استهلاك الحشيش بين التجريم القانوني وغض الطرف الواقعي
في سويسرا، يحظُـر القانون استهلاك الحشيش، لكن التسامح مع الظاهرة واسع جدا، وهو تناقُـض تقترح مبادرة شعبية معروضة على التصويت يوم 30 نوفمبر وضع حدٍّ له عبر إلغاء التجريم، إلا أن المعارضين يرون أنها تبعث برسالة خاطئة إلى الشبان.
في الواقع، تبدو الأمور واضحة. فالذي يُـقدِم على تعاطي المخدرات، بما في ذلك الحشيش أو يقوم بإنتاجها، يُـعرِّض نفسه للعقوبة حسب القانون، لكن واقع الأمور يُـشير إلى أن هذه التشريعات غيرُ مطبّـقة بكل صرامة.
عندما يتجوّل المرء في شوارع سويسرا، فمن غير النادر أن يشاهد شخصا يدخِّـن الحشيش أو يلاحظ نبات القنّـب مزروعا في بعض الشرفات أو في زاوية إحدى الحدائق.
ومن كانتون لآخر، تتدخّـل الشرطة بأقدار متفاوتة من الحزم والحماسة، والمؤكّـد أن المحاكم ستشهد اكتظاظا غير مسبوق، لو تطلّـب الأمر معاقبة جميع المستهلكين.
وبالفعل، تشير الأرقام إلى أن هذا الصِّـنف من الاستهلاك منتشر على نطاق واسع، حيث أفادت دراسة صادرة عن المكتب الفدرالي للصحة في عام 2006، أنه في سن السادسة عشرة، استهلك نصف الشبان، الحشيش مرة واحدة على الأقل. كما تشير التقديرات إلى أن عدد الذين يستهلكون الحشيش بصفة دورية في سويسرا، يناهز نصف مليون شخص.
واقع اجتماعي
اللجنة التي اختارت أن تسمّـى “حماية الشباب ضد الإجرام المرتبط بالمخدرات”، تريد أن تضع حدا لهذه الوضعية المتناقضة وأن تلائم بين القانون والواقع الاجتماعي، لذلك، اقترحت على الناخبين مبادرة شعبية بعنوان “من أجل سياسة معقولة في مجال القنّـب، توفِـر حماية ناجعة للشباب”.
ويطالب نصّ المبادرة، في المقام الأول، بإلغاء تجريم استعمال واقتناء واستهلاك وامتلاك الحشيش، كما تدعو إلى التوقّـف عن معاقبة إنتاج هذه النبتة لأغراض الاستعمال الشخصي.
من جهة أخرى، تطالب المبادرة أن تتّـخذ الكنفدرالية إجراءات تتعلّـق باستيراد وتصدير وإنتاج وتسويق الحشيش، كما يرغب أصحابها في أن تتخذ السلطات إجراءات لحماية الشبان وأن تحظُـر أية دعاية لفائدة الحشيش.
مؤيدون ومعارضون
هذه المبادرة تشتمل على العديد من الإيجابيات، من وجهة نظر مؤيديها، فهي ستسمح أيضا – بالإضافة إلى ملاءمة التشريع مع الواقع – بممارسة رقابة أفضل على المنتجات المعروضة للبيع.
أما الأهم بالنسبة لهم، فيتمثل في أن تقنين الاتّـجار والإنتاج والاستهلاك، سيوجّـه ضربة لشبكات المهربين، الذين سيُـحرمون بهذه الطريقة من مبالغ هائلة، يوفِّـرها هذا الصنف من التهريب.
المعارضون للمبادرة يعتبرون أن هذه “الإيجابيات” ليست سوى أحلام يقظة، وحسب رأيهم، فإن عمليات التهريب ستتواصل، نظرا لأن المروِّجين سيعرضون على المستهلكين أصنافا من الحشيش، تشتمل على نسبة أقوى من مادة « THC »، وهي عنصر أساسي ونشط في تركيبة النبتة.
مثل التبغ والكحول؟
في هذا السياق، سيُـمثِّل تصويت الناخبين يوم 30 نوفمبر على هذه المبادرة، مقياسا لمعرفة ما إذا كان بالإمكان فعلا إلغاء تجريم استهلاك الحشيش ومماثلته باستهلاك “المخدرات الشرعية”، مثل التبغ أو الكحول.
الجواب عن هذا السؤال من طرف معارضي المبادرة سلبي بطبيعة الحال، حيث يعتبر كلود رويي، النائب الليبرالي في البرلمان، أن فكرة من هذا القبيل “خطيرة”، لأنها تؤدّي إلى تطبيع المخدرات، ما يُـهدّد باتّـساع نطاق استهلاك مواد أكثر خطورة، مثل الكوكايين أو الهيروين، ويُـلخِّـص الموقف بقوله “ستكون رسالة سيئة جدا، توجّـه للشباب”.
في المقابل، تشدِّد النائبة الاشتراكية ماريا روت بيرناسكوني، على أن أنصار المبادرة لا يناضلون من أجل تحرير شامل للحشيش، وتذكّـر بأن نصّها يتضمّـن إجراءات لحماية الشباب.
ولا تتردّد النائبة البرلمانية في إجراء مقارنة مع استهلاك التبغ والكحول، وتوضِّـح قائلة “استهلاك هذه المواد، قانوني، لكن هذا لا يعني الاستهانة بالمخاطر المرتبطة بها”.
هذه المقارنة لا معنى لها بنظر كلود رويي، لأن طبيعة المواد التي يجري الحديث عنها، مختلفة، ويقول موضِّـحا فكرته “إن استهلاك الكحول يُـمكن أن يكون مسألة ذوقية ولا يمثل خطورة، إلا في حالات الإفراط، في حين أن استهلاك الحشيش، الذي يرمي إلى تغيير التعاطي مع الواقع، خطير على الدوام”.
وفي المحصِّـلة، هل يُـمكن القول بأن الحشيش لا يُـمثل مادة أخطر من التبغ والكحول؟ الجواب عن هذا السؤال الدقيق، سيصدُر عن الشعب السويسري يوم 30 نوفمبر.
كان استهلاك الحشيش خاضعا للعقوبة في سويسرا على الدوام، لكن سنوات التسعينات شهدت قدرا كبيرا من التسامح مع الظاهرة.
في العديد من المدن، ظهرت محلات لبيع القنّـب، لكنها لم تكن تروِّج المخدِّر بشكل مباشر، بل منتجات أخرى، مثل مخدّات ذات استعمال علاجي محشوّة بالقنّـب للمساعدة على النوم، ومن نافلة القول، الإشارة إلى أن هذه المخدّات كانت تُـدخّـن في معظم الحالات… وبدا حينها أن الأمور تتجه في سويسرا إلى تحرير استهلاك الحشيش.
في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، اتُّـخذت خطوات متشددة على عكس ما كان منتظرا. ففي عام 2004، رفض البرلمان تحويرا للقانون الفدرالي حول المواد المخدّرة، كان يقترح إلغاء تجريم استهلاك الحشيش، كما رفض مبادرة تدعو إلى “سياسة معقولة في مجال القنّـب”. في المقابل، لا تتضمّـن الصيغة الجديدة للقانون الفدرالي حول المواد المخدِّرة (المعروضة أيضا على تصويت الناخبين يوم 30 نوفمبر)، أية إشارات ذات طابع تحرّري.
هذا التشدد تجسّـد ميدانيا، حيث اختفت محلات بيع القنّـب ودمِّـرت مزارع الحشيش، في المقابل، لا زالت الشرطة تُـبدي قدرا لا بأس به من التسامح تجاه صغار المستهلكين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.