أهداف ودلالات زيارة السيسي لروسيا.. رؤيتان متباينتان
تباينت رُؤى خبيريْن سياسييْن مصرييْن حول الأهداف الحقيقية وراء زيارة المشير عبد الفتاح السيسي، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة، ووزير الخارجية المصري السفير نبيل فهمي، مؤخرا إلى روسيا. ففيما يعتبر أحدهما أن أهدافها "عسكرية واقتصادية"، يرى الآخر أنها "سياسية بالأساس".
وفي الوقت الذي يراها الأول “فرصة لاستعادة التوازُن العسكري مع إسرائيل عن طريق تسليح الجيش المصري بالسلاح الروسي، بدلاً من الأمريكي الحريص على الحفاظ على التفوّق النوعي والإستراتيجي لإسرائيل”، يعتبرها الآخر “مرتبطةً، بالدرجة الأولى، بالحصول على دعْم خارجي للانقلاب، وتأييدا دوليا لترشّح السيسي المُـتوقَّع لرئاسة مصر”.
ولمعرفة الأهداف الحقيقية للزيارة في هذا التوقيت وسِرّ إصرار القاهرة على إعادة التعاون مع الدبّ الروسي، وما يُمكن أن تُقدمه موسكو لمصر في ظلّ أوضاعها الإقتصادية الصعبة، وما يتردّد عن كونها ليست سوى محاولة لكسْر الرَّفض الدولي للإنقلاب، وحقيقة كشفها لوجود مشكلة في الحضور الدبلوماسي المصري على الساحة الدولية، استطلعت swissinfo.ch آراء خبيريْن سياسييْن مصرييْن متخصِّصيْن في العلاقات الدولية.
الدكتورة نيفين مسعد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة قالت في حوارها مع الإعلامي عادل حمودة في برنامج “آخِر النهار”: إن “زيارة المشير عبد الفتاح السيسي لروسيا، وسيلة لكسْر هيْبة الولايات المتحدة الأمريكية، مستغلّة اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية حاليا”، وأضافت أن الزيارة ستخصم من نصيب الإدارة الأمريكية بمصر وأنها أثبتت أن الإدارة الأمريكية لا تملِك كل أوراق التلاعُب مع مصر والدول العربية.
مؤنس زهيري – الكاتب الصحفي بجريدة الأخبار علق في تدوينة له على صفحته عبر “فيس بوك” على الزيارة قائلاً: “موسكو تردّ الجميل لمصر… مصر بثورة الثلاثين من يونيو أعادت اكتشاف روسيا وقدّمت “الدبّ الروسي” للعالم مرّة أخرى، بعدما نجح العميل الأمريكي غورباتشوف في حبسه لأكثر من عقديْن من الزمن… مصر تعيد رسم خريطة العالم السياسية بتلك الثورة… والجاكيت العسكري، ذو النجمة الحمراء الذي أهداه رئيس روسيا لوزير الدفاع المصري، هو في حقيقة الأمر رسالة للولايات المتحدة الأمريكية، بأن السلاح الروسي في طريقه إلى يد المقاتل المصري، مرّة أخرى أقوى وأحدث مما كان عليه حين دخل السلاح الروسي للمرة الأولى لمنطقة الشرق الأوسط عن طريق “مصر” مع صفقة الأسلحة التشيكية سنة 1955″.
الباحث السياسي علاء بيّومي طرح عدّة أسئلة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، قال فيها: لماذا ذهب السيسي إلى روسيا؟ هل ذهب لكي يحصُل على مباركة بوتين لرئاسته بعد أن تردّد الأمريكيون في وصف سلطته بالانقلاب؟ وأين صفقة السلاح الروسية؟ وهل أجّلت دول الخليج التمويل؟ وهل هذا يرتبط بزيارة أوباما المرتَقَبة إلى السعودية في مارس؟ وماذا لو تراجعت السعودية بعد بعض التقارب مع أمريكا؟.ثم أردف يقول: “لا السيسي ناصر، ولا روسيا هي الاتحاد السوفييتي، ولا مصر هي دولة الخمسينيات، ومع ذلك، البعض ما زال يُأـفضِّل العيش في الأوهام ومحاولة إحياء الموتى وأن يسجن نفسه في ماضٍ قمعي وأوهام بطولة لن تقود إلى شيء!”.
تحت عنوان: “لماذا روسيا؟”، كتب الباحث الإعلامي مصطفى خضري عبر صفحته على “فيس بوك” يقول: “لم أتفاجَأ بزيارة قائد الانقلاب المُهينة إلى روسيا، لخمسة أسباب، هي: “استمرار الحِراك في الشارع المصري وعدم قًدرة الانقلاب على تثبيت دعائمه حتى الآن، انهيار وشيك للاقتصاد المصري نتيجة عدم قُدرة الدول الداعمة للانقلاب ماليا على الاستمرار في هذا الدعم، أمريكا وحلفاء الانقلاب في الخليج (عدا الإمارات)، لا يرغبون بترشّح السيسي للرئاسة، هناك صِراع على السلطة بين العملاء القُدامى والعملاء الجُدد، مع وجود قِوى متقاربة تدعَم كلّ طرف، وقادة الانقلاب ما زالوا يقرأون من كتاب عبد الناصر وتقريبا في الفقرة الخاصة بنهاية الخمسينيات وبداية الستينيات”.
“انطلاقة جديدة”
كان المشير السيسي، مرافقا بالسفير فهمي، قد قاما بزيارة يوم 12 فبراير 2014 إلى موسكو، التقيا خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزيري الدفاع والخارجية الروسيين، ووصفا الزيارة بأنها بمثابة انطلاقة جديدة للتعاوُن العسكري والتّقني العسكري بين مصر وروسيا، بما يصبّ في مصلحة الدولتيْن.
وخلال الزيارة، أعرَب بوتين عن أمله في زيادة حجْم التجارة بين مصر وروسيا إلى 5 مليارات دولار، قائلا: “لدينا الكثير من المشروعات الجيدة الكبيرة وأتمنى انتهاء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر قريبا وتشكيل مجلس الوزراء، حتى نكون قادِرين على الإستفادة من آليات التعاون”.
ومن جهته، كشف سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي أنه بحث مع السِّيسي إمكانية صياغة اتفاقية للتعاون العسكري والتِّقني العسكري، بين روسيا ومصر، مشيرا إلى أن لقاءه بالسيسي يؤكِّد تمسُّك البلدين بتعزيز العلاقات العسكرية، وأن المباحثات تناولت مشاريع توسيع تبادُل الوفود وإجراء مناورات مُشتركة واستقبال العسكريين المصريين للدِّراسة في المعاهد والجامعات والأكاديميات العسكرية الروسية وسُبُـل التعاون عبْر قنوات قوات البلديْن، البحرية والجوية.
في المقابل، أوضح وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، أن اللجنة المشتركة الوزارية ستُـعقد في شهر مارس المقبل، وأن المباحثات مع موسكو تتناول الرّصيد الروسي للتصنيع في مصر وتطوير السياحة وتوسيع الإستثمارات الروسية وفتح الأسواق الروسية أمام السِّلع المصرية وتعزيز التعاون الثقافي، فضلا عن التعاوُن العسكري بمُختلف جوانِبه.
فرصة لاستعادة التوازن مع إسرائيل؟
في البداية، يقول الدكتور علاء عبد الحفيظ، الخبير في العلاقات الدولية ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط: “تبدو أهمية الزيارة من أن المُشير السيسي ينوي الترشّح للرئاسة، في وقتٍ تتراجَع فيه شعبية الولايات المتحدة في مصر، عقِب موقِفها من الأحداث السياسية التي تلت 30 يونيو، وهو الموقِف الذي لم يُرضِ أحدا، سواء المؤيِّدين الذين كانوا يريدون تأييدا واضحا، أو المعارضين الذين كانوا يُريدون موقفا أقوى من جانب الولايات المتحدة”.
ويضيف عبد الحفيظ، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أن “التسليح الروسي لا يزال يمثل 40% من الإحتياجات العسكرية للجيش المصري، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال المصدر الرئيسي للسلاح بالنسبة للجيش المصري، إلا أنها حريصة على الحفاظ على التفوق النوعي والإستراتيجي لإسرائيل، ومن ثَـمَّ، كان لابد لنا من التعاون في هذا المجال مع دُول أخرى، وتحديدا مع روسيا، بما يمنح مصر فُـرصة لاستعادة التوازُن مع إسرائيل، خاصة في مجال المنظومات الدِّفاعية المتقدِّمة، الذي تتقدّم فيه روسيا عن غيرها، خاصة وأن نظمنا العسكرية والأمنية، شرقية، سواء من حيث التجنيد أو تراتُـب المؤسسات”.
في الوقت نفسه، أشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تجعل إسرائيل تعرف كل شيء عن قُـدراتنا العسكرية، وعليه، فإن التعاون مع روسيا – عسكريا – كما حدث إبّان حرب أكتوبر المَجيدة عام 1973، والتي انتصرنا فيها بالسلاح الروسي – يجعل قدراتنا العسكرية ليْست فقط في مأمن، وإنما لديها القدرة على المناورة والخِداع الإستراتيجي، وهو ما يجعل صانِع القرار في القاهرة، لديه قُدرة أكبر على الإستقلالية في سياسة مصر الخارجية والداخلية، وخاصة في مواجهة أي دولة تُهدِّد الأمن القومي لمصر”، على حد رأيه.
طفرة كبيرة متوقعة بين البلدين
الخبير السياسي أوضح أيضا أن “مصر ترتبط مع روسيا بعلاقات اقتصادية في مختلف المجالات، حيث أنها تُـزوِّد العديد من المشروعات الإقتصادية بقِطَع الغِيار والصِيانة والآلات الحديثة، وخاصة مشروعات الحديد والصّلب والألومنيوم، فضلاً عن السد العالي، كما أنها أهم مُصَدِّر للسياحة الأجنبية لمصر (2 مليون سائح سنويا)، ترغب مصر في استعادتهم”، مشيرا إلى أن “روسيا أهَم مورد للقمح، من حيث تسهيلات السداد وتكلفة النّقل، بالنسبة للقمح الأمريكي والأرجنتيني والأسترالي، فضلاً عن أنه بدون شروط أو أثمان سياسية”.
في الأثناء، توقع عبد الحفيظ أن تشهَـد العلاقات الإقتصادية بين البلدين طفْـرة كبيرة، خاصة في مجال الإستثمار، لأن روسيا لديها احتياطي نقْـدي ضخْم، وعندها رغْبة قوية في تطوير مصانِع الإنتاج الحربي في مصر، والتي أُنْـشِئت بتكنولوجيا روسية في عهْد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كما ستشهد العلاقات تعاونا مثمرا في مجال تكنولوجيا الإستخدامات السِّلمية للطاقة النووية، خاصة وأن روسيا متقدِّمة في هذا المجال عن غيرها من الدول الكبرى، وهو ما يمكن أن يعطي دفْعة قوية للمشروع النووي المصري الذي بدأ بتكنولوجيا روسية (مُفاعِل أنشاص)”.
“الحصول على دعم خارجي للإنقلاب”
وبرُؤية مَغايِرة تماما؛ يرى الخبير السياسي الدكتور عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية بالأكاديمية العربية المفتوحة بالدانمرك، أنه فيما يتعلّق بتوقيت الزيارة، فإن الأمر يتعلّق بدرجة كبيرة بما يدور على الساحة الداخلية في مصر، من حيث قُـرب موعد الإعلان عن بدْء الإنتخابات الرئاسية، وهو ما ظهر جليا في التصريحات التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما يتعلق بتأييده لترشيح المشير السيسي للرئاسة.
وفي تصريحات خاصة لـ” swissinfo.ch، وقال عبد الشافي، الخبير المتخصِّص في العلاقات الدولية: “أعتقد أن الأمر لا يرتبط بدرجة كبيرة بما يتردّد عن إعادة التوازن في العلاقات الدولية أو عقد صفقات خاصة بتسليح الجيش المصري أو إعادة بناء توجّهاته أو إعادة بناء ترسانته العسكرية، ولكنه يرتبط بالدرجة الأولى، بمحاولة الحصول على دعْم سياسي خارجي للمشير السّيسي في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة من دولة في حجْم روسيا الاتحادية”.
وعن الأهداف الحقيقية للزيارة؛ يرى أستاذ العلوم السياسية أن “الهدف الأساسي يرتبط – كما أشرت آنفا – بمحاولة الحصول على دعْم وتأييد لترشح السيسي للرئاسة، خاصة وأن المهمّة الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية خلال الفترة منذ انقلاب 3 يوليو 2013 وحتى اليوم، هي محاولة تحسين صورة الإنقلاب العسكري، وقد بذلت الكثير من الجهود، لكن غالبها باء بالفشل، بدليل أن البيانات الرسمية الصادِرة عن الإتحاد الأوروبي، ندّدت بالإنقلاب والانتهاكات التي وقعت في حقّ المعارضين والمُعتقَلين من كافة التيارات السياسية، وكذلك البيان الصادر عن القمّة الإفريقية الأخيرة، والذي أكّد على تمسُّك الإتحاد الإفريقي بموقفه المندِّد بالإنقلاب العسكري”.
الدكتور عصام عبد الشافي أشار أيضا إلى أن السياسة الخارجية المصرية “تدور في فلَـك الدول المؤيِّدة للإنقلاب، والتي لا تخرج عن عدّة دول خليجية والولايات المتحدة وروسيا، التي هي بمثابة الداعم الرئيسي لهذا الإنقلاب”، موضِّحا أن “الأمر الذي يجب التأكيد عليه، أن هذه الزيارة التي قام بها وزيرا الدفاع والخارجية المصرييْن إلى موسكو في هذا التوقيت، الهدف رقم واحد منها، هو الحصول على دعم سياسي خارجي للإنقلاب العسكري، خاصة من طرف دولي، كروسيا، يُمكن التعويل عليه والترويج له إعلاميا بشكل مكثَّـف خلال الإنتخابات الرئاسية القادمة”.
اعتبارات سياسية وليست اقتصادية!
وحول ما يمكن أن تقدِّمه روسيا لمصر في ظلِّ أوضاعها الإقتصادية الصّعبة، قال عبد الشافي: “الأمر لا يرتبط باعتبارات اقتصادية، وإنما يرتبط بالأساس باعتبارات سياسية. فالرِّهان على العامل الإقتصادي، مرتبِط بالدرجة الأولى بدُول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي توفِّر الدّعم النقدي والتمويل المادّي اللاّزم للسلطة الإنقلابية في مصر، مهْما كان حجْمه”، مشيرا إلى أن “روسيا تمتلِك نفوذا وخِبرة تاريخية في العلاقة مع مصر، والسيسي يُـراهِن على روسيا في التّرويج لنفسه على أنه الخليفة القادِم للزعيم جمال عبد الناصر، ويُحاوِل استنساخ ما حدث معه في تجربة الخمسينيات، عند بناء السدّ العالي عام 1954”.
واستدرك أستاذ العلوم السياسية قائلاً: “ليس المطلوب من روسيا في هذه المرحلة الدّعم الإقتصادي، وإنما الدّعم السياسي، واستخدمها للترويج والدّعم للسيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة وأن هناك مرشّح آخر تمّ الإعلان عنه (حمدين صباحي)، ينتمي إلى التيار الناصري في مصر، وبالتالي، يريد السيسي أن يحصل على هذا الدّعم السياسي من طرفٍ قوي كروسيا، مستغِلاّ وضعه الحالي كمُحرك رئيسي للسياسة الخارجية لمصر، وكحاكِم فِعلي للبلاد منذ وقوع الإنقلاب على الرئيس المنتخَب محمد مرسي”.
وحول ما يراه البعض من أن الزيارة جاءت في إطار محاولات مصر لكسْر الرّفض الدولي للإنقلاب (إفريقيا/ أوروبيا)، قال عبد الشافي: “لا أعتقد ذلك، لأن الإعلان عن التوجّه نحو روسيا، ليس وليد هذه الزيارة، وإنما بدأ منذ أكثر من شهر تقريبا، وكان أهَم ملمح له، زيارة وزيريْ الخارجية والدفاع الروسيّيْن لمصر، غيْر أن هذه الزيارة لم تحقّق الأهداف المرجُوّة منها فيما يتعلق بكسْر العُزلة الخارجية، فضْلا عن أن روسيا أعلنت موقِفها الدّاعم للإنقلاب منذ البداية، كما أن هذا الدّعم من شأنه أن يتوافَق مع المواقِف المُعلَنة من السلطة الإنقلابية فيما يتعلّق بمنافسات تهُمّ روسيا في الملف السوري بالدرجة الأولى”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.