التدخّـلات الخارجية في الأزمات العربية.. أنواع ومستويات
الأزمات العربية ليست عربية خالصة، حتى ولو كانت داخلية بحتَـة، كتشكيل حكومة مثلا أو انتخابات برلمانية، أما في حالة الحرب، فحدِّث ولا حَـرج. فهناك دائما يَـد خارجية يختلف حجْـم تدخّـلها وتورّطها، بحسب الحالة، كما يختلف الاتِّـجاه أيضا بحسب مُـستوى الأزمة العربية وإطلالاتها على الإقليم أو العالم.
لم يعُـد التدخّـل الخارجي في الشأن العربي أمرا سيئا في حدِّ ذاته أو على الأقل تلك رُؤية البعض الذين يستفيدون من العُـنصر الخارجي، والسؤال الدائم: كيف يتدخّـل المتدخِّـل ولماذا؟ وتلك بدورها لها إجابات وتفسيرات عديدة، وكل بحسب موقِـفه ومصلحته من هذا التدخّـل أو ذاك.
التدخل غير المحجوب
أيضا، لم يعد التدخّـل في الشأن العربي مسألة محجوبة عن الأعيُـن، بل صارت حديثا صاخِـبا، وحتى القيادات العُـليا كالرؤساء والحكّـام يتحدّثون عن التدخّـلات كأمر واقع يجب التعامل معه وتهذيبه، إن كان شرّا، والتمسّـك به إن خيرا.
العلانية باتت سِـمة واضحة، وإن شابها أحيانا بعض الغموض لاعتبارات دبلوماسية، لكنها محمودة، لأنها على الأقل تحدِّد اتِّـجاه الريح وصدى الصّـوت.
الأمثلة عديدة، بعضها يكشف المعنى والمضمون معا، فالرئيس اللبناني ميشيل سليمان يقول إن التدخلات السورية والإيرانية لم تعُـد سلبِـية بعدُ في الشأن اللبناني، كما في حديثه إلى صحيفة الحياة التي صدرت يوم 27 سبتمبر الماضي.
ووضَّـح قائلا: “إننا لا ننكر تأثيرات الدول في بلد مثل لبنان، ونحن نعاني مشاكل إقليمية”. ويتساءل “من أين تأتي معاناة لبنان؟”، ثم يُـجيب “تأتي من هذه المشاكل الإقليمية التي تنعكس على لبنان”. أما عن سوريا تحديدا، فيقول الرئيس اللبناني، “إنهم يكنّـون كل المحبّـة للبنان ولديهم إرادة ثابتة وصادِقة بأن يُـدير لبنان شؤونه وينفِّـذ الاستحقاقات السياسية والدستورية، ليست لديْـهم النيّـة بالعَـرقلة أبدا”.
اختلاف في التقييم
هكذا نحن أمام حديث ودّي، بكلمات دبلوماسية راقية من أعلى سلطة دستورية في لبنان عن مصدريْـن من أهمّ مصادر التدخّـل في الشأن اللبناني، ولكنه حديث لا ينفي أبدا أنه في داخل لبنان مَـن يختلف، ولو جزئيا، وعن حقّ في أن التدخّـل الخارجي، أيّـا كان مدى صِـدق النية وراءه، فيه تعطيل لدولاب العمل الداخلي وحالة تشكيل الحكومة اللبنانية، المُكلّـف بها النائب سعد الحريرى منذ نهاية الانتخابات النيابية قبل ثلاثة أشهر، خير مثال.
فلولا أن هناك تأثيرات خارجية لدى كلّ الأطراف اللبنانية دون استثناء، لكَـان حال الحكومة أفضل بكثير، ولقنع كل فريق بما كسب من تأييد الناس وطالب بحصة في السلطة أو في المعارضة، حسب وزنه، لدى المواطنين وصندوق الانتخابات، وليس كما يتصوّر عن نفسه أو بحجم الدعم السياسي والإعلامي والمالي، الذي يحصل عليه من القِـوى الإقليمية المختلفة. فالمسألة بوضوح أكبر من صِـدق النية، لأنها تؤثِّـر على التحالفات الداخلية وتقلِـب الموازين أحيانا وتفرض على البلد اتِّـجاهات غير مُـريحة وعالية التَّـكلفة.
العراق.. الجميع يتدخّـل
لبنان ليس نموذجا فريدا في هذا الصدد، أنظر مثلا اعتراف الرئيس العراقي جلال طالباني قائلا “إنه من دون ذكر أسماء، فلا توجد دولة لا تتدخّـل في الانتخابات العراقية”، مضيفا “كل الدول المجاورة وغير المجاورة، تتدخّـل أيضا، لأن هذه الانتخابات مهمّـة ومصيرية وستُـقرر استمرار المسيرة الديمقراطية أو تغييرها، وستقرر تثبيت الوضع الحالي أو تغييره”.
وبشأن أبرز مصدريْـن للتدخل في الشأن العراقي، أي إيران والولايات المتحدة، ولكل منهما كما هو معروف، أيادي واضحة في كل كبيرة وصغيرة في العراق، ولكل منهما رُؤية في توظيف العراق وحالته الأمنية ووضعه الجيوبولتيكى في صراعه مع الآخر.
ويقول الرئيس جلال طالباني، “لا أرى معركة إيرانية – أمريكية، بالعكس، أرى أن هناك توافُـقا غير مُعلَـن، وهذا يُـمكن أن يمثل بالنسبة للعراق وضعا خطيرا وجديدا، توافُـق غير مُعلَـن بين الموقفيْـن الأمريكي والإيراني حول ضرورة تثبيت الوضع العراقي القائم أو تطويره، وليس تغييره”، ولعل هذا حسب طالباني، ما يفسِّـر قوله بأنه، منذ سنة أو اكثر فهو لا يرى تدخّـلا إيرانيا في التسليح أو التدريب في العراق، وإن كان لا ينفي أن هناك منظمات صغيرة في العراق تحصُـل على مساعدات إيرانية.
وبعيدا عن اللغة الدبلوماسية ومهارة الكلمات، فالعراق بدوره نموذج عربي آخر حول تضارُب التدخّـلات الخارجية وكيف، وهنا المفارقة اللاّفتة، أنها تتعايَـش في مرحلة زمنية وتتوافق ضمنا على تثبيت أو تطوير وضعٍ بذاتِـه يحقِّـق لكِـلا الطرفيْـن المُـتعارضيْـن، مصلحة مشتركة.
لا تقف مصادر التدخّـل في الشأن العراقي عند الخصميْـن اللّـدودين، إيران والولايات المتحدة، بل تمتدّ إلى مصادر أخرى عديدة معروفة ومُـعلنة. فهناك تركيا وتأثيرها واسِـع المدى في الشمال العراقي والمناطق الكردية، فضلا عن قُـدراتها في التحكّـم في حجْـم التدفّـق المائي للعراق، وهناك السعودية، التي تُتّـهم بين الحين والآخر من قِـوى عراقية بأنها تُـساند أطرافا سُـنية تعمد إلى تخريب العملية السياسية وتعد مصدرا للتوتّـر الأمني. وهناك إسرائيل، الشريك الخفي المُعلن في الشأن العراقي، لاسيما في شماله.
التدخّـل.. من التعايُـش إلى المواجهة
بيد أن التعايُـش مع مصادر التدخّـل ليس قَـدَرا محتوما، فهناك لحظات تَـفرِض المواجهة، بل والحرب. اليَـمن وحربه المستعرّة في صعدة مع الحوثيين، النموذج الأبرز الآن. والموقف اليمني المُعلَـن واضح. فهناك تأثيرات وتدخّـلات إيرانية، ليست في صورة رسمية، كما صرّح بذلك الرئيس علي عبد الله صالح نفسه مرّات عديدة، ولكنها تأثيرات موجودة، إن في المذهب أو في الهدف المُـعلن، وهو تقويض النِّـظام اليمني نفسه.
وفيما بعد زيارة الوزير المصري احمد أبو الغيط إلى صنعاء قبل أسبوع واحد وبعد لقاء مع الرئيس اليمني، قال بوضوح “لقد تأكّـدنا من وجود تدخّـلات خارجية في أزمة الحوثيين”، ولكنه لم يُـفصح عن طبيعة التدخّـل ومَـن يقوم به.
صحيح ينفي الحوثيون أي دعم خارجي، لاسيما من إيران، ويفسِّـرون تماسُـكهم طِـوال المدّة السابقة، وفي الحرب الراهنة التي تزيد عن شهريْـن متتاليْـن، لم يتوقّـف فيهما القِـتال ولو للحظة عابِـرة، بأنهم على حق وأن دعمهم يأتي من الداخل ومن غنائِـم الحرب مع القوات اليمنية نفسها، التي تركت مواقِـع عدّة بما فيها من عتاد وأسلحة ومركبات مختلفة.
النفي المثير
مثل هذا النفي يثير من الأسئلة أكثر ممّـا يقدِّم من إجابات، لاسيما في ظل المُـعطيات التي تظهر أن تكتيكات الحرب التي يستخدمها الحوثيون في مواجهة قوات محترِفة، ليست تكتيكات بالفِـطرة، وإنما تكتيكات بالتعلّـم والتدريب والاستعداد والتّـعبئة، وهي كلها لا تأتي اعتباطا، بل من خلال نقل خِـبرات احترافية لا تتوافر إلا عند دُول ومؤسسات لديها بالقَـطع أهداف أكبر من مجرّد دعم الحوثيين بالكلمات أو البيانات.
طول مدّة الصمود للحوثيين وشراسة المواجهة، تعني أننا أمام حرب حقيقية تكاد تكون بين قوتيْـن منظمتيْـن وشِـبه متكافئتيْـن، وتلك بدورها علامة على أن حجم التدخّـل المُـسبق في الإعداد لمثل هذه المواجهة مع جيش نظامي، كان كبيرا وخطرا أيضا، لأنه ببساطة يستهدِف تغيير النظام بالقوة المسلحة.
ورغم أن اليمن رسميا، لم يقدِّم دليلا على أن هناك تدخّـلا إيرانيا مباشِـرا لا يقبل اللّـبس والتأويل، فإن معنى التدخّـل الخارجي ليس بغائب عن اليمن في هذه الحرب في الشمال أو في الجنوب، الذي يشهد بدوْره حِـراكا جنوبيا يُـعلن هدفه في الانفصال وعودة عقارب الساعة إلى الوراء عقديْـن من الزمان. وحين لا يكون التدخّـل موجودا فعلا، نجِـد أن هناك من يستخدِمه فزّاعة. أنظر مثلا تصريح علي سالم البيض، الزعيم اليمني الجنوبي في منفاه، حين يُـطالب العالم بالتدخّـل لمساندة الحِـراك الجنوبي ويقبل أي تدخل يدعم الحِـراك، حتى ولو كان من إيران.
الأكثر من ذلك في حالة اليمن، فإن التدخل بات مشرّع الأبواب على غيْـر الدول، وآخِـر التجليات القبْـض على عناصِـر في مناطق الحوثيين من صوماليين وأفارقة، ربّـما يبيعون السِّـلاح للتمرّد وربما أيضا يقدِّمون الخِـبرة القِـتالية أو الدعم البشري.
تدخّـلات لتصفية الحسابات
أمثلة العرب كثيرة وعديدة تُـثير الحزن، الصومال نموذج آخر، والذي تحوّل بدوره إلى ساحة تصفِـيات حِـسابات إقليمية بين إثيوبيا وجيبوتى من جانب، وإريتريا من جانب آخر، ووراء القِـوى الثلاث، تدخُـل وتخرُج الحركات الجِـهادية والقتالية، راغبة في أن تحوِّل الصومال إلى موطِـئ قدم رئيسي للقاعدة.
ونشير هنا إلى تقرير مغربي يقول، إن السلطات الأمنية فكّـكت خلية مغربية على صِـلة بالقاعدة، كان هدفُـها تجنيد عناصِـر تذهب للقتال أو للعمليات الانتحارية في الصومال وأفغانستان والعراق.
والمعنى، أن التنظيمات الإرهابية والجهادية القتالية العابِـرة للحدود، صارت عُـنصرا مهمّـا ورئيسيا في أشكال التدخّـل في الأزمات العربية، والتي لا تكون مستعرّة، إلا إذا فقد الدّاخل تماسُـكه وأصبح وبالا على نفسه وعلى غيره أيضا.
د. حسن أبوطالب – القاهرة – swissinfo.ch
بغداد (رويترز) – اظهر تقرير رسمي عراقي صدر يوم الثلاثاء عن وزارة حقوق الانسان العراقية ان اعداد القتلى في البلاد بسبب اعمال العنف منذ عام 2004 وحتى 2008 بلغت اكثر من خمسة وثمانين ألف قتيل بينما بلغت اعداد الجرحى ما يقرب من مئة وخمسين الفا.
وافرد تقرير لوزارة حقوق الانسان وضع على موقعها على الانترنت تحت عنوان “مسودة التقرير الوطني للاستعراض الدوري الشامل” في العراق تفاصيل بالارقام لما جرى في العراق منذ عام 2003 وحتى 2008 من عمليات في عدة مجالات منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية.
وتضمن التقرير عدد الضحايا الذين قتلوا او اصيبوا بجروح خلال فترة خمس سنوات ابتداء من عام 2004 وحتى الحادي والثلاثين من شهر اكتوبر تشرين الاول من عام 2008.
واظهر التقرير ان اعداد القتلى بلغت خلال هذه الفترة 85694 شخصا من بينهم الاف من الجثث عثر عليها بلغت 34 الف جثة. بينما بلغ عدد الجثث التي لم يعرف اصحابها والتي قال التقرير انها دفنت في مقابر خاصة “خصصت لمجهولي الهوية… وقد تجاوز العدد خمسة عشر الف جثة.”
وقال التقرير “لقد خلقت المجاميع الخارجة عن القانون من خلال عمليات الارهاب (المتمثلة) بالتفجيرات المباشرة وعمليات الاغتيال والخطف والتهجير القسري ارقاما مذهلة مثلت تحديا كبيرا ومصيريا لوجود القانون ولوجود الشعب نفسه.”
وقال كامل امين هاشم المدير العام لدائرة رصد الاداء وحماية الحقوق في وزارة حقوق الانسان لرويترز ان “الارقام التي تضمنها التقرير تم الحصول عليها من مؤسسات الدولة الرسمية ذات العلاقة وبشكل رسمي وبالذات شهادات الوفيات الصادرة من قبل وزارة الصحة.” واضاف هاشم ان هذا التقرير “لا يمثل الصيغة النهائية بل هو مطروح للنقاش والتعديل من قبل الجهات ذات العلاقة.”
ورغم ان التقرير لم يتضمن ارقاما لاعداد القتلى والجرحى الذين سقطوا في العراق قبل العام 2004 الا انه يعتبر التقرير الاول الصادر من جهة رسمية عراقية تظهر فيه اعداد القتلى والجرحى العراقيين الذين قتلوا في العراق خلال هذه الفترة. وعلل هاشم عدم شمول التقرير عدد القتلى الذن سقطوا قبل عام 2004 “لعدم وجود ارقام رسمية صادرة من جهات رسمية انذاك يمكن الاعتماد عليها بشكل رسمي.”، وقال هاشم ان “هذا التقرير سيقدم بعد الانتهاء منه بشكل كامل الى منظمة حقوق الانسان الدولية في جنيف في شهر نوفمبر القادم وسيقوم وفد عراقي برئاسة وزارة حقوق الانسان بمناقشته في جنيف في شباط فبراير من العام المقبل.”
ولم يتضمن التقرير ايضا ارقاما لاعداد المفقودين في العراق لكن هاشم قال ان اعداد المفقودين “المسجلة فقط لدى وزارة حقوق الانسان يصل الى ما يقارب العشرة الاف شخص.”
واشار التقرير بالارقام الى اعداد الكفاءات العراقية التي تم استهدافها خلال نفس الفترة حيث اظهر مقتل 263 من اساتذة الجامعات و21 من القضاة و95 من المحامين و269 من الصحفيين. وتعتبر المدة الزمنية التي تضمنها التقرير الفترة التي شهدت صراعا دمويا وتزايدا كبيرا في عمليات العنف في العراق ادت الى مقتل عشرات الاف من العراقيين على ايدي جماعات مسلحة وميليشيات ونتج عنها تفتيت المجتمع العراقي وهجرة الملايين بحثا عن مأوى امن داخل العراق وخارجه.
وكانت منظمات دولية مختصة بالشأن العراقي واحتساب اعداد القتلى في العراق قد اعلنت ارقاما تفوق الارقام التي تضمنها تقرير وزارة حقوق الانسان العراقية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 أكتوبر 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.