أوباما وروحاني مُـتـحـمّسـان للحوار لكنهما “نِسْران بلا أسنان”
في 8 أغسطس 1988 أعلن أية الله الخميني أنه "يتجرع السم من خلال قبوله وقف الحرب مع العراق". وفي 16 سبتمبر 2013، أي بعد ربع قرن كامل، بدا خليفة الخميني آية الله خامنئي وكأنه يتجرع السم هو الآخر، عبر إبداء استعداد إيران لممارسة "الليونة البطولية" في التعامل مع الغرب، بعد عقدين من "شيطنة أمريكا" واعتبار أي ليونة في التعاطي معها بمثابة "خيانة إديولوجية".
الخميني قرر “تجرُّع سم” وقف الحرب لأن أدرك أنه عاجز عن حسم الحرب لمصلحته، ولأن نظامه بات مستنزفاً اقتصادياً وعرضة إلى الخطر. وخامنئي قرر هو الآخر “تجرع السم” لأن مقاربته القائمة على المجابهة مع الغرب، جعلت الإقتصاد الإيراني يتراقص على حافة الإنهيار.
فالضائقة الإقتصادية الكبرى التي تمر بها إيران هذه الأيام، أدت إلى خفض قيمة الريال الإيراني بأكثر من 60 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية، ورفعت معدلات البطالة بين الشباب إلى أكثر من 40 في المائة، هذا في حين كان التضخم يقفز إلى مستويات شاهقة. وهذا على ما يبدو، هو ما دفع مرشد الثورة الإيرانية إلى لجم الحرس الثوري الإيراني (مؤقتا) عن التدخل في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة (كما فعل العام 2009)، وإلى الإفصاح علناً للمرة الأولى عن استعداده لإبداء المرونة في المفاوضات النووية مع الغرب.
“فيتنام إيران”
سبب هذا الانقلاب الخامئني سببان: الأول هو العقوبات الإقتصادية الغربية والدولية القاسية على إيران، التي جعلت الرئيس حسن روحاني يعترف في نيويورك بأنها (أي العقوبات) ألحقت أضراراً فادحة ليس فقط بالإقتصاد الإيراني بل أيضاً بالمواطنين الإيرانيين العاديين الذين باتوا، على حد قوله، “يفتقدون إلى الطعام والدواء”.
بيد أن السبب الثاني قد يكون أخطر ويتلخص في الكلفة الباهظة التي تتكبدها إيران في سباق التسلح والصراع على النفوذ الإقليمي مع الولايات المتحدة وبعض الدول المؤثرة في الشرق الأوسط، والتي قد تكون أكثر خطورة من العقوبات الدولية.
وفي الواقع، تبرز أكثر تجليات هذه المسألة في سورية. كيف ذلك؟ يجب القول هنا، أولاً، أن لا أحد، بما في ذلك حتى أبرز الخبراء الدوليين الموثوقين في الشأن الإيراني، يستطيع أن يدّعي ولو للحظة أنه قادر على توقّع سلوك طهران في السياسة الخارجية، لأنه ينبع (على حد قولهم الإجماعي) من ثنائية تاريخية شهيرة وعصية على التنبؤ: الباطنية أو التقيّة الشيعية، والدهاء أو الخبث الفارسي.
وربما هذا ما دفع عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري، إلى القول عن تجربته في السلطة طيلة 40 سنة مع الحليف الأكبر للنظام السوري: “لم نكن نعرف طيلة هذه الفترة ما يُريد الإيرانيون، إلا بعد أن يحدث”.
حسنا. إذا ما كان من الصعب، أو حتى المستحيل معرفة ما يريده الإيرانيون حقاً على المستوى الذاتي، إلا أنه ليس كذلك على الصعيد الموضوعي. وهذا ما يتبدى الآن في الحالة السورية، حيث بات واضحاً أن هذه الظروف الموضوعية بدأت تُملي على القادة الإيرانيين توجهات تناقض صرخاتهم التضامنية المجلجلة مع النظام السوري.
ولكن ما هي هذه الظروف؟ إنها ببساطة تحوّل الحرب الأهلية – الإقليمية السورية إلى ما بات بعض المسؤولين الإيرانيين يصفونه في مجالسهم الخاصة بأنه “فيتنام إيران”، في وقت يُجمع العديد من المحللين على أن الإقتصاد الإيراني يترنح بالفعل، كما أشرنا، على شفير الإانهيار، بفعل الحصار الغربي، والفساد المستشري، وسوء الإدارة الحكومية.
وجاء الإستمرار غير المتوقع للحرب السورية، التي حوّلتها طهران إلى حربها الخاصة من خلال الإشتراك المباشر لوحدات من الحرس الثوري (فيلق القدس تحديدا) وقوات حزب الله اللبناني وبعض الميليشيات الشيعية العراقية في المعارك، لتجعل سورية بمثابة “ثقب أسود” يستنزف ما تبقى من روح أو زخم في الإقتصاد الإيراني (يتندر الموظفون الرسميون في سوريا بأنهم باتوا يتقاضون رواتبهم التي تقدّر برقم فلكي يناهز المليار دولار شهريا من طهران).
هذه المعطيات تقف على الأرجح وراء التمخضات التي تجري حالياً، وإن ببطء، في الداخل الإيراني حيال سورية، من جهة، والإتصالات “تحت الطاولة” وفوقها بين إيران والولايات المتحدة، من جهة ثانية، حول هذا الأمر. وكلا هذين التطورين وثيقي الصلة ببعضهما البعض.
الأمم المتحدة (رويترز) – رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 حملة دعائية للرئيس الإيراني الجديد ووصفها بأنها حيلة أعدها “ذئب في ثياب حمل” وأعلن أن إسرائيل مستعدة للوقوف بمفردها لمنع طهران من الحصول على سلاح ذري.
وهاجم نتنياهو في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ظهر فيها جنوحه للقتال الثقة التي نالها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الذي قام بمفاتحات دبلوماسية مع الولايات المتحدة وأجرى محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبوع الماضي.
وقال نتيناهو “روحاني لا يشبه أحمدي نجاد” في إشارة إلى الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد الذي كانت خطبه أمام الجمعية العامة معادية بشدة للغرب ولإسرائيل. واستدرك قائلا: “لكن عندما يتعلق الأمر ببرنامج إيران النووي فإن الفارق الوحيد بينهما هو أن أحمدي نجاد كان ذئبا في ملابس ذئب أما روحاني فذئب في ملابس حمل. ذئب يظن أن بإمكانه خداع أعين المجتمع الدولي”، وأضاف قوله “هذه خدعة ماكرة. إنها حيلة”.
وكرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد اجتماع مع نتنياهو يوم 30 سبتمبر 2013 عزمه على منع إيران من اكتساب أسلحة نووية. وقال الزعيمان إن إسرائيل والولايات المتحدة “تتعاونان في هذا الشأن”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 أكتوبر 2013)
نسران بلا أسنان
ماذا الآن عن احتمالات نجاح المفاوضات الإيرانية – الأمريكية؟ عقدة المنشار في المفاوضات ستكون، كما هو معروف، الثمن الذي يريده المفاوضون الإيرانيون مقابل استعدادهم لعدم تجاوز نسبة الـ20 في المائة من عملية تخصيب اليورانيوم. إذ أنهم يسعون إلى إجراءات جدية من الغرب ليس فقط إلى خفض العقوبات الإقتصادية عنهم، بل حتى أيضاً إلى مساعدة الإقتصاد الإيراني على تجاوز عتبة الانهيار التي يقف أمامها الآن.
هذا الأمر لن يقبله الكونغرس الأمريكي إلا من خلال “خطوة استسلامية” إيرانية يتم خلالها التأكد من أمرين إثنين: الأول، أن إيران ستُغلق فعلياً ملف التسلُّح النووي، وستُشرع كل أبوابها أمام التفتيش الدولي على منشآتها النووية. والثاني، أن الولايات المتحدة تريد أن تطمئن إلى أن التحولات في المواقف الإيرانية، من التصعيد والمجابهة إبان عهد الرئيس أحمدي نجاد إلى الليونة والتسويات في عهد روحاني، سيشمل أيضاً إسرائيل.
هذان أمران دونهما ثلاث عقبات كأداء: الأولى، أن أجنحة عديدة في الحرس الثوري الإيراني، وفي مقدمها فيلق القدس الذي يقوده سليماني، ستتضرر بشدة من أي صفقة أمريكية – إيرانية، لأن مصالحها الإقتصادية تتغذى من العقوبات الدولية المفروضة على إيران. والثانية، أن الكونغرس الأمريكي يحتوي على صقور بالغي الشراسة يُعارضون أي خطوة مع طهران لا تتضمن العمل على إسقاط النظام. وقد وقّع عشرة شيوخ قبل أيام بياناً أصروا فيه على أنه ما لم تفكك إيران ليس فقط برنامجها النووي العسكري بل أيضاً المدني وما لم تصبح ديمقراطية ليبرالية (أي يتم تغيير نظامها)، فإنه لايجب رفع أيّ من العقوبات المفروضة عليها. أما العقبة الثالثة فهي تكمن في الشرق الأوسط. إذ أن أي صفقة ثنائية أمريكية – إيرانية لا تأخذ بعين الإعتبار مصالح القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة، ستُجابه باعتراضات قوية قد تؤدي إلى تقويضها.
خلاصة القول، تبدو الحصيلة واضحة تماما: فأوباما وروحاني متحمّسان لإبرام الصفقات، لكنهما في الواقع نسران بلا أسنان: فالأول لن يحصل على موافقة الكونغرس على أي اتفاق لا يُرضي الصقور الجمهوريين والليكوديين، أما الثاني فهو عرضة في أي لحظة للوقوع في أفخاخ الحرس الثوري الذي قد يتجاوز حتى أوامر ولي الفقيه، بعد أن بات هذا الحرس منذ عقد من الزمن القوة الفعلية الحاكمة في بلاد الخميني وقورش.
أمام هذا الوقائع، فإن أكثر ما يمكن أن يحققه الثنائي أوباما – روحاني هو صفقات ثنائية صغيرة، على نمط صفقات أفغانستان وإيران غيت وما شابهها. أما “الصفقة الكبرى” التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة فيجب أن تنتظر ولادة نظام دولي جديد لا يبدو في الأفق أنه قد يُطلّ برأسه في أي وقت قريب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.