الإعتراف العملي بالتنوع في المجتمع يُسهم في مكافحة العنصرية
في محاولة لسد الفراغ الموجود قانونيا في مجال محاربة العنصرية في سويسرا، أطلقت اللجنة الفدرالية المعنية قبل عام من الآن مبادرة "بيان سويسرا المتعددة"، من أجل حث المؤسسات والمصالح الحكومية والأفراد على التجند ضد العنصرية عبر مبادرات عملية وملموسة.
وتوضح السيدة دوريس آنغست، مديرة اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في حديث خصت به swissinfo.ch أن المبادرة “تهدف إلى تعزيز ما لم تنص عليه القوانين، وبالأخص مناهضة العنصرية في المجال الخاص”.
في الحوار التالي مع السيدة آنغست، نحاول التعرف على حصيلة هذه المبادرة بعد عام من إطلاقها وعلى واقع الجهود المبذولة للتصدي للأفكار والممارسات العنصرية في الكنفدرالية، خصوصا بعد النتائج التي أسفر عنها استفتاء حظر بناء المآذن.
swissinfo.ch: في أغسطس 2009، أطلقت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية مبادرة “بيان سويسرا المتنوعة”. ماذا كان المقصود بذلك وما هي الأهداف التي حددتموها للحملة؟
دوريس آنغست: أرادت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية بهذا “البيان” إيجاد ثقل مضاد إيجابي. وبدل الحديث دوما عن مناهضة العنصرية بعناصرها السلبية فقط، رغبنا – من خلال هذه العملية الإحتفالية بمرور عام على الإنطلاقة – إيجاد جو تضامن وتآزر تنضم له المؤسسات والجمعيات والنقابات والأحزاب والمصالح الإدارية بتوقيعها عليه، والإلتزام بتطبيق مشروعين في غضون عامين يتخذان من الإندماج بين مختلف مكونات المجتمع، محورا رئيسيا لهما.
وقد تمكنا منذ البداية، الحصول على انضمام حوالي 24 مؤسسة وإدارة محلية ونقابة عمالية، وقعت والتزمت بتحقيق مشروعي اندماج في غضون عامين، يعززان مظاهر التعايش والإندماج. وقد تركنا المجال مفتوحا أمام الراغبين في إنجاز ذلك، لكي يختاروا بأنفسهم طبيعة المشروع وعرضه علينا. مثلا، قيام مؤسسة أو إدارة بتخصيص مشروع تدريب لأبناء العائلات المهاجرة أو تنظيم عرض أفلام أو معارض صور تعكِـس واقع هذه التعددية في المجتمع.
رغم قصر المدة، هل بالإمكان تقديم حصيلة أولية عن الإنجازات التي تحققت في العام الأول؟
دوريس آنغست: قد يكون من المبكر نوعا ما تقديم حصيلة عن هذه النشاطات. ولكن ما نرغب فيه بالدرجة الأولى، هو خلق شبكة اتصال وتقديم المعلومات عبر موقعنا على شبكة الإنترنت وتمكين هذه المؤسسات والنقابات والأحزاب السياسية والإدارات المحلية، من عرض مشاريعها على موقعنا كأحسن مثال على تطبيق التعددية والتنوع في مجتمعنا، وإتاحة الفرصة للتعرف على ذلك، باعتباره نموذجا يجدر الإقتداء به.
يتضح من خلال الإطلاع على قائمة المؤسسات والجهات التي وقعت لحد الآن على البيان أن المعنيين بالأمر بالدرجة الأولى (أي الطوائف العرقية او الدينية المختلفة والجاليات الأجنبية)، لم توقع على هذه الوثيقة لحد الآن باستثناء البهائيين، ما السبب في ذلك؟
دوريس آنغست: ليس هذا هو الهدف، لأن هذه الجمعيات والطوائف تعيش هذه التعددية يوميا ولم يكن هدفنا جلب ممثلي الأقليات للتوقيع على هذا “البيان”، ولكن ما نصبو إليه، هو توعية الأطراف التي لا تهتم عادة بهذه التعددية وهذا التنوع في المجتمع من مؤسسات ومصالح إدارية وغيرها. فمثلا لو نأخذ “جمعية أصدقاء الجوق السامفوني في مدينة بيين”، هذه جمعية لربما لم يسبق لها أن فكرت في كيفية تجسيد التعددية والتنوع (داخلها) أو في مراعاة التعددية والتنوع في نشاطاتها.
ولكن هذه المنظمات والجمعيات الخاصة بالطوائف العرقية والدينية يمكن أن تنخرط ضمن “أصدقاء البيان” وتعمل بالتالي على الترويج له ودفع مؤسسات وجهات أخرى إلى التوقيع عليه وإنجاز مشاريع إندماج عملية بدورها.
هل تم الإلتجاء إلى هذه الوسيلة، لأن القوانين الخاصة بمكافحة العنصرية غير كافية في سويسرا؟
دوريس آنغست: هل القوانين الحالية كافية أم غير كافية، هذه قضية ترجع للتقييم الشخصي. لكن نحن في اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية، نرى أن القوانين الحالية في سويسرا لا تكفي، لأن تلك القوانين لا تغطي مظاهر العنصرية في الميدان الخاص وعبْـر القانون المدني.
من جهة أخرى، سعينا من خلال هذه المبادرة إلى إيجاد جو احتفالي لتعزيز هذه التعددية والتحسيس بها بشكل إيجابي، ولمحاربة المواقف السلبية السائدة في الأوساط السياسية والتي تستهدف دوما العمال المهاجرين والأقليات. ونحن بتنظيمنا لهذه التظاهرة الإحتفالية، إنما نوجد وسيلة للتعبير عن ارتياحنا لعيش هذه التعددية بشكل إيجابي ولهذا الدستور الجديد المنقح. ونهدف أيضا إلى تحسيس وتشجيع المؤسسات على التجند (لفائدة هذه القضية)، لأنه لا يمكن تسوية كافة المشاكل عبر القوانين وحدها.
ما دامت القوانين غير كافية، أليس من الأفضل حشد الجهود لجعل قوانين مكافحة العنصرية أكثر شمولية، بدل البحث عن بدائل ملتوية؟
دوريس آنغست: بالطبع، هذا هو الطريق الذي نسير فيه منذ مدة. وقد نشرت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في شهر يناير 2010 تقريرا عن القوانين الخاصة بمحاربة التمييز العنصري، وأوضحنا الثغرات الموجودة حاليا. فعلى سبيل المثال، فإن سويسرا – وعلى النقيض مما قامت به أوروبا – لم تصدر قانونا يمنع بشكل شامل، وحتى خارج نطاق الدستور، مظاهر التمييز العنصري. فاالدستور السويسري يُلزم الدولة في مجال التمييز العنصري، ولكن في الميدان المدني، ليست لنا حماية كافية ضد التمييز، سواء عند البحث عن بيت للإيجار أو أثناء البحث عن عمل. وهذه الميادين، يصعب فيها تقديم شكوى بدعوى مكافحة التمييز العنصري.
ما هي باقي المواضيع العملية التي تشغل بال اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في الوقت الحالي؟
دوريس آنغست: مواضيع الأقليات الدينية عموما، مثل الأقلية المسلمة والأقلية اليهودية، وكذلك مجموعة أخرى أصبحت مستهدَفة بمظاهر العنصرية، وهي فئة الغجر الرّحّـل في سويسرا من “روم” و”يانيش”، وكذلك الأشخاص من أصول إفريقية، لأن هناك عنصرية خاصة تستهدف السود.
وقد نشرت اللجنة الفدرالية مؤخرا، بيانا أعربت فيه عن معارضتها لمخططات سلطات كانتون سانت غالن، التي ترغب في فرض حظر على ارتداء الحجاب في المدارس، لأننا نعتقد في اللجنة بأنه لا يمكن حل المشاكل الدينية أو الثقافية بفرض حظر يستهدف أقلية دينية لوحدها.
أجرى الحوار محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
على هامش الحديث مع مديرة اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في سويسرا، سألنا السيدة آنغست: كيف تفسرين تحول بلد مثل سويسرا كان مثالا للتعايش واحترام الأقليات في العالم، بعد مبادرة حظر بناء المآذن، الى بلد يستهدف جالية من جالياته الدينية ألا وهي الجالية المسلمة؟
أجابت السيدة دوريس آنغست: “حقيقة هذه مشكلة شغلتنا كثيرا في اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية. أعتقد أن سويسرا نجحت بالفعل، بفضل نظامها الفدرالي وبفضل المساواة بين مختلف الأقليات اللغوية، في إدماج الأقليات القديمة، ولكنها لم تتمكن لحد اليوم من إدماج الأقليات الجديدة، يضاف الى ذلك، نجاح التيارات السياسية اليمينية والشعبوية في تسميم النقاش العام في البلاد.
كما أن الجالية المسلمة شهدت نموا في فترة زمنية قصيرة جدا. وأن سويسرا التي عرفت حروبا دينية في القرن الماضي بين البروتستانت والكاثوليك، لم تطور بعدُ مفهوم التعددية الدينية لكي يصبح من العادي وجود مواطنين سويسريين يدينون بديانة غير المسيحية. هذا مسار قد يأخذ بعض الوقت، ولكننا نكافح من أجل التوصل الى ذلك.
ولكن هل تشعر السيدة آنغست بأن سمعة سويسرا قد تضررت في الخارج جراء هذا التصويت على حظر بناء مآذن جديدة؟
تقول مديرة المكتب الفدرالي لمكافحة االعنصرية: “لا يمكنني الحكم على ذلك، لكن ما أعتقده هو أن ذلك لم يكن ليعزز سمعتنا، وقد شعرت بالإحراج. والدرس المستخلص من ذلك، هو كيف يمكن التوفيق بين متطلبات الديمقراطية الشعبية وبين احترام الحقوق الأساسية، وما إذا كان من المنطقي إخضاع مواضيع مماثلة للتصويت. وهذا نقاش مطروح اليوم ولم يُفصل فيه بعد. وقد يطرح من جديد بخصوص مواضيع أخرى.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.