الإستراتيجية السويسرية تجاه ليبيا تثير تساؤلات الصحافة
بعد إعلان برن عن استعدادها لرفع الحظر المفروض على حصول عدد من الشخصيات الليبية لتأشيرات الدخول إلى فضاء شنغن نتيجة لضغوط أوروبية، تساءلت الصحف السويسرية الصادرة يوم الخميس 25 مارس على اختلاف ميولاتها عن مدى "نجاعة الإستراتيجية التي انتهجتها الحكومة الفدرالية" في مواجهة "المناورات" الليبية.
وفي اليوميات الصادرة في الأنحاء المتحدثة بالفرنسية، ترجمت أغلب العناوين الحيرة السائدة في الأوساط السياسية والإعلامية. وهذا ما يعكسه عنوان مقال صحيفة “24 ساعة” (تصدر في لوزان) الذي ورد في شكل تساؤل: “سويسرا تُغيّر موقفها في مواجهة ليبيا: هل هو فشل أم خطوة لا بد منها؟”. وكتب كزافيي آلونزو نقلا عن أولريخ شلوير، النائب البرلماني عن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي): “إنها هزيمة مأساوية لميشلين كالمي ري” (وزيرة الخارجية)، بل رأى في الخطوة “تعبيرا واضحا عن عدم نجاعة التضامن الأوروبي”.
الصحيفة أوردت أيضا دفاع وزيرة الخارجية عن موقفها حيث صرحت أن “سويسرا أوفت دوما بالإلتزامات التي عقدتها مع ليبيا إلى حد اليوم”، لكن “24 ساعة” عبرت على لسان لوك بارتاسا، النائب البرلماني الديمقراطي المسيحي من كانتون جنيف، وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عن شعور قطاع من النخبة السياسية بقوله: “لقد تعرضنا مند مدة لضغوط ليبية وأوروبية، وقد طأطأنا رؤوسنا مرة أخرى وتقبلنا اللكمات… لكن أتمنى أن لا يكون ذلك مقابل لا شيء”، مضيفا “إذا لم يتم الإفراج عن ماكس غولدي بسرعة فسنكون قد فقدنا كل شيء”.
صحيفة لوتون (تصدر في جنيف) ترى من جهتها أن “سويسرا تراجعت لكي تحافظ على ما هو أهمّ”، وهو “الحفاظ على التضامن الأوروبي”، حسب رأي كاتبة المقال فاليري دو غرافنريد. وذهبت الصحيفة إلى أن “سويسرا لم يكن أمامها خيار غير ذلك”، وهو رأي يلقى تأييد عدد من السياسيين المقربين من وزيرة الخارجية مثل كارلو سوماروغا الذي اعتبر بأن “هذه الخطوة كان لا بد القيام بها للإستجابة لطلب الأوروبيين، وبإمكان سويسرا أن تنتظر الآن أن يواصل الاتحاد الأوروبي جهوده من أجل الإفراج السريع عن ماكس غولدي”.
صحيفة “لا ليبرتي” (تصدر في فريبورغ) تطرقت للموضوع بالتركيز على دفاع السيدة كالمي – ري عن موقفها، لكنها استعانت بالسيد حسني عبيدي، مدير معهد بحوث العالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط (مقره جنيف) الذي اعتبر أن “ما تم هو تراجع إضافي إذا ما اضطر ماكس غولدي لقضاء عقوبة السجن كاملة”. على العكس من ذلك، يرى السفير السويسري الأسبق فرنسوا نوردمان أن “سويسرا خرجت من ذلك معززة نظرا لالتفاف الأوروبيين وراءها”.
وفي معرض تحليلها للإستراتيجية المنتهجة من طرف الحكومة السويسرية في هذه الأزمة، رأت أسبوعية “L’Hebdo” الصادرة يوم الخميس 25 مارس 2010 أن “الحيلة انقلبت الى فخ”، بل اعتبرت المجلة أن سويسرا “اعتقدت بأنها وجدت الحيلة: حظر دخول حوالي 150 شخصية ليبية إلى أراضيها وهو ما يحظر عليها (تبعا لذلك) دخول المجال الأوروبي”. وتضيف المجلة “لاشك في أن ذلك سمح بإحداث انفراج: إطلاق سراح أحد الرهينتين (رشيد حمداني)، ولكن هذه الحيلة انقلبت اليوم إلى فخ دبلوماسي”، على حد قولها.
وتضيف مجلة L’Hebdo في معرض تحليلها “إن طبيعة اتفاق شنغن هو اتفاق بوليسي (لمنع دخول من يهدد الأمن العام الأوروبي وهو ما لا ينطبق على الشخصيات الليبية)، ولكنه استخدم لأغراض سياسية في خلاف بين دولتين”، وترى الأسبوعية أنه “مادام الأمر يهدد نظام شنغن، فإن الدبلوماسية تتطلب تغيير الإتجاه… ومواصلة التفاوض بمساعدة جيراننا” الأوروبيين.
الصحف السويسرية الناطقة بالألمانية لم تخل عناوينها من التساؤلات المتعلقة بمدى نجاعة الإستراتيجية المنتهجة من طرف برن لحل الخلاف القائم مع طرابلس. إذ تساءلت صحيفة “سانت غالن تاغبلات” في عنوان تصدر صفحتها الأولى: “لقد أبدت سويسرا ليونة، ولكن ما الذي ستقوم به ليبيا في المقابل؟”.
وتحت عنوان “تعبير عن العجز”، كتبت الصحيفة التي تصدر في سانت غالن شرق سويسرا أنه “أمام قلق الأوروبيين وأمام دخول إمكانية الإلتفاف على المعارضة السويسرية لمنع تأشيرات (شنغن) عن الشخصيات الليبية (حيز التطبيق) ابتداء من 5 ابريل، فقد أحسنت الحكومة الفدرالية التصرف، لأنه من الأحسن أن يكون الأوربيون في خلافنا مع القذافي إلى جانبنا بدل المجازفة بدفع الأوروبيين إلى الوقوف ضدنا”.
صحيفة “در بوند” الصادرة في العاصمة الفدرالية كتبت في مقال نشر تحت عنوان “تراجع الحكومة الفدرالية أمام ليبيا يقلق السياسيين” أن الحكومة الفدرالية “تخلت عن أهم ورقة بين يديها في ملف الإفراج عن ماكس غولدي القابع في أحد السجون الليبية”، ونوهت أيضا إلى أن ردود الفعل الصادرة عن الطبقة السياسية “سلبية في معظمها”.
صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر في زيورخ) تناولت الموضوع تحت عنوان “رفع الحظر عن التأشيرات.. مؤشر لبداية الصراع”، مكتفية بسرد تعليلات وزيرة الخارجية وردود الفعل الأوربية. وتساءلت الصحيفة في تعليق لها “ألم يكن ملف ماكس غولدي محل نقاش في بروكسل؟” بل ذهبت إلى التأكيد بأن “السبب الأساسي في فرض حظر على تأشيرات شنغن، أي وضع ماكس غولدي (رجل الأعمال السويسري المحتجز في الجماهيرية منذ 19 يوليو 2008)، لم يُثر من طرف أحد في محادثات بروكسل”.
صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر في بازل) اعتبرت أن “الضغوط ضد ليبيا لا مفعول لها” وتوصلت إلى أن “سويسرا لم تستطع، أمام الضغوط الأوروبية، الإستمرار في استخدام تأشيرات شنغن كوسيلة ضغط”. وترى الصحيفة أن ما يتمخض عن قرار أمس (الأربعاء 24 مارس) “هو اعتراف سويسرا بالفشل في استخدام تأشيرات شنغن كوسيلة ضغط، وهذا بالدرجة الأولى بسبب الضغوط المتزايدة لدول منطقة شنغن التي ترغب في أن لا تتأثر علاقاتها مع الجماهيرية بسبب عدم قدرة سويسرا على التحكم في خلافها مع ليبيا”. واستشهدت بازلر تسايتونغ على ذلك بوضع دولة مثل ألمانيا التي وقفت الى جانب سويسرا والتي شرع وزير اقتصادها في هذا الأسبوع أيضا في الكشف عن إستراتيجية تجارية جديدة باتجاه ليبيا تشمل إقامة غرفة تجارية في طرابلس.
أخيرا، عبرت صحيفة “بليك” الشعبية الواسعة الإنتشار عن رأيها في الخطوة التي “وإن كانت مفاجئة فإنها ذكية”، وذكّـرت الصحيفة الصادرة في زيورخ بأن قرار الحكومة الفدرالية صدر قبل اللقاء الذي جمع وزيرة الخارجية بمسؤولة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي. واشارت إلى أن “ما هو مؤكد: هو أن الدكتاتور القذافي سيصبح معرضا للضغوط الآن: ففي حال عدم رفعه للعراقيل المفروضة على عبور الحدود (بوجه مواطني الدول الأعضاء في فضاء شنغن) فسيجعل من تطبيع علاقاته مع الاتحاد الأوروبي أمرا غير ممكن بالمرة”.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
أعلنت الحكومة الفدرالية عشية الأربعاء 24 مارس 2010 عن استعدادها لرفع الحظر المفروض على حصول شخصيات ليبية على تأشيرات “شنغن”. وتنتظر سويسرا تبعا لذلك أن تقوم ليبيا برفع الحظر المفروض على سفر رعايا بلدان منطقة شنغن الى ليبيا.
وجاء في بيان صادر عن الحكومة الفدرالية في برن أن الحكومة مستعدة، و”في اقرب وقت ممكن”، لإلغاء القائمة التي تتضمن أسماء شخصيات ليبية يُحظر عليها دخول الأراضي السويسرية أو المرور عبرها.
وتنتظر سويسرا في المقابل، أن ترفع ليبيا الحظر المفروض على دخول رعايا بلدان منطقة شنغن الى أراضيها.
وبخصوص المواطن السويسري ماكس غولدي المحتجز في ليبيا والذي يقضي عقوبة سجن لمدة أربعة أشهر بتهمة “عدم احترام قوانين الهجرة” حسب السلطات الليبية، فإن الحكومة السويسرية أكدت في بيانها أن “هدف سويسرا يبقى الحصول على إفراج عن السيد ماكس غولدي”. ومن أجل تحقيق ذلك تقول الحكومة السويسرية إنها “مستعدة لمواصلة المفاوضات على أساس اقتراحات الوسيطين الأوروبيين” (أي ألمانيا وإسبانيا).
وتأتي هذه التطورات في أعقاب الوساطة التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي لحل الأزمة القائمة بين سويسرا وليبيا التي اندلعت قبل 20 شهرا عقب اعتقال نجل الزعيم الليبي هانيبال القذافي وزوجته في جنيف بسبب اتهامات بسوء معاملة خادمين عربيين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.