أهداف واحدة وأساليب متباينة… إصلاح قوانين التقاعد في سويسرا والمملكة العربية السعودية
يشغل إصلاح نظام التقاعد حيّزا كبيرا من اهتمام الدول عبر العالم، وفقًا للاعتبارات الديمغرافية، والاقتصادية، والاجتماعية الخاصّة بكل دولة منها. في التقرير التالي، تنظر سويس إنفو في مقاربة كلّ من سويسرا، والمملكة العربية السعودية لهذا الموضوع، باعتبار اختلاف الاستراتيجيات التي تتبناها كلّ منهما لتحقيق الاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة، وضمان العدالة بين الأجيال.
يُعتبر إصلاح نظام التقاعد من أهمّ المواضيع المطروحة للاستفتاء في سويسرا، خلال العقديْن الأخيرين، وأشدّها تعقيدا وإلحاحًا. ولا عجب في ذلك، إذ يمثّل المتقاعدون والمتقاعدات 21% من إجمالي السكان عام 2024. في حين تراجعت معدّلات الخصوبة لتقلّ عن 1،4 ولادات لكل امرأة سويسرية. بينما تشير آخر الإحصائيات في المملكة العربية السعودية، إلى تراجع نسبتها من 7 إلى 3 ولادات لكلّ امرأة، خلال العقديْن الأخيرين. وارتفع في الوقت نفسه، متوسّط عمر الفرد ارتفاعا ملحوظا، من 56 سنة عام 1973، إلى 76 حاليا.
نُشر هذا المقال لأوّل مرّة في أغسطس الماضي، ويُعاد نشره بعد تحديثه، بإضافة مقارنة بين نظامي إصلاح التقاعد في سويسرا، والمملكة العربية السعودية. ترد هذه التغطية الإضافية في إطار تقريب موادّنا من السياقات المختلفة في الدول الناطقة بالعربية، ومن جمهور قرائنا، رجالا ونساءً.
وقع الاختيار على المملكة العربية السعودية للدراسة، لتوفّر المعلومات حول الإجراءات التي اتّخذتها لإصلاح نظام التقاعد الخاصّ بها كمّا وكيفا، ولصعوبة إلمام المقال الواحد بشرح أنظمة التقاعد في سائر الدول العربية.
وعموما، يتّصل تعديل القانون الفدرالي الخاص بالتأمين المهني على التقاعد، الذي سيطرح للاستفتاء الوطني العام في 22 سبتمبر الجاري، اتصالا وثيقا بنظام التقاعد في سويسرا. بينما ترتبط الإصلاحات التي أقرّها مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية، خلال الصائفة الفارطة، بالقوانين المؤطّرة لعمل صندوق التقاعد، وتمويل إجازة الأمومة.
ويعتبر البنك الدولي رابط خارجي، ما وصفه بالطابع الاستباقي لطريقة مقاربة الإصلاح في السعودية، “اختراقًا حقيقيًّا، ونموذجًا يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. وهذا الأمر ممكن، لأن القرار في المملكة يتخذ على مستوى مجلس الشورى، وغير ممكن في بلد مثل سويسرا، محكوم بنظام الديمقراطية المباشرة، الذي يمنح مشاركة واسعة لمواطنيه ومواطناته في صناعة القرار. ويعلّل عمر محمد المنيع، الخبير الاقتصادي السعودي الحاصل على الدكتوراه في التمويل من كليّة آدم سميث لإدارة الأعمال في المملكة المتّحدة، تعجيل المملكة بإرساء الإصلاحات قائلا: “كلما تأخّرت الإصلاحات، كلما ارتفعت التكلفة لاحقًا”، خلال مقابلته مع “بودكاست فنجان”.
+ للتعرّف أكثر: نظام إصلاح التقاعد في المملكة العربية السعودية، عبر هذه الحلقة من “بودكاست فنجان” لإذاعة ثمانية.
عن أيّة إصلاحات نتحدّث في سويسرا والسعودية؟
يتعلّق الأمر في سويسرا، بتعديل قانون التأمين المهني، الركيزة الثانية في نظام المعاشات التقاعدية. وقد فشلت محاولة إصلاح سابقة عام 2017، عند طرحها على الشعب، تمحورت حول ربط صناديق التقاعد المهنية بالتأمين على التقاعد، والأيتام. فقرّرت الحكومة الفدرالية بعد ذلك، الفصل بين النظامين.
وقد اكتمل إصلاح نظام التأمين على الأيتام، بينما لا يزال إصلاح نظام التقاعد المهني قيد النقاش، ليصل مؤخرا إلى صناديق الاقتراع. ومن المنتظر أن يقول الشعب السويسري كلمته بالخصوص، وذلك إمّا بقبول الإصلاحات التي تقترحها الحكومة ويؤيدها البرلمان، أو بإسقاط الإصلاحات كما تدعو إلى ذلك النقابات.
وتشمل الإصلاحات في المملكة العربية السعودية زيادة سن التقاعد، وتوحيده بين الرجال والنساء، وإقرارَ تدابير جديدة تسمح بتمويل إجازة الأمومة عبر نظام التأمين الاجتماعي، بمساهمة الجنسين، حتى لا يثقل ذلك كاهل أرباب العمل. وتعتقد المملكة أن هذا الإصلاح، سيزيد مشاركة النساء في سوق الشغل، ويضمن زيادة مداخيل نظام المعاشات.
– الترفيع في سنّ التقاعد؛ وذلك بالزيادة التدريجية في سنّ التقاعد القانونية من 58 إلى 65 عاما، لضمان استدامة نظام المعاشات، بعد أن ارتفع أمل الحياة في المملكة من 52 عاما سنة 1969 إلى 78 عاما في عام 2022.رابط خارجي
– توحيد سن التقاعد بين الرجال والنساء؛ ما يعزّز المساواة بين الجنسيْن في سوق الشغل، ويؤمّن كفاية معاشات المتقاعدات في المستقبل. وتعتبر هذه المساواة ضرورية لإنشاء نظام عادل وشامل. فيستوي النساء والرجال في الاشتراك في الضمان الاجتماعي، والاستفادة منه.
– زيادة فترة الاشتراك المطلوبة للتقاعد المبكّر من 25 عاما إلى 35 عاما؛ ويهدف هذا التحديث إلى تشجيع القوى العاملة على مشاركة أطول، تخفّف العبء الماليّ عن نظام المعاشات، مع خيار التقاعد المبكّر بشروط أكثر استدامة.
– تمويل إجازة الأمومة عبر نظام التأمين الاجتماعي بدلا عن أرباب العمل؛ فيساهم الجنسان في تمويلها، ما يشجّع على مزيد توظيف النساء، وزيادة مشاركتهنّ في سوق الشغل، فتزداد مداخيل المعاشات.
ما الغاية من إصلاح قوانين التقاعد؟
تهدف الإصلاحات، سواء في سويسرا أو السعودية، إلى تحسين الدخل خلال الشيخوخة، وتعزيز المساواة بين الجنسيْن. إذ تواجه أنظمة المعاشات في البلدين مستقبلا، تحدّيات ناتجة عن زيادة متوسّط أعمار السكان لارتفاع أمل الحياة، وانخفاض معدّلات الخصوبة، إلى جانب التغيّرات في طبيعة العمل، وتآكل أنظمة الدعم الاجتماعي الهشّة، بما يجعل استدامتها المالية موضع شكّ، في كليهما.
في من يؤثّر قانون إصلاح التقاعد الفدرالي؟
تتراوح نسبة الفئات المؤمّنة التي ستتأثّر أكثر من غيرها في سويسرا، بين 15% و30%، وتلتزم أساسا بهذا النظام. بينما لن تتأثّر حاليا، الفئة المتقاعدة، التي لن تتغيّر معاشاتها.
في حين لا تنطبق معظم تدابير الإصلاح المعتمدة في السعوديّة، إلاّ على الفئات الموظّفة حديثا، في القطاعيْن العام والخاص،التي لم تشترك سابقا في صندوق الضمان الاجتماعي. بينما تواصل الفئات المشاركة حاليا، اتّباع النظام المعتمد قبل الإصلاحات. ويتدرّج الترفيع في معدّلات الاشتراك من 9 إلى 11%، على امتداد خمس سنوات، بما يسمح لكل من القوى العاملة، وأرباب العمل بالتكيّف مع المعدلات الجديدة.
المزيد
نظام المعاشات في سويسرا
ما رأي الشقّ المؤيّد للإصلاحات في سويسرا؟
تقول إليزابيث باوم شنايدر، وزيرة الداخلية السويسرية، عن مبادرة إصلاح نظام التقاعد: “تمثل تقدمًا، وتحمل إيجابيات كثيرة”. وعموما، تطرح الحكومة الفدرالية الإصلاح كحل عادل ومتوازن.
ويرى الشقّ المؤيّد، أنّ الإصلاح سيضمن للمعاشات المستقبليّة في نظام التأمين المهني الإلزامي، تمويلًا كافيًا وطويل الأمد. كما سيحسّن نظام تقاعد الفئة ذات الدخل المنخفض، وتلك العاملة بدوام جزئي في وظائف متعدّدة. إذ يُتوقّع تحسّن معاشات حوالي 360,000 شخص أغلبهم نساء.
كما يتعلّل هؤلاء بأنّ الإصلاح سيضع حدّا للظلم؛ إذ يتعيّن على الفئات العاملة حاليًا، الاشتراك في تمويل الجزء الإلزامي من معاشاتها، مع التأكيد على أنّ التصويت بـ “لا” سيؤدّي إلى تجميد الإصلاحات لعشر سنوات أخرى على الأقل.
وتلقى هذه الإصلاحات تأييد الحكومة الفدرالية، والبرلمان، إضافة إلى العديد من الاتحادات العماليّة، والأحزاب التقليدية.
ما هي حجج الشقّ المعارض للإصلاح؟
من جهتها، تنتقد النقابات خفض نسبة التحويل، رغم زيادة المساهمات. فيقول أوربان هودل، عضو الاتحاد السويسري للنقابات: “تهدف هذه المبادرة إلى إجبار الناس على دفع المزيد مقابل معاش أقل”. ويشير إلى استفادة الصناعة المالية من ذلك، باستيلائها على المليارات من صناديق التقاعد. وتوضّح النقابات حصول البعض على معاشات أقلّ تصل إلى 3،200 فرنك.
أما بالنسبة إلى ما اعتبرته النقابات “ادّعاء” استفادة النساء بشكل خاص، فهو غير مقبول عندها، فتقول: “لا توجد حلول تدعم الأشخاص عند التوقّف عن العمل بسبب التزامات أسرية، أو العمل بدوام جزئي ، كما ستبقى العديد من العاملات في وظائف كثيرة مثل المربيات، أو العاملات في التنظيف، دون اشتراك في صناديق التقاعد”.
وتنتمي الجهات المعارضة للإصلاح إلى كلّ من الحزب الاشتراكي، والنقابات، وبعض الهيئات من قطاعات الأجور المنخفضة مثل “غاسترو سويس”. وتخشى أن تؤدي الإصلاحات إلى زيادة تكلفة العمل في هذه القطاعات. وفي المقابل، قرّر اتحاد المزارعين عدم اتخاذ موقف رسمي من المبادرة.
تشمل إصلاحات قانون التقاعد الفيدرالي خمسة تدابير أساسية:
خفض نسبة التحويل؛ تحدّد هذه النسبة مقدار المعاشات التي تصرفها صناديق التقاعد سنوياً من رأس المال المدخر. وتبلغ حاليا 6،8%، أي يمكن الحصول على 6،800 فرنك سنويا، إذا توفّرفي صندوق التقاعد 100 ألف فرنك. ويُتوقَّع انخفاض هذه النسبة إلى 6%، وفق خطّة الإصلاح، مما سيؤدي إلى نقص قيمة المعاشات التقاعدية. ولكن تتمدّد نظريّا، فترة الاستفادة من رأس المال.
تعويض الجيل الانتقالي؛ تُعوض الخسارة في معاشات 15 جيلًا متأثّرا بذلك تدريجيّا، حسب العمر وحجم رأس المال المدَّخر. فكلما تقدّم السنُّ، وقلّ رأس المال، زادت قيمة التعويض.
تعديل حصص الاشتراكات؛ تُدفع مساهمات الفئات العاملة، والأطراف المشغّلة بالتساوي، وتزداد نسبة مساهمات الأطراف المشغّلة بالتقدم في السنّ، على أربع مراحل حاليا، يُقترح تقليصها إلى مرحلتين. وتساهم الفئة العاملة المتجاوزة ل 45 عاماً من العمر بنسبة 14% من الراتب، في حين يساهم الأشخاص فوق الـ 55 عاماً حاليا ب18 %. وتهدف هذه الإجراءات إلى تحسين فرص قبول الأكبر سناً في سوق الشغل، ذلك أنّ ارتفاع المساهمات في صناديق التقاعد، ترفّع تكلفة هؤلاء على الأطراف المشغّلة، مقارنة بالأصغر سناً.
خفض الحد الأدنى للدخل؛ يجب أن يبلغ الدخل السنوي 050، 22 فرنكا على الأقل، للانخراط في صندوق التقاعد. ولاتتحقّق الاستفادة من هذا النظام، إلّا بهذا الدخل. وبموجب الإصلاحات الجديدة، يمكن أن تستفيد الشريحة التي تتقاضى رواتب تبدأ من 19,845 فرنكا من نظام صناديق التقاعد، الذي يُتوقّع أن يتأثّربه حوالي 100 ألف شخص.
تعديل الخصم التناسبي؛ يشير هذا المصطلح إلى المبلغ المخصوم من الراتب الإجمالي لحساب مساهمات صندوق التقاعد، ويتناول خصومات التأمين على الأيتام التي مادامت قد وقعت بالفعل، فلا ينبغي للصندوق إعادة الخصم لأجلها.
وقد سبق تأييد رفع سن تقاعد النساء من 64 إلى 65 عاما، خلال استفتاء عام نُظّم يوم 25 سبتمبر 2022.
المزيد
نشرتنا الإخبارية المتخصصة في السياسة السويسرية
تحرير: بنجامين فون فيل
ترجمة: ماجدة بوعزّة
تدقيق لغوي: لمياء الواد
مراجعة: أمل المكي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.