“الإئتلاف في تونس سيكون لسنوات بين الإسلاميين والعِلمانيين المُعتدلين”
في كلماته وتصريحاته في واشنطن، حرص السيد راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة، على التشديد على هدف إنجاح التحوّل الديمقراطي في تونس، ليصبح نموذجا للدولة التي تجمع بين الإسلام والديمقراطية، وأن لا يتحوّل الربيع العربي إلى شِتاء التطرّف الإسلامي.
ولذلك، كان السؤال الأول في لقاء swissinfo.ch بالسيد الغنوشي، عن توجه حزب النهضة في التحالُف مع القوى السياسية في تونس:
swissinfo.ch: هل ستحرص النهضة على استمرار التحالف الثلاثي الحالي، أم أنها ستبحث عن تحالُفات أخرى مع أطراف عِلمانية أقوى، وهل يُمكنكم الدخول في تحالف مع أطراف ذات توجّهات إسلامية قريبة منكم؟
راشد الغنوشي: في البداية، أحب أن أقول إنه لا بديل في المرحلة الحالية عن حزب النهضة، لأنه حزب مُتماسِك وله تاريخ يعود إلى أربعين عاما وله 89 عضوا في البرلمان، ولكنه ليس حزبا أبديا. فنحن نمر بفترة التحوّل نحو الديمقراطية وخلال الفترات الانتقالية، يجب التخلّي عن المبدإ الديمقراطي القائل بأن مَن يفوز بأغلبية، ولو بسيطة، يقوم بتشكيل الحكومة بأكملها. ولذلك، يرى حزب النهضة أن من الحِكمة الدخول في ائتلاف حكومي يحظى بتأييد أغلبية الناخبين، وبالتالي، يحُول دون الاستِقطاب السياسي الذي يعوق التوافق حول ما تتطلّبه عملية التحوّل للديمقراطية، مثل صياغة الدستور وسَـنّ قوانين تنظيم الانتخابات وغيرها.
وقدم حزب النهضة تنازُلات كثيرة للدخول في ائتلاف مع أحزاب عِلمانية، لأن نجاح التحوّل الديمقراطي في تونس، يرتكِز إلى التحالف بين الإسلاميين المُعتدلين والعِلمانيين المُعتدلين، وسيحتاج نجاح ذلك التحوّل، إلى استمرار التحالف بينهما على مدى السنوات الخمس القادمة. ولذلك، ستتوقّف اختيارات حزب النهضة في التحالُف مع الأحزاب العلمانية على نتائج الانتخابات، التي ستُجرى قبل نهاية العام الحالي، ولن نسعى للتحالُف مع أطراف إسلامية ذات توجّهات قريبة من الحزب، وإنما مع أحزاب عِلمانية لتحقيق التوافُق وإرسال رسالة للمجتمع، بأن الوطن للجميع.
ماذا عن مشكلة التعامُل مع ظاهرة السّلفيين، وهل يمكن أن تدخلوا في تحالُف مع بعض السلفيين الذين قبلوا بالانخِراط في العملية السياسية؟
راشد الغنوشي: ظاهرة السّلفيين ظاهرةٌ معقّدة انتَشرت في الأحياء الفقيرة أثناء حُكم زين العابدين بن علي وانطَوت على الاحتماء بتفسير متشدِّد للإسلام في مواجهة الفقر واللجوء إلى العُنف في مواجهة القمْع والتعذيب، الذي استخدمه النظام السابق في مواجهة الظاهرة. أما نحن، فلن نستخدم تلك الأساليب، وإنما سننتَهِج معهُم أسلوبَ الحوار والتصدّي لمشكلة الفقر، بالتنمية وإتاحة الفُرص الاقتصادية مع توعيَتِهم بأن تفسيرَهم للإسلام، ليس صحيحا.
فالسلفيون أخْوة لنا ومُعظمهم لا ينتهِج العنف، ويمكن استمالَتهم من خلال الحِوار، والذين قبلوا منهم الانخراط في العمل السياسي، سيُراجِعون أنفسهم ويقبلوا بتوازُن القوى وسيكتشِفون فنّ التوصّل إلى الحلول الوسط والعمل، وفق إطار القانون، وساعتها، سنكون سعداء بالتعاون معهم، ولكن تونس في مرحلة التحوّل للديمقراطية تحتاج لتحالُف، ليس بين القوى الإسلامية كالنهضة والسلفيين، وإنما بين الإسلاميين والعِلمانيين المُعتدلين..
ما هي خُطّتكم لمواجهة التحدِّيات الاجتماعية والاقتصادية في ظلّ وجود 800 ألف عاطل عن العمل تقريبا؟
راشد الغنوشي: نحن نُواصل المُفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمساعدة الاقتصاد التونسي. ولكن على الصعيد المحلي، ليس أمامنا إلا تحقيق التوافُق.: فاستراتيجياتنا العامة، هي الحوار والسّعي إلى توفير نوْع من الاتّفاق الذي يُـكرِّس قناعة بحشْد جهود التونسيين جميعا، للخروج من المأزق الاقتصادي. فالثورة قامت من أجْل الحرية والعدالة الاجتماعية، وحصل التونسيون على قدْر من الحرية لم تتوفّر لهم من قبْل، ولكن أحوال الشباب الذي قام بالثورة، لم تتحسّن رغم انخفاض معدّل البطالة من 18% إلى 16% وارتفاع معدّل النمو الاقتصادي من 2% إلى 3,5% في العام الماضي.
ولم يتِم تحقيق العدالة الاجتماعية، لأن نظام بن علي ترك وراءه إرْثا هائلا من الفساد وفجْوة ضخْمة بين المُستفيدين من فساد النظام وبين باقي أبناء الشعب، وسيحتاج التصدّي للمشكلة الاقتصادية والتحدِّيات الاجتماعية سنوات، ولكن البداية الحقيقية، ستكون مع إجراء الانتخابات وعوْدة الاستقرار وزيادة عائدات السياحة وعوْدة الاستثمارات الأجنبية، ثم استغلال القدرات والكفاءات التونسية في انطِلاق الاقتصاد التونسي، على غرار ما حدث في سنغافورة وماليزيا.
ولكن الإتحاد العام التونسي للشغل مُـصِرّ على رفض إقرار هُدنة اجتماعية، وتقوم النقابات بشنّ المئات من الإضرابات التي شلّت حركة إنتاج الفوسفات وأثّرت في العديد من القطاعات التصديرية ودفعت العشرات من الشركات الأجنبية إلى مغادرة البلاد؟
راشد الغنوشي: اتحاد الشغل التونسي، منظمة مُهمّة ونحن في حوار معها. صحيح أن إنتاج الفوسفات تعطّل في العام الماضي وخسرت تونس ما يصِل إلى حجم القروض التي حصلت عليها، والآن أدْركت النقابات العمالية وأهْل مِنطقة قفصة، خطر تعطّل إنتاج الفوسفات. ولذلك، تحرّك الإنتاج من جديد بنِسبة تفوق الثمانين بالمائة ونحن نُراهِن على وعْي الشعب التونسي ووعْي نقاباته وعمّاله.
من أهَم مُقتضيات التحوّل من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، الأخذ بآليات العدالة الانتقالية التي توفّر المُحاسبة والمصالحة وتعويض الضحايا وإصلاح الأجهزة القمعية. فما الذي فعلته تونس في هذا المجال؟
راشد الغنوشي: استحدَثْـنا وزارة خاصّة بالعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان، وأمضينا قُـرابة العام للتوصّل إلى توافُق بين كافة القِوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين، على أولويات آليات العدالة الانتقالية. وهناك تفضيل لأنْ يكون على رأسها تعويض الضحايا وأسَـر الشهداء وكل مَن تعرّض للقمْع والتعذيب أثناء حُكم الحبيب بورقيبة وفترة حُكم زين العابدين بن علي، وكذلك مَن تعرّض للعنف في غِمار الثورة التونسية.
كما كانت هناك أولوية لمُحاسبة المُفسدين في النظام السابق ومَن استفادوا من الفَساد مِن رجال الأعمال، وبلغ عدد المتورِّطين منهم 360 تمّت مصادرة ثرواتهم وبدأت محاسبة المسؤولين السّابقين.
أما إصلاح الأجهزة الأمنية، فسيحتاج جُهدا مكثَّفا ووقتا مُمتدّا، لأن الأجهزة الأمنية ارتَكبت سِلسِلة من الجرائم المُتواصلة على مدى خمسين عاما، وقد بدأت جُهود إصلاح نظام الشرطة التونسية من خلال إعادة التأهيل والتدريب. وتجري الاستِفادة من خِبرات أمريكية وأوروبية في تطوير جِهاز الشرطة التونسية، بحيث يصبح جهازا لتوفير الأمن وحماية المواطنين في إطار سِيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.