“اعتراضنا على حظر المآذن هو إحترام لإرادة الشعب السويسري وليس ضدها”
في منتصف شهر سبتمبر الجاري، دعت سويسرا المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بستراسبورغ إلى اعتبار إثنين من الشكاوى المعروضة عليها بشأن حظر بناء المآذن في سويسرا غير مقبولتيْن. وشددت الحكومة في رسالتها إلى المحكمة على أن الحظر "لا ينتهك حقوق المسلمين، ولا يحد من الحرية الدينية، ولم يستخدم كمرجع للتمييز ضد المسلمين".
ولاستجلاء رأي الطرف الآخر، أي الجهة التي رفعت الدعوى أمام محكمة ستراسبورغ، اتصلت swissinfo.ch بالأستاذ رضا العجمي، المحامي بفريبورغ وجنيف، والموكّل من طرف أربع جمعيات إسلامية لتقديم استئناف أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشان حظر المآذن، ورئيس “معهد الدراسات القانونية والإستراتيجية لمصلحة مسلمي سويسرا” الذي تأسس قبل بضعة أشهر، وأجرت معه الحوار التالي:
swissinfo.ch: ما هو الجديد بالنسبة للدعوى التي رفعتموها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بستراسبورغ ضد قرار حظر المآذن في سويسرا؟ وما هو تعليقكم على رد الحكومة؟
رضا العجمي: الجديد هو أن الموقف القانوني للحكومة السويسرية أصبح أكثر وضوحا الآن. وهي اليوم بين كفّي كمّاشة كما يقال. فمن ناحية سبق أن أصدرت موقفا واضحا من هذا التغيير الدستوري، واعتبرته منذ البداية مناقضا للإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهذا موثّق. ومن ناحية أخرى، هي مضطرة اليوم للدفاع عن موقف المشرّع السويسري، وفي هذه الحالة الشعب السويسري نفسه.
وفي ردّها على استئنافنا يوم 15 سبتمبر 2010 تقول الحكومة إنه ما زال أمام المسلمين في سويسرا إمكانية للتظلم من قرار حظر المآذن أمام المحاكم السويسرية، لكن هذا محل نقاش بين رجال القضاء ورجال القانون. وهناك موقفيْن: الموقف السابق الذي تتبناه الحكومة، والموقف الذي يقول به العديد من كبار خبراء القانون وأساتذة الجامعات، والذين يذهبون إلى أنه طبقا لفقه قضاء المحكمة الأوروبية نفسها يمكن النظر مباشرة في هذا التغيير، من دون اللجوء إلى المحاكم السويسرية، وذلك لان كل المحاكم هي مطالبة بتطبيق القانون وليس بتغييره، إلا المحاكم الدستورية، وهذه الأخيرة غير موجودة في سويسرا. بل أنه حتى المحاكم الدستورية مهمّتها إثبات أن القوانين المشرعة لا تتعارض مع بنود الدستور، إلا أن مشكلتنا في سويسرا هو أن الإعتراض يتعلق بنص بات جزءً من الدستور (الفدرالي) نفسه.
يجب التأكيد أيضا أن القضية كلّها تتلخص في الجانب الشكلي، لأنه من حيث المضمون تتفق الحكومة الفدرالية السويسرية مع الجالية المسلمة في أن التغيير الدستوري بشأن المآذن مناقض لحقوق الإنسان، ولبنود الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. لذلك ما تحاوله الحكومة اليوم هو رفض استئنافنا من حيث الشكل فقط.
لماذا لا تلتجئون إلى المحكمة الفدرالية، خاصة وأن الحكومة تقول إنه لا يمكن لها التقدم بمشروع لتعديل ذلك القانون أمام البرلمان إلا بعد ان تصدر المحكمة الفدرالية قرارا بهذا الشأن؟
رضا العجمي: هناك من لجأ إلى المحكمة الفدرالية في هذه القضية، وقد صدرت قرارات من هذه المحكمة تقول فيها انها ليست مختصة بالنظر في هذا القانون الدستوري. ولقد أرسلنا إلى المحكمة الأوروبية قراريْن من قرارات المحكمة الفدرالية صدرا في شهري نوفمبر وديسمبر من عام 2009. الحكومة والمستشارون القانونيون العاملون لصالحها يصرّون على اتباع الشكل التقليدي الكلاسيكي القائم على احترام مبدأ التراتبية الإدارية، من دون أي سند قانوني حقيقي. وهناك العديد من الحالات السابقة التي قبلت فيها محكمة ستراسبورغ النظر في القضايا المعروضة عليها من دون احترام تلك التراتبية.
تقول الحكومة السويسرية إنه لم يُرفض أي طلب قدّم لبناء مئذنة حتى الآن. أليس اعتراضكم حكما مُسبقا على النوايا؟
رضا العجمي: الأمر ليس على هذه الشاكلة. النص الدستوري موجود وصوّت له 57.5% من الشعب في استفتاء عام سمع به القاصي والداني، والجهات القضائية مطالبة بتطبيق ذلك التشريع . لكن الحكومة في ردها على اعتراضنا تقول إنه يمكن لو مررنا عن طريق النظام القضائي السويسري، هناك احتمال ان تقوم المحاكم برفض تطبيق هذا القانون إستنادا إلى نوع من الحرية الذي ربما تطالب به هذه المحاكم في تطبيق القانون. هم بهذا يوجهون القاضي إلى ما يجب ان يفعل، وهذا غير ممكن لأن القضاء في سويسرا مستقل.
ألا يمكن أن يفتح قرار تتخذه محكمة سويسرية ما الباب إلى نوع من التوافق ومن التفسير المرضي لجميع الأطراف، كايجاد حل وسط بين هذا النص الذي يحظر بناء المآذن، والنصوص الأخرى المدافعة عن التعايش وعن حقوق الأقليات؟
رضا العجمي: هذا النص لا يترك مجالا للتفسير أو التوافق. فهو نص واضح الدلالة مُحكم الصياغة، ورغم أنه مخالف للمعايير الدولية، ولحقوق الإنسان، ولمبادئ العدالة والمبادئ الأصلية، لا يمكن للقاضي التصرف فيه إلا بقرار التطبيق أو عدم التطبيق. والنظام السائد في سويسرا لا يسمح بتعطيل نص دستوري. وفي أي دولة قانون لا يمكن أن يحدث هذا الأمر.
تقول الحكومة السويسرية في ردها الأوّلي على اعتراضكم أمام محكمة ستراسبورغ أن حظر المآذن لا ينتهك أي حق من حقوق المشتكين ومن أراد أن يصلي في أي مسجد فيه مئذنة يمكنه التنقل إلى المدن التي توجد فيها أماكن عبادة مرفوقة بمآذن؟
رضا العجمي: هذا الكلام مردود جملة وتفصيلا، فالمدّعون هم جمعيات إسلامية، تدافع عن حقوق المسلمين طبقا لقوانينها الأساسية، وللقوانين السويسرية، والمسلمون أصبحوا موضوع تمييز بعد 29 نوفمبر 2009 لانهم ممنوعون من بناء مآذن، لأن المئذنة تعبيرة دينية معروفة يتجاوز عمرها 1400 سنة في الحضارة العربية الإسلامية. ليس هناك أوضح من هذا للتأكيد على أن المسلمين قد فقدوا حقا من حقوقهم الأساسية في التعبير الديني. وقد اعترفت الحكومة السويسرية نفسها بذلك نصا في الرسالة التي أرفقتها بهذه المبادرة. الآن يقولون العكس فقط من الناحية الشكلية.
أما قولهم إنه بإمكان المسلمين الذين يريدون أداء عباداتهم في مساجد بها مآذن، فعليهم الإنتقال إلى جنيف او زيورخ، هو نوع من التفكير الإعتباطي، فهو كمن يقول للكاثوليك في فريبورغ أنتم ممنوعون من بناء أبراج كنائس، واذهبوا تعبّدوا في مدن أخرى. المسلم في أي مكان في سويسرا، وفي أي زمان يحق له أن يطبّق دينه طبعا في احترام تام للقوانين، وليس ذلك فقط في جنيف او في زيورخ، الحريات والحقوق مطلقة لا تحدها إلا القوانين.
أنتم اخترتم نهج المنازلة القانونية في التعامل مع قضايا الأقلية المسلمة في سويسرا، وعلى المستوى الأوروبي عامة. ألم يكن الأفضل إتباع نهج الحوار للحصول على الأهداف المرجوة؟
رضا العجمي: نعم، الأصل في الأشياء هو نهج الحوار والتوافق. والقضاء في خدمة المجتمع، إذن اللجوء إليه كذلك من مصلحة المجتمع. والقاضي هو أيضا صانع من صنّاع القرار، وهو الضامن لتطبيق القانون، واحترام حقوق الإنسان بشكل عام. لاشك ان نهج الحوار والتواصل مع السلطات جبهة من الجبهات، لكنه لا يتنافى مع التعامل القضائي مع الموضوعات المختلف حولها. لأن دولة القانون من دون قضاء، كالمدينة من دون حارس. والحقوق من دون طالب هي حقوق ضائعة. ثم لا ننسى ان المشرّع السويسري هو نفسه من أتاح التظلّم أمام محكمة ستراسبورغ ، وفي هذا التظلّم احترام أيضا لإرادة الشعب السويسري، الذي أراد أن تكون الدولة السويسرية محكومة بالإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. إننا فعلنا هذا احتراما لرغبة الشعب السويسري وليس ضدها. وكل يوم يرفع سويسريون دعاوى إلى محكمة ستراسبورغ، فلماذا يُنظر إلى تظلم الجمعيات الإسلامية فقط على أنه خروج عن منطق التوافق والحوار؟
يبدو أن حظر المآذن ليس إلا واحدة من القضايا التي يشعر فيها المسلمون بالتعرض للتمييز في سويسرا. هل يعني هذا رفع المزيد من القضايا مستقبلا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟
رضا العجمي: المسلمون يحتاجون إلى هذه السلطة لإقرار حقوقهم، وأكرر أن الحقوق التي لا يطالب بها أصحابها هي حقوق ضائعة. والسلطة التقديرية في الإدارات السويسرية وفي غيرها تختلف وتتغيّر بتغيّر الأشخاص وتباين مواقعهم، وباختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية، ولذلك أتاح القانون لصاحب الحق التظلّم من خلال المحاكم المختلفة لتجنب التعسف في إستعمال السلطة التقديرية للإدارة، والمعترض لا يعترض على القانون بل على تطبيق معيّن للقانون يعتقد أنه متعسف. إن عدم إتاحة هذه الإمكانية يسقط المجتمع في دوامة الفوضى والعنف.
يوم الأربعاء 15 سبتمبر 2010 مثل أمام هيئة المحكمة مندوبون عن المكتب الفدرالي للعدل للرد على أسئلتها بشأن الإستفتاء العام الذي نظمته سويسرا يوم 29 نوفمبر 2009 وأدى إلى حظر بناء المزيد من المآذن في كافة مناطق البلاد.
وتركّزت الأسئلة والمداولات أمام المحكمة حول ما ورد في بيان المُدّعين، الذين يقولون إنهم كانوا ضحايا لذلك الحظر، الذي ينتهك – حسب أصحاب الدعوى – بشكل صارخ حقهم في حرية العبادة.
ويتعلق الأمر هنا باعتراضين تقدمت بهما جهات إسلامية في سويسرا، الأوّل من طرف مجموعة من المنظمات الإسلامية في الكنفدرالية، والثاني من طرف عبد الحفيظ الورديري، المتحدث السابق باسم المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف.
وفي معرض رده (المنشور على موقعه الالكتروني) على ادعاء السيد الورديري بأن الحظر ينتهك حقوق المسلمين التي تخوّلها لهم المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، شدد المكتب الفدرالي للعدل أنه لا يحق لأحد أن يدعي أنه ضحية، لانه لا أحد طالب ببناء مئذنة ثم لم يُرخـص له بذلك. كما ورد في رد الحكومة السويسرية أنه لا أساس لقول المعترضين بأن نتيجة إستفتاء المآذن ينتهك حريتهم الدينية.
ويذكر ان الشعب السويسري صوّت في إستفتاء عام يوم 29 نوفمبر 2009، وبغالبية 57.5% لفائدة حظر بناء المزيد من المآذن من الكنفدرالية. وجاء ذلك بعد أن أطلقت شخصيات يمينية محافظة ومتشددة مبادرة شعبية لقيت الدعم والمساندة من طرف حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، لكنها قوبلت برفض واسع من الحكومة وأغلب الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والكنائس الرسمية والمجموعات الدينية الأخرى في البلاد.
أعلن كانتون برن يوم 21 سبتمبر 2010 موافقته على بناء مئذنة ملحقة بالمركز الإسلامي في مدينة “لانغَنتهال”، وكانت بلدية هذه المنطقة قد أعطت الضوء الأخضر لتشييد هذه المئذنة قبل التصويت على الإستفتاء العام الذي أجري يوم 29 نوفمبر 2009، وأقر فيه الناخبون حظرا على بناء المزيد من المآذن، وبالتالي لا ينطبق الحظر الجديد على هذا المشروع السابق له.
هذا القرار الذي أصدرته إدارة الأشغال العمومية والنقل والطاقة في كانتون برن جاء ردا على الإعتراض المقدم ضد مشروع المركز الإسلامي، والمتمثل في بناء مئذنة وقبة، بالإضافة إلى تجديد وتوسعة بناية المركز. وإذا كانت الإدارة قد أعطت موافقتها على المئذنة والقبة، فإنها رفضت الجانب المتعلق بالترميم والتوسعة.
وصدرت أوّل موافقة على بناء هذه المئذنة يوم 30 يونيو 2009، وبالتالي كانت الموافقة بناء على التشريعات السابقة عن إقرار الناخبين للحظر. وبالنظر إلى أن مشروعي المئذنة والقبة كانا منسجمين مع المعايير العمرانية النافذة فلم يكن هناك مبرر للرفض.
وكان مشروع مئذنة “لانغنتهال” محول حوار وجدل واسعين خلال الحملة التي سبقت إستفتاء 29 نوفمبر 2009، وصوتت غالبية سكان تلك المنطقة لصالح حظر بناء المزيد من المآذن، لكن الأقلية المسلمة هناك تمسكت بالمشروع ودافعت عنه بالوسائل القانونية المتاحة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.