الجامعة العربية.. من مراقبة العنف السوري إلى تفكيك النظام
هي مصادفة بالطبع، أن يُـصدر البرلمان اليمني قانونا يحصن الرئيس علي عبدالله صالح من الملاحقة القانونية، مقابل تخلِّـيه عن السلطة، وِفقا للخطة الخليجية المدعومة من قبل مجلس الأمن.
في اليوم ذاته 22 يناير 2012، تُصدر الجامعة العربية بيانا يتضمّـن خطة لنقل السلطة في سوريا من الرئيس الأسد إلى نائبه، ليتولى التفاوض مع المعارضة تحت رعاية عربية ودولية، وصولا إلى إشراك المعارضة في الحكم وإنهاء المأساة التي يعيشها الشعب السوري.
وفي الخلف من هذا التطور، تسحب المملكة السعودية مراقبيها من البعثة العربية، وكذلك فعلت دول مجلس التعاون الخليجي، التي سحبت مجتمعة 55 مراقبا، تحت دعوى عدم قبول أن يكون هؤلاء المراقبين شهود زور.
رد فعل أولي
وكما كان ردّ الفعل اليمني الرسمي الأول، حين طُـرحت الخطة الخليجية لإنهاء حُـكم الرئيس صالح، حيث الرّفض والإدانة والنظر إلى خطط الأشقّـاء الخليجيين بأنها تدخّـل في الشأن اليمني، جاء رد الفعل السوري على المِـنوال نفسه، رافضا الخطة العربية ومُـعتبرا إياها امتدادا لمؤامرة دولية لإنهاء دور سوريا المقاوِم، وتدخُّـلا سافرا ومرفوضا في الشأن السوري الداخلي.
ما المعارضة السورية، فجاءت مواقِـفها على ثلاثة مستويات، بين الترحيب واعتبار الموقف العربي الجديد فيه، جدية ويجب دراسته لما يتضمَّـنه من اعتراف بنهاية نظام الأسد، ومرورا بالتشكيك في جدوى الخطة الجديدة والنظر إليها، كمُـهلة إضافية للنظام لمزيد من قتل السوريين، ونهاية بالرفض والإصرار على الانتقال الفوري من الجامعة إلى مجلس الأمن الدولي، استنادا إلى تقييم مُـسبق بأن بِـعثة المراقبة العربية فشلت في وقف العنف الحكومي ولا بديل، سوى الحل الدولي.
المواقِـف الأولية مفهومة ويمكن تفسيرها بشكل أو بآخر، كما أن بعضها مجرّد أساس للتَّـفاوض مع الجامعة، ومن ثم فهو قابل للتغير.
لا تقارب مع الطرف الآخر
والواضح هنا، أن المواقف السورية، سواء من الحكومة أو من المعارضة، خاصة الخارجية، تنطلق من مبدإ أنه لا إمكانية للتقارب مع الطرف الآخر، فضلا عن أن الخطة العربية الجديدة لتغيير النظام، يُـفترض أن تتم تحت رعاية نائب الرئيس بعد تفويضه السلطات الرئاسية، وهو أحد رموز النظام القمعي السوري لسنوات طويلة، وبالتالي، فالأمر يبدو فاقِـدا للمصداقية من وِجهة نظر معارضة الخارج أن يقود شخص بهذه المواصفات عملية تغيير كبرى للنظام ككل، كالتي تسعى إليها المعارضة.
المنظور الحكومي السوري الرافض للخطة العربية، ما زال على تمسُّـكه بروايته القائلة، أن الحل الأمني كما قال صراحة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، هو الوحيد المُـتاح لمواجهة المسلحين الذين يقومون بالتّـخريب للمنشآت العامة وقتْـل الضباط والجنود.
ووِفقا لما ورد في تقرير بعثة المراقبة العربية، ثمَّـة اعتراف بأن هناك جِـهة مسلحة تقوم بعمليات مسلحة في أرجاء مختلفة من البلاد، وأن البروتوكول الموقَّـع مع الحكومة السورية والذي تعمل على أساسه البِـعثة، لا يخاطب هذه الجماعات، وبالتالي، فهي ليست معنية بوقف العنف.
جدير بالذِّكر هنا أن المعارضة السورية في الخارج، ممثلة في المجلس الوطني السوري، لا تَـعتبِـر عمليات الجيش السوري الحُـر عمليات عنف، بل هي جزء من مواجهة آلة القمع والقتل الحكومية، وبالتالي، فهي مشروعة من وجهة نظر المجلس الوطني، وذلك على عكس ما تقوم به القوات الأمنية التابعة لنظام الأسد. كما أن هذه المعارضة كانت قد استبقت تقرير البعثة العربية برفضه، ووصفه بالمُـنحاز وغير الدقيق.
واستنادا إلى هذا المنظور، يفهَـم المرء الكثير من النقد الذي وجّـهته المعارضة في الخارج لتقرير بعثة الجامعة العربية والنظر إليه بأنه يساوي بين الضحية والجلاّد. والنظر أيضا إلى قرار الجامعة بمدّ عمل البِـعثة شهرا آخرَ، باعتباره دليل فشل عربي مُـزمِـن.
الجديد في المسعى العربي
هذه الخِـلافات في تقييم الدور العربي في سوريا، خاصة تقرير بعثة المراقبة، ذي الطبيعة الفنية بالأساس، لا ينفي أن هناك جديدا في الأداء العربي تُـجاه الأزمة السورية، ولكن يظل السؤال: هل يمكن أن يقدّم العرب، تحت مظلة الجامعة، مخرَجا عمليا يحافِـظ على السوريين وعلى بلدهم في آن واحد، بعيدا عن متاهات التدويل والتدخُّـل العسكري أو شبه عسكري المحتمل، حال الخضوع إلى توازنات مجلس الأمن الدولي؟
الظاهر أن الجامعة العربية مُصِـرّة على أن يظل الملف السوري فى الأيدي العربية، وإذا كان هناك ضرورة للتعامل مع مجلس الأمن الدولي، فيكون من أجل الحصول على دعم ومساندة للدور العربي، وليس للتخلي عن هذا الدّور، كما قد يتصوّر البعض، ومن ثَـمّ، فإن اللقاءات المُـرتقبة لكلٍّ من رئيس الوزراء القطري والدكتور نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، كممثلين للجامعة مع بان كي مون وأعضاء مجلس الأمن الدولي، لشرح الخطّـة العربية، يصب فب هذا الأمر.
وتبدو المواقف الدولية، خاصة الأوروبية، التي طرحت بشأن الخطة العربية الجديدة، أكثر من مشجِّـعة لدعم التحرّك العربي، وليس من أجل الحلول بدلا منه. ويدعم ذلك حقيقة، أن الاتجاه العام السائد في الأمم المتحدة، قِـوامه عدم التورّط في أي عمل عسكري في الأزمة السورية، نظرا لخصوصية وضع سوريا الجغرافي والإستراتيجي، المرتبط بشدّة مع أمن إسرائيل، والاكتفاء ثانيا، بممارسة أنواعٍ من الضغوط السياسية والاقتصادية على نظام الأسد، حتى يصل إلى نقطة قبول المطالب الدولية، لوقف العُـنف ومُـراعاة مطالب وحقوق الشعب السوري في الحرية والأمن والعدالة.
والمتصور، أن تُـثمر هذه الاتصالات والمواقف الجديدة، قرارا دوليا يؤيِّـد الخطة العربية ويعيِّـن مبعوثا دوليا – كما هو حال جمال بن عمر، المبعوث الأممي في الحالة اليمنية – لمساندة عمل الجامعة وليُـمثل المجتمع الدولي في الضغط على النظام السوري والرئيس الأسد شخصيا، ليقبل التعامل الإيجابي على نحوِ ما فعل الرئيس اليمني مع الخطة الخليجية.
عقبات روسية وصينية
هذا التصوّر المُـحتمل، تُـحيط به بعض عقبات، لاسيما من كلٍّ من روسيا والصين، اللتين اعترضتا من قَـبل على أن يُـصدر مجلس الأمن بيانا يُـدين العنف الذي تمارسه السلطات السورية ويؤيِّـد مطالب التغيير والإصلاح في سوريا. كما يعترض البَـلدان، العُـضوان في مجلس الأمن، على فكرة تأييد المجلس لعقوبات انفرادية تطبِّـقها الدول الأوروبية تجاه سوريا، كنوع من الضغط على الرئيس بشار، وكذلك على فِـكرة أن يحدث تغيير للنظام السوري بتدخُّـل دولي. ويبرِّران الأمر، بأن الحالة الليبية التي بدأت تحت مسمّـى حماية المدنيين، انتهت إلى عمليات عسكرية من قِـبل الحلف الأطلسي (الناتو)، أوقعت الكثير من القتلى والأضرار المادية، كما جعلت ليبيا في مهبِّ الريح، رغم نهاية القذافي المأساوية المعروفة.
توازُن قوة جديدة
غير أن الخطة العربية الجديدة بشكلها المطروح، يمكن أن تُـعيد رسم علاقات القوّة داخل مجلس الأمن، ومِـن ثَـمَّ، تدفع موسكو وبكين إلى إعادة النظر في موقفِـهما الصّارم بإبعاد مجلس الأمن عن الأزمة السورية.
فالخطة العربية حصلت على إجماع عربي، فيما عدا تحفّـظ لبنان. وثانيا، هي بالفعل تُـبعِـد شبح التدخُّـل الدولي المباشر وتطرح بديلا للأفكار الداعية إلى إرسال قوات أو إنشاء مناطق آمنة ومناطق لحظْـر الطيران برعاية أممية، ولكل هذه الأشكال التي تطرحها بعض قوى المعارضة السورية وتتصوّر أن فيها الخلاص الشافي والسريع لمُـعاناة الشعب السوري.
وثالثا، أن تنفيذ الخطة العربية، من شأنه أن يحافظ على الاستقرار الإقليمي بشكل عام. ورابعا، أنها نابعة من المنظمة الإقليمية، التي تعكِـس توازنات عربية بالأساس. وخامسا، أنها تعبير عن خيار سلمي، من شأنه أن يوقِـف العنف والقتل ويضمن للمعارضة دورا مباشرا في إعادة بناء النظام السوري، بعيدا عن المواجهات العسكرية. وأخيرا، أن الخطة من شأنها أن تمنع تدهْـور الأوضاع السورية وتحُـول دون التورّط في مواجهات أهلية واسعة المدى أو تفكيك الجيش السوري، وهي احتمالات باتت تتزايد يوما بعد آخر، لاسيما في ضوء تسارُع وتيرة الانشقاقات في الجيش النظامي السوري وقدرة المنشقِّـين على السيطرة الميدانية على مناطق مختلفة، كالزبداني وأخرى قريبة من العاصمة دمشق وريفها.
هذه العناصر التي تمثل عناصر قوة للخطة العربية الجديدة، إن أُحسِـن عرضها، ربما تدفع موسكو وبكين إلى التعاطي الإيجابي مع الخطة العربية.
فروسيا علَّـمتنا دائما أنها تنتظر المقابل من الولايات المتحدة وأوروبا، قبل أن تحوِّل مواقفها في مجلس الأمن من الاعتراض إلى القبول. ولما كانت واشنطن وعواصم أوروبية كبرى تؤيِّـد التحرك العربي وترى فيه آلية للتغيير في سوريا، بعيدا عن تورّط مباشر، فقد تقدم الحوافز المناسبة لكل من موسكو وبكين، وعندها، سنرى دعما دوليا مهِـمّـا للخطة العربية.
الامم المتحدة (رويترز) – قالت البعثة الفرنسية في الامم المتحدة، ان مجلس الامن التابع للامم المتحدة سيعقد اجتماعا خلف أبواب مغلقة يوم الجمعة 27 يناير 2012، لمناقشة الخطوات التالية فيما يتعلق بسوريا. وقال مبعوثون إن المجلس سيتلقى على الأرجح مشروع قرار جديد، عربي – غربي.
وقالت البعثة في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يوم الخميس 26 يناير، “يجتمع مجلس الامن التابع للامم المتحدة في مشاروات مغلقة اليوم الجمعة الساعة الثالثة مساء (2000 بتوقيت غرينتش) في نيويورك لمناقشة الخطوات التي يجب اتخاذها بشأن الوضع في سوريا.”
وقال دبلوماسيون لرويترز، طالبين أن لا تنشر أسماؤهم، إنه من المتوقع أن يقوم المغرب بتوزيع مشروع قرار جديد في الاجتماع وأن المشروع تساند دعوة الجامعة العربية للرئيس بشار الأسد للتنحي ونقل سلطاته إلى نائبه، من أجل تشكيل حكومة وِحدة وطنية والتحضير للانتخابات.
وقال أحد الدبلوماسيين “إنهم (المغرب) يعتزمون توزيع نصّ مشروع قرار يمثل وجهة نظر أغلبية البلدان الاعضاء في المجلس.”
وقال مبعوثون إن مجلس الامن قد يصوِّت في الاسبوع القادم على مشروع القرار الجديد، الذي يصوغه دبلوماسيون، من بريطانيا وفرنسا، بالتشاور مع قطَـر والمغرب والولايات المتحدة وألمانيا والبرتغال. ومن المقرر ان يحل مشروع القرار الجديد محلّ مشروع روسي، يقول دبلوماسيون غربيون إنه ضعيف للغاية.
وقال دبلوماسيون في المجلس لرويترز، إن الوفد المغربي التقى يوم الخميس مع دبلوماسيين روسيين وصينيين ليقدم إليهم أحدث نسخة من مشروع القرار العربي الغربي. ولم يتّـضح على الفور ماذا كان ردّهم الاولي.
ويدعو مشروع القرار، الذي حصلت رويترز على نسخة منه، الى “انتقال سياسي للسلطة” في سوريا، ولا يطالب بفرض عقوبات للأمم المتحدة على سوريا، وهو ما تقول روسيا إنها لا يمكنها تأييده.
وكانت روسيا ومعها الصين، اعترضتا بحق النقض (الفيتو) على مشروع قرار أوروبي في شهر اكتوبر يدين سوريا ويهدّد بفرض عقوبات عليها، بسبب حملتها على المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية. ولم يتّضح بعدُ هل روسيا مستعدّة لاستخدام حق النقض ثانية لعرقلة إصدار قرار عن المجلس بشأن سوريا.
وقال مبعوثون غربيون لرويترز إن روسيا قد تجد صعوبة في استخدام حق النقض (الفيتو) لإحباط قرار يهدِف الى تقديم الدّعم للجامعة العربية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 يناير 2012).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.