقترحات السلام الواردة في مبادرة جنيف، لكن – نظرا لمعرفتي بالسياسة الأمريكية – أعلم أيضا أنه سيكون خاضِـعا للمؤثرات ومضطرا لمواجهة العديد من مجموعات الضغط”.
إيلان غرايلسامّـر لا يختلف كثيرا عما ذهب إليه زميله الفلسطيني، ويقول “إن تسوية للنزاع، ستوفِّـر إمكانية نزع فتيل التهديد الأصولي (الإسلامي). لا يُـمكن لأي رئيس أمريكي أن يظل غير مهتمٍّ بهذا الجانب من الأمور، فحتى إدارة بوش انتهى بها الأمر إلى فهمه”.
المسافة التي تفصِـل بين شقّـة إيلان غرايلسامّـر ومكتب برنارد سابيلا، لا تزيد عن كيلومتر واحد، لكن يبدو أن المسافة التي تفصل بين الرجلين، رغم سعيهما الدؤوب للسلام وكل ما يقرِّب بينهما، لا زالت تُـقاسُ بعدّة سنوات ضوئية…
سويس انفو – اعتمادا على تقرير باللغة الفرنسية لسيرج رونين – القدس
يعمل برنارد سابيلا أستاذا لعِـلم الاجتماع في جامعة بيت لحم، وهو أيضا نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، ولا زال في عِـقده السابع، يحتفظ بقدر كبير من التفاؤل، رغم كل الصعوبات، وهو يمثل شخصية معروفة وتحظى بالتقدير من الأقلية المسيحية في فلسطين، ويقيم حاليا في القدس الشرقية.
إيلان غرايلسامّـر، أستاذ للعلوم السياسية في جامعة بار إيلان في تل أبيب، ألّـف العديد من الكُـتب، التي تُـعتبر مراجع، وخاصة أطروحة الدكتوراه التي أعدّها حول الحزب الشيوعي الإسرائيلي. يُـستجوب كثيرا من طرف وسائل الإعلام الفرانكفونية. يقيم في القدس الغربية وتجاوز سنّـه الخمسين.
تلتزم سويسرا بنشاط منذ عدة سنوات من أجل المساعدة على حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ساهمت برن في التوصّـل إلى مبادرة جنيف الشهيرة، وهي مخطط سلام بديل يحظى بدعم سويسرا وصيغ أساسا من قبل الوزيرين السابقين، الإٍسرائيلي يوسي بيلين، والفلسطيني ياسر عبد ربه، ثم أعلِـن عنه في حفل انتظم في جنيف يوم 1 ديسمبر 2003.
ينص هذا الاتفاق على اقتسام السيادة على القدس لتصبح عاصمة للدولتين، وعلى العودة إلى حدود 1967، كما يحدد النص آليات عودة اللاجئين الفلسطينيين.
ظلت مبادرة جنيف إلى اليوم، مجرد حبر على ورق، رغم دعم العديد من الشخصيات المشهورة على الصعيد الدولي، من أمثال وزير الخارجية الفرنسي الحالي بيرنار كوشنير، والرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، ورئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا.
السلطة الفلسطينية استقبلت آنذاك مبادرة جنيف بشيء من البرودة، بينما اعتبرته حركة المقاومة الإسلامية حماس “خيانة”، لأنها لا تمنح للاجئين الفلسطينيين حق العودة الكاملة.
من جانبه،لم يوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، أرييل شارون على نص المبادرة، الذي اعتبره “خطرا” على بلاده.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.