إحياء الذكرى الستين لقيام إسرائيل دون إغفال النكبة الفلسطينية
انطلقت في إسرائيل يوم الخميس 8 مايو سلسلة من الاحتفالات الرسمية بمناسبة مرور ستين سنة على تأسيسها، التي ستشهد مشاركة العديد من زعماء العالم من بينهم الرئيس الأمريكي جورج بوش والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في حين تغيب عنها الحكومة السويسرية التي لم تُوجه لها دعوة للحضور.
وخلال العقود الستة الماضية شهدت العلاقة بين سويسرا وإسرائيل تطورا كبيرا في العديد من الميادين، لكنها ظلت مع ذلك متأرجحة بين التعاطف والفتور خاصة على المستوى الدبلوماسي.
ويذكّر فرنسيس بيكار، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية السويسرية، بعلاقات التعاون المتميزة التي ربطت بلاده بإسرائيل منذ الستينات في مجالات عدة مثل التبادل العلمي و تدريب الطيارين وتطوير الأنظمة الدفاعية العسكرية وتجارة الأسلحة.
غير أن هذه العلاقة النشطة والمتميزة بين البلدين، مرت بفترات من الفتور والتوتر كتلك التي أعقبت حربا لبنان سنتي 1982 و2006، أو بعد مذبحة صبرا وشاتيلا، والحصار المضروب اليوم على قطاع غزة. ولا تخفي إسرائيل امتعاضها وانزعاجها مما تبديه الدبلوماسية السويسرية من انفتاح على إيران وبعض الإطراف التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة في خانة الإرهاب.
تهنئة باسكال كوشبان
هذا الموقف الإسرائيلي لم يمنع باسكال كوشبان، رئيس الكنفدرالية، من توجيه رسالة ودية إلى نظيره الإسرائيلي شيمون بيريز، يهنئه فيها والشعب الإسرائيلي بالذكرى الستين لتأسيس الدولة، ويؤكد فيها “دعم سويسرا لإسرائيل في سعيها لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط”.
وأورد البيان الذي صدر الأربعاء 7 مايو عن وزارة الشؤون الداخلية في سويسرا أن الرسالة تضمنت أيضا “التأكيد على العلاقات التقليدية الوثيقة التي تربط بين البلدين، والتذكير بالرابط التاريخي القوي بين نشأة إسرائيل وسويسرا إذ أن المؤتمر الأول للحركة الصهيونية عقد بمدينة بازل السويسرية سنة 1897”.
كما أعرب باسكال كوشبان في ختام رسالته، بحسب ما ورد في بيان وزارة الشؤون الداخلية السويسرية، عن قناعته بضرورة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وأن يشمل التعاون مختلف المجالات، والأصعدة.
ورأى بعض المراقبين في إحجام إسرائيل عن توجيه دعوة رسمية للحكومة السويسرية للمشاركة في احتفالات الذكرى الستين لتأسيسها كما فعلت مع العديد من البلدان الصديقة رسالة مبطنة إلى الدبلوماسية السويسرية.
واعتبرت كريستينا مارك فالدر من الحزب الراديكالي الديمقراطي ببرن والعضوة بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الخطوة “ردا إسرائيليا على انحياز الدبلوماسية السويسرية في نزاع الشرق الأوسط”، في الوقت الذي لم يستبعد فيه ماريو فهرر، عضو ثاني باللجنة نفسها عن الحزب الاشتراكي بزيورخ “أن تكون إسرائيل منزعجة من بعض المواقف التي صدرت عن الدبلوماسية السويسرية أخيرا”.
احتفالات الجالية اليهودية
تحتفل الجالية اليهودية في سويسرا بالذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل، وفي هذا السياق اعلنت السفارة الإسرائيلية يوم الخميس 8 مايو يوم عطلة، وتوقفت القنصليات عن العمل. ونقرأ على الموقع الإلكتروني للسفارة الإسرائيلية ببرن: “يحق لدولة إسرائيل ان تحتفل بالإنجازات العظيمة التي حققتها في العديد من الميادين. وتضمن الدولة ولجميع اليهود في العالم لمواطنيها مستقبلا زاهرا ومستداما، وذلك ببناء مجتمع يتسم بالحيوية والديمقراطية والتعددية”.
وستنظم السفارة الإسرائيلية وتحت شعار “أطفال إسرائيل” سلسلة من التظاهرات والإحتفالات خلال الأيام والأسابيع القادمة، ومن ذلك تنظيم إحتفال مركزي يوم 25 مايو القادم بمناسبة الذكرى الستين لنشاة إسرائيلن وسيشتمل التظاهرة على إحتفال للعائلات اليهودية، وعلى سهرة فنية بأحد الفنادق بمدينة جنيف.
وخلال الفترة الممتدة من 31 مايو إلى 4 يونيو القادم سيتم عرض اعمال فنية بحوزة متحف إسرائيل بمركز بول كلي ببرن، وهي اعمال ستعرض لأول مرة. وستحيي الإحتفالات مجموعة فنية شبابية إسرائيلية تطلق على نفسها “أفيفم”.
وسبق أن احتضنت بهذه المناسبة أيضا كل من برن وتسوغ وسانت-غالن ومونتاي وبادن ولوتسرن وزيورخ حفلات فنية لفرقة تل ابيب التي تقدم عروضا في أوروبا للمرة الأولى.
حملة للتذكير بنكبة الشعب الفلسطيني
موازاة مع الاحتفال بالذكرى الستين لقيام إسرائيل في سويسرا، أطلقت يوم الأربعاء 7 مايو ببرن، ست جمعيات سويسرية منضوية تحت “تحالف من أجل إغاثة فلسطين” حملة إعلامية وطنية تهدف إلى “تحسيس الشعب السويسري وتذكيره بأن قيام إسرائيل كان على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه وأجبر قسرا على مغادرة وطنه”.
وذكّر دانيال فيشر، النائب البرلماني عن حزب الخضر من زيورخ، وأحد المشرفين على الحملة أن “إحصاءات الأمم المتحدة تشير إلى أن نشأة إسرائيل قد أدت إلى طرد 750.000 لاجئ فلسطيني سنة 1948. واضطر أغلب هؤلاء للاستقرار في مخيمات في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، والبعض الآخر لجأ إلى لبنان وسوريا والأردن”.
واختار المنظمون لوحتيْن معبرتيْن، في هذه الحملة، تتضمن اللوحة الأولى نصا لدافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للدولة العبرية، يقول فيه: “أنا من أنصار الطرد الجماعي التعسفي، ولا أرى في ذلك إخلالا بالقيم أو الأخلاق”.
ويستند المنظمون في حملتهم أيضا لشهادات المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، الذي يعد من رموز المؤرخين الجدد، وبحسب هذا المؤرخ: “يمكن وصف النزوح الجماعي للشعب الفلسطيني، “بالتطهير العرقي”، الذي خطط له بن غوريون ونفّذه معاونوه”. أما اللوحة الثانية، فتشتمل على نص للتحالف المناصر للقضية الفلسطينية، ونقرأ فيه: “منذ ستين سنة، يدفع الفلسطينيون ضريبة المظالم التي ارتكبها الأوروبيون في حق يهود أوروبا”.
وستعرض هذه اللوحات الإعلانية في شوارع جنيف، ولوزان ونيوشاتيل ولاشو دي- فون ونيون، وكذلك في مدن ناطقة بالألمانية في برن وبازل وزيورخ.
وإلى جانب هذه الحملة الإعلامية، دعت هذه الجمعيات خلال ندوة صحفية عقدتها ببرن الإربعاء 7 مايو الحكومة السويسرية إلى “الإعتراف رسميا بتعرض الشعب الفلسطيني إلى الطرد الجماعي التعسفي، وإلى الإنخراط فعليا في الجهود المطالبة بإقرار حق اللاجئين ، بما في ذلك حق العودة”.من جهة أخرى أعادت هذه الجمعيات التأكيد على ضرورة: “أن توقف الحكومة السويسرية تعاونها العسكري مع إسرائيل”، ونددت بالزيارة التي قام بها قائد القوات الجوية السويسرية إلى إسرائيل في شهر مارس الماضي”.
وبحسب هذه الجمعيات دائما: “فقط الإعتراف بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني يمكن ان يقود إلى سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط”.
سويس انفو مع الوكالات
ترتبط إسرائيل منذ نشأتها برابط تاريخي قوي مع سويسرا، إذ استضافت بازل، المدينة السويسرية، سنة 1897 أول مؤتمر للحركة الصهيونية بقيادة تيودور هيرتزل، والذي تم خلاله وضع خطة إنشاء وطن لليهود في فلسطين.
وعند قيام الدولة الإسرائيلية سنة 1948، كانت سويسرا من أواخر الدول الأوروبية التي اعترفت بهذه الدولة، وكان ذلك في 18 مارس 1949، من جهة لخشيتها من التوجهات الاشتراكية لأول حكومة إسرائيلية، وكذلك لخشيتها من تأثير علاقتها مع إسرائيل على علاقاتها التقليدية مع الدول العربية خاصة مع مصر.
ومع سنة 1967، انقلبت المعطيات رأس على عقب، وأصبحت الدولة العبرية تحظى بتعاطف قوي لدى الشعب السويسري، وأصبح الرأي العام ينظر لها كدولة صغيرة مهددة من الدول العربية المجاورة لها. وزاد انتصارها في حرب 1967 من مشاعر التعاطف، وقامت فئات شعبية في سويسرا بحملات لجمع أموال وتبرعات لدعم إسرائيل.
لكن الرأي العام سيتغير موقفه شيئا فشيئا بداية من حرب 1982، التي شنّتها إسرائيل على لبنان ، وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا تحت أنظار الجيش الإسرائيلي ، مجزرة ذهب ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين المدنيين العزل. يضاف إلى ذلك الشعور العام الذي تشكل لدى الرأي العام السويسري حول الصراع في الشرق الأوسط، خاصة في ظل عدم تكافؤ موازين القوى، ورد الجيش الإسرائيلي على حجارة الانتفاضة باغتيال الأطفال والمدنيين، وهدم البيوت وتهجير سكانها، وجرف المنتجات الزراعية ومحاصرة مزارعيها.
وكانت حرب 2006 في لبنان وفرض الحصار على قطاع غزة بعد وصول حماس إلى السلطة، والمواقف النقدية التي إلتزمتها الدبلوماسية السويسرية، وانفتاحها على جميع أطراف النزاع في الشرق الأوسط، بما شكل خروج عن الإجماع الإسرائيلي الأوروبي والأمريكي مثار توتر في العلاقة بين البلدين.
ومع ذلك تظل العلاقة بين البلدين وثيقة جدا والتعاون بينهما نشط في العديد من المجالات العلمية والعسكرية والاقتصادية، ويعيش في سويسرا حوال 18.000 يهودي، ويتمتعون بإمتيازات كبيرة والديانة اليهودية ديانة معترف بها رسميا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.