إرجاء الإتحاد المُرتقب بين السعودية والبحرين.. تراجُـع تكتيكي
تظاهر آلاف الإيرانيين في طهران يوم الجمعة 18 مايو للإحتجاج على مشروع الإتحاد بين البحرين والسعودية الذي وصفه إمام الجمعة في جامعة طهران بأنه "مؤامرة أمريكية صهيونية".
في الأثناء، يرى بعض المراقبين في المنطقة أن قرار التَّـراجع التكتيكي عن مشروع إقامة اتحاد سياسي بين دول مجلس التعاون الخليجي خلال القمة “التشاورية”، التي استضافتها مدينة الرياض السعودية يوم 14 مايو الجاري ليس سوى “تراجع تكتيكي” أملاه التشابك الداخلي والإقليمي في الأزمة البحرينية فيما يصفه آخرون بـ “خطوة إلى الوراء، خطوتان إلى الأمام” من طرف المجلس الذي يضم كُـلا من الكويت والبحرين وقطر والإمارات وسَـلطنة عُـمان، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية.
وكان الهدف الرئيسي من الدعوة إلى الوحدة، هو إدماج البحرين والسعودية في كيان سياسي واحد، لردع ما تعتبره الدول الخليجية خطرا إيرانيا يسعى لابتلاعها. ولا يمكن عزْل هذه الخطوة عن سياقها التاريخي، وهو تصاعد اللّـهجة بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران من جهة أخرى، على خلفية احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي.
وعلى رغم أن إسرائيل هدّدت أربع عشر مرة في الماضي بتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، شبيهة بالضربة الجوية التي سدّدتها لمُـفاعل تموز العراقي في سنة 1980، مثلما يُذكِّـر بذلك الدكتور محجوب الزويري، المتخصص في الشؤون الإيرانية، فإن التهديد الحالي تزامَـن مع تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، توصف بكونها “حكومة حرب”، ما يعني أن احتمال الحرب قد يكون اليوم أقرب من أي وقت مضى.
بالمقابل، ينفي الخليجيون أن يكون طرح مشروع الإتحاد الآن، مرتبطا بذلك التصعيد، ويشيرون إلى رسائل إيرانية اعتبروها استفزازية، من أهمها زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الجزر الإماراتية المحتلّة، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وتسيير مظاهرات في جميع أنحاء إيران بعد صلاة الجمعة “للإحتجاج على المخطّط الأمريكي لضم البحرين إلى السعودية”.
من التعاون إلى الاتحاد
وكان الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز طرح على نُـظرائه في القمة الخليجية العادية في ديسمبر 2011، مشروعا للإنتقال من مرحلة “التعاون”، مثلما يدل عليه الإسم الحالي للمجلس، إلى “الإتحاد” أسْـوة بالإتحاد الأوروبي.
وكانت أول دولة عبَّـرت عن دعمها للمبادرة، هي البحرين. ولم يكن ذلك التجاوب السريع وليد الصّدفة، وإنما هو يُعزى إلى الإضطرابات السياسية التي تعيشها الإمارة / الجزيرة الصغيرة منذ أكثر من سنة، بعد وصول تداعيات الربيع العربي إلى ضِفافها، على إثر مطالبة الشيعة في البلد بإدخال تغييرات جوهرية على النظام السياسي. واللافت، أن السعودية هي أكبر بلد في مجلس التعاون الخليجي، فيما البحرين هي الأصغر، ومن الوارد في منطِق المبادرة السعودية أن يقتصِر الإتحاد على بلديْن فقط، وهو ما أكّدته وزيرة الإعلام البحرينية سميرة رجب، التي صرحت أن الإتحاد المرتقب “يمكن أن يبدأ بعضويْن أو ثلاثة من أصْل البلدان الستة الأعضاء في المجلس”.
ولم تُخفِ الوزيرة أن الحكومة في البحرين تطلب هذا الإتحاد الخليجي، “كي نحمي المنطقة من التهديدات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تواجهها”، من دون أن تسمي مصدر تلك “التهديدات”، وهو طبعا إيران.
رسميا، أحال القادة الخليجيون المشروع على المجلس الوزاري “انطلاقا من الأهمية الكبيرة للموضوع والحِرص على استكمال (دراسة) جوانبه كافة بشكل مُـتأنٍّ”، تمهيدا لعرضه على قمة مقبلة، لم يُحدد ميقاتها. لكن التراجع التكتيكي كان واضحا، من دون أن يكون دليلا على دفْن المشروع. فزيادة على السعوديين، تتمسك البلدان الخمسة الأخرى بفِكرة الإتحاد، وإن بدرجات متفاوتة، انطلاقا من رؤية تعتبر أن العالم يتّجه نحو الإصطفاف في معسكرين متنافرين.
في الأثناء، توقع الكاتب والخبير القانوني القطري نواف بن مبارك آل ثاني، أن تشهد المنطقة في الأشهر القادمة “تطورات سياسية جِذرية، تغيّر من وجهة سفينة الديمقراطية. فمن انتشار للديمقراطيات في الدول العربية بشكل أكبر، إلى انحسارها في دول عريقة مثل روسيا، ولن ينتج عن ذلك سوى تحديد المعسكرات من جديد. فمعسكر شرقي يضم إيران وروسيا والدول المستبِدّة، وغربي يضم الدول الديمقراطية والحرة.. وعلينا أن نختار.. لأي معسكر ننتمي؟”.
هاجس أمني
من ناحيتها، أكدت صحيفة “الوطـن” السعودية (شبه رسمية) على موقف مشابِه، حين قالت في تعليقها على نتائج القمة، إن المجتمع الدولي بأسْـره “يُـدرك أن طهران لا تريد خيْرا للمنطقة، ويُـقلقها أن تراها تنعَـم بالأمن والإستقرار… ومما لا شك فيه، أن الموقف الخليجي حِيال نوايا إيران، سيظل ثابتا ولن يتغيّر، حتى تتغير سياسة طهران وتُـنهي احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث وتتخلّى عن لغة التهديد والابتزاز التي تلجأ إليها كلما ضاق عليها الخناق، سواء من المعارضة بالداخل، أو من المجتمع الدولي الذي يريد إجابات شافية بشأن برنامجها النووي المشبوه”.
وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي أن عليها مسؤولية صِيانة الأمن والاستقرار، وفقا لمبدإ الأمن الجماعي، التِزاما باتِّفاقات الدّفاع المُشترك، التي تقضي باعتماد مواجهة جماعية لأي خطَر قد تتعرّض له أي منها. ومن هذه الزاوية، تنظر بلدان المجلس إلى تجربة التدخّل العسكري لإخماد الانتفاضة في البحرين، بوصفه “قطعا للطريق على الفِتنة ووأدها في مهدِها”، من خلال تفعيل اتِّفاق التعاون العسكري بين أعضاء المجلس عبْر قوة “درع الجزيرة”.
ورأى الأكاديمي الإماراتي معمر بن سيف العيسائي أن القادة الخليجيين ارتَـأوا من خلال تأجيل البتّ في المشروع، بحث “تفاصيل التفاصيل”، نظرا لأن بعض الاتحادات المَـثيلة، عانت مع وجود بعض الأخطاء، ولِذا حرِصوا على الفهْم المشترك لكافة دول التعاون، لتجاوز جميع التفاصيل، لأن الهدف هو انضمام الجميع، وليس دولتين أو ثلاث فقط إلى الاتحاد المُزمع إقامته.
وأضاف العيسائي في تصريح لـ swissinfo.ch، “بقدر ما يبدو الإنتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الإتحاد بين دول مجلس التعاون في هذه المرحلة مطلبا شعبيا مرغوبا بشدة، خاصة بعد أكثر من ثلاثة عقود من عمر المجلس، الذي شكّل رافعة للعمل الخليجي الموحد وساهم في مجابهة التحديات التي واجهت دول المنطقة طوال العقود الماضية، فإن افنتقال إلى مرحلة الاتحاد سيُحصّن المنطقة من أي تهديدات أو أفعال خارجية غيْر مسؤولة، خاصة في ظلّ ما يشهده العالم من متغيرات كبيرة”.
قُـصارى القول، أن الخيارين المطروحين اليوم في ظل اشتداد السباق على ابتلاع البحرين، هُـما إما الإتحاد مع السعودية أو الضمّ إلى إيران، أي أن بقاء الكِيان البحريني بات في مهبّ رياح الصِّراع الإقليمي، المدعوم دوليا من الولايات المتحدة في صفّ مجلس التعاون، ومن روسيا والصين في صفّ طهران.
على العكس من ذلك، يستند المتابعون لمسار تشكل الإمارات الخليجية في بواكير السبعينات، على وقائع التاريخ القريب للتأكيد على ضرورة نأيِ طهران بنفسها عن الصِّراع الدائر في البحرين، منطلقين من حقيقة أن استقلال هذا البلد، أتى ثمرة لعمل مُـضنٍ قامت به بعثة أممية لتقصّي الحقائق (انظر التفاصيل على الشمال).
تطلُّـعات الشباب الخليجي
في الوقت نفسه، يمكن القول أن الخليجيين يملكون اليوم كثيرا من المقوِّمات المطلوبة للانتقال إلى الاتحاد السياسي. فهُـم أهل دين واحد ولُـغة واحدة وثقافة مُـشتركة، ويشتركون في القِـيم والعادات والتقاليد ذاتها، وكل هذا يقلِّـل من عناصر الاختلاف والتنافر.
ومع الضعف الكبير الذي يعتري القرار العربي في مرحلة ما بعد الثورات، تتّجه المنظومة الخليجية نحو إحداث توازنات جديدة تمكِّـنها، حسبما تعتقد، من التوقي من تداعيات الربيع العربي. ومن هذا المنطلق، تسعى هذه الدول اليوم إلى إقامة مؤسسات مشتركة تُعنى بالقرارات الخارجية، أسوة بالمفوضية الأوروبية للسياسة الخارجية، من أجل تعزيز القدرة التفاوضية للمجموعة على المستوى الدولي.
كما يمكن القول أن المشروع الاتحادي، يستجيب إلى تطلُّعات الشباب الخليجي، الذي يشكِّل أكثر من 65% من السكان، والذي يسعى إلى كسْر الحدود الداخلية، ليكتسب حرية الحركة داخل فضاء مفتوح، وهذا يعني أن بقاء الوضع القائم، لا يخدم أهداف الإصلاح والتّحديث، وإنما يُفاقِـم من السلبيات الراهنة.
وفي الدوحة، أطلق الكاتب القطري محمد صالح المسفر أخيرا وصفا قاسيا لحال الخليج، اعتبر فيه أن حاله اليوم “ليس بعيدا عن أمسه… أوضاع داخلية متفجِّرة في معظم دول المجلس تنذر بتغيرات سياسية مخيفة، سباق في ميدان التسلّح النووي بين الدول المحيطة بالمنطقة (الهند وباكستان، إسرائيل وإيران)، تهديدات إيرانية جادّة، انْـعدَم الأصدقاء وقلَّ الوفاء لدول الخليج العربي، ممّن اعتقد حكّام الخليج أنهم أصدقاء أوفياء، كثافة سكانية غيْر عربية قد تبتلع مُعظم دول المجلس، ظروف عربية غيْر مواتية، وفوق هذا كله، هناك مطالب شعبية لإصلاح نُـظم الحُـكم في المنطقة، يقابله تمنع أو استعصاء على الإصلاح من قِـبل بعض حكومات الخليج، الأمر الذي ينذر بعواقب لا تُـحمد عُـقباها لدول المجلس، مع ملاحظة أن هَـيبة النظم والخوف من سطْـوة الحاكم المتشدِّد، تتهاوى يوما بعد يوم”.
وأضاف المسفر شارحا “أزعم بأن الظروف لقيام أي اتحاد في الخليج غيْر مواتية، ولكي نجعلها مواتية، فلابد من حلّ الكثير من الأمور العالقة قبل قيام أي اتحاد، أهمّها مسألة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، فلا تمييزا طائفيا أو قبليا أو أسَـريا، كما لابد من حل الأزمة السياسية في البحرين العالقة بين النظام الحاكم والشعب على أسُس العدالة والمساواة بين الناس. إن تجاهل تلك المسألة تحت أيّ مبرّر، سيؤدّي إلى انهيار أي اتحاد بين البحرين وجِواره السعودي، كما تشير وسائل الإعلام الخليجية وتصريحات المسؤولين في البحرين، بل سيؤدّي إلى تصعيد المواجهة بين الشعب والحكومة الإتحادية، كما سيؤدّي إلى انتشار النزعة الطائفية إلى دول الجوار الخليجي”.
وفي الأخير، شدد المسفر على أن “أي اتحاد في الخليج لا يحظى بإجماع شعبي عبْر استفتاء نزيه وشفّاف، سيؤدّي إلى أزمات يستعصي حلّها. ولنكُـن أكثر صراحة وصِدقا فنقول إن دخول بعض قوات درْع الجزيرة إلى البحرين لمواجهة الحِراك الشعبي، ولو حتى تحت ذريعة حماية المؤسسات السيادية والإقتصادية، عمّق جذور الكراهية وزاد مسافة البُـعد بين شعب البحرين وبعض دول مجلس التعاون، التي شاركت قواتها في تلك المواجهة”.
بالعودة إلى وقائع التاريخ القريب، جاء استقلال البحرين ثمرة لعمل مُـضنٍ قامت به بعثة أممية لتقصّي الحقائق.
البعثة، التي قادها الدبلوماسي الإيطالي وينسبر جيوشياردي سنة 1970 لمعرفة رغبات الشعب البحريني في شأن مستقبل بلده، رجحت رغبته في الإستقلال في ضوء مطالبة إيران بضمّ البحرين.
هذا المطلب الإيراني ظل ثابتا من ثوابت السياسة الخارجية لطهران، إلى أن أعلنت بريطانيا بوصفها الدولة المحتلّة في عام 1967 عزْمها الإنسحاب من كامل المِنطقة الواقعة شرق قناة السويس في أجل أقصاه عام 1971.
الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز انتهز حينها ذلك الإنعِطاف ليُـقنع إيران بالتخلّي عن مطامعها في الإمارة الصغيرة، وأثمرت تلك الجهود إعلان شاه إيران آنذاك محمد رضا بهلوي في مؤتمر صحفي عقَده في دِلهي الجديدة سنة 1969 أنه “حان الوقت لكي يخرج الإنجليز من المنطقة وأن يكون انسحابهم سياسيا وواقعيا، وإن إيران تحرِص على الالتزام بسياستها القائمة على عدم اعتماد القوة في الحصول على مكاسب إقليمية، فإذا كان سكان البحرين لا يرغبون في الإنضمام إلى بلادنا، فنحن لن نلجأ إلى القوة، لأن ذلك يتعارض مع مبادئ سياستنا”.
هذا الموقف فتح الطريق أمام عقد اجتماع في جنيف بين الأطراف المعنية للتداول للمرة الأولى في كيفية حل الخلاف. واستطرادا، منح الأمم المتحدة الفرصة للَـعِب دور، بناءً في التسوية بعد توافق الأطراف على ذلك الدور.
وتزعَّـم أمين عام الأمم المتحدة آنذاك يو ثانت، جهود الوساطة مُكلّـفا الإيطالي جيوشياردي في مارس 1970 بالملف، مدعوما بخمسة موظفين دوليين. وحلّ الوسيط في المنامة وتجوّل في أنحاء الجزيرة واجتمع مع الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية، وزار مقرّاتها بكل حرية، قبل أن يُنهي جولته ويُعد تقريره النهائي في 30 أبريل 1970، وهو تقرير وُصف بالحِـرفية والموضوعية.
كانت الخلاصة التي انتهى إليها التقرير، أن “الأغلبية الساحقة لشعب البحرين ترغب في أن تنال الإعتراف بذاتيتها ضمن دولة مستقلّة حرة، ذات سيادة تقرر بنفسها شكل علاقاتها مع الدول المجاورة”. وما لبث يو ثانت أن عرض التقرير على مجلس الأمن الدولي في جلسة 11 مايو 1970، فتم إقراره بالإجماع وأصدر أعضاء المجلس، بناءً على ذلك القرار رقم 278، ليُـصبح ذلك القرار وثيقة دولية وتحسم استِقلال البحرين وعُـروبتها.
أما الحكومة الإيرانية، فلم يكن لديها من خِيار، في ظل ذلك الإجماع الدولي، سوى إحالة القرار الأممي على الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ للمصادقة عليه، وهو ما تم في 14 مايو 1970 في الجمعية الوطنية و18 من الشهر نفسه في مجلس الشيوخ.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.