الأردن والخليج.. قـراءة خـارج “النص التقليدي”
بالرغم أنّ استطلاع الرأي الأخير، الذي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية أظهر وجود نسبة 95% من عينة الرأي العام الأردني تؤيِّـد الإنضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، إلاّ أنّ هنالك نخباً سياسية ومثقفين لا يخفون مخاوف سياسية وثقافية - اجتماعية من تداعيات هذا الانضمام المتوقع.
الحوار الأردني والخليجي حول هذه القضية، انفجر عندما أعلن مؤخراً وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ترحيبهم بعضوية الأردن في المجلس، لكن إلى الآن، لم تتضح بعدُ طبيعة هذه العضوية وصيغتها والإجراءات المطلوبة، وفيما إذا كُـنا أمام عملية طويلة بطيئة أم بصدد قرار فوري سريع.
كل هذ الأسئلة ما تزال في إطار النقاش والدراسة بين المسؤولين المعنيين، بينما يرتفع سقف توقعات “الشارع الأردني” كثيراً، كما يظهر الإستطلاع، لنتائج هذا الإنضمام على حل معضلات الإقتصاد الأردني في البطالة والفقر والمساعدات الخارجية.
الهاجس الاقتصادي يحكُـم الشارع
أسباب ترحيب الشارع الأردني بهذا الانضمام، لا تحتاج إلى تفسير ولا تحليل. فهي تعود بالأساس إلى الجانب الإقتصادي، الذي بات هاجساً مُـقلقاً لكثير من الأسَـر الأردنية ولصانع القرار (بالدرجة الرئيسية) مع ارتفاع نِـسبة العجز في المُـوازنة العامة إلى بليون ومائتي مليون دينار أردني، وتوقّـع وصوله مع ارتفاع أسعار الوقود عالمياً وتوقف الغاز المصري، إلى بليوني دينار أردني، ما يهدّد الاستقرار المالي بنيوياً.
ومع أنّ رأي “الفريق المالي” في حكومة الرئيس معروف البخيت كان بضرورة رفع الأسعار فوراً، وإلاّ فإنّ الاقتصاد الوطني في خطر، إلاّ أنّ “الفريق السياسي” في الحكومة أكّـد أنّ مثل ذلك القرار سيؤدّي إلى انتفاضة شعبية، في وقت خطر، إقليمياً وداخلياً.
الحل الوحيد في يَـد الفريق السياسي، هو انتظار مساعدات الأشقّـاء والأصدقاء لإنقاذ “الموازنة”، وهي المعونات التي تأخرت كثيراً، حتى جاء قرار الترحيب في الأردن ليفتح كوة من الأمل لدى صانع القرار والرأي العام على السواء.
المفارقة، أنّ تعلّـق الشارع الأردني، الذي يعاني نسبا مرتفعة من البطالة والفقر، بسقف التوقعات الاقتصادية من الخليج، جعله يتجاهل احتمالية أن يكون ذلك الانضمام على حساب مشروع الإصلاح السياسي، كما يظهر استطلاع الرأي المذكور، إذ أشارت نسبة 38% فقط من الرأي العام ممانعتها لأن يكون الإنضمام على حساب الإصلاح السياسي.
يعيد د. إبراهيم سيف، الأمين العام للمجلس الاقتصادي الاجتماعي في عمّـان، هيكلة قراءة العلاقة بين الأردن والخليج من زاوية تبادُل الأمن والمنافع الاقتصادية، إذ يرى، في تصريحات خاصة بـ swissinfo.ch، أنّ الخليج يريد الأردن لأبعاد أمنية، تتعلّـق باستقرار المنطقة وأمنها، فيما يريد الأردن دول الخليج لتحقيق منافع اقتصادية تخرج به من أزماته المتتالية.
إلاّ أنّ سيف يتحفّـظ ويُـبدي قلقه من سقف التوقعات المرتفع والتعامل مع الموضوع بصورة انطباعية وإجمالية، بينما المسألة أكثر تعقيداً وستأخذ بُـعداً زمنياً أطول من المتوقّـع شعبياً.
يشير سيف كذلك، إلى مشكلات حقيقية تعترض المنافع الاقتصادية المتوقّـعة، سواء فيما يتعلق بالاتفاقيات الاقتصادية الموقعة حالياً بين دول الخليج نفسها، مثل الاتحاد الجمركي أو في طبيعة العمالة المطلوبة في الخليج والفرص المتاحة لذلك.
ويصل إلى القول بأنّ المجال الأكثر إفادة، يمكن أن يتمثل بتوفير استثمار خليجي كبير في الأردن، لكن ما يحُـول دون ذلك، هو أنّ الخليج لا يملك تصوراً استراتيجياً للتوسع الاقتصادي أو مساعدة الدول المُـنضَـوية فيه، وهي التجربة الماثلة أمامنا في البحرين وعُـمان، بخلاف النموذج الأوروبي، إذ عملت دول أوروبا الغربية على مساعدة البرتغال واليونان وإسبانيا على تجاوز مشكلاتها الاقتصادية.
رئيس تحرير العرب اليوم، الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان، يرى أنّ التحفظات لدى نُـخب سياسية، كما هي حال النقابات وجماعة الإخوان المسلمين وقوى أخرى، تأتي ضِـمن الأبعاد الأمنية والسياسية.
ويضيف الخيطان في تصريح خاص بـ swissinfo.ch، أنّ مخاوف هذه النُّـخب أن يتحوّل الأردن إلى “شُـرطي لدى الخليج” ضد إيران من ناحية، ولحل مشكلات داخل بعض دوله من ناحية أخرى، وهو ما ترفضه هذه القوى المعارضة.
الجانب الآخر من التحفُّـظ، وفقاً للخيطان، يكمُـن في الخِـشية من أن يؤثر هذا الانضمام على التحوّل الديمقراطي في الأردن، نظراً لاختلاف طبيعة الجوار سياسياً، وهو ما قد تمليه شروط الانضمام.
لماذا قرر الخليج التوسع؟
في خلفية ذلك، يكن سؤال آخر على درجة من الأهمية، وهو لماذا أراد الخليج أن يتوسّـع ويضم الممالك العربية المتبقية خارج منظومته، الأردن والمغرب؟..
ثمة ثلاثة متغيِّـرات رئيسية لعبت دوراً أساسياً في هذه الخطوة: الثورات الديمقراطية العربية وصعود القوى الإقليمية، وأخيراً تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة مع تدهْـور مسار التسوية السلمية.
المتغير الأول، هو الثورات الديمقراطية العربية، التي أنهت عملياً الهيكل السائد للنظام الرسمي العربي وفككت التحالفات الإقليمية التقليدية، مع دخول مصر بوزنها السياسي والتاريخي في مرحلة “ترتيب البيت الداخلي” وكذلك تونس، ومن ثَـم تورُّط سوريا في “معركة الداخل”، بالإضافة إلى ليبيا واليمن، والمسار ما يزال في البدايات.
تلك التطوّرات تعني أنّنا أمام إعادة تشكيل لطبيعة النظام الرسمي العربي وتحوّل في بنيته الأمنية وتركيبته ونمط تحالفاته، من دون أن تفصح اللحظة الراهنة عن صيغة النظام المقبل تماماً.
بالتوازي والتزامن مع هذا الانهيار في النظام الرسمي العربي، تبرز إقليمياً أدوار جديدة وتوسعية لكلٍّ من إيران وتركيا، وتسعى كِـلا الدولتين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في الجوار العربي وحماية مصالحها الأمنية.
وإذا كانت المسافة الفاصلة بين أجَـندة الدولتيْـن واسعة، طائفياً وسياسياً وأمنياً، إذ لا تثير تركيا عوامل قلق داخلي ولا يمثل لها “العامل الطائفي” محدّداً أساسياً في سياستها الخارجية، كما هو الحال لدى إيران، فإنّ الشعور بـ “فراغ إستراتيجي” جرّاء انشغال الدول العربية بأزماتها الداخلية، يؤدّي إلى إضعاف المصالح العربية في الميزان الإقليمي، وهو ما لا تملك الجامعة العربية في حالتها الرّاهنة الضعيفة، القُـدرة على مواجهته.
يتضافر مع المتغيّـرين السابقين، تراجع الدور الأمريكي، الذي كان يمثّـل عاملاً حيوياً في حماية الأوضاع القائمة ومواجهة “الاختراقات الإقليمية”، لكن الأمور تغيَّـرت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومرّت السياسة الأمريكية بتحوّلات إستراتيجية، بدأت من رفع شعار “الإصلاحات الديمقراطية” وإعادة إنتاج النظام العربي القائم منذ عام 2003 إلى 2006، ثم العودة إلى سياسة المعسكرات الإقليمية في عام 2006، مع بروز إيران وفشل “يوتوبيا المحافظين الجدد” في العراق، وأخيراً إعادة هيكلة الموقف الأمريكي مع الثورات الديمقراطية بصورة أكثر ارتباطاً بالتطورات اليومية في المنطقة.
الفشل الأمريكي الآخر، تمثّل في مشروع التسوية السِّـلمية واستِـعصاء “الحكومة اليمينية الإسرائيلية” أمام محاولات الإدارات الأمريكية وتلاشي أفُـق حل الدولتيْـن، عبْـر عملية متواصلة من بناء الثقة الإقليمية.
المتغيرات الثلاثة السابقة انعكست من خلال مخرجات أساسية ،عنوانها تحوّلات بنيوية في البيئة الأمنية الإقليمية، وفي طبيعة الفاعلين واللاّعبين في مقابل اهتراء هياكل النظام العربي القائم والحاجة إلى رؤية مغايرة تماماً للمفاهيم الإستراتيجية التقليدية التي حكمت الدول العربية خلال العقود الماضية، وتحديداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز “الدولة القطرية” بصيغتها السياسية القائمة، سواء في مرحلة الحرب الباردة أو ما بعدها.
في هذا السياق، يمكن قراءة الخطوة الخليجية الأخيرة (أي الترحيب بانضمام الأردن والمغرب)، ليس فقط في إعادة التموْضع، بل في التحوّل من الدور التقليدي في إطفاء الحرائق المحيطة والمنطق الدفاعي في الحفاظ على الأمن الوطني وحماية “الخصوصية الخليجية” والاكتفاء بدور “اليَـد المساعدة”، إلى التفكير جدّياً بخطورة الفراغ الأمني الإقليمي والتحوّلات الجارية على الأمن الخليجي بعامة، والضرورة إلى الانطلاق لمفهوم جديد يقوم على التوسّـع والمبادرة، وليس فقط الدفاع.
الأبعاد التاريخية لهذه الخطوة، في حال نجحت، أنّها تمثل المرة الأولى التي تتجاوز فيها الدول العربية تأطير سياستها على قاعدة الخصوصيات والعلاقات الأخوية والعاطفية بمضمونها الهُـلامي المضطرب، إلى ترسيم نمط جديد من العلاقات يقوم على تبادل المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية وِفق رُؤية واقعية – عقلانية واضحة.
حسابات الكلفة والمنفعة
سياسيون ومثقفون في الخليج والأردن، يتخوّفون من الفجوات السكانية والاقتصادية والاجتماعية بين هذه الدول، وهي مخاوف لها مشروعيتها ووجاهتها، لكنها لا تقوى على مقارعة المنطِـق الذي يحكُـم عملية التوسع والانضمام والتكامل وتبادُل المصالح، وهو المنطق الوظيفي نفسه الذي حكَـم العلاقات الجديدة بين الدول الأوروبية، بالرغم من الفروقات السياسية والاقتصادية والنّـزعات الوطنية المعروفة، ودفع بأوروبا الغربية إلى احتواء أوروبا الشرقية وتحمّـل تبعات ذلك اقتصادياً لحماية الأمن الأوروبي وبناء قوة عالمية جديدة.
في المحصلة، يمكن القول أن النظام العربي الحالي ليس مؤهلاً وظيفياً لملء الفراغ ولا مواجهة التحديات والتهديدات كما أن الدول العربية في المنطقة، وتحديداً تلك التي تمتاز بطابع مَـلَـكي محافِـظ، لكنه مرن قابل للإصلاح والدمقرطة، بعكس أغلب الجمهوريات، معنية اليوم بإعادة التفكير بصورة واقعية استثنائية منفتحة على التكامل الوظيفي، الذي يحكم العالم اليوم.
اظهر استطلاع للرأي حول تقييم عمل حكومة رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت بعد مرور 100 يوم على تشكيلها أعلنت نتائجه اليوم الثلاثاء، أن 95% من الأردنيين يؤيدون انضمام المملكة إلى مجلس التعاون الخليجي.
ووفقا للاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية على عينة تمثيلية شملت نحو 1900 شخص، فإن “95% يؤيدون ويؤيدون بشدة انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي مقابل 5% يعارضون ذلك”.
وأيد 62% من المستطلعة آراؤهم “بدرجات متفاوتة كبيرة، ومتوسطة، وقليلة حل مشاكل الأردن الاقتصادية من خلال منحة نفطية وفرص عمل للأردنيين ودعم مالي للخزينة مقابل تأجيل الإصلاح السياسي”، مقابل 38% لم يؤيدوا ذلك “على الإطلاق”.
وأعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني فى خطوة مفاجئة إثر قمة تشاورية في الرياض في 10 مارس تأييد قادة الدول الست انضمام الأردن والمغرب إلى صفوف المجلس.
وكلفت دول المجلس وزراء خارجيتها دعوة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة للدخول في مفاوضات لاستكمال الإجراءات اللازمة لذلك.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب بتاريخ 24 مايو 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.