اختبار “الدولة الفلسطينية”.. الأخـيـر؟
لا تنفك استطلاعات الرأي تدعو القيادة الفلسطينية إلى مغادرة المفاوضات مع إسرائيل، والقيادة بدورها ترفض إدارة ظهرها لجهود السلام، لكنها وفي ذات الوقت ترى استحالة ذلك مع مواصلة الإستيطان وتتحدث عن "بـدائـل".
وفي الوقت الذي قال فيه استطلاع جديد لمركز البحوث والدراسات السياسية والمسحية في رام الله، إن ثلثي فلسطينيي الضفة الغربية وغزة يعتقدون أن على قيادتهم الإنسحاب من المفاوضات، كان الرئيس محمود عباس ونظراؤه العرب المجتمعون في مدينة سرت (شرق ليبيا) قد وافقوا على منح الإدارة الأمريكية شهرا آخر لإنجاح المفاوضات المتعثرة.
وعلى أرض الواقع، تواصل الحكومة الفلسطينية بقيادة سلام فياض تنفيذ برنامجها الخاص باستكمال مؤسسات الدولة، وتصر على أن الفلسطينيين سائرون نحو هدف الدولة ولو “حبْوا”.
وبالرغم من قناعة معظم الفلسطينيين، سياسيين ومواطنين، أن إسرائيل لن تمنحهم ما يمكن أن يكون مقبولا عليهم، إلا أن مؤشرات العمل الفلسطيني لا زالت تقول باستمرار خيار المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
استكمال مؤسسات الدولة..
وبغض النظر عن الحديث عن وجود “بدائل”، فإن المفاوضات تبقى الإختيار المفضل لدى القيادة الفلسطينية التي يبدو أنها ستظل على ذات تركيبتها الحالية متجاوزة توقعات اختفائها حال فشلت المفاوضات الحالية، وبالرغم من مختلف التلميحات عن احتمال استقالة محمود عباس.
وقد كان رئيس الوزراء سلام فياض، صاحب برنامج “استكمال مؤسسات الدولة مع نهاية العام المقبل 2011″، واضحا بما فيه الكفاية عندما تحدث أمام مجموعة من الصحافيين والكتاب في مكتبه برام الله عن جدوى الإستمرار في هذه الظروف، لاسيما في ظل تعنت حكومة إسرائيل وعدم اكتراثها بالمطالب الفلسطينية.
وقال فياض “هذه الدولة يجب أن تقوم، وهناك خطوات تكتيكية وإجراءات ومسار استراتيجي يجب أن نواصل الحفاظ عليه ونحن نعرف أن ما يمكن أن يكون معروضا إسرائيليا في الوقت غير مقبول”. وأضاف “الآن هناك مكاسب سياسية كبيرة. صحيح أن وضعنا صعب، ولكن حدث تقدم في الوعي الدولي بالنسبة لما هو مطلوب”.
التكتيك والاستراتيجي
وحين يتحدث فياض عن تكتيك وإجراءات ومسار استراتيجي، فإنه يعني مقاربة الفلسطينيين للمفاوضات وعملية بناء المؤسسات وطبعا وأخيرا قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهي خطوات تسيرهما جنبا إلى جنب، الحكومة والرئاسة.
وعلى كل حال، فإن إجراءات البناء تسير على الأرض، وإن كانت محكومة ومقيدة بأدوات الإحتلال الإسرائيلي المختلفة من قتل وتقييد للحركة واستيطان وغيره. أما المسار الإستراتيجي والتكتيك المتعلق بالمفاوضات، فإنهما بالطبع محكومان قبل شيء بإرادة الإدارة الأمريكية وإسرائيل.
ولا يرى فياض غضاضة في اعتبار الأمر بمثابة “اختبار جدارة” يخوضه الفلسطينيون أمام العالم قبل الحصول على استحقاق الدولة المستقلة. ويقول فياض: “إنه وبغض النظر عن ما يمكن أن نختلف أو نتفق مع العالم حوله، فإن أول ما نتفق عليه هو امتحان الجدارة للحرية، إذ نعتبر أنه امتحان غير عادل، ولكننا لم نناقش في عدالته أو عدم عدالته، وقلنا إننا سنخوض الإمتحان بالرغم من كل الصعوبات والعقبات، وخضناه ويبدو أننا على طريق النجاح”.
ويبدو أنه طريق نجاح وعر جدا. صحيح أن الفلسطينيين يحظون بدعم دولي كبير لبناء مؤسسات الدولة، وأنهم حققوا نجاحات بالرغم من مختلف العقبات التي يضعها الإحتلال الإسرائيلي، إلا أن الوضع السياسي لا يبشر كثيرا، وربما تكون الأمور متجهة نحو “اتفاق إطار”، وليس اتفاق سلام نهائي يمنحهم الدولة العتيدة.
الرهان على واشنطن
حتى الآن تبدو الأجواء السياسية ملبدة بغيوم سوداء. لم تتمكن القيادة الفلسطينية ومعها الدعم الدولي وعلى رأسه الإدارة الأمريكية من الضغط على إسرائيل وإجبارها على تجميد الإستيطان، بل إن الأمر برمته تحول إلى صفقة محورها ما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل من ضمانات حال قبلت بتجميد الاستيطان.
وتراجعت، مع اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية النصفية الأمريكية في نوفمبر المقبل، أي فرص جدية بقيام إدارة الرئيس باراك أوباما بالضغط على حكومة بنيامين نتانياهو، وبالرغم من ذلك يقول مسؤولون فلسطينيون كبار إن ثقتهم كبيرة بأن أدارة اوباما “ستفعل شيئا ما” إزاء هذا الوضع.
ويقول المحلل السياسي خليل شاهين في حديث مع swissinfo.ch: “ترتكز السياسة الفلسطينية على محورين، استمرار المفاوضات وخيار العودة إليها، والرهان على الإدارة الأمريكية، لذلك فإن سيناريو العودة إلى المفاوضات يظل قويا”.
لكن شاهين يعتقد أن مثل هذا السيناريو سيدفع بالتوصل إلى اتفاق إطار وخيار الدولة المؤقتة إلى الأمام، لاسيما وأن ثمة أصواتا عربية ودولية بدأت تتعالى بالدعوة إلى تبني هذا الخيار أمام اضمحلال فرص الدولة المستقلة.
وفي سياق التكتيك الفلسطيني، يرى شاهين أن أفضل وسيلة يمكن أن يكون الرئيس عباس قد لوّح بها ويمكن أن تُبقي خيار الدول المستقلة قائما، هي اقتراح الحصول على اعتراف الإدارة الأمريكية بالدولة المستقلة، عندها “سيكون من السهل الحصول على قرار في مجلس الأمن بهذا الخصوص”.
تباينت ردود فعل الاسرائيليين والفلسطينيين بشأن مستقبل مفاوضات السلام يوم الاحد 10 أكتوبر 2010 بعد يوم من إعلان السلطة الفلسطينية بدعم من الجامعة العربية انها منحت الولايات المتحدة شهرا لاقناع اسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية أو المخاطرة بانهيار محادثات السلام.
وتمثل الرسالة التي أصدرها اجتماع الجامعة العربية في ليبيا مهلة لواشنطن وهي تحاول انقاذ المحادثات التي بدأت منذ خمسة اسابيع وتعثرت بسبب رفض اسرائيل تمديد تجميد البناء في المستوطنات في أراض محتلة يسعى الفلسطينيون إلى اقامة دولتهم عليها.
وقال دبلوماسيون ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزراء الخارجية العرب بحثوا في جلسة مغلقة “بدائل” لاستئناف المفاوضات المباشرة في المستقبل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال دبلوماسيون ان اقتراحات عباس تشمل السعي للحصول على تعهدات من الولايات المتحدة والامم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين في المستقبل تضم كل الضفة الغربية وتهديد من الرئيس بالتنحي اذا وصلت الامور الى طريق مسدود.
وفي اول رد فعل اسرائيلي قال وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان ” قدمت اسرائيل للفلسطينيين لفتة لمرة واحدة (بوقف الاستيطان) لمدة عشرة أشهر. لقد اختاروا اهدار معظم الوقت .. تسعة من الاشهر العشرة .. ومن ثم يتعين عليهم تقديم ردود. نحن مستعدون لمواصلة المحادثات المباشرة فورا”. أما وزير الاقليات الاسرائيلي أفيشاي برافيرمان فقال: “يؤسفني للغاية ان الجامعة العربية فعلت ما كان يتعين علينا أن نفعله من قبل. لفترة طويلة كان يجب أن نمدد تجميد الاستيطان لمدة شهر. كان يتعين علينا أن نفعله من قبل .. وليس الجامعة العربية .. يجب علينا ذلك. لذا بعد الثاني من نوفمبر تشرين الثاني .. بعد الانتخابات الامريكية يجب أن نعمد الى تجميد (الاستيطان) لبضعة أشهر والمضي قدما نحو القضايا الجوهرية .. الامن والحدود .. هذا سوف يضمن اسرائيل كديمقراطية يهودية.”
ورحبت واشنطن ببيان الجامعة العربية الذي صدر يوم الجمعة 8 أكتوبر والذي يقول دبلوماسيون انه يسعى الى تمديد مدته 60 يوما لوقف البناء في المستوطنات ويقدم لاسرائيل حوافز مختلفة.
لكن المحلل السياسي الاسرائيلي جوناثان رينولد الخبير في العلاقات الامريكية الاسرائيلية قال لتلفزيون رويترز “أعتقد انها لن يكون لها رد فعل جيد على الادارة. لانها تبدو كما لو كانوا يقحمون أنفسهم فيما لا يعنيهم في هذا الامر. من خلال الضغط على قضية الاستيطان فانهم يخلقون بالفعل عقبة أخرى أمام المفاوضات التي يحتاجون اليها بشدة. لذا أنا أخشى أن يكون ذلك خطأ تكتيكيا ..”
واضاف رينولد “ادارة أوباما والمجتمع الدولي على نطاق أوسع مثل أوروبا الغربية وغيرها كلهم يريدون المفاوضات .. انهم يريدون التوصل لاتفاقات. انهم يخشون أن تؤدي الاعمال الاحادية الى العنف وهز الاستقرار ويجعلهم يظهرون وكأنهم عاجزين عن التأثير على الامور بشكل ايجابي خاصة وأن نتنياهو وافق علنا على تأييد حل الدولتين ووافق على تجميد الاستيطان عشرة أشهر. الفلسطينيون ليسوا في وضع جيد كي يذهبوا ويقولوا للعالم كله ان اسرائيل لا تريد السلام والحكومة ليست مهتمة (بالسلام).”
وفي رام الله بالضفة الغربية عبر فلسطينيون مثل كامل صالحة وتيسير سمارة عن تشاؤمهم تجاه مستقبل مفاوضات السلام.
ويريد الفلسطينيون اقامة دولة في الضفة الغربية تشمل القدس الشرقية وقطاع غزة وهي الاراضي التي احتلتها اسرائيل من الاردن ومصر في حرب عام 1967.
وكانت اسرائيل انسحبت من قطاع غزة عام 2005 ولكنها تصر على الاحتفاظ بكامل القدس ومساحات كبيرة من الارض التي اقامت عليها مستوطنات في الضفة الغربية في ظل اي اتفاق سلام يجري التوصل اليه.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 أكتوبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.