الإتحاد الأوروبي يُـعـدّ المشاريع التي سيقوم عليها “الإتحاد من أجل المتوسط”
في كتاب "المتوسط: رسالة إلى رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي"، الذي أصدرته أخيرا النائبة الاشتراكية الفرنسية رئيسة "الفريق البرلماني الأوروبي للحِـوار مع المشرق" بياتريس باتري، بمعية المؤرّخ إيمانويل إسبانيول، انتقد المؤلفان بشدّة ساركوزي، وهو الأب الروحي لـ "الإتحاد من أجل المتوسط"، لكنهما اعترفا بأن الإتحاد، وقَـبله مسار برشلونة الأورومتوسطي، كشفَـا عن ضخامة الطاقات الكامِـنة لإرساء تعاوُنٍ شاملٍ بين ضفّـتي المتوسط.
ويبدو الأمر كما لو أن صنّـاع القرار في الإتحاد الأوروبي أدرَكوا هم أيضا أهميّـة الخزّان المملوء مشاريع، فكلّـفوا خبراءهم بدراسة التّـرجمات العملية، التي يمكن أن تنسج خيوط التّـكامل بين الضفّـتين. وعقد خبراء الإتحاد الأوروبي في شهر سبتمبر الماضي اجتماعا أول في بروكسل، بإشراف الوزير الفرنسي المكلّـف بالمشاريع المتوسطية جون لوي بورلو، وسيجلس وزراء الخارجية الأوروبيون يومَـي الثالث والرابع من شهر نوفمبر المقبل حول مائدة عمل في بروكسل، لدرس المشاريع الإقليمية التي يُـمكن إقامتها في إطار الإتحاد من أجل المتوسط.
وتُركز ورقة العمل التي تعتزِم الرِّئاستان، الفرنسية والمصرية، تقديمها إلى باقي الدول الأعضاء في “الإتحاد من أجل المتوسط”، على مشاريع في ستة قِـطاعات: هي الهجرة والطاقة وحماية البيئة ومكافحة الإرهاب والمياه والصحة.
وأكَّـد مصدر في المفوَّضية الأوروبية لسويس إنفو أن لا جديد في هذه المشاريع، مُوضِّـحا أنها هي التي تم الاتفاق عليها في قمّـة باريس يوم 13 يوليو الماضي، “إلا أن الجديد أنها كانت أفكارا على الورق، وصار قسم منها اليوم، مشاريع ترتكز على دراسة جَـدوى أولية وخطّـة للتمويل وبرنامج للتنفيذ”، على ما قال.
ولاحظ أن فِـرق العمل التي اشتغلت على تلك المشاريع، اعتمدت على ورقة أعدّتها كل من إسبانيا وإيطاليا قبل قمّـة باريس المتوسطية، بتكليف من الإتحاد الأوروبي، بحُـكم خِـبرة البلدين في التعاون الأورو متوسطي.
ميثاق مرجعي
وقلّـل دبلوماسي فرنسي من احتمال انعكاس الصِّـراع بين إسرائيل والعرب في إحباط هذه المشاريع أو تعطيل التقدّم في إنجازها، واعتبر الدبلوماسي، الذي رفض الكشف عن هويته، أن “الصداقة والثِّـقة القائمتين اليوم بين فرنسا والدولة العِـبرية تُفسِـحان المجال للتقدّم في تحقيق تلك المشاريع وتأمين الوسائل اللاّزمة لها”.
ويُعطي الأوروبيون الأولوية للمشاريع المتّـصلة بتنظيم الهِـجرة من الضفة الجنوبية للمتوسط إلى الشمالية، ولذلك، سارعوا إلى اعتماد الميثاق الأوروبي للهجرة مؤخَّـرا، كي يكون أرضية التّـحاور مع الأعضاء الجنوبيين في الإتحاد من أجل المتوسط. وكان ساركوزي أعلن بوضوح أن هذا الميثاق “سيغدو مرجِـعا للتّـعاطي مع هذا الموضوع الدقيق”.
ولم تتسنّ معرفة تفاصيل عن فحوى المشروع، لكن الأرجـح أنه سيُشدّد من إجراءات مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي سيُطلب من البلدان الجنوبية الالتزام بها، في مقابل تنفيس الانغلاق الأوروبي والسّـماح بقناة للهجرة المُنظمة في القطاعات التي يحتاج فيها الأوروبيون إلى خِـبرات دقيقة وعالية المستوى، وهو ما يجري بلورته جماعيا في إطار آلية “البطاقة الزرقاء” التي ستمنح للعقول المهاجرة من الجنوب.
وينظُـر الأوروبيون إلى العلاقة الهِـجرية المقبلة، بوصفها توسيعا لصيغة الهِـجرة المنظمة التي توَخّـتها كل من فرنسا وإيطاليا مع بعض البلدان المغاربية، أسْـوة بالخطّـة التي وضعتها فرنسا لاستيعاب تسعة آلاف مهاجر شرعي من تونس سنويا، بالإضافة لتخصيص مساعدات بقيمة نحو 55 مليون دولار لدعم مراكز التكوين والتدريب المِـهني التونسية، بغية تشجيع الشباب على تلقّـي خِـبرات تُتيح لهم الحصول على فُـرص عمل في بلدهم.
غير أن خبراء جنوبيين يعتقدون أن تدفّـق الاستثمارات على بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، هو الدواء الأنجَـع لمكافحة الهجرة غير المشروعة وتشجيع ملايين الشباب العاطلين على البقاء في بلدانهم.
ويُشير الخبراء في هذا السياق، إلى أن المنطقة المتوسطية تحتاج إلى 30 – 40 مليون فرصة عمل في أفُـق 2020، لكن الأوروبيين لم يبدوا الاستعداد الكافي لإشباع تلك الحاجات الاجتماعية بواسطة تكثيف استثماراتهم في البلدان المعنية.
ضمان التزويد الدائم بالطاقة
ويُراهن الأوروبيون أيضا على مَـيدان الطاقة، وخاصة في ظِـل تداعِـيات الأزمة المالية الحالية والرّكود المتوقّـع للاستهلاك، واعتبر المصدر الأوروبي أن هذا الميدان هو الذي سيُعطي الفرصة للإتحاد من أجل المتوسط، للمساهمة في صوغ ملامح العالم في القرن الحادي والعشرين، بوصفه المشروع الأهم من المنظور طويل المدى، وشرح أنه من نوع المشاريع التي ستسمَـح للمتوسطيين بإعطاء المثل للآخرين، كي ينسِـجوا على منواله، “فلا يُـمكن أن نطلب من الصِّـينيين أو الهنود أن يقتدوا بنا، إذا كنا نحن عاجزين عن تنفيذ مشروع من هذا الحجم”. وكان ساركوزي نفسه أكَّـد في أكثر من مناسبة “أننا نحن آخِـر جيل مؤهّـل للتحرّك، قبل أن تتعرض التوازنات الدولية لانقلابات غير قابلة للسيطرة”.
لكن كثيرا من الخبراء الجنوبيين يُشكِّـكون في الخطط الأوروبية الخاصة بالطاقة ويرون أنها لا ترمي سوى لضمان تزويد البلدان الأوروبية بالمَـحروقات في ظروف مُـريحة، ويُشيرون في هذا السياق، إلى “بُـخل الأوروبيين في مجال الاستثمار”، مُستندين على المعطيات التي تشير إلى أن الضفّـة الجنوبية للمتوسط لم تستقطب سوى 1% من الاستثمارات الخاصة الأوروبية في السنة الماضية، فيما تتّـجه الاستثمارات بكثافة إلى أمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية.
غير أن الوجه الآخر لملفّ الطاقة، هو الإنعكسات السلبية على البيئة، وتوجد قضية تحسين الأوضاع البيئية في قلب مشروع الإتحاد من أجل المتوسط. ويمكن القول أنه الملف الذي أبصَر تقدّما في طريق التنفيذ أكثر من سِـواه، إذ زار وزير البيئة والطاقة والتهيئة الترابية الفرنسي جون لوي بورلو القاهرة الشهر الماضي، بوصفه منسِّـق المشاريع المتوسطية من الجانب الأوروبي، واجتمع مع نظيره جورج ماجد لدرس إطلاق المشاريع الخاصة بحصر الموانئ في المتوسط، لمكافحة المراسي غير المستجيبة للمواصفات البيئية، وكذلك إحداث صندوق أسود للسُّـفن، شبيه بالصناديق السوداء التي تُستخدم في الطائرات، لتحديد مصادر التلوث.
وقال مصدر مقرّب من الوزير الفرنسي، إن العالم بأسْـره سيحصد النتائج الإيجابية لإنجاز مشروع مكافحة التلوّث النفطي والغازي في المتوسط، لأن 30% من حركة السُّـفن المُقِـلة للمسافرين في العالم، تمر منه، كما أن 25% من ناقلات النّـفط العالمية تعبُـر من المتوسط.
وسيُمكن نظام تثبيت الصناديق السوداء في السُّـفن من معرفة الناقلات المُلوّثة واتِّـخاذ إجراءات في حقّـها. والأرجح، أن هذا المِـحور سيُبصر تقدّما ملحوظا في الفترة المقبلة، لأنه يستجيب للتحدِّيات التي فرضَـتها على الجميع التغييرات المناخية.
وذهب بيرلو إلى حدّ القول بأن ما سيجري، هو ضرب من “الثورة البيئية”، التي ترمي للمحافظة على التوازن الإيكولوجي وحماية الحَـوض المتوسِّـطي المتّـسم بهشاشة متقدمة.
ويُقدِّر الخبراء أن يرتفع عدد السكان المُهدّدين جرّاء التلوث في حوض المتوسط من 45 مليون شخص حاليا إلى 63 مليون شخص في سنة 2025، كما يُقدّرون الخسائر الزراعية الناجِـمة عن زحف الصحراء في البلدان المطلّـة على السواحل الجنوبية بـ 50 بليون دولار في السنة.
يبقى المشكِـل الأساسي المتمثل في ضمان مصادر تمويل للمشاريع المتوسطية، وهو أمر ما زال يلفّـه الغموض بعد الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بأوروبا وجعلتها غير قادِرة (في حال قبلت مبدأ تأمين التمويل اللازم) على الإيفاء بالمسؤوليات المناطة بها.
وفكّـر الأوروبيون لدى إطلاق “الإتحاد من أجل المتوسط” في طلب مساهمة من البلدان الخليجية لتمويل مشاريع الإتحاد، غير أن الأوضاع الحرِجة التي يمر بها الاقتصاد الخليجي في هذه الفترة، تجعل الموضوع خارج دائرة البحث الجدّي، وهذا عُـنصر يُلقي ظلالا كبيرة من الشكّ على فُـرص الإنجاز الفعلي للمشاريع التي ستوضع على الورق.
تباعُـد في الرؤى
أما ملف الإرهاب، فواجهت الرِّئاستان الفرنسية والمصرية صعوبات كبيرة في صُـوغ مشاريع محدّدة يمكن أن توضع في خانته، بسبب تباعُـد الرؤى من المسألة، ليس فقط بين إسرائيل والعرب، بل كذلك بين الأوروبيين من جِـهة، والعرب والأتراك من جهة ثانية، والأرجح أن الملف سيظَـل عالقا أو مؤجّـلا إلى ما بعد الاجتماعات الوزارية المقبلة.
ويرى الفرنسيون والمصريون أن تنفيذ المشاريع المتوسطية لا يكون بالضّـرورة شاملا منذ الوهلة الأولى، وإنما يُـمكن إطلاق المسار ببعض المشاريع القابلة للإنجاز والتي تعزّز الثقة في المسار المتوسطي.
كذلك الشأن بالنسبة لمشاريع الصحّة والمياه، التي قال مصدر في الإتحاد الأوروبي، “إنها ما زالت في مرحلة الأفكار ولا يمكن مناقشتها في هذه الفترة، ولا تكليف مكاتب الخبرة بإجراء دراسات الجدوى اللازمة لإنجازها”.
مع ذلك، يشكو الأوروبيون من اختلال التّـوازن بين قُـطبي الإتحاد: فالإتحاد الأوروبي متجانِـس وقادر على اتِّـخاذ قرارات جماعية تكون الرِّئاسة الدورية للإتحاد مؤهّـلة للتحاور مع الآخرين انطلاقا منها وفي إطارها، أما العرب، فلم يتوفّـقوا بعدُ إلى صيغة لتوحيد رُؤاهم المُـتباعدة وتفويض دولة واحدة للتّـحدث بالنيابة عنهم مع الطرف الآخر، على رغم محاولات مصر ملء هذا الفراغ.
لكن مع الاستعداد لإقامة منطقة التجارة الحرة الأورو-متوسطية بحلول عام 2010، يبدو التقارب بين البلدان العربية المشاركة في المسار المتوسطي (وهي تونس والمغرب والجزائر ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية ولبنان)، ضرورة حيوية لتكريس خُـطوات تكامُـلية وحماية النسيج الاقتصادي المحلي المهدّد بالتفكّـك، بسبب إدارته التقليدية وصِـغر حجمه وضُـعف إمكاناته التكنولوجية والتسويقية.
وتترتب على تأخير هذا المسار، أضرار ملموسة يمكن احتسابها بالأرقام. فتأخير بناء التكامل الاقتصادي بين البلدان المغاربية مثلا، يُسبِّـب خسارة تعادل 2% من النمُـو السنوي لكل بلد. والثابت، أن تأمين هذه النِّـسبة سيساعد على امتِـصاص قسم كبير من العاطلين الذين يُغرِقون سوق العمل بأعداد جديدة من طالبي الشغل كل سنة.
وبحكم الإحباط وفَـقْـد الكرامة، نرى هؤلاء يعزِّزون صفوف الحركات المتشدّدة والمهاجرين غير الشرعيين، مما يُحيلنا مُجدّدا إلى ملفّـات التنمية المعطلة، وكأننا في حلقة مُفرغة لا يمكن الإمساك بطرفها.
رشيد خشانة – تونس
القاهرة، 26 أكتوبر 2008 – أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، أن الجامعة ستتخذ موقفا رسميا حيال ما أسماه “فيتو إسرائيلى” على مشاركتها فى إجتماعات الإتحاد من أجل المتوسط، مشددا على أن الجامعة لن تكون أبدا مواطنا من الدرجة الثانية داخل الاتحاد من أجل المتوسط.
وقال موسى فى تصريحات للصحفيين يوم الأحد 26 أكتوبر، إن الموقف العربى الرسمى يرفض “الفيتو الإسرائيلى” حيال مشاركة الجامعة فى اجتماعات الاتحاد من أجل المتوسط، واصفا إقدام الحكومة الأردنية على إلغاء مؤتمر أورو – متوسطى حول المياه، بأنه رد قاطع وحاسم ويمثل الموقف العربى.
وأضاف الأمين العام للجامعة “إما أن تشارك الجامعة العربية فى اجتماعات الاتحاد أو لا تنعقد الإجتماعات”، مشيرا فى الوقت ذاته إلى رغبة الدول العربية فى التعاون المتوسطى.
وأعرب موسى عن دهشته إزاء الموقف الإسرائيلى الرامى إلى عدم حضور الجامعة العربية فى اجتماعات الاتحاد.. وقال “لا أفهم أبدا أن تناقش مبادرة الجامعة العربية، والجامعة غير موجودة، هذا نوع من الهزل لن نقبل به”.
وأكد أن الجامعة لن تقبل بمشاركة محدودة فى الاتحاد من أجل المتوسط، لافتا إلى أن هناك مبادئ لابد من إحترامها.
وردا على سؤال حول تأييد بعض الدول الأوروبية للموقف الإسرائيلى، أوضح موسى أنه أجرى اتصالات ولم يجد تأييدا أوروبيا لموقف إسرائيل، مؤكدا أن الكل يؤيد وجود الجامعة العربية ومشاركتها فى فعاليات الإتحاد من أجل المتوسط.
يشار إلى أن إسرائيل تعترض على مشاركة الجامعة فى اجتماعات الاتحاد من أجل المتوسط، وهو ما دفع عمرو موسى إلى عقد اجتماع بمقر الجامعة أمس، حضره منسِّـقو الدول العربية الأعضاء فى الاتحاد، حيث اتخذوا موقفا عربيا موحدا يقضى بوجوب مشاركة الجامعة فى كافة اجتماعات الاتحاد، وسبق ذلك الإجتماع لقاء آخر عقده موسى بمقر الجامعة أيضا مع سفراء 27 دولة أوروبية للتباحث حول ذلك الأمر.
(المصدر: وكالة الأخبار الصينية الرسمية “شينخوا” بتاريخ 26 أكتوبر 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.