إجماع حول استمرارية نشاط مجلس حقوق الإنسان.. ولكن لا بد من إصلاحات!
نظمت سويسرا مؤخرا ملتقى تشاوريا للدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان في مدينة مونترو في إطار الملتقيات التحضيرية الرامية إلى مراجعة نشاط مجلس حقوق الإنسان بعد مرور خمس سنوات على قيامه.
واتضح من هذه المناقشات أن “الجميع يرغب في استمرار المجلس في أداء عمله ولكن بإدخال إصلاحات على بعض أساليبه”، حسب السيد جون زيغلر، الخبير السويسري في اللجنة الاستشارية التابعة للمجلس.
وفي إطار الملتقيات التي نـــُظمت في شتى أنحاء العالم من أجل التحضير لمراجعة وتقييم عمل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي مر على تأسيسه حوالي خمسة أعوام، دعت سويسرا إلى اجتماع نُظم بمدينة مونترو (كانتون فو) يوم الثلاثاء 20 أبريل 2010.
وتطرق هذا الاجتماع – في نقاش وُصف من بعض المشاركين بـــ “الصريح والبناء” – إلى تقييم عمل المجلس، سواء من حيث آلياته وآليات الاستعراض الدوري الشامل وآليات رفع الشكاوى، أو من حيث آداء أصحاب الولايات الخاصة أو خبراء اللجنة الاستشارية، وأخيرا كيفية مواجهة المجلس بكل آلياته لحالات الانتهاكات لحقوق الإنسان.
وعن الأجواء التي جرت فيها هذه المناقشات، قال الخبير السويسري والمقرر الأممي الخاص السابق المكلف بالحق في الغذاء، وعالم الاجتماع جون زيغلر في حديث خص به swissinfo.ch:
شاركت في هذا الاجتماع بوصفي نائب رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان التابعة لمجلس حقوق الإنسان. وكما تعلمون، أسِّس هذا المجلس بقرار من الجمعية العامة في مارس 2006. والشرط الذي وضع آنذاك هو ضرورة مراجعة بنية هذا المجلس بعد مرور خمسة أعوام من قيامه بما في ذلك آليات مجلس حقوق الإنسان والولايات الخاصة واللجنة الاستشارية ومختلف الصلاحيات التي تتمتع بها مختلف الآليات. وهذا الموعد سيحل في عام 2011، لذلك أجد أن سويسرا كانت محقة في تنظيم هذا الاجتماع ليوم كامل في هذا المكان الجميل بمشاركة فعالة وتدخلات بناءة للعديد من السفراء والخبراء وممثلي بعض المنظمات غير الحكومية المهتمة بهذه المراجعة.
وما هي المواضيع التي كانت في مقدمة اهتمامات المشاركين في هذا الملتقى؟
جون زيغلر: ابدأ أولا بموضوع اللجنة الاستشارية التي انتمي إليها، بحيث عبرنا عن رغبتنا كخبراء وأكاديميين في هذه اللجنة، في أن نصبح لجنة تفكير وتمعن بمعنى الكلمة. أي أننا نرغب في أن يكون لدينا حق اقتراح المواضيع التي ندقق فيها ونتناولها بالبحث والتحليل على مجلس حقوق الإنسان، وألا نكتفي مثلما ما هو الحال اليوم بالمواضيع التي يحددها مجلس حقوق الإنسان. ومن المواضيع التي نود طرحها للنقاش موضوع لاجئي المجاعة وما يخلف من مآسي وضحايا عبر محاولات عبور البحار والمحيطات (…) والذين يتعرضون لعمليات طرد وإعادة من قبل الدول الغربية في نفاق سافر.
الموضوع الثاني الذي استحوذ على اهتمام المشاركين موضوع المقررين الخاصين الذين لا يتلقون أجورا والذين عندما يأتون من بلدان نامية، لا تكون لديهم وسائل دعم مثل التي يحصل عليها المنحدرون من بلدان غنية. ويكون لهذا الخلل تأثيرات على استقلاليتهم. وقد عبر عدد من السفراء المشاركين في هذا الملتقى عن عدم رضاهم بخصوص النظام المتبع في اختيار المقررين الخواص، والذين قالوا عنهم “إنهم يتقمصون دور النيابة العامة في توجيه الاتهام عندما يأتون إلى بلداننا، بدل البحث عن كيفية مساعدتنا في حل المشاكل”. لذلك أعتقد بأننا سنتجه نحو إعادة تحديد شروط اختيار المقررين الخاصين. وقد اقترحت الجزائر، وهي مُحقة في ذلك في نظري، قانونا ينص على شروط أخلاقية (يجب توفرها في المرشح لشغل منصب مقرر خاص لآلية من آليات حقوق الإنسان).
ولكن أليس في ذلك محاولة لفرض رقابة على المقررين الخاصين؟
جون زيغلر: لا أعتقد ذلك لأنني اطلعت على هذا القانون جيدا؛ فهو لا يمس حرية تعبير ولا حرية تنقل واستقلالية نشاط المقرر الخاص. ولكن في المقابل، يجب على كافة الدول أن تقبل زيارات المقررين الخواص لأن هناك العديد من الدول التي لا زالت ترفض هذه الزيارات.
وماذا عن مستقبل المجلس بعد عام 2011 وعن أداء آلية الاستعراض الدوري الشامل؟
هذه النقطة كانت من بين المواضيع التي حصلت على إجماع الكل باعتبار أن مجلس حقوق الإنسان مهم وأساسي كمحفل أممي ثالث (بعد الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي). وعندما أقول الكل فمعنى ذلك الكل فعلا، حتى سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت أن هذا المجلس له منفعة ولم تردد التشكيكات التي كانت سائدة في عهد إدارة الرئيس بوش، ولو أن الموقف الأمريكي لم يتغير بخصوص تصرفات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني الشهيد.
كما شدد عدد من المتدخلين على ضرورة إفساح وقت أطول أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل لكي تثبت فعاليتها. فقد تم تقديمها على أنها من الآليات الفعالة عند قيام مجلس حقوق الإنسان ولكن أداءها لحد الآن لم يكن بالشكل المقنع. لكن إدخال آلية الاستعراض الدوري الشامل سمح بإرغام الدول التي تقدم تقاريرها على تقديم الشروح بخصوص تصرفاتها؛ إذ حتى عندما يتعلق الأمر بدول تنتهك حقوق الإنسان وتمارس التعذيب ولا تحترم الأقليات، فلا يمكنها التقدم أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل وتقول إن ليس لديها انتهاكات. كما أن دولة مثل الصين هي اليوم مطالبة بتقديم تقريرها والاستماع إلى انتقادات الدول الأخرى. وحتى ولو تمكنت من خلق تحالفات من أجل إجهاض الانتقادات، فإن مجرد استعراض الحالات هو جيد في حد ذاته.
إذن فكرة التشكيك في استمرارية مجلس حقوق الإنسان لم تعد مطروحة؟
جون زيغلر: سؤالك في محله، عند حل لجنة حقوق الإنسان في سبتمبر 2005 وبداية النقاش لتأسيس مجلس لحقوق الإنسان في مارس 2006، كان هناك سفير أمريكي اسمه جون بولتون، ورئيس أمريكي اسمه جورج بوش، وقد اقترح السفير الأمريكي آنذاك التخلي عن فكرة إقامة مجلس لحقوق الإنسان، وأن مجلس الأمن الدولي هو الذي سيتولى مهمة حقوق الإنسان بكل ما يتمثل في ذلك من سيطرة للدول الأعضاء الدائمة العضوية وقدرتها على طمس أي ملف لا ترغب في إثارته.
ولكن بعد ثمانية أشهر من نقاش عقيم، اقترحت سويسرا، بدعم من دول أخرى، التصويت على الموضوع وخسرت الولايات المتحدة التصويت، وتم تأسيس المجلس. هذا الجدل تم تجاوزه اليوم كلية، ولم يعد هناك أي بلد، على الأقل حتى الآن، يتحدث عن إمكانية إلغاء مجلس حقوق الإنسان بعد عام 2011.
محمد شريف – مونترو – swissinfo.ch
استضافت سويسرا يوم 20 أبريل 2010، الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بمن يمثلها إما على مستوى السفراء أو المستشارين المعتمدين لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة لإثارة نقاش حول مستقبل مجلس حقوق الإنسان عندما تمر خمسة أعوام على تأسيسه.
فالمجلس الذي أسس في مارس 2006 من المفروض أن يتم تحديد مراجعة لمؤسساته وأساليب عمله وفقا لقررا الجمعية العامة الخاص بالتأسيس، بعد مرور خمس سنوات على قيامه. وهذا ما يجب أن يكون جاهزا في مارس 2011.
من أجل السماح بالتعرف على مواقف الدول والكتل الجغرافية، راعت سويسرا في اختيار المتدخلين ممثلين من مختلف التيارات والكتل الجغرافية لإدارة النقاش في مدينة مونترو. وهذا ما لقي استحسانا من قبل العديد من المشاركين بحيث سمح بالتعرف على نظرة كل تيار، سواء من المؤسسات القائمة في هذا المجلس أو من طريقة عمله أو كيفية معالجته للإنتهاكات الطارئة في مجال حقوق الإنسان.
وعلى غرار الاجتماع الذي نظمته الجزائر، يدخل لقاء مونترو في إطار الجهود الإقليمية لبلورة نظرة الدول الأعضاء لمستقبل مجلس حقوق الإنسان ولكيفية إدخال التحسينات على طريقة عمله.
وهناك اجتماع تحضيري متبقي سيعقد في شهر نوفمبر قبل الاجتماع الرسمي الذي سيعقد في شهر فبراير 2011 لتحديد معالم مجلس حقوق الإنسان بعد مارس 2011.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.