استمرار الضربات الجوية الأمريكية يزيد من الْتِـباس المواقف في اليمن
أدى إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا إغلاق سفارتيهما في اليمن مؤخرا، على خلفيات توقّعات بتنفيذ أعمال إرهابية ضدّ مصالح غربية في البلد، في الوقت الذي تواصل الطائرات الأمريكية بدون طيار ضرباتها ضد المُشتبَهين بالإنتماء إلى تنظيم القاعدة، إلى إعادة إثارة العديد من التساؤلات حول إشكالية مكافحة الإرهاب في اليمن وما يترتّب عليها من انتهاكات لسيادة دولة ولحقوق مواطنيها، الذين أصبحوا في مرمى الضربات الأمريكية المكثفة في جميع أنحاء البلاد.
ويرى مراقبون في صنعاء أن إثارة المخاوف من عناصر تنظيم القاعدة التي أتت على خلفية التحذير، ومن احتمال تجدّد خطر هذه الجماعة مُبالَغ فيه، لاسيما بعد تلقّي التنظيم لضربات متتالية مُوجِعة، قضت على أهم قياداته الميدانية مثل: أنور العولقي والريمي والقصع والشهري والعشرات غيرهم ممّن سقطوا تِباعاً على مدار السنوات الأربع الأخيرة، منذ بدء واشنطن في استخدام الطائرات بدون طيار لاستهداف المُشتَبهين بالإنتماء للقاعدة.
نفس المصادر تذهب إلى أن الهدف الحقيقي من التضخيم الجاري لمخاطِر القاعدة، يتمثل في البحث عن ذرائع ومبرِّرات للإنتهاكات وعمليات القتل الجارية خارج إطار القانون التي تقوم بها واشنطن في الأراضي اليمنية، بواسطة الطائرات بدون طيار.
الواضح أيضا أن واشنطن ترمي من وراء ذلك، إلى استمرار الضربات الجوية التي تُواجه بانتقادات دولية، لاسيما من قِبل منظمات حقوقية ومدنية في الولايات المتحدة كمجموعة “كود بينك، نساء من أجل السلام”، التي تناهض سياسات واشنطن في محاربة الإرهاب وتعتبرها خطرا على حياة وأمْن الشعب الأمريكي، وتحاط بصمتٍ يَـمني مُريب، من قِـبل الحكومة ومن قِبل المنظمات الحقوقية والمدنية اليمنية، التي يبدو أنها فتحت المجال واسعا للإستنفار الدائم للقوات الأمريكية في المنطقة، التي “لا يهمّها اليمن بقدرِ ما يهمها تأمين حماية أمْن السعودية ودول الخليج، والسيطرة على ممرّات الطاقة”، وِفق ما يراه أولئك المراقبون.
– ضربات الطائرات الأمريكية بلا طيار في اليمن، ارتفعت من 18 ضربة في عام 2011 إلى 53 في عام 2012.
– هجمات لطائرات بدون طيار، حسب مجموعة “كود بينك” قتلت عددا كبيرا من المدنيين’، أكثر مما هو مُعلَن، وتؤدي إلى هلع الأطفال والنساء والرجال وإلى صدمة نفسية للسكان.
– في ظرف أقل من أسبوعين، وتحديداً منذ 27 يوليو، وحتى 11 أغسطس وبالتزامن مع التحذيرات من هجمات مُرتقبة للقاعدة، قُـتِل ما مجموعه 34 مسلّحاً يُشتبَه في انتمائهم لفرع تنظيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب.
– حسب تقارير مؤسسات أمريكية، سقط حتى يناير 2013 حوالى (1952) يمني ويمنية، بينهم أطفال ونساء، ضحايا طائرات أمريكية بلا طيار. ومنذ بداية العام الجاري، أصبحت طلعاتها شِبه يومية، بعد أن كانت أسبوعية، أسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا من بينهم مدنيين.
– الاحصائيات حول عدد ضحايا ضربات الطائرات بدون طيار متباينة من مصدر إلى آخر، لأن أعداد مَن سقطوا من أعضاء القاعدة والمدنيين، لم تؤكِّده رسمياً، لا الحكومة اليمنية ولا الإدارة الأمريكية والارقام المذكورة، صادرة عن منظمات غير حكومية، جمعتها من أخبار ومقالات صحفية ومن مصادر أخرى.
غموض الموقف اليمني الرسمي
وفي معرض تفسيره لتزايُد الضربات الأمريكية داخل التراب اليمني، قال الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ عِـلم الإجتماع والباحث المتخصِّص في شؤون منظمات المجتمع المدني لـ swissinfo.ch: “أولا، أعتقد أنه، وِفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن، أصبح اليمن تحت وِصاية الرّعاة الإقليميين والدوليين، ومن ثَـم أصبحت الولايات المتحدة مُخوَّلة من قِبل تلك الأطراف وبموافقة الحكومة اليمنية، استخدام الطائرات بدون طيار وأن تعمل ما تشاء تحت ذريعة مكافحة الإرهاب”.
وأضاف “ثانياً، تريد الدول الإقليمية والدولية أن تجعل من اليمن ساحة حرب، إما ضد الإرهاب، وهي عملية طويلة وممتدة، أو ضد إيران، خِدمة للسعودية ولأمنها وتأمين خطوط إمدادات النفط الدولية. وثمة من يرى أن طبيعة التركيبة الإئتلافية للسلطة الحالية وما يدور داخلها من صراعات عميقة، قد انعكس بغموض الموقِف الرسمي من تلك الضربات وبازدواجية الخِطاب داخل مفاصِل السلطة. فهناك ازدواجية في خطاب الأطراف السياسية المشاركة في الإئتلاف الحاكم الملغوم، كما ينعته بعض المراقبين”.
انفلات أمني
في السياق نفسه، واصل الدكتور فؤاد الصلاحي قائلا: “ففي حين أن جميع الأطراف السياسية تتحدّث عن خطر الإرهاب وضرورة مكافحته وتجفيف منابعه واجتثاثه، لما يشكِّله من خطر على استعادة الدولة وعلى الأمن والاستقرار، فإنها تستخدمه من أجل تحقيق مكاسِب سياسية ضد شُركائها في الحُكم. فالرئيس علي عبدالله صالح وأنصاره يُحمِّلون خصومهم مسؤولية ما يقولون إنه رعاية المُتشدّدين الإسلاميين من قِبل زعامات قبلية ورجال دِين وقادة عسكريين، في إشارة إلى التحالُف الذي يضمّ الموالين للواء علي محسن الأحمر، فيما يتّهم هذا الأخير وأنصاره صالح وعائلته بأنهم وراء اللّعب بورقة تنظيم القاعدة، صنيعة الأجهزة الأمنية المُوالية لصالح”.
وأضاف أستاذ عِـلم الإجتماع والباحث اليمني المتخصِّص في شؤون منظمات المجتمع المدني أنه “منذ تأليف تركيبة السلطة المتمخِّضة عن المبادرة الخليجية، تزايدت بُـؤر الصراع داخل مكوِّناتها غيْر المُنسجِمة، ظهرت في أكثر من مؤسسة، ومنها المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية، على الرغم من توحيدها وإنهاء انقِسامها، بناءً على ما عُـرف بإعادة الهيكلة للمؤسسة العسكرية، إلا أنها ظلّت متأثِّـرة بالتقاسُم السياسي والمُحاصصة بين فرقاء الائتلاف الحاكم، والذي أدّى إلى توسيع بؤر توتّراته، والتي بدت في أكثر من منطقة تحت مسمّى ما أصبح يُطلَق عليه حالات الانفِلات الأمني، الذي يعزيه كل طرف إلى الطرف الآخر، الشريك في الحكم، وتزايد تهريب الأسلحة وتواصلت الاعتداءات على الخدمات العمومية: كقَطْع خطوط الطاقة الكهربائية وتفجير أنابيب النفط، وكل ذلك أدّى إلى شلل فاعلية قوات الجيش والشرطة اليمنية واستنفاذها في معارك داخلية، أنهكتها وجعلتها غيْر قادِرة على مواجهة وملاحقة العناصر الإسلامية المتشدّدة، الأمر الذي فتح الباب على مِصراعيْه أمام التدخّل الأمريكي المتزايِد، الذي وصل إلى حدِّ انتِهاك حقوق الدولة والمواطن على حدٍّ سواء، وزاد من وقْع ذلك التدخّل، أن البلاد التي تُعاني من ضُعف الموارد الإقتصادية ومن تعرّض قطاع النفط والغاز إلى ضربات متكرّرة، ما أثَّـر على موارد الخزينة العامة وجعلها مُنتظرة لوعود المانحين، التي يبدو أن ثمنها فتح البلاد لأجوائها وأراضيها أمام الراعي الأكبر للدّعم الخارجي لليمن، الولايات المتحدة الأمريكية وما تقوم به من انتهاكات وقتْل خارج إطار القانون، بموافقة الحكومة اليمنية ورضاها”، على حد رأيه.
الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ عِـلم الإجتماع وباحث
هناك ازدواجية في خطاب الأطراف السياسية المشاركة في الإئتلاف الحاكم الملغوم
مواقف مُلتبِـسة ومقيّـدة
من الواضح أن عدم الرضا لا يقتصر فقط على الحكومة، بل يمتد إلى الفعاليات المدنية والحقوقية، حيث يسجل المراقبون غموضاً ملحوظاً، حتى في موقف منظمات ومؤسسات المجتمع المدني اليمنية تُجاه انتهاكات سيادة بلادهم والقتل خارج القانون لمُفترَضين بالإنتِماء لتنظيم القاعدة وللمدنيين الأبرياء في الغارات التي تنفِّذها الإدارة الأمريكية على الأراضي اليمنية بالطائرات دون طيار، والتي حصدت حتى الآن ما يقرب ألفي ضحية.
الدكتور فؤاد الصالحي يعزو هذا الموقف إلى عدة اعتبارات أولها أن “منظمات المجتمع المدني في اليمن هي عِبارة عن دكاكين تعمَل من أجل الحصول على التمويل الخارجي، ولذلك، فهي لا تهتمّ بالقضايا الحقوقية، وإنما بقضايا من قبيل خِتان الإناث وزواج القاصرات، وفي المجالات التي تؤمن لها تدفّق التمويلات الخارجية، لأنها تمويلات جاهزة لا تخضع إلى قواعد التدقيق والرقابة والمحاسبة ولا تطبّق معايير الحُكم الرشيد، ولذلك فهي غائبة عما تقوم به الطائرات بدون طيار من أعمال غير قانونية ومن انتهاكات وقتل، وهذا أمر مُستغرَب من قِبل جميع اليمنيين، وليس الخبراء والأكاديميين”، والمفترض، حسب الصلاحي دائما، أن “تكون هناك تحالفات واسعة ووقفات احتجاجية ومسيرات ضد تلك الأفعال المجرمة، لأن الأصل، هو احترام قواعِد القانون التي تكفل حق الدفاع للمُتّهم وحق المواجهة ومنع العدوان على الأبرياء، وأن تكون الأعمال العسكرية طبقاً لمقتضيات تلك القواعد”، على حد قوله.
أما الإعتبار الثاني فيتمثل في أن “غالبية المنظمات المدنية والحقوقية، هي تابعة إما حزبياً أو جهوياً أو قبلياً وعشائرياً أو من صنيعة الأجهزة الأمنية، تتبع مشايخ أو ضبّاط ومراكز نفوذ ورجال سلطة، وكلها موافِقة على ما تنفِّذه واشنطن”، حسب قول الدكتور فؤاد الصالحي.
الخلاصة هو أنه باستثناء ردود الأفعال القوية التي بدأت تُطرَح في بعض البلدان الغربية من قِبل منظمات حقوقية وهيئات مدنية مستقلة، تبقى المواقِف الرسمية للسلطات الحكومية وللمنظمات المدنية والحقوقية في اليمن مُلتبِسة ومُقيَّدة تُجاه ما تتعرّض له البلاد وسكّانها من هجمات طائرات بدون طيار ومن قتْل وانتهاكات مُخالِفة للقوانين الدولية والأعراف المرعية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.