إيف بيسّـون: “المشكل الفلسطيني ليس إنسانيا بل سياسي”
سلبية المجموعة الدولية والعجز عن فرض احترام أبجديات القانون الإنساني الدولي والدور الذي يُـمكن أن تلعبه سويسرا في أزمة غزة وقضايا الشرق الأوسط عموما، كانت محور حديث مطوّل مع السفير السويسري السابق إيف بيسّـون.
ويؤكد هذا الخبير في شؤون المنطقة الذي يُدرس العلاقات الدولية في عدد من الجامعات والمعاهد العليا السويسرية والعضو المؤسس للجمعية السويسرية للحوار الإسلامي الأوروبي العربي أن الوضع يُنذر بتطورات خطيرة إذا ما استمرت الحرب الإسرائيلية على غزة لفترة طويلة.
سويس انفو: تُحّددُ معاهدات جنيف قواعد حماية الأشخاص المدنيين وممتلكاتهم في حال النزاعات المسلحة. في رأيكم، هل تحترم إسرائيل التزاماتها تجاه مدنيي غزة؟
إيف بيسّـون: إنها مشكلة قديمة، فليست هذه المرة الأولى (التي يُطرح فيها هذا الموضوع) منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة. فاحترام اتفاقيات جنيف حول الأراضي المحتلة من قِبل قوة مُحتلة كان دائما مُشكلة بين إسرائيل والصليب الأحمر الدولي، وعلى هذا الأخير أن يُعـبـّر عن موقفه من هذا الأمر. وقُلتُ إن المشكلة قديمة لأن إسرائيل تعتبـِر أحيانا أن هذه الأراضي (الفلسطينية) ليست محتلة.
سويس انفو: على الرّغم من سقوط مئات الضحايا المدنيين جراء الغارات الإسرائيلية، هنالك صمت تام تقريبا من قبل المجتمع الدولي. كيف تفسرون هذا الموقف السلبي؟
إيف بيسّـون: هذا موضوع شاسع. فمنذ أربعين عاما وإسرئيل تحترم أو لا تحترم – عندما لا يروق لها ذلك – قرارات مجلس الأمن الدولي. ومنذ أربعين عاما والمجتمع الدولي لا يمارس، على الأرجح، الضغط الكافي على إسرائيل لتحترم تلك القرارات.
وربما يعتبر المجتمع الدولي – ولا أتحدث هنا عن سويسرا بل عن أوروبا والولايات المتحدة – أن حركة المقاومة الإسلامية حماس وُضعت على قائمة المنظمات الإرهابية، وبالتالي فإن إسرائيل، التي تُعتبر دولة معترفا بها، تُقاتل حركة تُنعت بالإرهابية.
سويس انفو: لكن الأمر يتعلق هنا بـمليون ونصف شخص من المدنيين…
إيف بيسّـون: نعم وبالتالي تصبح المسألة إنسانية. إن المجتمع الدولي بأكمله يتفق دائما على الاختباء وراء الجانب الإنساني، في حين أن المشكلة ليست إنسانية تماما، بل مدنية وسياسية منذ عشرات السنين.
سويس انفو: طالبت وزارة الخارجية السويسرية في برن يوم 4 يناير الجاري إعادة فتح دائم لنقاط العبور إلى غزة لتخيف المعاناة التي يتكبدها السكان المدنيون، لكن نداءاتها ظلت بدون استجابة، ماذا بوسع سويسرا القيام به في رأيكم؟
إيف بيسّـون: لا شيء. ماذا تريدون أن أقول لكم؟ إذا لم تتمكن الولايات المتحدة أبدا من إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات. وإذا كانت أول قوة في العالم لم تُرِد أو لم تستطع إجبار إسرائيل على الإلتزام بعدد من الأمور، كيف تريدون أن تقدر سويسرا على فعل ذلك؟
سويس انفو: لكن سويسرا هي البلد المؤتمن والضامن لمعاهدات جنيف…
إيف بيسّـون: إذن فيـُمكنها الإدانة!
سويس انفو: لكن سويسرا تستثمر جهودا وأموالا أيضا في المنطقة، وخاصة على المستوى الإنساني…
إيف بيسّـون: نعم، وبعد عملية أوسلو، استثمرت سويسرا الكثير من المال، وساهمت في تغطية تكاليف المـُعدات، وخاصة التجهيزات الإلكترونية التي تم تدميرها خلال الانتفاضة الثانية في نهاية عقد التسعينات وبداية الألفية.
سويس انفو: ما الذي يجعل سويسرا غير قادرة على القيام بأي شيء في الوضع الراهن؟
إيف بيسّـون: يمكن لسويسرا أن تبدي رأيها، لكن ماذا تريدون أن تفعل أكثر من ذلك؟ إذا كانت أوروبا لا تقوم بشيء ومعها الولايات المتحدة.
سويس انفو: لكن لسويسرا مواقف تجاه ما يحدث في المنطقة، ولها علاقات قوية مع إسرائيل، ولم تقطع علاقاتها مع حماس، أليس من شأن هذه الخصوصية المساعدة على إخراج الوضع من المأزق الذي آل إليه؟
إيف بيسـّون: لا يبدو أن ذلك أمرا ممكنا. فكما قلتم، لم تقطع سويسرا علاقاتها مع حماس، وهي البلد الوحيد الذي لم يقبل وضع حماس على قائمة الحركات الإرهابية، واحتفظت باتصالاتها مع حماس وأعلنت ذلك، لكن هذا الأمر لم يـُـجد نفعا في الأزمة الحالية.
ويجب فصل الجانب الإنساني عن الجانب السياسي؛ فالجميع يتحدث الآن عن الجانب الإنساني. وسبق أن قلت أن المشكل الفلسطيني تمت معالجته في معظم الأحيان من الزاوية الإنسانية، لكنه ليس مشكلة إنسانية بل هو مشكلة سياسية. ومن السهل على المجتمع الدولي أن يعتبر غزة مشكلة إنسانية، ويمنحها بالتالي القمح والمال ويمول مدارسها.
سويس انفو: ماذا ستكون التأثيرات في رأيكم لما يحدث اليوم على مستقبل عملية السلام في المنطقة؟
إيف بيسـّون: كما ذكرتم، لم يقم المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة بريطانيا وفرنسا وسويسرا ودول أخرى كروسيا والصين، سوى بالكلام. وهم يـَرُدُّون الفعل بأسلوب معتدل جدا لأنهم مسرورون (برؤية) إسرائيل وهي تُخـَلّـِص عملية السلام من وجود حماس، وقد يدفعنا ذلك إلى الاعتقاد بأنه فور تحقيق إسرائيل لذلك، ربما قد تقول بعض الدول: “لقد كانت ردةُ فعلنا معتدلة جدا إزاء ما قمتُم به (في غزة)، والآن يجب دفع عملية السلام إلى الأمام وبذل جهود وتقديم شيء (ملموس)”.
سويس انفو: أنتم مـُطلعون جيدا على الوضع في المنطقة (ولا سيما في لبنان). ألا تعتقدون أن أحداث غزة قد تزعزع الاستقرار في بعض بلدان المنطقة؟
إيف بيسـّون: نعم، إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو. يـِجبُ مـُراقبة الأوضـاع خلال الأسبوع أو الأسبوعين القادمين. وقد تـُزعـزع التطورات بالفعل بعض الحكومات وبعض الأنظمة الموالية للغرب في المنطقة، لكن لا يجب أن ننسى أن لبنان سيشهد انتخابات في يونيو القادم، وأنه يتواجد، في هذه المرحلة، محصورا في وضع غير مستقر إلى حد ما، ومازال ينتظر انفراجا على إثر الانتخابات. وبالتالي فإن لا أحد يريد التحرك كثيرا في لبنان لأن توازن البلاد مُهدّد.
سويس انفو: لكننا نعلم أن استراتيجيات بعض الأحزاب ليست باستراتيجيات وطنية؟ فهنالك صلات مع فاعلين آخرين في المنطقة.
إيف بيسـّون: نعم، فإيران وسوريا لا تريدان التحرك، وبالتالي فإن حزب الله لا يتحرك.
سويس انفو: هل يعني ذلك أنه من غير المحتمل حدوث نزاع جديد بين إسرائيل ولبنان (جراء ما يحدث في غزة)؟
إيف بيسون: أعتـقد أن لبنان عانى كثيرا ودفع الثمن غاليا خلال حرب 2006، وأنّ لا أحد في لبنان يريد مجددا تكبـّد دمار بذلك الحجم الهائل. وأعتقد أن كافة البلدان، بما فيها معظم الدول العربية، من مصلحتها أن تختفي حماس، وبالتالي يجب أن تكون العمليات قصيرة المدى وألا تطول الحرب، وإلا ستواجه بعض الأنظمة في المنطقة خطر ردود فعل قوية من قبل الراي العام، وسيكون الوضع صعبا بالنسبة لبعض الأنظمة.
سويس انفو: ما هي في رأيكم العوامل أو المتغيرات التي قد تساهم في إطالة أحداث غزة أو تقصيرها؟
إيف بيسـّون: أعتقد أن إسرائيل تجاوزت المرحلة التي كان بإمكانها فيها وقف النزاع، وأنها تتجه نحو إنهاء ما بدأت، وذلك قد يعني إعادة احتلال غزة.
سويس انفو: ما هو المخرج الذي تتصورونه لما يحدث في غزة؟
إيف بيسـّون: لا يوجد أي مخرج، إنها حلقة إضافية في نزاع طويل جدا يتواصل منذ 1948، وخاصة منذ 1967. فليس هنالك مخرجا فوريا، إلا إذا تم استبعاد حماس من المشهد السياسي. حينها، سوف تُستأنف عملية السلام وتـُضطر اسرائيل لتقديم المزيد من التنازلات، أكثر من تلك التي قدمتها لحد الآن.
سويس انفو: ما هي حظوظ إسرائيل لتحقيق أهدافها في غزة؟
إيف بيسـّون: أعتقد أنه إذا ما أرادت إنهاء ما شرعت فيه، فسيتعين عليها إعادة احتلال غزة، لكن ذلك بالطبع سيتسبب في سقوط العديد من الضحايا والكثير من الدمار، وقد ألحقت (عملياتها العسكرية بعدُ) دمارا كبيرا. ومرة أخرى، سيُمول المجتمع الدولي، وخاصة الأوروبيين والولايات المتحدة، إعادة بناء غزة. (…)
وأنا على قناعة بأن أبا مازن نفسه (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) سعيد، ليس إزاء أعداد الضحايا أو الدمار، بل على المستوى السياسي، لأن عودة حركة فتح للسلطة في غزة، مدعومة بالمساعدات الإنسانية ومساهمات إعادة البناء من قبل المجتمع الدولي، قد تكون مُجدية بالنسبة لعملية السلام. لكن بطبيعة الحال، لا نعلم بعد إن كانت إيران وسوريا ستقبلان وضعهما جانبا بهذا الشكل.
سويس انفو: أتقصدون أنه ليس هنالك مستقبل بالنسبة لحماس؟
إيف بيسـّون: إن ذلك يعتمد على الكيفية التي سينتهي بها النزاع. حماس لا توجد في قطاع غزة فحسب، بل في الضفة الغربية أيضا. لكن يمكن لفتح، التي تتمتع بقوة أكبر في الضفة السيطرة على حماس التي تتواجد بالخصوص في مدينة الخليل.
سويس انفو: نعلم بأن هنالك معسكرين في المنطقة، أحدهما يدعم الحوار والآخر، أي سوريا وإيران، يدعم حماس وحزب الله. فأي طرف يستفيد من أحداث غزة؟
إيف بيسـّون: إن سوريا ستتخلى عن حماس إذا استُؤنـِفت عملية سلام تُرضيها بخصوص هضبة الجولان. وحزب الله وحماس هما أداتان، وعندما تنتهي حاجتنا لأداة ما، لأننا نجحنا في تحقيق هدف ما، نتوقف عن استخدام تلك الأداة.
سويس انفو: هل تعتقدون أن حوارات دارت على المستوى الإقليمي قبل هجوم إسرائيل على غزة؟
إيف بيسـّون: هنالك مفاوضات دائمة واتصالات مستمرة في المنطقة، لكن أعتقد أن مصر وأنظمة حكم أخرى سيسعدون بتنحية حماس، شرط أن يتم ذلك بسرعة وأن يفضي إلى نتائج إيجابية على مستوى عملية السلام، لأنه إذا ما لم تكن هنالك نتائج إيجابية، وإذا لم يُقدم شيء لمحمود عباس وفتح في رام الله، فإن الوضع سيصبح أكثر سوءا.
سويس انفو: هل تعتقدون أن ضمانات قُـدمت لمصر والمملكة العربية السعودية؟
إيف بيسـّون: من يدري؟ شـَايـِفْ كيفْ! (قالها باللكنة اللبنانية)
سويس انفو – أجرى الحديث عبد الحفيظ العبدلي.
القدس (رويترز) – قال مصدر عسكري يوم الاربعاء 7 يناير 2009 إن اسرائيل تعتزم وقف عملياتها العسكرية لمدة ثلاث ساعات كل يوم قرب مدينة غزة لتمكن المساعدات من المرور عبر “ممر انساني” تقيمه في القطاع الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس).
وقال المصدر “الفكرة هي ان يلقي الجيش الاسرائيلي السلاح كل يوم من الساعة الواحدة ظهرا حتى الساعة الرابعة مساء اعتبارا من اليوم في منطقة مدينة غزة”.
وصرح مسؤولون فلسطينيون في قطاع غزة بأنهم أخطروا بخطة اسرائيل لوقف الهجمات في ذلك الوقت للسماح للمتاجر بفتح أبوابها والسماح بدفن القتلى الفلسطينيين.
وذكر مكتب ايهود أولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي في وقت سابق ان القادة العسكريين الاسرائيليين أوصوا بفتح “ممر انساني” وان ذلك سيتطلب السماح للفلسطينيين خلال فترات بالحصول على سلع حيوية وتخزينها.
وشكت وكالات اغاثة من أزمة متصاعدة لسكان القطاع وعددهم 5 .1 مليون فلسطيني.
وقطعت القوات البرية الاسرائيلية التي غزت غزة يوم السبت 3 يناير القطاع الساحلي الى أجزاء وطوقت المناطق السكانية الرئيسية.
ووصف مارك ريجيف المتحدث باسم أولمرت الاجراء بانه “وضع خاص للسماح بنقل الناس والطعام والدواء” وذكر انه يمكن ان يطبق يوم الاربعاء 7 يناير.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 يناير 2009)
أستاذ حاصل على الدكتوراه من معهد جنيف للدراسات الدولية العليا. جاب مناطق الشرق الأوسط لأكثر من 15 عاما. التحق بوزارة الخارجية السويسرية في عام 1971.
قضى عامين في لبنان لدراسة اللغة العربية وتاريخ المنطقة. وقد عمل كدبلوماسي سويسري بمنطقة الشرق الأوسط لأكثر من 10 سنوات.
عاد للمنطقة في عام 1990 كمدير لمفوضية الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”. وفيما بين 1992 و1995، تولى منصب مستشار خاص للمفوض السامي للأونروا،هي الفترة التي قاد فيها وفد الأمم المتحدة المشارك في مفاوضات أوسلو، وفي ذلك الإطار تولى ملفي اللاجئين والإقتصاد.
منذ عودته الى سويسرا في عام 1995 وإلى اليوم، تفرغ السيد إيف بيسون لتدريس مادة العلاقات الدولية في عدة جامعات سويسرية.
هو عضو مؤسس للجمعية السويسرية للحوار الإسلامي الأوروبي العربي، وهي جمعية غير ربحية وغير طائفية تأسست في 21 يونيو 2006 في مدينة جنيف، وتتمثل أبرز مهامها في جمع وتوحيد الأشخاص الذين يؤمنون بضرورة إعادة صياغة الحوار بين العرب والمسلمين بطريقة اكثر إنفتاحية.
لإيف بيسون عدة مؤلفات عن منطقة الشرق الأوسط وقضاياها مثل “الهويات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط”. (صدر عام 1991)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.