الإهتمام بالتوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.. يتراجع!
أدّى غِـياب نتائج ملموسة فوق الميْـدان لخُـطط السلام، التي بُـلوِرَت في السنوات الماضية (مثل مبادرة جنيف)، إلى تراجُـع اهتمام الفلسطينيين والإسرائيليين بالإنخراط لفائدة حلّ الدولتيْـن. هذا هو رأي روبير مالي، المستشار السابق للرئيس الأمريكي بيل كلنتون للشرق الأوسط.
يـُدير روبير مالي في الوقت الحاضر، قسم الشرق الأوسط في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، وهي مجموعة تفكير تتَّـخذ من بروكسل مقرّا لها. وما بين عامي 1998 و2001، كان مستشارا للرئيس بيل كلينتون حول المسائل المتعلِّـقة بالشرق الأوسط في سياق المبادرات التي أطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق من أجل إحلال السلام في المنطقة.
في موفى يونيو 2010، كان هذا الخبير الحسَـن الإطِّـلاع بتضاريس النِّـزاع الإسرائيلي الفلسطيني متواجدا في جنيف، للمشاركة في نقاش خُـصِّـص لغزة ولعملية السلام عموما، شارك فيه بالخصوص جون دانييل روش، المبعوث الخاص للحكومة السويسرية للشرق الأوسط. وقد دار هذا النقاش في سياق أمسِـية نُـظِّـمت من طرف مهرجان الفيلم والمنتدى الدولي حول الحقوق الإنسانية.
swissinfo.ch: الدخول البارز لتركيا عبْـر قضية “أسطول الحرية”، هل يفتح برأيكم آفاقا جديدة للسلام أم أنه يعقِّـد اللعبة الدبلوماسية؟
روبير مالي: يُـمكن أن يعقِّـد هذا الأمر أو يُـسهِّـل الأمور. كل شيء يتوقّـف على تركيا وعلى البلدان الأخرى في المنطقة. ومن ناحية الإمكانيات، فإن لتركيا دور شديد الأهمية يُـمكن أن تلعبه، لأنها من البلدان النادرة التي لديها روابط قوية مع الغربيين وعلاقة – تتسم بالصعوبة اليوم – لكنها قديمة وعميقة مع إسرائيل، وروابط مع جميع الفاعلين في المنطقة، سواء تعلق الأمر بإيران أو سوريا أو حماس أو حزب الله أو العربية السعودية.
إضافة إلى ذلك – وهذا عامل استثنائي – تتمتّـع تركيا بمصداقية قوية داخل ما يسمّـى بـ “الشارع العربي”، لذلك، يمكن لأنقرة أن تطور دبلوماسية براغماتية، تتمتع بشرعية شعبية، إذ لا وجود في المنطقة لأي بلد آخر يتمتع بمثل هذا الوضع ويُـمسك بمثل هذه الأوراق.
لكن ردود فعل بلدان أخرى يُـمكن أن تغذي منافسات جديدة. فبعض البلدان مثل مصر والعربية السعودية والولايات المتحدة أو أوروبا، قد لا تستفيد من هذا الفاعل الجديد وقد لا تتركه ينجح حيث فشِـلت هي. وفي الوقت الحاضر، يبدو أنه تمّ انتهاج هذا السبيل.
بالفعل، أليست هذه هي الصعوبة الكبرى التي تواجه الفلسطينيين، حيث تحولوا إلى رهائن لدول تسوِّي المنافسات القائمة بينها على حسابهم؟
روبير مالي: إنها واحدة من مآسي القضية الفلسطينية منذ بداياتها. فعلى الرغم من جميع نقائصه (أو سلبياته)، نجح ياسر عرفات في الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني، وذلك عن طريق الحصول (وأحيانا عبر وسائل مثيرة للإنتقاد) على إجماع ما بين التيارات الفلسطينية المختلفة. وتبعا لذلك، لم يكن لدى المتحاورين مع ياسر عرفات شك في شرعيته، عندما كان يتحرك أو يتحدث باسم الفلسطينيين.
أما اليوم، فإن تفكّـك الحركة الوطنية الفلسطينية يفتح الباب بوجه جميع أشكال التدخّـل، سواء جاءت من إيران أو من سوريا أو من مصر أو من الولايات المتحدة أو من إسرائيل وغيرها، ولهذا السبب، فإن المصالحة الفلسطينية تتَّـسم بقدْر كبير من الأهمية، بالرغم من أن هذه المصالحة أصبحت عسيرة جدا بسبب الأطراف الأخرى، التي تبحث – باسم مصالحها – في كيفية تعطيلها، لذلك، فنحن (ندور) في حلقة مُـفْـرغة.
ألا تعتقِـد أن الوقت قد فات للتوصُّـل إلى حلّ الدولتيْـن، مثلما يؤكِّـد البعض، بالإشارة إلى العقبات المُـشار إليها سابقا وإلى استمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة؟
روبير مالي: هذه الفرضية ليست جديدة، فهي مطروحة منذ عشرة أعوام على الأقل، حيث يقدِّر البعض أن اتِّـفاقا حول دولتيْـن مستحيل، لأنه سيؤدّي إلى عمليات ترحيل ضخمة للسكان وسيُـحدِث انقساما كبيرا جدا داخل إسرائيل.
شخصيا، لا أدري ما إذا كُـنَّـا قد بلغنا بعدُ نقطة اللاّعودة هذه، لأنها تتوقّـف في الوقت نفسه، على الوضعية الملموسة فوق الميدان وعلى رغبة الأطراف في تطبيق اتِّـفاق سلام بدولتيْـن. هناك أمْـر أكيد: كل يومٍ إضافي يَـمُـرّ، يُـعسِّـر التوصل إلى اتِّـفاق سلام، سواء بسبب التطورات الجارية فوق الميدان وفي العقول أيضا.
فخلال رحلاتي إلى إسرائيل وفلسطين، لا أستنتِـج أن لا أحد يعتقِـد بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام فحسب، بل لم يعُـد هناك أي اهتمام بهذا الأمر، لذلك، يجب مضاعفة الجهود للتوصل إلى اتِّـفاق من خلال استِـخلاص دروس الخيْـبات السابقة.
منذ الإعلان عن مبادرة جنيف، أصبحت ملامِـح اتِّـفاق سلام بين الطرفيْـن معلومةً. ألَـيس هذا عامِـل تعطيل بوجْـه مفاوضات سلام مُـقبلة، بما أن الأطراف تعرف مُـسبَـقاً ما الذي يُـمكن أن تحصُـل عليه والتّـنازلات المطلوبة منها؟
روبير مالي: هذا ممكنٌ. فبما أن هذا الاتفاق لم يتجسّـد ولم يُـغيِّـر شيئا فوق الميدان، فقد أصبح مغنطيسا (يجتذب) المعارضين له. فقد تمكن البعض – بعد أن شاهدوا المآل الذي تتجه إليه الأمور – من التجنّـد ضد مجمل هذا الإتفاق أو جزء منه. وبالفعل، تمخّـضت مبادرة جنيف عن ردود فعل سلبية فاقت الإيجابية (وذلك بالرغم من أن حصيلة هذه المبادرة لم تُـدوّن بعد) ومن ترتُّـب بعض الإنعكاسات الإيجابية عنها.
يبقى أن هذا الإتفاق ومحاولات السلام الأخرى، أفقدت المقترحات والحلول التي تضمنتها الكثير من جاذبيتها. فاليوم، لم تعُـد هذه الأفكار قادرة على إثارة الحماس، نظرا لأن السكان تمكّـنوا من قياس الثمن الذي يتوجّـب دفعه، للحصول على اتفاق من هذا القبيل، دون معاينة فوائده. يضاف إلى ذلك، أن هذه الأفكار فقَـدت عامل المفاجأة، وهو عُـنصر يمكن أن يساعد على التوصل إلى اتفاق.
لهذا السبب، يجِـب التوقُّـف عن القول بأن حلّ النِّـزاع الإسرائيلي الفلسطيني أضحى معلوما (أو معروفا). يبدو لي أنه من الضروري إعادة التفكير في هذه المسألة وضخّ عناصر جديدة فيها، إذ من المستبعد أن يُـخاطر المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون بالحصول على أقلّ مما توصّـل إليه أسلافهم.
فعلى سبيل المثال، اقترحتُ إعادة التفكير في قضية اللاجئين الفلسطينيين لعام 1948 من خلال طرح إمكانية إقامة بعض المستوطنين في الضفة الغربية الخاضعة للسيادة الفلسطينية.
أجرى الحوار فريديريك بورنان – جنيف – swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: كمال الضيف)
يوم 12 أكتوبر 2003، عرضت مجموعة من الشخصيات الإسرائيلية والفلسطينية مشروع اتفاق نهائي بين الطرفين المتنازعين في الشرق الأوسط.
مشروع الاتفاق هذا سُـمي في مرحلة أولى “مبادرة جنيف”، وهو يقترح أنموذجا لتسوية بعض الأوجه، ذات الأهمية الخاصة بالنزاع، وتتعلق أساسا بالأمن ووضع القدس وترسيم الحدود ومصير اللاجئين.
أطلِـقت المبادرة رسميا يوم 1 ديسمبر 2003 في جنيف، خلال حفل رسمي نظمته وزارة الخارجية السويسرية، الطرف الداعم والمسهِّـل لمبادرة جنيف.
(المصدر: مركز الحوار الإنساني في جنيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.