“الأزمة تقتضي العمل على ربْـط المصير الأوروبي بالضفّـة الجنوبية للمتوسط”
على رغم الأزمة الإقتصادية العاتية التي تعصِـف بأوروبا وتهدِّد وِحدتها النّـقدية، ما زال بعض الساسة ممّـن يمكن وصْـفهم بالرّؤيويين، ينظرون إلى الحلول المبتكرة الكفيلة بإنقاذ المركب الأوروبي في إطار السياقيْـن، الإقليمي والدولي.
ويعتقد هذا الصنف النادر من الساسة الغربيين أن مفاعيل الأزمة الرّاهنة، تقتضي أكثر من أي وقت مضى العمل على ربْـط المصير الأوروبي بالضفّـة الجنوبية للمتوسط، وصولا إلى الشرق الأوسط، وخاصة في ظلِّ انكفاء الولايات المتحدة على معالجة عِـلل اقتصادها وانسِـحابها من المسرح العراقي والأفغاني، وربما الباكستاني قريبا.
في هذا السياق، توقّـع جياني دي ميكيليس، السياسي الإيطالي المُـخضرم، أن تضع الولايات المتحدة القارة الآسيوية في المركز الأول من اهتماماتها على الساحة الدولية، إذا ما عادت إلى اللَّـعب في الرُّكح العالمي، بعد معالجة مشاكلها الداخلية.
وحض دي ميكيليس أوروبا على أن تُـبرهن على الحيوية وروح المبادرة في هذا الظرف الدولي الدقيق، كما تمنّـى في حديث لـ swissinfo.ch أن تضطلع إيطاليا بدورٍ مهِـم على الصعيد الأوروبي في هذه المرحلة. وأكّـد دي ميكيليس، الذي تقلب في مناصب وزارية عدّة، أبرزها منصب وزير الخارجية، أن ما يجري هذه الأيام في الضفة الجنوبية للمتوسط “سيكون حاسما في نحْـت مصيرنا وإعادة تشكيل وجه المنطقة، بل العالم بأسره”.
واعتبر أن سنة 2012 “ستكون لها تداعِـيات حاسمة على المنطقة والعالم، ما يُحتِّـم علينا نحن الأوروبيين، أن نفهم ما جرى وما يجري من حولنا وإدراك الفُـرص الجديدة التي يمنحها، وكذلك التحدِّيات والرِّهانات التي يطرحها”.
وعاد جياني دي ميكيليس إلى حِـقبة سابقة مشابهة للفترة الراهنة، مشيرا إلى أن الهدف الذي وضعته أوروبا لدى انطِـلاق مسارات الإنتقال الديمقراطي في أوروبا الشرقية والوسطى في أعقاب نهاية الحرب الباردة قبل عشرين سنة من الآن، تمثّـل بتحقيق التوسعة والإدماج في آن معا، أي توسيع الإتحاد الأوروبي كي يشمل البلدان الخارجة من جِـلباب الشيوعية، مع إدماجها في المؤسسات الإتحادية.
وأشار إلى أن تغييرات بارزة على صعيد التوازنات القارية “ترتَّـبت على هذين المسارين المتلازمين، وكان الخطر أن نسير على محْـور واحد فقط، ما كان سيؤدِّي إلى انفلاق عجلات الباص الأوروبي وتعثره”.
امتدادان استراتيجيان
من جهة أخرى، أوضح جياني دي ميكيليس أن الخيارين المطروحين على أوروبا اليوم، في ظل الأزمة التي تمسك برقبة القارة العجوز، هما العودة إلى أوروبا أقلّ حجما، ولكن أكثر صلابة واستقرارا حول نَـواة ألمانية، مع امتداد نحو بلدان الشمال الشرقي، خصوصا بلدان البلطيق أو مع أفُـق منفتح على الجنوب، أي على بلدان شمال إفريقيا.
وشدد على ضرورة أن يفهم الأوروبيون فوائِـد الترابُـط مع البلدان العربية المتوسِّـطية وضرورة إقناع الرأي العام الأوروبي، بأن أية مبادرة من هذا النَّـوع في اتِّـجاه جنوب المتوسط، ستُعزِّز قُـدرتنا على منافسة الآسيويين والأمريكيين.
وضرب دي ميكيليس على الطاوِلة برِفق قائلا “لم يعُـد لدينا خِـيار آخر، سوى المتوسط… أو سنُحال على الهامِـش. وعلينا أن نستوعِـب ذلك أولا قبل الانتقال إلى المبادرات”، لكنه لم يكتَـف بهذا الإعلان العام، وإنما عدَّد ثلاثة شروط رآها لازمة لاجتراحه. أولها، القبول بالنتائج التي أفرزها الربيع العربي مثلما هي والحذر من الوقوع في أخطاء الماضي، مع الوعْـي بالتحديات التي يُـمكن أن تمثلها، سواء في الحاضر أو المستقبل.
وثانيها، مراجعة المواقِـف السلبية والمواقف المُـسبقة لدى بعض الأوروبيين إزاء بلدان الجنوب. واستدلّ في هذا الإطار بمحدودية معرِفة بعض الأوروبيين بالمكاسِـب التي حصدتها المرأة في بعض البلدان العربية.
أما الشرط الثالث، فيتلخَّـص في أن التفكير في أي مسار أوروبي متوسطي، لا يمكن تصوّره من دون تركيا أو من دون تسوية المشكلة القبرصية.
فرصة أخيرة
وردّا على سؤال لـ swissinfo.ch حول مدى تأثير استمرار الصِّـراع العربي الإسرائيلي على أي مسار من هذا النوع، في ظل احتضار الإتحاد من أجل المتوسط ووفاة مسار برشلونة، علَّـق جياني دي ميكيليس بأنه يرى الآن فرصة أخيرة لتحقيق تسوية سِـلمية للصراع، تكون مقبولة من جميع الأطراف.
ولاحظ أن الولايات المتحدة ليست مستعدّة الآن لممارسة ضغْـط على إسرائيل لتقديم تنازُلات تمكِّـن من معاودة إطلاق مسار التفاوض مع الفلسطينيين. وقال “كانت الولايات المتحدة طيلة فترة الحرب الباردة، القوة الوحيدة القادِرة على ممارسة الضغوط على الدولة العِـبرية، باعتبارها حاميتها الأساسية، أما اليوم، فتستطيع أوروبا في إطار مُـبادرة إقليمية شامِـلة، أن تصل إلى هذا الهدف الرّامي لإحلال التعاون الإقليمي، الذي يتوقّـف طبعا على التفاهم والتعايُـش بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأشار في هذا السياق إلى أن المنظومة الخليجية مهمومة في هذه الفترة بالمصالح الوطنية لكل عُـضو فيها.
واقترح دي ميكيليس في هذا الإطار، صيغة جديدة من الحوار بين أوروبا والعالم العربي “تُدمج ممثِّـلي المجتمع المدني على قَـدم المساواة مع ممثلي الحكومات، بصفتهم لاعبين حقيقيين في مختلف البلاد العربية التي صنعت ربيعها، بما يجعل تلك الأطراف قادِرة على المساهمة في صُـنع مستقبل المنطقة، من خلال إعادة كتابة دساتيرها، كما فعل التونسيون والمصريون والمغاربة، وكما سيفعل الليبيون وحتى السوريون في يوم من الأيام”.
واستدرك قائلا “أن تكون الشريعة أساس تلك الدساتير أم لا تكون، فهذا شأن أصحاب الشأن، فعلينا أن نحترم خصوصية كل طرف، مع ضرورة التقيُّـد بمبادئ عامة، مثل حقوق الإنسان ومكانة المرأة، وهي مبادئ يصعُـب علينا نحن الديمقراطيين أن نغضّ الطرف عنها”.
وعاد ينقر على الطاولة التي أمامه “ليس لنا كبُـلدان متوسطية من خيار آخر، سوى التقدّم على هذه الطريق من دون رجعة”.
بروكسل (رويترز) – قال دبلوماسيون إن زعماء الاتحاد الاوروبي ابرموا اتفاقا ماليا جديدا يضمن تشديد اجراءات ضبط الميزانيات لكنهم فشلوا في الاتفاق على تغيير المعاهدة لتتضمن هذه القواعد ما يعني أن الاتفاق قد يشمل دول منطقة اليورو وعددها 17 دولة زائد أي دولة أخرى تريد الانضمام.
وقال مسؤول ان الاتفاق الذي كان يفترض أن يشمل دول الاتحاد الاوروبي كلها وعددها 27 دولة انهار بعد أن طلب ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني تنازلات لا تريد فرنسا وألمانيا تقديمها.
وقال دبلوماسي بارز لرويترز “طالما قلنا اننا سننفذ ذلك على مستوى 17 (دولة) ان لم نتمكن من تنفيذه على مستوى 27 (دولة). وهذا ما حدث”.
واتفق زعماء الاتحاد الاوروبي المجتمعون في بروكسل على عقوبات تلقائية على المخالفين لقواعد الميزانية في منطقة اليورو ما لم تصوت ثلاثة ارباع الدول الاعضاء ضد هذه الخطوة وأقروا اجراء ماليا جديدا يتعلق بكتابة تحقيق الموازنة في الميزانيات في دساتير البلاد.
وقال مسؤول من الاتحاد الاوروبي “هناك اتفاق بين الزعماء على الاجراءات المالية الجديدة.”
وبعد محادثات استمرت عشر ساعات حتى الساعات الاولى من صباح يوم الجمعة قرر الزعماء كذلك ان يحد حجم صندوق الانقاذ الدائم لمنطقة اليورو عند 500 مليار دولار كما أصرت المانيا.
ولن يحصل الصندوق على صلاحيات بنك وهو ما كان من شأنه ان يتيح له السحب من أموال البنك المركزي الاوروبي لزيادة حائط الحماية وهي خطوة أخرى اعترضت عليها ألمانيا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 ديسمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.