الإتحاد من أجل المتوسط.. هل بدأ “الهبوط الإضطراري”؟
للمرة الثانية على التوالي يتِـم الإعلان عن تأجيل قمة الاتحاد من أجل المتوسط، لكن هذه المرّة إلى أجلٍّ غير مسمّى، مما يُـثير تساؤلات وعلامات استفهام فيما إذا كانت الفكرة التي بدأت شرارتها قبل عامين، وولادتها الحقيقية في أقل من عام مع تأسيس الأمانة العامة، قد بدأت فِـعلاً بالهبوط الإضطراري!
القمّة الأولى، كان من المُـفترض أن تُـعقد في يونيو الماضي، إلاّ أنّه تمّ تأجيلها إلى شهر نوفمبر، قبل أن تعود الدولتان الرئيسيتان في الرئاسة الحالية (فرنسا ومصر) إلى التوافق مع إسبانيا (التي كانت المضيف المفترض للمؤتمر)، بإصدار بيان يعلِـن تأجيل القمة وإحالة ذلك إلى تعثُّـر عملية التسوية السلمية، مما سيلقي بظلال ثقيلة على القمة ويحدّ من أهمية مخرجاتها المتوقعة.
إعلان الرئاسة المشتركة، يعيد مرّة أخرى التذكير بمسار برشلونة، الذي انطلق مع منتصف التسعينيات في محاولة لتوفير البيئة المناسبة لنُـمو السلام في المنطقة، لكن المسار تدهْـوَر مع انهيار المحادثات، حتى عاد الرئيس ساركوزي إلى إطلاق فِـكرته الجديدة في الشراكة المتوسطية قبل عامين بصيغة جديدة، ودفع باتجاه مؤسسة الفكرة من خلال عمَـل على الأرض واجتماعات دورية ومحاور، مما خلَـق لدى البعض رِهاناً بأنّنا أمام تجربة مختلفة.
اليوم، ثمة ما يحدّ من سقْـف التوقعات ويضعف من حجْـم الرِّهان على نجاح المشروع الجديد، بما لا يقف عند حدود تأجيل القمة إلى “أجل غيْـر مسمّى”، ولا عدم المُـضي خطوات واضحة على الأرض، بل حتى على صعيد الموازنة المقرّرة للاتحاد، التي لا تتجاوز بِـضع ملايين، وبوجود خلاف داخل الدول الأوروبية نفسها على مدى الإيمان بالفكرة الجديدة ومشروعيتها.
وتشي المتغيِّـرات الأخيرة أنّ دولاً في الاتحاد الأوروبي (تحديداً ألمانيا) في إحباطِ الفكرة وتحجيمها، وفي الدّفع لكي تتحوّل الأمانة العامة، التي كان من المُـفترض أن تكون الذِّراع التنفيذية للتحالف، إلى مجرّد مُـلحق بالمفوضية الأوروبية معنية بالشؤون البروتوكولية، وهو ما يَـشي بتراجع الطموح بدور التحالف الجديد بتدْشين عهْـد جديد من التعاون الاقتصادي والاجتماعي في حوْض المتوسط، لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية المتزايدة.
وبالرغم من أنّ الاتحاد من أجل المتوسط يخدم الجانب العربي من خلال تعزيز المساهمة الأوروبية في التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، مالياً ولوجيستياً، إلاّ أنّ الأطراف العربية لم تقدّم شيئاً بالدفاع عن المشروع في مواجهة التراجع الأوروبي، ما يُـحيله بعض المراقبين إلى خِـشية الجانب العربي من بعض محاور المشروع التي تُـطالب بإصلاحات ديمقراطية وتوسيع مساحة المشاركة السياسية وتعزيز دور المجتمع المدني، وهو ما قد يشكِّـل ضغوطاً خارجية على النظام الرسمي العربي.
ما وراء التراجع الحالي
يرى الدكتور باسم الطويسي، أستاذ الإعلام والعلاقات الدولية في جامعة الحسين بن طلال في الأردن في تصريح خاص لـ swissinfo.ch، أنّ دوافعه السابقة إلى توقُّـع احتمالية وجود مسار مختلف لمبادرة التحالف من أجل المتوسط عن مسار برشلونة السابق المسدود، نبع من وجود حيْـثيات جديدة تتجاوز اعتبارات برشلونة (1995)، التي تركزت على توفير البيئة المناسبة للتسوية السلمية.
فقد برزت خلال السنوات الأخيرة، وِفقاً للطويسي، حاجة موضوعية لمِـثل هذه المبادرة (التحالف من أجل المتوسط) نابعة من قضايا حيَـوية مُـرتبطة بالأمن والمصالح المتبادلة، التي تأثرت الماضية بضعف التنسيق والتخطيط المتكامل وسوء الفهْـم بين دول حوض المتوسط، وبتراجع الأوضاع العامة في جنوب البحر المتوسط، ما خلق موجات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا ونمو مشكلات التطرف الإسلامي في قلب عدد من الدول الأوروبية وبروز مؤشرات مُـقلقة على مستقبل المجتمعات والدول العربية، مع تدهور التعليم والتنمية والديمقراطية، وِفقاً لوثيقة “ابن سينا” التي أعدّتها مجموعة من المتخصصين للرئيس ساركوزي.
لكن الطويسي يستدرِك بأنّ التفكير الفرنسي الجديد الذي أطلقه الرئيس ساركوزي قبل قُـرابة عامين، كان يقتضي عدم الوقوف عند إطلاق المبادرة، بل بترجمتها إلى مؤسسات وحركة فاعلة ومنحها الدعم السياسي واللوجيستي المطلوب، كي تقف على قدميها وتصبح عنواناً إقليمياً رئيسياً، وهو ما لم يحدُث حتى الآن. ثم يتساءل الطويسي: هل يمكن الاستِـناد إلى “مؤشرات التراجع الحالية” للحكم بالإعدام المُـسبق على هذا المشروع أم أنّ الأمر سابق لآوانه؟
يُـجيب على ذلك، بأنّ الأمر مرتبِـط بطبيعة الظروف السياسية، فيما تبدو اللحظة الراهنة ضبابية ومُـلتبسة، سواء بسؤال مدى توافُـر الرّغبة الأوروبية أو تراجُـع عملية السلام، مما يفرض علامة من التساؤل والشكّ فيما إذا كان المسار يمكن أن يمضي إلى الأمام!
الدور الفرنسي والسيناريو القادم
من جهته، يحيل الدكتور نواف التل، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية والخبير بالدراسات الأمنية، تراجع المبادرة إلى حيْـثيات النشأة ذاتها، إذ ارتبطت بمحاولة الرئيس ساركوزي في بداية عهده من اشتقاق مبادرة يقدّم نفسه من خلالها إلى الدول العربية ويعرّف بها، بخاصة أنّ الإنطباعات الأولية عنه كانت في المنطقة ذات طابع سلبي.
ويضيف التل في تصريح خاص بـ swissinfo.ch، أنّ ساركوزي عندما أطلق هذه المبادرة في الهواء، لم تكن ذات أبعاد وملامح محددة، بقدر ما عكست طبيعة اللحظة التي جاءت فيها المبادرة وخدمت أهداف الرئيس الفرنسي السياسية، وهو ما توافق مع رغبة دول أخرى، مثل سوريا التي كانت ترْنو إلى أيّ أداة أو وسيلة لكسْـر العُـزلة الدولية عليها، فاستثمرت في المبادرة الجديدة.
وبرأي التل، أنّ تلك اللحظة الموضوعية انتهت، مما انعكس بوضوح على المبادرة نفسها، التي افتقدت فيما بعد إلى قوة الدفع الفرنسية في ترجمة الفكرة على أرض الواقع وتوفير الدعم اللوجيستي والسياسي والفني المطلوب لها، وبدأت المبادرة تفقِـد بريقها وديناميكيتها مع مرور الوقت، بالرغم من جهود الأمانة العامة في المُـضي خطوات نوعية إلى الأمام.
ويتفق التل مع الطويسي في أنّ استعادة زِمام المبادرة وإحياء قوّة دفع المشروع، تتطلب إدراكاً أوروبياً ابتداءا لقيمة هذا المشروع وأهدافه وضرورته، فإذا لم يحمل الاتحاد الأوروبي ذلك على محمل الجِـد والاهتمام والأولويات، فإنّ النتيجة ستكون شبيهة بما وصلت إليه برشلونة، بما يُـلقيه انهيار العملية السلمية من ظلال ثقيلة على فُـرص تطوير الحوار والشراكة المتوسطية، وكما كشف عن ذلك بوضوح بيان الرئاسة المشترك، الذي ربط بصورة كاملة بين المشروع الجديد والتسوية السلمية، وهو – بالضرورة – ما يضع الفكرة كلها في مهبِّ الريح!
مدريد (ا ف ب) – أعلنت الحكومة الاسبانية الاثنين 15 نوفمبر، أن قمة الاتحاد من أجل المتوسط التي كانت مرتقبة في 21 نوفمبر في برشلونة (إسبانيا) أرجئت مرة أخرى بسبب “تعثر” عملية السلام في الشرق الأوسط.
وقالت في بيان “نظرا لان عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط ستجعل من غير الممكن حصول مشاركة مرضية في القمة المقررة في 21 نوفمبر، فإن الرئاسة المشتركة وإسبانيا قررت تأجيلها”.
وتشارك مصر وفرنسا في رئاسة الاتحاد من أجل المتوسط، الذي يضم 43 دولة، فيما تستضيف إسبانيا مقره في برشلونة.
وأضاف البيان أن الدول الثلاث “تريد أن تعقد هذه القمة في برشلونة في الأشهر المقبلة”.
وتابع “بالنظر إلى هذا الهدف، إنها تدعو إلى استئناف مبكر للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس القانون الدولي والاتفاقات الموقعة بين الطرفين ومبادئ أخرى على صلة بعملية السلام”.
والقمة الثانية للاتحاد من أجل المتوسط التي كانت مرتقبة أساسا في 7 يونيو في برشلونة، أرجئت إلى نوفمبر لإعطاء محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين فرصة لإحراز تقدم.
وكانت المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين استؤنفت في 2 سبتمبر في واشنطن، لكن توقفت بعد ذلك بفترة قصيرة عند انتهاء العمل بقرار إسرائيل تجميد الاستيطان جزئيا في الضفة الغربية في 26 سبتمبر.
وقد أنشئ الاتحاد من أجل المتوسط، الذي يضم 43 دولة، في 2008 في باريس من قِـبل فرنسا ومصر في محاولة لإرساء تعاون في منطقة الشرق الأوسط.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 15 نوفمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.