أوضاع أفغانستان تتأرجح بين حلّ شامل وانفِـجار شامل
كلّ الدلائل تَـشي بأن أفغانستان ستكون عمّـا قريب، بُـؤرة الصِّـراع الرئيسية في الشرق الأوسط الكبير وقارّة أوراسيا، خاصة في حال نفّـذ الرئيس الأمريكي المُـنتخب باراك أوباما، وعودة بسحب القوات الأمريكية بسرعة في العراق، "للتركيز على حرب أفغانستان"، كما قال مِـراراً خلال حملاته الانتخابية.
وكل الدلائل تُـشير أيضا، إلى أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في تلك البلاد، التي تُـعتبر الأفقر في العالم، ستكون محفُـوفة بالمخاطر، لسببين إثنين:
الأول، التعقيدات الإقليمية والدولية الضّـخمة، التي تُـحيط بالأزمة الأفغانية والتي حوّلت هذه البلاد المنكوبة إلى ساحة قَـتل وصراع مفتوح بين العديد من القِـوى الخارجية.
والثاني، استمرار تردّد الولايات المتحدة، حتى في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، حِـيال الأسلوب الأمثل لتحقيق “النصر” في أفغانستان.
بالطبع، كِـلا السّـببين مُـترابطان في شكل وثيق، وكلاهما يستدعي وُجود إستراتيجية أمريكية عُـليا، قادرة وحدها على الإحاطة بكل جوانب الأزمة، كي تتمكّـن من توفير حلٍّ شامل هناك. فهل سيكون الرئيس أوباما في وارِد بلوَرة مثل هذه الإستراتيجية؟
سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل، لكن قبل ذلك، نبدأ باستعراض طبيعة الصِّـراعات الخارجية المحرّكة للأزمات الداخلية في أفغانستان.
“اللعبة الكُـبرى”
إرتبط اسم أفغانستان في التاريخ بتعبير “اللعبة الكبرى”، الذي استخدمه الامبرياليون البريطانيون لوصف التنافس الروسي – الانكليزي في القرن التاسع عشر على لوحة شطرنج أفغانستان وآسيا الوسطى. بيد أن هذه اللّـعبة الكبرى آنذاك، تضمنت أساليب صغيرة، اقتصرت على عمليات استخباراتية محدودة وحروب قصيرة، شُـنّـت بالبنادق ومن على ظهور الخيل، بين الروس والبريطانيين، ووقف خلالها الشعب الأفغاني في صفوف المتفرّجين.
والآن، وبعد أكثر من قرن، لا تزال هذه اللعبة مستمرّة، لكن عدد اللاّعبين هذه المرة، شهد انفجاراً كبيراً وأصبحت بيادِق اللّـعبة (الشعب الأفغاني)، منغمسة في الصراع، وبات لهيب المعارك في هذه البلاد العصِـية على السيطرة منذ القدم، تهدّد بمضاعفات تمَـسّ كل قارات العالم، كما أثبتت ذلك بوضوح أحداث 11 سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك.
باكستان، تُـعتبر اللاعب الإقليمي الرئيسي في أفغانستان، والرئيس السابق برويز مشرف، دعم الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، لأنه رأى أن مِـن مصلحته الاشتِـراك في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة، مع مُـواصلة دعم حركة طالبان كورقة ضغط على أفغانستان. وقد استمر هذا الوضع لخمس سنوات، إلى أن شهد صيف عام 2006 تصاعُـداً كبيراً في عمليات طالبان، بعد أن فسّـرت إسلام أباد وطالبان قرار واشنطن بنقل القيادة العسكرية إلى حِـلف الأطلسي، على أنه تمهيد لسحْـب القوات الأمريكية، وهذا ما يوضح أسباب تصاعُـد أعمال العنف “الطالباني” في المناطق القبلية الباكستانية على الحدود، وما تبِـعها من عمليات “كوماندوس” أمريكية في هذه المناطق.
بالطبع، هذا لا يعني أن طالبان مجرّد دُميَـة في يد إسلام أباد ولا يعني أن هذه الأخيرة لها الكلمة العُـليا الأخيرة على الأولى. كل ما في الأمر، أن أجهزة الأمن الباكستانية تعيش هاجِـس وجود مُـؤامرة هندية – أمريكية للسّـيطرة على أفغانستان، تمهيداً لتقسيم باكستان نفسها إلى دُويْـلات مُـتصارعة، ولذا، فهي تدعم طالبان سِـراً لعرقَـلة هذه المخطّـطات.
الهند، هي الطرف الثاني المهمّ في اللّـعبة. فهي افتتحت قُـنصلِـيات في مُـعظم المدن الأفغانية كغِـطاء تعمَـل تحته مُـخابراتها العسكرية (التي يُـطلق عليها اسم “جناح التحليل والأبحاث”)، لإضعاف النفوذ الباكستاني في البلاد، وهي تنفق الأموال بغزارة لدعم حكومة الرئيس قرضاي، وتشجيعها على التصدّي لإسلام أباد.
إيران، هي القوة الإقليمية الثالثة التي تنشط في أفغانستان على جبهتين متناقضتين: فهي من جهة تدعم واشنطن في حربها ضدّ القاعدة وطالبان، ومن جهة أخرى، تدعم القاعدة لمنع واشنطن من التّـمركز العسكري في شكل دائِـم في البلاد، خوفاً من أن يلي ذلك اجتياح أمريكي لاحق لأراضيها.
ثم هناك المملكة السعودية، التي تلعب هي الأخرى لُـعبة مُـزدوجة مُـماثلة مع كل من باكستان – طالبان ومع أمريكا – حلف الأطلسي.
وعلى الصعيد الدولي، ثمّـة ثلاث قِـوى رئيسية ناشطة في أفغانستان. فإلى جانب الولايات المتحدة، هناك الصين، التي تملك نفوذاً هائلاً على باكستان (على مستويَـي التسليح العسكري والدعم السياسي) وتقف معها لمُـوازنة القوة الهندية الصاعدة. ثم هناك روسيا، التي تعتَـبِـر الوجود العسكري الأمريكي الدائم في أفغانستان، تهديداً مباشراً لأمنها القومي ولمناطِـق نفوذها في آسيا الوسطى، في الوقت ذاته، الذي تدعم فيه جهود ضرب الأصولية الإسلامية في البلاد.
المقاومة الأفغانية
لوحة معقّـدة للغاية، أليس كذلك؟ حتماً، وهي تزداد تعقيداً حين نضَـع في الاعتبار الانقسامات الإثنية في أفغانستان، حيث نِـصف السكان (في الجنوب والغرب) من الباشتون، والنصف الآخر، خليط من الإثنيات الناطقة باللّـغتين الفارسية والتركية، بيد أن هذه الانقسامات على خطورتها، لم تمنع الأفغان على مدار التاريخ من رفض كل المحاولات الأجنبية لاحتلال بلادهم.
ففي عام 1838، حاول البريطانيون غَـزو أفغانستان لضمِّـها إلى إمبراطوريتهم، لكن الأفغان العادِيين (وليس الأمراء الإقطاعيون)، تصَـدّوا لهم وذبحوا كل أفراد الجيش البريطاني الغازي، فاضطرت لندن إلى وقف الغزو.
وفي عام ،1878 غزا الأنجليز مجدّداً. ومجددا، جاءت المقاومة من الأفغان العادِيين، فاضطر البريطانيون إلى الانسحاب، ولكنهم سَـيطروا على المناطق الحُـدودية وعلى السياسة الخارجية للبلاد.
في عام 1919، نشبت الحرب الأفغانية الثالثة، حين تقدّم الجيش الأفغاني نحو المواقع الإمبراطورية البريطانية في الهِـند، ممّـا أجبر واشنطن على الاعتراف باستقلال أفغانستان.
في عام 1979، نشبت الحرب الأفغانية الرابعة، بعد الغزو الروسي، ممّـا أدّى إلى قتل وجرح وتشريد رُبُـع الشعب الأفغاني. وقد انتهت الحرب بانسحاب الروس وبدء انهيار إمبراطوريتهم.
والآن، تستمِـر الحرب الأفغانية الخامسة، التي دشّـنتها الولايات المتحدة. فهل سيكون مصيرها أفضل من سابقاتها؟
الإستراتيجية الأمريكية
نعود الآن إلى سؤالنا الأول: هل سيكون الرئيس أوباما قادِراً على صياغة إستراتيجية عُـليا جديدة للخروج من نفَـق الحرب الأفغانية؟
الأمر كما أشرنا، سيعتمِـد على الطّـرف الذي سينتصِـر في الجدل الدّاخلي الدّائر الآن بين دوائر صُـنع القرار الأمريكي.
فإذا ما انتصر الجناح المتصلّـب، الذي يرى الحلّ في مواصلة الصِّـراع حتى الثَّـمالة، ستكون أفغانستان، ومعها باكستان وكل منطقة أوراسيا على موعد مع انفجار كبير جديد.
أما إذا ما انتصَـر الجناح المُـعتدل، فسنشهد تحرّكاً دبلوماسياً ضخماً، يتمحور حول مجلس الأمن ويكون هدفه الرئيسي:
· طمأنة الباكستانيين إلى أمنهم الداخلي ومصالحهم في أفغانستان، والعمل في الوقت ذاته على حل مشكلة كشمير، لنزع فتيل التفجير مع الهند، تمهيداً لتحييد أفغانستان عن صراعات نيودلهي – إسلام أباد.
· القيام بخطوات مماثلة مع إيران وروسيا عبر التأكيد لهما بأن واشنطن لا تخطِّـط لإقامة قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان.
· تشجيع الصين والسعودية على لعِـب أدوار اقتصادية أكبر في آسيا الوسطى، في إطار خطة نهوض اقتصادي شاملة في المنطقة.
· إجراء مصالحات داخلية في أفغانستان، يتِـم خلالها دمج طالبان في نظام سياسي جديد، يُـفترض أن ينشأ بعد انسحاب القوات الأطلسية من البلاد.
قد تبدو هذه التوجّـهات طوباوية أو مثالية، لكنها في الواقع، المدخل الوحيد للخروج من المأزق الأفغاني، وهو بالمناسبة، مأزق قد ينقلِـب قريباً إلى ورطة إستراتيجية كُـبرى لكل الأطراف المنغمِـسة حالياً في هذه اللّـعبة الكُـبرى الجديدة.
سعد محيو – بيروت
واشنطن (ا ف ب) – بدت الادارة الامريكية يوم الاثنين 17 نوفمبر، مربكة حيال عرض المصالحة الذي قدمه الرئيس الافغاني حميد قرضاي الى زعيم طالبان الملا عمر، احد ابرز المطلوبين لدى الولايات المتحدة.
وتجنبت ادارة الرئيس جورج بوش اعلان موقف من اي ترتيب قد يتم التوصل اليه بين قرضاي والملا عمر.
وفي حال تقبلت واشنطن مثل هذا الترتيب مع رجل مطلوب لديها حيا او ميتا، فسوف يشكل الامر تحولا هائلا في موقفها، اذ كان البنتاغون (وزارة الدفاع الامريكية) يؤكد حتى فترة قريبة انه لن تكون هناك مصالحة مع شخص “يداه ملطختان بدماء الاف الامريكيين”.
غير ان رفض المصالحة المعروضة بشكل صريح، سيضع الادارة الامريكية في خلاف فاضح مع احد حلفائها الاساسيين ،الرئيس الافغاني، في وقت لا يزال الوضع في افغانستان مضطربا.
واكتفت ادارة بوش يوم الاثنين بالقول أنها فيما تبقى مفتوحة امام المصالحة بين الحكومة الافغانية وعناصر طالبان المستعدين لتبديل موقفهم، الا انه من الصعب تصور مصالحة مع الملا عمر في الوقت الحاضر.
وميز رئيس اركان الجيوش الامريكي الاميرال مايكل مولن بشكل واضح، بين فئة من عناصر طالبان يمكن التصالح معها في المستقبل، وفئة اخرى لن يكون ذلك ممكنا معها اطلاقا.
واكدت دانا بيرينو، المتحدثة باسم بوش “اننا ندعم حميد قرضاي”، وتابعت “لكن، ما لمسناه من جانب طالبان والملا عمر، الذي لم نتلق معلومات عنه منذ فترة، هو رفضهم التخلي عن العنف”.
واعلن قرضاي يوم الاحد 16 نوفمبر، انه سيبذل “كل ما في وسعه” لحماية الملا عمر مقابل السلام، مشيرا الى استعداده حتى لتجاوز معارضة دولية إن اقتضى الامر.
وقالت بيرينو، ان الولايات المتحدة “تشكك في نوايا طالبان الحقيقية”، وهي مصممة على مواصلة الضغط عليهم. وأضافت “اننا نقِـر باحتمال ان يرغب بعض عناصر طالبان في وقت ما في المصالحة والتخلي عن العنف”، لكنها اضافت “لا نعتقد بكل بساطة ان ذلك ممكن في الوقت الحاضر”.
وقال مولن متوجها الى الصحفيين “اعتقد ان هناك في هذا النوع من حركات التمرد، مجموعة من الذين يمكن التصالح معهم ومجموعة اخرى من الذين لا يمكن التصالح معهم”، في موقف بدا منسجما مع تصريحات صدرت عن البنتاغون في 29 اكتوبر الماضي، غير انه لطفها بصياغة اكثر دبلوماسية، حرصا منع على عدم مناقضة الرئيس الافغاني علنا.
وكان المتحدث باسم البنتاغون جيف موريل اعلن “لا نعتقد كحكومة ان الملا عمر شخص يمكن التصالح معه”، واضاف ان “يدي الملا عمر ملطخة بدماء الاف الامريكيين، نظرا الى الدعم الذي قدمه لاسامة بن لادن”، زعيم تنظيم القاعدة.
والملا محمد عمر الفار منذ 2001 والذي لا توجد له سوى صور نادرة، هو زعيم الحركة المتطرفة التي حكمت افغانستان بين 1996 ونهاية 2001، وتأخذ عليه الولايات المتحدة ايواءه اسامة بن لادن ورفضه تسليمه بعد اعتداءات 11 سبتمبر، وهي تعرض مكافأة بقيمة ملايين الدولارات لقاء اي معلومات تسمح بالقبض عليه.
وقال المتحدث باسم الخارجية الامريكية شون ماكورماك معلقا على امكانية توفير حماية امريكية يوما ما، الى مسؤول كبير في طالبان “هذا امر يصعب حقا تصوره من هنا اليوم”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 17 نوفمبر 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.