الجامعة العربية بين تنحي الأسد واللجوء إلى الجمعية العامة
بعد التأكيد على خطورة الأوضاع في سوريا، وصف نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية ما يجري في حلب، بأنه "يرقى إلى جرائم حرب" وأن مرتكبيها "سيخضعون للمحاسبة الدولية".
والإشارة هنا، هي إلى القصف الجوي والبري الذي تقوم به القوات النظامية السورية لمناطق واسعة من حلب، حيث يتواجد عدد لا بأس به من مقاتلي الجيش السوري الحر، الذين يصارعون بقوة الجيش النظامي ويعملون على تحرير حلب من قبضة النظام.
مأساة سورية بامتياز
القصف النظامي لمدينة تاريخية كحلب وما يجري فيها من مواجهات دامية ومن قبل التفجير الغامض في داخل أحد المقرات الأمنية شديدة التحصين بدمشق ومقتل أربعة من الرموز الأمنية الكبيرة للنظام، كوزير الدفاع ووزير الداخلية ونائب رئيس المخابرات ورئيس لجنة إدارة الأزمة واستمرار المواجهات داخل العاصمة دمشق وما يليها من اعتقالات واغتيالات عشوائية بالجملة، وتمكُّـن عناصر محسوبة على المعارضة السورية المسلحة من السيْـطرة على بعض المعابر الحدودية بين سوريا والعراق وتركيا لعدة أيام أو اكثر، واستمرار القصف العشوائي لأحياءٍ وقرى بكاملها في محيط درعا بالجنوب، والمزيد من أخبار انشقاق عسكريين ورتب كبيرة ومتوسطة من الجيش السوري وهروبهم إلى الأردن أو تركيا.. تمثل بعض جوانب الصورة المأساوية المتكرِّرة ليل نهار في سوريا، والتي علّق عليها أمين الجامعة العربية.
ومع ذلك، ووفقا لنبيل العربي، فلا حلّ سوى الانتقال السلمي للسلطة، بما يعنيه ذلك من عنصرين متكاملين، وهما: خروج الرئيس بشار من كامل الصورة السورية وتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها أطياف سورية عِـدة وتقودها المعارضة.
ولمزيد من التوضيح، فإن الحلّ السلمي يلغي تماما أي حديث عن عمل عسكري، سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو الناتو، لقصف مواقع حصينة للجيش السوري أو لمراكز سيطرة وتحكّم أو مراكز مدنية للحُـكم، وهي أمور نادى بها بعض أطراف محسوبة على المعارضة السورية المسلحة، باعتبارها وسائل مضمونة ستؤدي إلى سرعة انهيار الحُـكم، ولكنها، من وجهة النظر العربية الجماعية، قد تؤدي إلى كوارث يصعب السيطرة عليها، خاصة في ضوء التأكيدات التي خرجت من داخل دمشق بشأن احتمال استخدام الأسلحة الكيماوية، إذا ما تعرّضت سوريا إلى عدوان خارجي.
قرارات وزراء الخارجية العرب
تصريحات أمين الجامعة العربية هي صدىً بشكل أو بآخر لما انتهى إليه اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم 22 يونيو الماضي، والتي أكدوا فيها، ولأول مرة، عرضا بالتنحي الآمن للرئيس بشار ومعه عائلته، على أن يتِـم تشكيل حكومة فوْرا، تتمتع بكامل الصلاحيات وتضمّ قوى المعارضة في الداخل والخارج والجيش الحُر وسلطة الأمر الواقع الوطنية، بهدف تيْـسير الانتقال السلمي للسلطة.
إلى جانب هذه الدعوة، تضمّـن القرار أيضا عدّة إجراءات ذات طابع عاجل، مثل الدعوة لاجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت قرار “الاتحاد من أجل السلام”، لإصدار توصيات للمواجهة الجماعية الدولية للوضع المتدهْـور في سوريا، من قبيل انشاء مناطق آمنة في الداخل السوري، لحماية المدنيين وتمكين المنظمات الدولية لتقديم الإغاثة العاجلة لهُـم وقطع كافة الاتصالات والعلاقات مع النظام السوري، بالإضافة إلى تكليف كلٍّ من الأمين العام للجامعة العربية ورئيس اللجنة الوزارية العربية المعنِـية بالوضع في سوريا بالسفر إلى كل من بكين وموسكو، للبحث في قرار دولي يساعد على احتواء الوضع في سوريا، ويقنع كلا العاصمتين الكبرتين بتبني الرؤية العربية للحل.
ما وراء التغيير العربي
قرارات الجامعة على هذا النحو، تشكِّـل تغييرا كبيرا في مسار المعالجة العربية للأزمة السورية، وتفتح بابا جديدا لمرحلة أخرى في المعالجة العربية غيْـر المسبوقة لأزمة داخلية لإحدى الدول الأعضاء، وهو تغيير مرتبط بعدّة أسباب، أبرزها: فشل مهمَّـة المبعوث الأممي العربي كوفي أنان فشلا ذريعا، وتصلّب الموقفيْن، الروسي والصيني في رفض أي قرارات دولية تحت الفصل السابع من الميثاق، والذى يُـتيح عقوبات دولية صارِمة وتدخّل عسكري دولي لاحق، بحجّة أنه لا يجِب الضغط على طرَف بعيْـنه في الأزمة أو إجباره على التخلي عن شرعيته وسيادته.
وثالثا، تشبّـث النظام السوري بالحل الأمني إلى آخر مدى، وفي المقابل، تصاعد قوة الجيش السوري الحر وقدرته على تحرير مناطق مختلفة من الأراضي السورية من قبضة الحكومة وأجهزتها الأمنية. ورابعا، استمرار الانقسام بين مكوِّنات المعارضة السورية، سواء في الداخل أو في الخارج، وغياب رؤية شِـبه موحَّـدة في التعامل مع جهود الجامعة العربية.
العناصر الأربعة، إضافة إلى تحفُّـظ كلٍّ من العراق ولبنان، على مبدإ دعوة رئيس الدولة للتنحي عن السلطة، حتى ولو كان ذلك هو المخرج الوحيد المُـتاح للحفاظ على ما تبقّى من الوِحدة العُضوية للبلاد، تُبرز إلى حدٍّ كبير تعقيدات البيئة الدولية والإقليمية، المحيطة بالتحرك العربي الجماعي من أجل وقف التدهْـور وحماية المدنيين السوريين ومنع تقسيم البلاد ومنع تعرّضها لعمل عسكري لحسابات إقليمية ودولية بالأساس، ولا علاقة له بحسابات السوريين أنفسهم.
الجانب الآخر من المعالجة العربية
لكن العناصر الأربعة نفسها، تبرز الجانب الآخر في المعالجة العربية الجماعية، بسلبياتها أو إيجابياتها. فمن جانب، لم يعُـد هناك لدى الغالبية العظمى من البلدان العربية أي شكوك في أن الرئيس بشار وزمرته القريبة، بات جزءا من الماضي وأنه لا يشكل أي عنصر من عناصر حلّ الأزمة السورية.
فقد أعْـطِـيت له فُـرَص عديدة ليكون جزءا من سوريا جديدة، ولكنه أهدرها جميعها ووقع في شرك الحل الأمني بشقيه وما فيه من أوهام ومستحيلات، كالانتصار الكامل وسحق المعارضة السورية أو البقاء في جزء من البلاد بعد تقسيمها، وإعلان دُويلة علوية يظلّ مسيْطرا عليها بعد تخريب وتدمير ما يتبقى من سوريا لغير العلويين.
ومن هنا، جاءت الدعوة العربية الجماعية إلى التنحي وتوفير الملاذ الآمن، بما في ذلك عدم المحاسبة على الجرائم، لتقليل حجم الخسائر البشرية والمادية. وفي ذلك، جزء من أسلوب الحل اليمني الذي طُـبِّـق مع الرئيس علي عبد الله صالح، ولكن في ظل شروط مختلفة.
غير أن الرد السوري كان حازما بالرّفض ومعتبرا أن هذه الدعوة تدخُّـل سافِـر في الشأن الداخلي، وأن الشعب السوري هو مَـن يُـقرِّر مصير قيادته، وهو ردٌّ كان متوقعا، خاصة في ضوء العُـزلة العربية والإقليمية التي تُـحيط بنظام الرئيس الأسد وصلابة التأييد الإيراني والروسي لبقاء الرئيس بشار، مهْـما كان حجم التدمير والتخريب الذي تعيشه سوريا يوميا. وبالتالي، يصبح السؤال عن الخطوة التالية المتاحة للجامعة العربية في أي اتجاه؟
الخطوة التالية.. إلى الجمعية العامة
الواضح، أن الجامعة العربية تُـدرك تماما أن تحرّكها مُـنفرِدا في الأزمة السورية، لن يأتي بأية نتائج مرجُـوّة، وأن هناك حاجة ماسّـة لمظلَّـة دولية لأي تحرّك مُحتَـمل.
في الوقت نفسه، فإن كثيرا من الدول والقوى الإقليمية والدولية، تعتبر أن ما تتّـخذه الجامعة العربية تُـجاه سوريا، يمكن أن يبرِّر لها اتِّخاذ الموقف ذاته أمام شعوبها والرأي العام الداخلي لديها.
والواضح ثانيا، أن طريق مجلس الأمن قد بات مُـغلقا تماما من أجل تغليظ العقوبات الدولية والتمهيد لعمل دولي كبير. فقد استخدم الروس والصينيون حقّ النقض ثلاث مرات لمشروعات قرارات دولية، استهدفت المزيد من الضغوط على الحكومة السورية والتلويح بإجراءات قسرية عسكرية وغيْر عسكرية، وِفقا للفصل السابع، فضلا عن أنه لا توجد أي مؤشِّـرات بأن موسكو وبكين قد يغيِّـران موقفيْهما في القريب العاجل.
والواضح ثالثا، أن وزراء الخارجية العربية يروْن أهمِّـية أن يكون هناك التِـفاف دولي بشأن تحركهم تجاه دمشق، وهو ما يظهر في قراراتهم الأخيرة بوضوح شديد. ومن هنا، يأتي التحرك باتجاه الجمعية العامة كمخْـرَج لتطوير الضغوط على النظام السوري من ناحية، والبقاء بقوة في دائرة التأثير العربي الجماعي المباشر على تطورات الوضع السوري من ناحية أخرى.
غير أن نقطة الضعف في اللجوء إلى الجمعية العمومية، هو في طبيعة قراراتها التي تصدر تحت “قرار الاتحاد من أجل السلام”. فهي توصيات للدول، وليست قرارات تلتزِم بها الدول، وربما يكون الانتصار معنوِيا وحسب، ولكنه مطلوب، ولذلك، سيظل على الجامعة العربية أن تواصل تحرّكاتها بقوّة في مجال تشكيل الحكومة الانتقالية والتواصل مع قوى المعارضة ووضع سياج سياسية واستراتيجية، تمنع تقسيم سوريا أو أن تتعرض إلى عدوان وعمل عسكري، لأهداف خاصة بطرف إقليمي أو طرفيْـن على الأكثر.
والإنصاف يقتضى التنويه بأن حركة المعارضة السورية بكل أطيافها أساسية، فإن قبِـلت التعامل تحت مظلّـة الجامعة العربية، ستكون الإفادة متبادلة، والعكس أيضا صحيح.
القاهرة (رويترز) – قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية يوم الأحد 29 يوليو 2012 إن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي وصف الوضع في سوريا بأنه يرقى إلى جرائم حرب يمكن أن يتعرض مرتكبوها لمساءلة دولية.
ومنذ عدة أيام يشتبك مقاتلو المعارضة الذين ما زالوا يسيطرون على أجزاء من حلب ثاني أكبر مدينة سورية مع قوات الجيش السوري التي تلقت مزيدا من التعزيزات في الأسبوع الاخير وتستخدم الدبابات وطائرات الهليكوبتر في قتال الشوارع بالمدينة.
وقالت الوكالة المصرية “وصف الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية ما يحدث في سوريا خاصة في مدينة حلب بأنه يرقى إلى جرائم حرب محذرا من أن مرتكبي هذه الجرائم سوف يتعرضون لمساءلة دولية.”
ومن ناحية أخرى قالت مصر وليبيا وتونس في بيان مشترك عقب اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث بالقاهرة إنها تعبر عن “بالغ القلق” إزاء الوضع الإنساني المتدهور في سوريا.
وقال البيان إن الدول الثلاث تؤكد ضرورة تطبيق قرارات الجامعة العربية “التي تدعو الحكومة السورية إلى وقف العنف بشكل فوري والبدء في تنفيذ المبادرات العربية والدولية التي تهدف إلى تدشين مرحلة انتقالية لنظام ديمقراطي حر”.
وقال وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو في مؤتمر صحفي مع وزيري الخارجية الليبي والتونسي عاشور بن خيال ورفيق عبد السلام إن المباحثات تناولت “الأوضاع المأساوية في سوريا حاليا”.
وأضاف “هناك تطابق شبه كامل في وجهات النظر بين الدول الثلاث في هذا الموضوع وأنه يجب وضع حد لنزيف الدم الدائر في سوريا وعملية القتل التي لا يقبلها أي ضمير عربي.”
وقال الوزير التونسي في المؤتمر الصحفي “نحن مع الاستجابة لتطلعات لشعب السوري في التغيير السياسي.”
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 يوليو 2012).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.