إلى أين تتجه السياسة الخارجية لمصر الجديدة؟
تبايَـنت آراء خبراء مصريين متخصِّـصين في الدبلوماسية والقانون الدولي والعلاقات الدولية والشؤون السياسية، حول أبرز الملامح الأولية، التي يُـمكن من خلالها رصْـد اتِّـجاهات السياسة الخارجية لمصر في عهد الرئيس محمد مرسي.
ففيما يرى خبير سياسي وأكاديمي أنه “وإنْ امتاز بالنشاط إلاّ أنه يفتقِـد للرؤية”، يذهب خبير دبلوماسي آخر إلى أنه “يُـعيد بناء السياسة الخارجية لمصر من جديد ويؤسِّـس لدولة قوية”، في حين يُشير خبير متخصِّـص في القانون الدولي، إلى أنه “يسعى لإقامة علاقات خارجية مُـتوازنة مع القوى والكيانات الدولية”.
وفي الوقت الحاضر، يطرح المشهد السياسي في مصر عددًا من الأسئلة حول الإتجاهات المُـرتقبة للسياسة الخارجية للبلاد في المرحلة المقبلة. وتشمل التساؤلات ماذا يعني تولية مصر وجهها إلى الشرق (الصين)، على خلاف نظام مبارك، الذي حبس نفسه على أمريكا؟ وهل يمكن لمرسي أن يستعيد بعضا من الدّور الإقليمي المصري، الذي تراجع بشدة؟ وما هي أبرز المتغيِّـرات التي ينتظر أن تطرأ على سياسة مصر الخارجية بعد الثورة عربيا وإفريقيا وإقليميا؟
وفي سياق البحث عن إجابات واضحة عن هذه التساؤلات، التقت swissinfo.ch كلاً من الخبير الدبلوماسي السفير الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير خارجية مصر والأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والخبير السياسي والأكاديمي الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد والنائب البرلماني الأسبق والدكتور عمرو أبو الفضل، المتخصص في القانون الدولي والخبير في مركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية.. فكان هذا التحقيق:
ينطلق للخارج وفقًا لاحتياجات الداخل
ففي البداية، يرى د. عبد الله الأشعل، أن سلسلة التحركات الخارجية للرئيس مرسي، هي بمثابة “اختبارات للمساحات الصّلبة في مجال السياسة الخارجية لمصر”، مشددا على أن أهَـم ما يُـعزز مرسي في جولاته المكوكية، أنه ينطلق من قاعدة متينة، مؤداها أنه رئيس منتخب، يحمل تفويضا من الشعب بالحركة الخارجية لتحقيق أهداف الثورة وتعزيز دور ومكانة مصر، عربيا ودوليا، بما يحقِّـق مصلحة الوطن”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أوضح الأشعل أن “مرسي ينطلق للخارج، وفقا لاحتياجات الداخل، أي أنه يربط زياراته للدول بما يمكن أن يحققه، لسد احتياجات الشعب”، مشيرا إلى أن الرئيس “يبني لمصر سياسة خارجية، لم تكن أصلا موجودة طيلة ثلاثة عقود مضت” وأن “تحركات الرئيس الخارجية، تتسم بالحيوية والتوازن، بين الداخل والخارج”.
ومن واقع خِـبرته الطويلة، يقدم المساعد الأسبق لوزير خارجية مصر وصفة للرئيس يمكن أن تساعده في رسم ملامح سياسة البلد الخارجية، ويلخِّـصها في عدة نقاط، أبرزها: “أن لا يعادي أحدا” وأن “يتمسك بكرامة مصر والمصريين، في الداخل والخارج” وأن يتجنَّـب “مد اليد لطلب القروض والمساعدات من الخارج” وأن “يبذل قُـصارى جهده للمحافظة على ثروة مصر واسترداد الأموال المنهوبة والمهرّبة للخارج” و”القضاء على المافيا بكل صورها” وأن “يقرأ الجغرافيا الطبيعية لمصر والمحيط الخارجي. فما كان معروفا منذ سنوات، لم يعد معروفا الآن”، مشددا على أهمية “معرفة القواعد الجديدة للُّـعبة، لأن قواعد اللُّـعبة قد اختلفت تماما”.
في سياق متصل، شدّد الأشعل على أن مصر، يجب أن تقود الجهود الدبلوماسية في الأمم المتحدة، للإعتراف بفلسطين، مشيرا إلى أن “على الرئيس أن يستثمِـر في ذلك، الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ودول عدم الانحياز وغيرها من المؤسسات، للضغط في هذا الإتجاه”، مشيرا على أنه “في الماضي، مصر لم تكن تتحرّك إلا بتعليمات من أمريكا وفي اتجاه المصالح الأمريكية، أما اليوم، فمصر لا تطلب الحصول على إذْن من واشنطن أو غيرها”.
هناك فارق بين “الرؤية” و”النشاط”
مختلفا مع الأشعل، يرى د. جمال زهران أن “هناك انعدام رؤية لدى جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الدكتور محمد مرسي حول السياسة الخارجية والدور الإقليمي الذي يجب أن تلعبه مصر بعد ثورة 25 يناير”، معتبرا أن “مشكلة مرسي تتلخّص في أنه يتعامل مع هذا الأمر بصورة شكلية، وذلك من خلال إظهار نشاطه الخارجي كرئيس للبلاد”.
وقال زهران، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “هناك فرْق بين الرؤية والنشاط. فحركة مبارك الخارجية كانت بطيئة للغاية، وذلك بسبب كِـبر سنه (84 سنة)، ومن ثَـم، فكان يمارس نشاطه وكأنه في غرفة النوم. أما الرئيس مرسي، فهو صغير السِّـن نِـسبياً (62 سنة)، ومن ثَـم يبدو أكثر نشاطا”، مشيرا على أن “نشاط مرسي الخارجي، مثير للجدل، ويعكس محاولة لتضخيم وتهويل كل زيارة يقوم بها للخارج، وهذا الأسلوب هو امتدادا لسياسة مبارك”.
ويستطرد قائلاً: “وعن مواقف مرسي من الأزمة السورية، نلحظ أنه يسير في نهج دعم إخوان سوريا، بينما المفروض أن ينظر الرئيس إلى الدّور الواجب عليه كرئيس يمثل الدولة المصرية، وليس كممثل لجماعة الإخوان المسلمين، التي تريد أن تصفّـي حساباتها مع الأسد الأب عن طريق الأسد الابن”، مشيرا إلى أن “مشكلة الإخوان أنهم نفعيين وليسوا ثوريين، ولهذا لا نتوقع أي تغيير حقيقي في هيكل السياسة الخارجية في عهد مرسي”، حسب رأيه.
ويضيف زهران: “في تقديري، أن سبب تراجع السياسة الخارجية لمصر في عهد مرسي، يرجع إلى أن مرسي غيْـر مقتنع بالثورة، وربما هذا لأنه ينتمي لجماعة الإخوان، التي لا تعترف في فكرها بالثورة كطريقة للتغيير، وإنما تعترف بفكرة الإصلاح الشكلي البطيء والتدريجي على الخلفية الدعوية، وهذا لا يتفق مع منجزات ثورة 25 يناير، التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة”، معتبرا أنه (أي مرسي) “لا يرغَـب في دفع تكلفة الثورة”.
رجال الأعمال ورقة لتلميع الرئيس!
أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد جمال زهران اعتبر أيضا أن “شراكة مرسي كانت مع المجلس العسكري والأمريكان، ومن ثَـم فإننا نراه لا يخرج عن نهج السياسة الأمريكية كما أنه غير راغب في رفع درجة التمثيل الدبلوماسي مع إيران. وفي مجال القضية الفلسطينية، فإنه يبدو للعِـيان أن مرسي يساهم في دعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لأنها ممثل جماعة الإخوان في فلسطين”.
وحول توجه مرسي ناحية الصين، يرى زهران أنه “من حيث الشكل، هو اتجاه إيجابي، غير أن اصطحابه لوفد رجال الأعمال (ذي الغالبية الإخوانية)، هو مجرد ورقة لتلميع الرئيس. كما يؤخذ على الزيارة، أنه لم يُمهّد لها جيداً، اقتصادياً ولا سياسياً”، ويضيف: “في قناعتي، أن الزيارة كانت بالأساس لدعم رجال أعمال الإخوان مع التغطية على الأمر باصطحاب بعض رجال الأعمال من الحزب الوطني المنحل، كنوع من التغطية”.
من جهة أخرى، يُؤخذ على الرئيس حسب د. جمال زهران أنه “لم يشرح لنا ماذا يريد من الصين بالضبط؟ وهل هو متَّـجه إلى الشرق فعلاً كبديل عن الغرب؟ أم أنه ذاهب ليبحث عن حل للمشكلة الإقتصادية؟ أم ليبحث عن دور مصري لحل المشكلة السورية؟”، معتبرا أنه “لم يقُـم حتى الآن بإعادة هيكلة السياسة الخارجية لمصر، كما لم تحدث أية تغيرات ملموسة عليها، وكل ما حدث، هو بعض التغييرات من حيث الشكل فقط، وذلك لأنه غيْـر قادر على إحداث تغيير حقيقي”، على حد زعمه.
رسائل تطمين لأمريكا وإسرائيل
من ناحيته، يقول د.عمرو أبو الفضل: “يُـدرك الرئيس أن هناك تراجع كبير في دور مصر على المستوييْـن، الإقليمي والدولي، وذلك بفعل أسباب عديدة، أهمها: حالة التبعية التي انتهجها النظام السابق مع الولايات المتحدة وتفريطه في أولويات المصالح والأمن القومي المصري للحصول على الرضا الأمريكي، مع الاستسلام التام لإسرائيل وإقامة علاقات خاصة معها، على مستويات أمنية ومخابراتية، تمّ تدعيمها بمنحِـها الغاز بثمن بخس في صفقة آثمة، أضرّت بسمعة ووضع مصر خارجيا”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، يشير أبو الفضل الذي يعمل خبيرا في مركز “الجمهورية” للدراسات السياسية والأمنية إلى أنه “من خلال التوجه العام والتصريحات والخطوات التي اتخذها مرسى، نجد أن السياسة الخارجية لمصر تستهدف أولاً إعطاء تطمينات للعالم الخارجي، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، بالتأكيد على استمرار النظام الجديد في ضمان تعهّـدات مصر الدولية، وبصفة خاصة المصالح الأمريكية الاقتصادية في المنطقة، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية”.
ويتابع قائلا: “ومن ناحية أخرى، يدرك مرسى أن التوجه الجديد لسياسته الخارجية، يجب أن يُـعيد مصر إلى انتمائها العربي، باعتبارها الشقيق الأكبر، والذي عليه مسؤوليات جِـسام، ولذلك، جاءت أولى زياراته الخارجية إلى المملكة العربية السعودية، بهدف طمأنة الدول الخليجية على عدم اتجاه مصر إلى تصدير الثورة، وأنها معنية بضمان أمن الخليج، باعتباره خط أحمر، لكونه يمس الأمن القومي المصري”.
محاولات لاستعادة “الدور الريادي”
من جهة أخرى، يرى أبو الفضل أن “أوضح المتغيِّـرات التي طرأت على سياسة مصر الخارجية، هي: الإدراك العميق لخطورة تمدد تأثير القِـوى الإقليمية، على حساب الدور المصري، حيث برز تأثير كل من إيران وتركيا في المحيط الإقليمي، وتدخلهما في العديد من القضايا والملفات الشائكة، الأمنية والسياسية والاقتصادية، ومن ثَـم حرص مرسي على إعلان رفضه للسياسات الوحشية التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه، وطرح المبادرة المصرية بتشكيل اللجنة الرباعية لحل الأزمة السورية، والتأكيد على ذلك خلال قمة عدم الانحياز في إيران، الحليف الأكبر لنظام بشار، وهو ما يعيد لمصر ريادتها وقيادتها وقدرتها على إدارة ملفات المنطقة وطرح الحلول والبدائل”.
وفي سياق نفس التحليل، يشير أبوالفضل، المتخصص في القانون الدولي إلى أن “مرسى يسعى إلى إقامة علاقات خارجية متوازنة مع القوى والكيانات الدولية، بما يسمح للنظام المصري بحرية الحركة، ويؤكد على مكانة مصر ودورها في إقليمها، كقوة إقليمية كبرى، تمسك بخيوط العديد من الملفات المهمة، وأنها أحد أهم قوى الاعتدال الضامنة للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن ثَـم، فإن زيارته للصين، ربما أتت في إطار توجيه رسالة للخارج بوجود تغيّـر في سياسات مصر، تؤكِّـد الانفصال التام عن قواعد الماضي، ويسمح بالانفتاح على كل دول العالم في الشرق والغرب، وأن مصر في سبيل مصالحها، تقيم علاقات قوية مع الجميع، وأنها تتعاون مع كل الدول الراغبة في إقامة شراكات اقتصادية وسياسية مع مصر الجديدة، وفق أسس المصلحة”.
أخيرا، يضيف عمرو أبو الفضل أن من أبرز المحاور التي تكشف عن تغير السياسة الخارجية المصرية “تأكيد مرسى في أكثر من مناسبة، على الحرص على العُـمق الإفريقي وعودة مصر إلى محيطها الإفريقي، وخاصة دول حوض النيل والقرن الإفريقي، والعمل على استعادة المكانة المصرية، من خلال المشروعات المشتركة والإهتمام بحل وتسوية الأزمات والمشكلات، الأمنية والسياسية، في الصومال وأريتريا، بما يحقِّـق الأمن والإستقرار في القارة السمراء”، على حد تعبيره.
القاهرة (رويترز) – قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) يوم الخميس 6 سبتمبر 2012 إن وزارة الخارجية السورية أدانت ما أدلى به الرئيس المصري محمد مرسي حول سوريا في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة وإنها تعتبره تدخلا في الشأن السوري.
ونقلت الوكالة عن بيان لوزارة الخارجية والمغتربين أن سوريا تعتبر تصريحات مرسي “تدخلا سافرا بالشأن السوري واعتداء صريحا على حق الشعب السوري في اختيار مستقبله بنفسه دون أي تدخل خارجي.”
وكان مرسي قد قال في افتتاح دورة مجلس وزراء الخارجية العرب يوم الأربعاء 5 سبتمبر موجها خطابه للقيادة السورية “الآن هو وقت التغيير.”
وقال “لا مجال للكبر أو المزايدة. لا تستمعوا إلى الأصوات التي تغريكم بالبقاء فلن يدوم وجودكم طويلا… إن لم تفعلوا فعجلة التاريخ ماضية.”
ونقلت الوكالة السورية عن وزارة الخارجية “ما قاله مرسي هو جزء من التحريض الإعلامي الذي يهدف إلى تأجيج العنف الدائر في سوريا وبهذا لا يختلف عن غيره من الحكومات التي تدعم المجموعات الإرهابية المسلحة بالمال والسلاح والتدريب والمأوى ما يجعلهم شركاء في سفك الدم السوري.”
وأضافت أن مرسي “أوضح بما لا يدع مجالا للشك أنه يعكس آراء جماعة لا تمت بصلة إلى حقائق التاريخ المشترك للشعبين السوري والمصري.”
وينتمي الرئيس المصري إلى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة قبل الانتفاضة المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك العام الماضي.
وكانت كلمة مرسي في اجتماع وزراء الخارجية العرب هي المرة الثانية في أسبوع التي يطالب فيها بالعمل من أجل التغيير في سوريا بعد أن قال في مؤتمر قمة عدم الانحياز في طهران إن النظام السوري نظام “قمعي” وإن دعم المتمردين عليه واجب أخلاقي.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 سبتمبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.