“البحث عن حل سلمي يجب أن لا يمنع العدالة الدولية من أخذ مجراها”
مع مرور الأيام، تجد المجموعة الدولية نفسها في تضارب بين البحث عن حل سلمي في سوريا، قد يقضي بمغادرة بشار الأسد للسلطة من جهة، وبين الدعوة إلى إمكانية محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومن ضمنهم الرئيس السوري نفسه، من جهة أخرى.
في الحوار التالي الذي خص به swissinfo.ch، يحلل البوفسور اندرو كلابام، مدير أكاديمية القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في جنيف السيناريوهات المحتملة.
تكاثرت في الآونة الأخيرة التحليلات المركزة على احتمال مغادرة الأسد للسلطة، وهي الإحتمالات التي زادت قوة، بعد التصريح الذي صدر عن نائب رئيس الحكومة السوري في موسكو وجاء فيه بأن النظام السوري “مستعد لذلك في إطار مفاوضات مع المعارضة”.
في المقابل، يتضح يوما بعد يوم أن الصراع القائم بين المعارضين والسلطة في سوريا، الذي يدفع فيه المدنيون الثمن باهظا من أرواحهم وممتلكاتهم وأمنهم، يشهد تهميشا كبيرا لاحترام القانون الانساني الدولي من مختلف الأطراف المتنازعة.
في الحوار التالي مع مدير أكاديمية القانون الانساني الدولي وحقوق الإنسان في جنيف الأستاذ أندرو كلابام نسلط الأضواء على تصنيف القانون الإنساني الدولي لما عُـرف لحد الآن من انتهاكات مُروّعة ارتكبت في شتى أنحاء سوريا، وعلى السيناريوهات المحتملة لملاحقة مرتكبي تلك الجرائم ومُحاسبتهم.
swissinfo.ch: إلى جانب معاناة المدنيين بشكل كبير، يبدو أن الصراع السوري يقترن بعدم احترام لقواعد القانون الإنساني الدولي من جميع الأطراف. هل تشاطرون هذا الرأي؟
اندرو كلابام: بالفعل، هناك مشكلة، سواء من حيث وصول المنظمات الإنسانية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر او منظمات إنسانية دولية أخرى، للتخفيف عن الجرحى أو المدنيين المتضررين. كما أن هناك مشكلة أخرى، متمثلة في استهداف المدنيين وقصف الأحياء المدنية بدون تمييز. وهناك إعدام الأسرى أو إساءة معاملتهم.
لكن، رغم ضخامة هذه التجاوزات والانتهاكات، هناك تقليل من شأنها في وسائل الإعلام، وفي ردود فعل المنظمات المعنية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر؟
اندرو كلابام: في الواقع، تحرص اللجنة الدولية على إبقاء المجال مفتوحا أمامها للوصول الى الضحايا، بدل أن تكون من أكبر الجهات المنددة بالإنتهاكات والتجاوزات المرتكبة في حق قانون الحرب أو القانون الإنساني الدولي. وأعتقد بأن الإعلام، كما ذكرتم، لم يهتم بالتركيز على الإنتهاكات وقد يكون مرد ذلك إلى أنه يرى أن لا مجال لرؤية أي محاكمة في الأفق، وهذا على النقيض مما حدث في ليبيا، التي قام فيها مجلس الأمن بتقديم القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
حسب تقييمكم وملاحظاتكم، ما هي الجرائم التي يمكن أن تُصنّف بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، فيما يتم يوميا في سوريا من انتهاكات؟
أندرو كلابام: أولا، أية إعدامات تتم ومن أي جهة كانت، والتي تعتبر انتهاكا للمادة الثالثة من معاهدة جنيف والتي تُصنف في خانة جرائم الحرب. وهناك الإستهداف المباشر للمدنيين، الذي يعتبر من جرائم الحرب، إضافة الى أعمال التعذيب، سواء التي ارتكبت في إطار الصراع أو خارجه والتي يجب متابعة مرتكبيها. وهناك بعض الدلائل على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو على الأقل فتح تحقيق بشأنها كأعمال تعذيب.
كيف يُنظر إلى مسألة الإستهداف المتعمد للأحياء السكنية في المدن بالقصف بواسطة الطائرات والمدفعية من وجهة نظر القانون الانساني الدولي؟
أندرو كلابام: يشير قانون المحكمة الجنائية الدولية في مادته الثامنة، إلى أن استهداف المدنيين بشكل متعمد أو ضد مدني لا يشارك في الصراع بشكل مباشر، هو بمثابة جريمة حرب يجب أن يقدم مرتكبها للمحاكمة، أما أمام المحكمة الجنائية الدولية، إذا ما أصبحت سوريا عضوا في اتفاقية روما أو تقدمت بإعلان في هذا الإتجاه أو إذا ما قدم مجلس الأمن الدولي القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
كما أن من بين الجرائم المحتملة، حتى ولو أنني لا أعتقد أنها وقعت بالفعل لحد الآن، الإستهداف المباشر للمباني والعتاد والموظفين الذين يحملون شارة مميزة، مثل شارة الصليب الأحمر أو مراقبي الأمم المتحدة.
وما هي التجاوزات المسجلة من جانب الثوار؟
اندرو كلابام: ما اطلعت عليه من خلال الصحافة، ولا يمكنني تأكيده، هو أن هناك جرائم حرب ارتكبت من خلال انتهاك المادة الثالثة من معاهدة جنيف، والمشار إليه أيضا في ميثاق روما، أي إعدام أو إساءة معاملة أشخاص معتقلين أو أصبحوا خارج القدرة على القتال. كما أن اختطاف الرهائن يُعدّ من جرائم الحرب، وهذه هي التهم الكبرى الموجّهة للثوار والتي سمعنا عنها لحد الآن.
في الوقت الذي يتم فيه البحث عن مخرج للصراع السوري بما في ذلك احتمال تخلي الأسد عن السلطة، هل لا زالت مسألة المتابعة والمحاكمة لمرتكبي جرائم الحرب تحظى بالإهتمام من قبل العواصم المؤثرة؟
أندرو كلابام: في الواقع، هناك معضلة تتمثل في أن البعض يرى في أن المناداة بالمحاكمة في الوقت الحالي، قد يدفع النظام السوري إلى إطالة أمد الصراع. لذلك، نجد مَـن يدعو إلى عدم المطالبة بذلك اليوم، ولكن الإكتفاء بتذكير الأطراف باحتمال القيام به. ولكن دولا مثل سويسرا، ترى أنه – في الملف السوري – يجب عدم إغفال مسألة الإفلات من العقاب بالنسبة لمرتكبي الإنتهاكات الجسيمة. وأعتقد بأن البحث عن السلام، يجب أن لا يُعرقل العدالة الدولية من أخذ مجراها الطبيعي وتحديد المسؤوليات فيما حدث.
ما هي الاحتمالات المتوفرة في الحالة السورية كي يتم تقديم مرتكبي الإنتهاكات للمحاكمة في يوم ما أمام العدالة الدولية؟
أندرو كلابام: هناك بالطبع احتمال تقديم الملف أمام المحكمة الجنائية الدولية. وهذا ما يمكن أن يتم عبر ثلاث طرق: إما عبر مجلس الأمن الدولي، الذي يرفع الملف السوري للمحكمة الجنائية أو أن تقضي الحكومة السورية بفتح محاكمة لما تم من انتهاكات على ترابها أثناء هذا الصراع أو أن تعلن الحكومة السورية الجديدة الإنضمام الى ميثاق روما. وهناك بالطبع إمكانية المحاكمة في بلدان أخرى بالنسبة لأشخاص سوريين تورطوا في تلك الإنتهاكات ويتواجدون فوق تراب تلك الدول.
أعاد وزير الخارجية السويسري ديديي بوركهالتر التذكير بضرورة محاكمة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في سوريا ، وذلك بمناسبة لقائه بنظرائه في البلدان المجاورة في عاصمة إمارة ليختنشتاين يوم الأربعاء 22 أغسطس 2012.
فقد اقترح رئيس الدبلوماسية السويسرية على نظرائه في كل من المانيا وليختنشتاين والنمسا توجيه رسالة الى مجلس الأمن الدولي من أجل “حثه على تقديم مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في الصراع السوري من كل الأطراف، لمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
وزير الخارجية السويسري استغل الفرصة أيضا للتذكير بانتقاد سويسرا لاستخدام (الدول الدائمة العضوية) لحق النقض (الفيتو) مطالبا بضرورة إدخال إصلاحات على مجلس الأمن الدولي .
في بيان صدر بالتزامن في دمشق وجنيف بتاريخ 25 مايو 2012، عبّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن موقفها بشأن استهداف المدنيين في الصراع الدائر منذ منتصف مارس 2011 داخل سوريا
جاء في نص البيان “لقد صُدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بسقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين بسبب الأحداث الفاجعة التي شهدتها منطقة الحولة التابعة لمحافظة حمص.
وتشاطر اللجنة الدولية عائلات الضحايا آلامها وتعرب لها عن أصدق عبارات المواساة.
وقالت رئيسة بعثة اللجنة الدولية في دمشق السيدة “ماريان غاسير” في هذا الصدد: “نحثّ كافة الأطراف المتقاتلة على التمييز بين المدنيين والمشاركين في العمليات القتالية في جميع الأحوال، ولاسيّما عندما تتقاتل هذه الأطراف في المناطق المأهولة، حيث يجب عليها الحرص دائماً على تجنيب المدنيين عواقب العمليات القتالية عند اختيارها لوسائل الحرب وأساليبها”.
وما زالت اللجنة الدولية قلقة للغاية بشأن الوضع الإنساني في سورية. وتدعو إلى السماح للمدنيين بالانتقال إلى مناطق أكثر أمناً إذا خافوا على سلامتهم. ويجب تمكين المصابين من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة بدون تأخير”.
(المصدر: اللجنة الدولية للصليب الأحمر – مقرها جنيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.