احتمال امتداد ثورات المواطنة العربية إلى منطقة الخليج لا زال قائما
أيْـن موقِـع دول الخليج العربي من ثورات المواطنة، التي تجتاح المنطقة العربية هذه الأيام؟ اللازمة التي تكرّرت بعد ثورتي تونس ومصر، وهي أن هذا البلد أو ذاك ليس تونس أو مصر، تُـعاد هي نفسها الآن في منطقة الخليج.
فأرباب الأنظمة فيها يقولون إن الظروف الاقتصادية والمعيشية التي كانت السّـبب الرئيسي لإشعال فتيل الثورات في تونس ثم مصر ثم اليمن وليبيا، غير موجودة في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث المواطنون فيها مضمونون، صحِـياً وتعليمياً واجتماعياً، من المهْـد إلى اللَّـحد، وحيث الأسَـر الحاكمة تحظى بشرعية تاريخية، لأنها هي التي أسّـست الدول القائمة حاليا.
هذه الحجج تملك شيئاً من الحقيقة، لكن ليس كل الحقيقة. وما يجري الآن من ثورة حقيقية في البحرين وانتفاضات شعبية في عُـمان وتمخّـضات مدنية في مملكتَـي آل سعود وآل الصُّـباح، يشي بأن وراء الأكَـمَـة ما وراءها.
ومع ذلك، من الخطإ الإطلالة على دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية وقطر وعُمان والكويت والبحرين ودولة الإمارات) على أنها كُـتلة واحدة في العلاقة مع هذه الثورات، على رغم التشابه الكبير في تراكيبها، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وعلى سبيل المثال، لا أحد ينتظر ثورة شوارع في قطر، التي لا يناهز عدد سكانها الأصليين المائتي ألف نسمة، على رغم وجود أقلية فيها مُمتعِـضة من السلطة المُـطلقة التي تملكها أسْـرة آل ثاني.
وفي الإمارات، ليس ثمّـة سخط البتّـة بين صفوف المواطنين فيها، بسبب العطايا السخية التي تقدِّمها الدولة لهم. الأمران الوحيدان المتوقّـعان هنا، هو أن يتِـم حِـراك من بعض المثقّـفين للمطالبة بتوسيع عملية التمثيل السياسي، ربما عبْـر تفعيلٍ أكبرَ للمجلس الوطني الإتحادي (البرلمان) وأن تحصل الإمارات الشمالية الفقيرة على معُـونات أوسع من السلطة الإتحادية في أبوظبي. هذا يتركنا مع الدول الأربع الأخرى المتبقِّـية في المجلس. فماذا يمكن أن نتوقع فيها؟
عُـمان تتمخَّـض
نبدأ بعُمان. هذه الدولة، التي يبلُـغ عدد سكانها الأصليين نحو مليون ونصف المليون نسمة، تتمتع بوضعية تاريخية خاصة في منطقة الخليج. فهي، أولاً، دولة الأباضيين (الخوارج الذين شقّـوا عصا الطاعة على الخليفة علي ومعاوية معاً) الوحيدة في العالم، حيث 75% من سكانها أباضيون، وهي، ثانياً، بَـنَـت بدءاً من عام 1690 بقيادة الإمام سيف بن سلطان، إمبراطورية مدّت سيطرتها إلى زنجبار والساحل الشرقي الإفريقي، وصولاً إلى موزمبيق، وهي أخيراً، شهِـدت ثورة يسارية في جبال ظفار جنوبي عُـمان استمرت من عام 1962 حتى عام 1975 ولم تتوقّـف إلا بعد أن تدخّـلت القوات العسكرية لشاه إيران آنذاك لقمْـعها.
كل هذه المعطيات الغنية تجعل أي حدَث داخلي في عُـمان، حدثاً تاريخياً بامتياز، وهذا بالطبع ينطبق على المظاهرات التي شهدتها البلاد في كلٍ من صُحار ومسقط، والتي شهدت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، أدّت إلى سقوط قتلى وجرحى.
مطالب المتظاهرين لم تقتصر على توفير الوظائف (السلطان قابوس تعهّـد بتوفير 50 ألف وظيفة) ولا رفع الأجور (تم رفعها بالفعل من 140 ريالاً شهرياً – 520 دولارا – إلى 200 ريال)، بل طال أيضاً المطالبة بتحديد ولاية الوزراء لمنع الفساد وتشكيل الحكومة من مجلس الشورى (البرلمان) المنتخب، وليس بقرار سلطاني.
هذه الحركة الإحتجاجية التي بدأت في أواخر فبراير الماضي، لا تزال محدودة، وهي لم تتمدّد لتشكِّـل تحدياً للسلطان قابوس، لأنه منذ أن عزل أباه عام 1970 واستلم السلطة، عمد إلى إحداث ثورة تحديثية في الإدارة والبُـنى التحتية والنُـمو الاقتصادي، في بلد حرَمه الإمام السابق من أي خدمات صحية أو تعليمية أو فُـرص اقتصادية.
بيْـد أن هذه الانجازات باتت الآن في ذاكرة الجيل القديم. أما الجيل الجديد، فهو يطالب بما هو أكثر من ذلك: المشاركة السياسية الحقيقية والإشراف على مآل ثروات البلاد النفطية وغيرها، هذا على الرغم من أن عُـمان لا تُـنتج سوى نحو 800 ألف برميل نفط في اليوم.
الكويت والبحرين
ومن عُـمان إلى الكويت، هذه الدولة تميّـزت هي الأخرى بأنها الوحيدة التي تشكّـلت بميثاق تاريخي بين تجّـارها وبين آل الصُّـباح، وليس بالحرب أو العنف، وهذا ما سمح لها على مدى القرون الثلاثة الماضية بتطوير ديمقراطية نِـسبية خاصة بها وبوجود برلمان قوي يحُـد بقدْر الإمكان من السلطة المُـطلقة للأمير.
هذه المعطيات التاريخية توفّـر للكويت فرصة تاريخية فريدة لكي تكون الأولى في منطقة الخليج، التي تنتقل نحو المَـلكية الدستورية، مستفيدة من الثورات المدنية الرّاهنة في المنطقة العربية.
حتى الآن، لا تزال الحركة المطلبية قصْـراً على فئة “البِـدون” (نحو 200 ألف نسمة)، أي أولئك الذين يعيشون منذ أمَـدٍ طويل في البلاد، من دون أن يُمنحوا حقّ الجنسية. لكن الأمر قد يتغيّـر بعد حين، إذا ما اتَّـفقت القِـوى الإسلامية (الإخوان المسلمون والسلفيون) والليبراليون والقوى الشيعية (25% من السكان)، على برنامج عمل مشترك للضّـغط من أجل إصلاحات دستورية، إذ حينها، ستشرق أول شمس مَـلكية دستورية في الخليج العربي.
أما البحرين، فإن ثورتها العارمة الرّاهنة، وعلى رغم أن المعارضة فيها أثبتت وجودها وباتت تتحدّى بقوّة الأسْـرة الحاكمة، إلا أنه سيكون عليها تقنين مصالحها الإصلاحية، إذا ما أرادت النجاح لسببيْـن: الأول، الإنشطار الطائفي السُـنّي – الشيعي، الذي تستثمره الأسْـرة الحاكمة حتى الثَّـمالة. والثاني، استعداد السعودية وباقي أعضاء مجلس التعاون لـ “القتال”، إذا ما تطلّـب الأمر، لمنع سقوط آل خليفة من السلطة (وهو ما حدث فعلا يوم 14 مارس 2011). بل تطورت الأمور يوم الثلاثاء 15 مارس إلى الإعلان عن فرض حالة الطواريء في البلاد على نحو فوري ولمدة ثلاثة أشهر. وجاء في بيان تلي بالتلفزيون أن الملك كلف قائد قوات الدفاع باتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية سلامة البلاد والمواطنين.
مملكة السعوديين
ماذا الآن عن مملكة السعوديين؟ إنها “بيضة القبان” في كل ما سيجري في منطقة الخليج.
فهذه الدولة العملاقة جغرافياً، تشكّـل 70% من سكان الخليج و88% من إجمالي مساحته. كما أنها الدولة التي تحتوي على أكبر احتياطي نفطي في العالم، ما دفع إلى وضعها ضِـمن مجموعة العشرين، التي حلّت مكان مجموعة الثمان الكبار في حُـكم العالم، وبالتالي، فإن أي تغيير في المملكة سيقلِـب الأوضاع رأساً على عقِـب في كل المنطقة.
لكن، هل مثل هذا التغيير وارد؟ أجل أو على الأقل مُـعطيات التغيير واردة: طَـبقة وسطى قوية، بطالة تُقدّر بـ 20% ومليون مواطن تعلَّـموا في الغرب وملايين أخرى منغمِـسة تماماً في أدوات الثورة التكنولوجية الحديثة من فايس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها، وأخيراً، فساد وقمع.
النظام السعودي حظَـر قبل أيام القيام بأي تظاهرات مطلبية، متذرِّعاً بأن التعبير عن الرأي على هذا النحو، هو بمثابة “خروج عن الإسلام والشريعة”. بيْـد أن الدعوات لا تزال مستمرّة على الفايس بوك للتظاهر ولاستكمال التحركات الاحتجاجية، وإن محدودة، التي بدأت هذا الشهر في كلٍ من جدة والرياض والمنطقة الشرقية.
بيْـد أن معظم المحلليين يتَّـفقون على القول أن اندِلاع الإنتفاضة في المملكة (لو حصل)، قد يؤدّي سريعاً إلى تفكُّـكها إلى ثلاث مناطق أو حتى دول: منطقة نجَـَـد الصحراوية التي تشكّـل المعقَـل الرئيسي للوهابيين والأسْـرة السعودية، ومنطقة الحِـجاز المدينية الغنِـية بالتاريخ الحضاري، خاصة في جدة، والمنطقة الشرقية الشيعية.
وفي حال حدث ذلك، فستتحقّـق حينها “نبُـوءة” مجلة القوات المسلحة الأمريكية، بأن المملكة ستُـصبح ثلاث مملكات، مضافا إليها “دولة مكة المستقلة”، التي ستُـصبح “فاتيكان” العالم الإسلامي، إلا بالطبع إذا ما أنقذ فريق الشبّـان في الأسرة المالكة السعودية، التي يبلغ تعدادها 6 آلاف أمير، الموقف وانحازوا قبل فوات الأوان إلى برامج إصلاحية ودستورية.
هل أجبنا على سؤالنا الأولي حول احتمال امتداد ثورات المواطنة العربية إلى منطقة الخليج العربي؟ نعتقد ذلك، وهو ردّ جاء بـ “نعم” كبيرة.
قال رئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية الشيعية المعارضة في برلمان البحرين ان خمسة محتجين على الاقل قتلوا وأصيب مئات خلال الحملة التي شنتها قوات الامن يوم الاربعاء 16 مارس 2011. وقال عبد الجليل خليل وهو عضو كبير في الوفاق ان هذه “حرب ابادة” وان ما حدث لا يحدث حتى في الحروب وانه غير مقبول تماما.
وقال خليل لرويترز هاتفيا انه الى جانب اخلاء دوار (ساحة) اللؤلؤة من المحتجين انتشرت قوات الجيش في شتى انحاء البحرين وقطعت الطرق واعتقلت او فتحت النار على من يحاول المرور.
وذكر ان عددا من المنازل الخاصة والسرادقات استقبلت الضحايا بينما طوقت قوات الجيش المستشفيات. ودعا الاطباء الى التوجه الى أقرب مركز صحي للمساعدة في علاج المصابين.
من جهة أخرى، قال مسؤول بقطاع الصحة إن شرطيين بحرينيين قتلا يوم الاربعاء 16 مارس أثناء محاولة اخلاء ميدان بوسط العاصمة المنامة من المحتجين المعتصمين هناك منذ أسابيع. وقال المسؤول إن محتجين دهسوا الشرطيين بسيارات مسرعة.
وفي وقت سابق، أفاد نائب من المعارضة لوكالة فرانس برس عن قتل متظاهرين على الاقل في العملية التي شنتها قوى الامن البحرينية صباح الاربعاء لتفريق المعتصمين في وسط المنامة.
وقال خليل مرزوق النائب (مستقيل) عن كتلة جمعية الوفاق التي تمثل التيار الشيعي الرئيس في البلاد “هناك شهيدان على الاقل وكثير من الجرحى” في الهجوم على دوار اللؤلؤة.
واضاف ان “الوضع مأسوي” في البحرين و”الجيش والامن يعملان على قتل الناس”. لكنه اكد ان المعارضة تدعو “الى السلمية وعدم المواجهة” مع قوات الامن.
وكان المئات من عناصر مكافحة الشغب شنوا هجوما في الصباح على دوار اللؤلؤة بوسط المنامة وفرقوا بالقوة المعتصمين وفرضوا السيطرة على المكان.
وفي اعقاب ذلك، بدأت مدرعات القوى الامنية بازالة الحواجز التي وضعها المتظاهرون، لا سيما حول الحي المالي والدبلوماسي القريب.
وقال مرزوق ان “مستشفى السلمانية (في وسط المنامة) محاصر” متهما السلطات باستخدام “الرصاص الحي في عدة مناطق من البحرين” و”تم الدخول الى مناطق مختلفة منها”، على حد قوله.
من جهته، انتقد حزب الله اللبناني دخول قوات سعودية واماراتية الى البحرين معتبرا ان هذه الخطوة “تعقد الامور” في المملكة الخليجية و”لا توصل الى نتيجة”.
واعتبر الحزب الشيعي المسلح في بيان اصدره الثلاثاء 15 مارس ان “التدخل العسكري واستخدام العنف في مقابل حركة شعبية سلمية لا يوصل الى نتيجة وانما يعقد الامور ويلغي فرص الحل”.
وانتشر اكثر من الف جندي سعودي يوم الاثنين 14 مارس في البحرين كما ارسلت الامارات العربية المتحدة حوالى 500 شرطي لمساعدة السلطات على فرض الامن.
(المصدر: وكالات الأنباء بتاريخ 16 مارس 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.