استراتيجية سويسرية لتعزيز “إسهام جنيف في إدارة أمور العالم”
بعد 20 عاما من الترقب ظار، اعتمدت السلطات السويسرية استراتيجية جديدة لجنيف الدولية بهدف تعزيز إسهامها في إدارة أمور العالم، وقررت بذل مجهود إضافي لترميم المباني الأممية القائمة وتسهيل ظروف إقامة الموظفين الدوليين.
التحرك السويسري تمليه الى حد ما التوترات الطارئة في العلاقات الدولية واحتمال اللجوء أكثر الى جنيف كأرضية محايدة للتفاوض من حل المشاكل الدولية، كما أوضح وزير الخارجية ديديي بوركهالتر.
بصوت واحد أوضحت السلطات الفدرالية والجهات المسؤولة في كانتون ومدينة جنيف مدى تعلق كل منها بجنيف الدولية وبإسهام هذه المدينة الدولية في إدارة أمور العالم من خلال كل المنظمات الأممية والدولية وغير الحكومية التي استقرت فيها منذ ما يقارب القرن، بل ذهب وزير الخارجية السويسري إلى حد الإشادة بالسمعة الدولية التي تجلبها جنيف الدولية إلى سويسرا ككل، ووصف المدينة بـ “مركز إدارة أمور العالم”.
وهذه هي المرة لأولى منذ 20 عاما التي تتفق فيها الأصوات بين كل هذه المكونات السويسرية حول استراتيجية مشتركة لجنيف الدولية، وتبدي موافقة مبدئية حول كيفية تحمل جانب من أعباء جنيف الدولية لمواجهة المنافسة الخارجية المتزايدة من جهة، وتحسبا لما تمليه التغيرات في العلاقات الدولية، واحتمال تزايد الطلب على جنيف الدولية كأرضية للتشاور في أمور العالم من جهة أخرى.
“مدينة في خدمة المجموعة الدولية”
الإستراتيجية التي حددتها السلطات السويسرية لجنيف الدولية تنطلق من نظرة هذه السلطات لتحمل المسؤولية في الإسهام في محاولة حل مشاكل العالم من جهة، ولتعزيز مكانة جنيف الدولية، من جهة أخرى، في مواجهة المنافسة الدولية الراغبة في استقطاب عدد من المنظمات الدولية والأممية.
لكن وزير الخارجية السويسري لا يعير هذا الجانب الثاني أهمية أكثر من الأول بحيث يرى أن ” الأهم هو معرفة ما إذا كانت سويسرا ( عبر جنيف الدولية) قادرة على تحمل المسؤولية في الإسهام في إدارة أمور العالم في شتى الميادين الانسانية والاقتصادية والصحية وغيرها التي تشكل تحديا للعالم بأسره؟”.
وقد تم في هذه الاستراتيجية تحديد ستة محاور نذكر منها محور تحسين ظروف استقبال المنظمات الدولية والموظفين الدوليين. ويدخل في هذا الإطار الاسهام أكثر في ترميم مباني المنظمات الدولية (كما نشير الى ذلك بالتفصيل فيما بعد)، وتسهيل الحصول على التأشيرات بالنسبة لمن يشارك في المؤتمرات والاجتماعات الدولية بجنيف، وتوسيع إمكانية إيواء المنظمات غير الحكومية الراغبة في الاقامة والمشاركة في أشغال جنيف الدولية.
وتهدف هذه الاستراتيجية كما قال وزير الخارجية ديديي بوركهالتر الى “تحقيق العالمية” في التمثيل الدبلوماسي لدول العالم في جنيف إذ هناك 22 دولة غير ممثلة ببعثة دبلوماسية لدى الأمم المتحدة في جنيف . وهذا ما ترغب السلطات السويسرية في تعزيزه من خلال دعم بعثات الدول الفقيرة او الاقل نموا في الحصول على مقرات ومكاتب، وشقق إقامة مدفوعة الإيجار كليا او جزئيا في جنيف، وتعزيزها بمتدربين دوليين إما متطوعين او مدفوعي الأجر، وهذا لتشجيع الدول غير المتواجدة على القدوم الى جنيف. وقد قالت رئيسة بلدية جنيف صاندرين ساليرنو بالمناسبة بأن سلطات المدينة “أقرت بناء الفضاءات المحيطة بمقر منظمة العمل الدولية لتخصيص أماكن إقامة للموظفين الدوليين، وتخصيص فضاءات خضراء فوق اراضي تابعة لمدينة جنيف”.
كما أن من المحاور المهمة في هذه الاستراتيجية فكرة تشكيل شبكة تضم معاهد التكوين، والتفكير والخبرة ، لكي تشكل قاعدة تفكير مشترك حول أمور إدارة العالم. ويدخل في هذا الإطار: استقطاب العقول المفكرة المعنية بأمور إدارة العالم، واختيار بعض المشاريع النموذجية في هذا الإطار، والسهر على إنجازها في تعاون بين كل الشركاء.
وفي 26 يونيو 2013، أقر كانتون جنيف مشروع تخصيص مجمَّع قصر “بونت” المتواجد بالقرب من مقر منظمة الأمم المتحدة ليكون مقرا لهذه الوحدة التي قال عنها رئيس دويلة جنيف شارل بير “هي بمثابة وحدة التفكير بالنسبة لجنيف الدولية، من أجل محاولة معالجة مختلف تحديات العولمة باشراك المنظمات الدولية، والساهرين على المبادلات التجارية وعلى ظاهرة التغيرات المناخية وكل ما من شانه أي يؤثر إيجابيا في تصحيح مسار العولمة”.
خطوات مادية، عملية، وفورية
لكن من القرارات العملية التي اتخذتها الحكومة الفدرالية بالنسبة لجنيف الدولية، والتي أعلن عنها وزير الخارجية في ندوة صحفية بجنيف يوم الخميس 27 يونيو: الإسهام ماليا في ترميم مباني المنظمات الدولية بعد أن كانت السلطات لا تسهم ماليا إلا في البناءات الجديدة. ويتعلق الأمر بحوالي 1،2 مليار فرنك سويسري ممتدة على حوالي 10 أعوام.
و تتمثل الخطوة الأولى في ترميم قصر الأمم المتحدة بجنيف .وهو المشروع الذي انطلق فعلا والذي قال بشأنه وزير الخارجية ديديي بوركهالتر ” قد تتحمل فيه السلطات السويسرية (الفدرالية، و الكانتون، والبلدية) حوالي 300 مليون فرنك على شكل قروض لمدة 30 سنة بأسعار فائدة اقل مما هو متداول في السوق. على أن تتحمل منظمة الأمم المتحدة الخمسين بالمائة المتبقية من النفقات”.
وكانت سويسرا قد قدمت 50 مليون فرنك كمساهمة للشروع في تغيير نوافذ قصر الأمم المتحدة لكي تكون عازلة للحرارة والصوت.
كما شدد رئيس دويلة جنيف شارل بير في رد على بعض التساؤلات بخصوص الأمن وتخوفات الموظفين الدوليين بعد الزوبعة التي أثارها تعرض أحدهم لحادث عابر، على ” أن سلطات الكانتون والبلدية في جنيف عززت الجهود ليس فقط فيما يتعلق بتوظيف مزيد من قوات الأمن بل ايضا في تعزيز التعاون بين المسؤول عن الأمن في البلدية وبين النائب العام، وأن هذه المشاغل هي محط اهتمام في قرارات السلطات بالدويلة”.
وهذا ما شدد عليه بدوره وزير الخارجية بقوله بأن السلطات الفدرالية تولي الموضوع أهمية بالغة وتشيد بالتعاون القائم بين الكونفدرالية وسلطا دويلة جنيف في هذا الميدان” لكن السيد بوركهالتر حذر من مغبة المبالغة في إعطاء فكرة خاطئة ” عن أن هناك حالة لا أمن شامل في سويسرا وفي جنيف. أكيد أن الوضاع تحتاج دوما لتحسين وتعزيز ولكن إذا ما أجرينا مقارنة مع ما يحدث في مناطق من العالم فإن وضع جنيف بعيد كل البعد عما هو معروف في مناطق عدة بحيث تبقى سويسرا بلدا معروفا بأمنه. ويكفي أن نسافر للخارج للتوقف على ذلك عن كثب”.
تبقى النقطة العالقة هي موضوع النقل وفي هذا الإطار أشار شارل بير، رئيس الحكومة المحلية لكانتون جنيف إلى أن برلمان الدويلة بصدد مناقشة الموضوع.
تأوي جنيف منذ حوالي قرن من الزمن منظمات دولية، وذلك بالنظر لاحتضانها مقر عصبة الأمم او مكتب العمل الدولي.
أما في الوقت الحاضر فإن جنيف الدولية تؤوي:
المقر الثاني لمنظومة الأمم المتحدة بعد نيويورك
172 ممثلية ل 172 دولة من بين دول العالم ال 194
30 مقر لمنظمات دولية
250 مكتب لمنظمات غير حكومية
أكثر من 42000 موظف من بينهم 30 الف موظف دولي
تنظم جنيف الدولية بكل مكوناتها أكثر من 2700 مؤتمر وندوة في السنة
ويتردد عليها سنويا حوالي 200 الف خبير وأخصائي وتستضيف أكثر من 3000 رئيس دولة وحكومة ووزير من مختلف دول العالم.
تقدر عائدات جنيف الدولية على الاقتصاد في مدينة جنيف حوالي 5 مليار فرنك سويسري سنويا.
احتمال تعزيز لدور جنيف، ولكن ضمن شبكة عالمية
في رد على تساؤل لسويس إنفو عما إذا كان لهذا التأكيد لتعزيز دعم جنيف الدولية علاقة بالتطورات الطارئة في ميدان العلاقات الدولية واحتمال اللجوء بكثرة الى جنيف كأرضية تفاوض في المستقبل، رد رئيس الدبلوماسية السويسرية ديديي بوركهالتر ” بأن احتمال زيادة اللجوء لجنيف كأرضية تفاوض، احتمال وارد، لأن العالم الذي نعيش فه اليوم يواجه تحديات معتبرة، وتحديات تتطلب حلولا يشارك فيها الجميع ولا يمكن التوصل إليها إلا بربط الشركات وتفعيل الشبكات وهذا ما لا يتوفر في أي مكان وما تتميز به سويسرا، وجنيف بالخصوص التي لها تقليد في هذا الميدان”.
وأضاف وزير الخارجية ” التحليل الذي قامت به الحكومة الفدرالية ليس فقط حول كيفية الحفاظ على ما نملكه أساسا أو نوشك على فقدانه مثلما وقع بالنسبة لاستقبال مقر” الصندوق الأخضر”، بل ايضا في كيفية تهيئة الظروف لتحقيق الأهداف المرجوة فيما نقوم به ، وهذا ما تملك سويسرا اوراقا رابحة فيه”.
لكن رئيس دويلة جنيف شارل بير أوضح بان الاقبال على جنيف كأرضية تفاوض لحل القضايا الدولية يجب ايضا ” أن يتم ضمن شبكة من المراكز الدولية في العالم التي بإمكان كل منها أن يسهم حسب تخصصه ، خصوصا في هذه المرحلة التي تعرف تطورا لهذه المراكز. بمعنى آخر أن جنيف لن تكون القاعدة الوحيدة او الوحيدة الى جانب نيويورك في هذا المجال… وعليها ان تتعلم كيفية التعاون مع مراكز دولية اخرى”.
وتحرص الدبلوماسية السويسرية على أن يبقى هذا الجهد المبذول بعيدا عن الأضواء، وبدون إعلام او دعاية مفرطة، إذ قال وزير الخارجية في رده على أحد التساؤلات بهذا الخصوص “الهدف الأول هو تحقيق النتائج من العملية التي نقوم بها وليس الظهور في وسائل الإعلام، أكيد أن هناك من يفضل الترويج لنفسه، فليفعلوا، أما نحن السويسريين فتصرفنا هكذا وسنضل كذلك. فإذا ما حافظنا على تصرفنا السويسري فهذا جميل، ولكن إذا ما استطعنا بالإضافة الى ذلك ان نسدي بهذا التصرف السويسري خدمة للعالم والانسانية فهذا افضل”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.