أول دبلوماسي سوري ينشق عن النظام في سويسرا
بإعلان داني البعاج، السكرتير الثالث بالبعثة الدائمة لسوريا لدى الأمم المتحدة في جنيف، وأحد ممثليها لدى مجلس حقوق الإنسان، عن انشقاقه عن النظام يوم 10 أغسطس 2012، يكون أول دبلوماسي سوري معتمد في سويسرا يعلن الالتحاق بصفوف الثورة السورية التي مرّ على انطلاقتها سبعة عشر شهرا.
وفي حوار خص به swissinfo.ch، تحدث البعاج عن الظروف والأسباب التي دفعته لإتخاذ هذا القرار.
swissinfo.ch: ما هي الأسباب التي دفعتكم للإنشقاق، ولماذا في هذا التوقيت بالضبط؟
داني البعاج: منذ بداية الحراك، وانا أعتبر نفسي إلى جانب الشعب السوري. وحتى عندما كنت أعمل داخل البعثة السورية لدى الأمم المتحدة في جنيف، كنت أعتبر نفسي ممثلا للشعب.
توقيت الانشقاق له علاقة بمدى الفائدة التي يمكن أن نقدمها خدمة لهذا الشعب. وتحدد هذا بناء على موازنة الفائدة من وجودي داخل البعثة أو خارجها، بالإضافة الى بعض النقاط البسيطة اللوجيستية.
وعندما قررت يوم الجمعة الإعلان عن انشقاقي، نبع هذا من قناعتي بأنني لم أعد استطيع أن أقدم للشعب السوري أي خدمات من داخل وزارة الخارجية والبعثة السورية لدى الأمم المتحدة.
ما هي طبيعة الدعم الذي تقصدون؟
داني البعاج: إن الدعم المقصود هو كل جهد يصب في إطار إنجاح حراك الشعب السوري. كنت أمثل الشعب السوري داخل الأمم المتحدة، وأحاول أن أحمي مصالحه ومصالح الجمهورية العربية السورية. ولم أكن أمثل النظام أو الحكم فقط.
ما هو العامل الحاسم الذي دفعكم الى اتخاذ خطوة الانشقاق عمليا اليوم؟
داني البعاج: حقيقة الأمور مرتبطة بمجموعة من العوامل. أنا كنت على اتصال بالمعارضة السورية منذ فترة طويلة، بعد بداية الحراك بأشهر قليلة. وأقمت اتصالا مع المنبر الديمقراطي، وهو أحد فصائل المعارضة السورية الرئيسية. وكنت أتعاون معهم بمختلف الطرق.
يبدو أن النظام، بعد أن استدرج الحراك نحو العنف، وبعد أن نجح في تدويل الأزمة التي يُفترض أنها أزمة داخلية، بدأ يستهدف الدولة بمؤسساتها، ومنها وزارة الخارجية السورية التي أصبحت تديرها أجهزة الأمن. حينئذ، أصبح من الواضح بالنسبة لي أنني أستطيع أن أفيد من خارج الوزارة أكثر من الداخل.
هل بدأت تُمارس ضغوطٌ على بعض الموظفين الذين أصبح يحوم حولهم شك في تعاطفهم مع الثورة وأصبحوا لا يطبقون الأوامر كما يرغب النظام؟
داني البعاج: هذا صحيح، فقد تم استدعاء مجموعة من الدبلوماسيين وكنت من ضمنهم للعودة إلى
دمشق، لأن النظام شعر باننا لا نمثله ولكن نمثل الشعب. وهذه المجموعة من الدبلوماسيين كانت على اتصال فيما بينها. وقد قمنا بتأسيس ما يُسمى بـ “تجمع الدبلوماسيين السوريين من أجل دولة مدنية وديمقراطية”. وهذا يشمل كل الممثليات السورية بالخارج، وكذلك من داخل وزارة الخارجية في دمشق.
وفي إطار هذا التجمع، كنا ننسق بين بعضنا البعض. ولا يزال الكثير من أعضاء هذا التجمع داخل النظام ويعملون من الداخل لدعم الثورة. ونحن نتحفظ على الفئة التي لم تعلن الانشقاق حماية لها.
كنت أحد ممثلي النظام لدى مجلس حقوق الإنسان في جنيف. من خلال هذه التجربة التي استمرت طوال السنتين الماضيتين، كيف تقيّم أداء مجلس حقوق الإنسان في معالجته للأزمة السورية؟
داني البعاج: لا شك في أن المجلس كان منتبها لما يحدث في سوريا. ولكن ما يتحكم في قراراته، على غرار باقي المنظمات الدولية، هو التوافق الدولي، وتظل الدول هي اللاعب الأساسي على مستوى العلاقات الدولية.
أعرف أن جميع الدول التي انخرطت داخل مجلس حقوق الإنسان مهتمة بتحقيق مصالح الشعب السوري، ولكن يجب الا نغفل بأن لهذه الدول أيضا مصالحها الخاصة، وأجنداتها الخاصة.
كان من الممكن أن يكون الأداء أفضل لو ركزت هذه الدول بالدرجة الأولى على تأمين مصلحة وأجندة الشعب السوري بدلا من تأمين أجنداتها. فالاهتمام بالموضوع كان جيدا، ولكن النتائج لم تكن في المستوى المطلوب.
هل لديك أي تصور حول كيفية خدمة الثورة بعد الانشقاق؟
داني البعاج: إعلان الانشقاق في حد ذاته خدمة لها لأنه إضعاف للنظام. ثانيا، نحن دبلوماسيون نمتلك خبرة، وهذه الخبرة نستطيع أن نستثمرها في مصلحة الشعب السوري. كنا نضعها رهن وزارة الخارجية، والآن، يمكن أن نضعها في خدمة الحراك والثورة.
ثالثا، وهو الأهم: عندما بدأ النظام يستهدف الدولة، فإننا ننشق اليوم لصالح الدولة وإلى جانبها، بحيث سنعمل في المرحلة القادمة على الحفاظ على مقوماتها. لو كنا في نظام ديموقراطي قد تتغير الحكومة بالانتخابات وقد يذهب وزير، ويأتي آخر، ولكن الدولة تبقى قائمة بمؤسساتها. وما نحاول أن نفعله هو أنه بعد رحيل هذا النظام، الدولة تستمر، وتستمر وظائفها كما كانت، الفر ق الوحيد هو أن الشعب السوري سيكون حرا في تقرير مصيره بعد اليوم.
النظام يروج لمخاطر الطائفية. فهل هذه الانشقاقات تتم على أساس طائفي أم أن هناك من الطائفة العلوية من انشق عن النظام أو حاول التعبير عن عدم رضاه عما يحصل؟
داني البعاج: الانشقاقات التي حصلت لم يكن لها هذا البعد الطائفي، وإنما من يرغب في إعطائها هذا البعد هو النظام. الواقع يقول بأن المعارضة السورية تشمل جميع أطياف الشعب السوري وجميع فئاته وطوائفه. وحتى في مؤيدي النظام نجد جميع أطياف الشعب السوري وجميع طوائفه وجميع فئاته.
إذن الانقسام في سوريا أفقي وليس عمودي. ليس هناك طائفة مع النظام وطائفة ضده. غالبية الشعب السوري بمختلف أطيافها مع الحراك الثوري. والقلة القليلة التي مع النظام هي قلة مستفيدة من وجود هذا النظام. وهي القلة الفاسدة والمرتبطة به حيويا. واستمرار الثورة ونجاحها لحد اليوم هو دليل على أن البعد الطائفي لم يؤثر بشكل جذري على الحراك، لأن جميع أطياف الشعب السوري موجودة فيه.
يُتداول بأن عملية الانشقاق تتم بعد تأمين سلامة أفراد عائلة الشخص المعني. فهل تم ذلك بالنسبة لعائلتكم؟
داني البعاج: هذا جزء من عملية الانشقاق نفسها، لكن ليس من صلب قرار الانشقاق. وقد نجحت عائلتي في مغادرة سوريا والوصول، وهم معي الآن وبسلامة.
هل صحيح أن النظام ينتقم من أفراد العائلة لتوبيخ ومعاقبة من يجرؤ على الانشقاق؟
داني البعاج: هذا صحيح. وهو يقوم بإجراءات حتى قبل الانشقاق، بمعنى أنه عندما يشك في من يفكر في ذلك، كما كان الحال بالنسبة لي، إذ أصدر ضد والدي أمر بمنع السفر وتم استدعاء أفراد عائلتي الى اجهزة الأمن. لكن الحمد لله استطاعوا ان يغادروا سوريا قبل أن يحصل هذا الأمر.
هل تنوي طلب اللجوء في سويسرا او في بلد آخر؟
داني البعاج: ترتيب الانشقاق حدث منذ وقت قريب. جميع الخيارات مفتوحة، وانا أدرس مجموعة كبيرة منها. لكن لم أتخذ بعد قرارا نهائيا عما إذا كنت انوي البقاء هنا أو انتقل الى مكان آخر.
تابعتَ المواقف التي اتخذتها سويسرا بخصوص الأزمة السورية. ما هو حكمك على موقف برن؟
داني البعاج: أعتقد بأن السياسة الخارجية السويسرية هي من أوضح السياسات التي يمكن قراءتها على الساحة الدولية. العامل الأساسي الذي يحكم السياسة الخارجية السويسرية هو مدى الالتزام بالقانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومعايير القانون الانساني الدولي.
من هذا المنطلق، كان الموقف السويسري واضحا ضد ما يحصل من خروقات حقوق الإنسان في سوريا. واعتبر بأن هذا الموقف منسجم مع قناعة الشعب السويسري ويعبر عنه.
من بين الخطوات التي طالبت بها الدبلوماسية السويسرية، عدم الافلات من العقاب بالنسبة لمن ارتكبوا تجاوزات، والمطالبة بمحاكمتهم في هذا الإطار، بينما تسعى دول ومجموعات أخرى لتصفية المشكل السوري بأي طريقة كانت، حتى بإصدار عفو عام. ما هي نظرتكم أنتم لموضوع المحاسبة والمحاكمة؟
داني البعاج: لاشك في أن أساس أي خطوة مستقبلية في سوريا هو التأكد من عدم إفلات أي شخص من المنتهكين الأساسيين من العقاب. طبعا، هذا سيكون جزءا من عملية مصالحة شاملة، وعملية تُبنى على اساس معرفة الحقيقة، ثم الانتقال الى المحاسبة، والمصالحة. إذن المنتهكون الأساسيون لا يمكن لهم الإفلات من العقاب. لذا، فإن العملية مرتبطة بالمصالحة الوطنية وبمفهوم العدال الانتقالية التي يجب أن تسود في الفترة التي تلي سقوط النظام.
وهل هذا ينطبق ايضا على تجاوزات المعارضة، لأن ما تردد في الآونة الأخيرة يشير الى تكاثر الانتهاكات الجسيمة والقتل خارج نطاق القانون؟
داني البعاج: من أوصل الوضع الى هذا المستوى من الفوضى هو النظام. يجب ان نكون واضحين. لاشك عندما تحدث فوضى ويحدث عنف تكون هناك إمكانيات لحدوث تجاوزات او إساءات من قبل بعض الأطراف. الجيد في الأمر والذي يجعلني متفائلا، هو أن مختلف الأطراف المسلحة في المعارضة السورية تعمل على إصدار مدونات سلوك، وتبذل جهدها لتنطبق تصرفاتها مع معايير العدالة الدولية والقانون الدولي. فثوار سوريا وشعبها واعون تماما بأنهم يريدون أن يكونوا مختلفين عن النظام. فقد قامت الثورة ضد الفساد، وضد الظلم والإجرام. وبالتالي فإن البديل المطروح يجب ألاّ يكون فاسدا ولا ظالما ولا مجرما.
أدانت لجنة التحقيق الدولية – التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان الأممي قبل عام – يوم الأربعاء 15 أغسطس 2012 في جنيف تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، سواء من قبل القوات الحكومية، أو قوات المعارضة.
وستُسلم قائمة للمسؤولين السوريين المشتبهين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية إلى المنظمة الأممية، حسبما أعلنته وكالة الأنباء السويسرية في جنيف بعد ظهر الأربعاء.
من جانبها، أفادت وكالة رويترز بأن محققي الأمم المتحدة أعلنوا أن القوات الحكومية السورية ومليشيات الشبيحة الموالية لها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، بما فيها القتل والتعذيب.
ونقلت الوكالة عن نفس المصدر أن الثوار السوريين الذين يقاتلون من أجل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ارتكبوا أيضا جرائم حرب، ولكن انتهاكاتهم “لم تصل إلى خطورة وتواتر ونطاق” الانتهاكات المرتكبة من قبل الجيش وقوات الأمن.
وقال تقرير المحققين المستقلين برئاسة باولو بينيرو والواقع في 102 صفحة: “وجدت اللجنة أسبابا منطقية للاعتقاد بأن القوات الحكومية والشبيحة ارتكبوا جرائم ضد الانسانية تشمل القتل والتعذيب وجرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الانساني الدولي تشمل القتل غير المشروع والتعذيب والاعتقال والاحتجاز التعسفيين والعنف الجنسي وشن هجمات بلا تمييز ونهب الممتلكات وتدميرها.”
(المصدر: وكالات بتاريخ 14 أغسطس 2012)
أعلنت كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية يوم الثلاثاء 14 أغسطس 2012 بأن سويسرا منعت شركات سورية، ومنها شركة الطيران الوطنية السورية، من مزاولة نشاطها التجاري فوق التراب السويسري، كما اتخذت قرارا بمنع 25 شخصية سورية رسميا، غالبيتهم من العسكريين، من السفر إلى سويسرا والإقامة فيها، وبتجميد أموالهم.
وبهذا الإجراء تكون سويسرا قد ارتقت الى مستوى الإجراءات التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي، والتي تم الإعلام عنها في نهاية شهر يوليو الماضي، مثلما أوضحت الناطقة باسم كتابة الدولة السويسرية للاقتصاد آنتي بيرتشي لوكالة رويترز للأنباء يوم الثلاثاء.
وبموجب هذا الحظر، يُمنع على شركة الطيران الوطنية السورية استعمال المطارات السويسرية والاستفادة من التسهيلات التقنية في المطارات او الخدمات المالية. ولكن الشركة السورية لا تقوم باية رحلة حاليا الى سويسرا.
ويمس الحظر أيضا الشركتين الأخريين “دريكس تيكنولوجي”، ومؤسسة تسويق القطن، وهما تدعمان النظام ماليا، مثلما قالت السيدة بيرتشي.
ومن بين الشخصيات الـ 25 التي تمت إضافتها للقائمة، يوجد موظفون سامون من حكومة الرئيس بشار الأسد بما في ذلك ضباط في الجيش والشرطة. وهؤلاء سيتم تجميد حساباتهم البنكية.
ويأتي هذا التصعيد في العقوبات على إثر مراجعة العقوبات المفروضة على سوريا والتي فرضتها الحكومة السويسرية في شهر يوليو.
وكان آنذاك قد تم فرض حظر على أكثر من 128 شخصا وعلى 42 مؤسسة لها علاقة بالنظام السوري. وقد تم تنقيح القائمة لكي تشمل المستشار السياسي والإعلامي للرئيس الأسد، ووزارتي الدفاع والداخلية، ومكتب الأمن القومي، ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون السورية، وكذلك البنك الدولي الإسلامي في سوريا.
ومن جهة أخرى، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء الحظر المفروض ضد رئيس الوزراء الأسبق رياض فريد حجاب. وقالت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند إن رفع الحظر مرده الى أن حجاب لم يعد منتميا الى نظام الأسد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.